عضو المجلس المركزي بتجمّع العلماء المسلمين في لبنان للوفاق:
محور المقاومة اليوم يمثل خط الإمام الحسين(ع)
تعد الزيارة الأربعينية ملتقى عالمياً دونما استثناء، فالإمام الحسين(ع) يُمثل الإسلام والإنسانية والثورة ضد قوى الشر والفساد والاستبداد، وقد حمل سيد الشهداء(ع)هذا العبء بكل طاقة الأبرار على مر العصور، ولم يكن غير الحسين(ع) من يحمل هذا الأمر العظيم، وهو امتداد الدوحة النبوية المحمدية. أسّس الإمام الحسين(ع) للنهضة، وأراد أن يخلّص الأمة من أغلال الشهوة، ويحوّلها من إطار الشر إلى إطار الرحمة والحرية، ولهذا كانت رسالته إلهية إنسانية، وكذلك أراد أن يحارب منظومة الفساد، الذي استشرى في المجتمع ويحرره من ذلك الانهيار الأخلاقي والسلوكي المريع. لهذا لا يمكن أن نقول نحن حسينيون ما دمنا نقبل بالظلم والفساد والاستبداد، فهذا الامتداد العاشورائي هو امتداد للحرية الحسينية، وقد رفع أهل بيت رسول الله راية الحسين(ع) كدليلٍ للكفاح من أجل الحرية الحسينية وطلب الإصلاح في أمّة رسول الله(ص)، ومكافحة الفاسدين. وفي هذا السياق، حاورت صحيفة الوفاق عضو المجلس المركزي بتجمع العلماء المسلمين في لبنان الشيخ محمد الزعبي، وفيما يلي نص الحوار:
الوفاق/ خاص
عبير شمص
لا تعايش مع الظلم والخنوع
يرى عضو تجمع العلماء المسلمين في لبنان الشيخ الزعبي أنه "لا شك أن رسالات الله (سبحانه وتعالى) إنما أنزلت لأجل أن تقيم العدل في حياة الإنسان وهذا ما قاله الله في كتابه الكريم: "لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط". وثورة الإمام الحسين(ع) إنما كانت لمواجهة الظلم كما قال(ع): "لولا أنني رأيت شريعة قد عُطلت وسُنّة قد أُميتت ما خرجت". وتعطيل الشريعة لا يعني تعطيل الحج ومنع الناس من الصلاة، وإنما أصل تعطيل الشريعة هو في منع الناس حقهم في عيش حريتهم وفي انتقاد السلطة السياسية وفي رفضهم أن يقع عليهم الظلم. وكذلك كما قال(ع): "إني لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برما"، فلا يمكن للإمام الحسين(ع) أن يتعايش مع الظلم أو أن يستطيع العيش ببرم ومعناها الضجر والاختناق، فهو يختنق إذا عاش بجوار الظلم، وهي ليست حالة شخصية للإمام الحسين(ع) إنما أراد أن يقول بصفته القدوة والأسوة أنه على المسلم والمؤمن أن لا يستطيع أن يتعايش مع الظلم، لذلك لو أن الإمام الحسين(ع) في زماننا قطعاً كان سيقف في مواجهة المشروع الأمريكي الاستكباري وفي مواجهة الاحتلال الصهيوني وفي مواجهة كل هذه الإبادة الجماعية.
الإمام(ع) لا يقف إلى جانب المؤمن المظلوم فقط، بل هو يقف إلى جانب أي مظلوم أياً يكن دينه، وهو يرفض الظلم على الإطلاق ولذلك عندما خاطب جيش يزيد قال لهم "ويلكم إن لم يكن لكم دين ولم تكونوا تخافون يوم المعاد فكونوا أحراراً في دنياكم"، فحتى لو كنتم بلا دين لو كنتم بلا إيمان ولا تفكرون بيوم القيامة أنا أستطيع التعامل معكم إذا كنتم أحرار ولستم عبيد للطغاة وللظلم. وهذه رسالة لنا لكي يعلمنا بأننا يجب أن نكون منفتحين على كل حرّ وأن نرفض تقبل من جعلوا أنفسهم عبيداً للطغاة يذبحون ويقتلون بإسمه، ولذلك جريمة العصر اليوم هذا العدوان الصهيوني والإبادة الجماعية والعدوان على الكنائس والمساجد وعلى المقابر والمستشفيات والطواقم الطبية والإعلامية. لم يترك هذا العدو قيمة إنسانية أو أخلاقية أو عرفاً دولياً إلا وأنتهكه، ولذلك لو كان الإمام الحسين(ع) في هذا الزمن كان لابد أن يكون إلى جانب المقاومة الاسلامية في لبنان وغزة واليمن والعراق،كان سيقود محور المقاومة.
واليوم قادة هذا المحور آية الله السيد علي الخامنئي(حفظه الله) والسيد حسن نصر الله والسيد عبدالملك الحوثي والحشد الشعبي وقادة المقاومة في العراق، وكل محور المقاومة بكل مكوناته إنما يستلهم من مواقف الإمام الحسين(ع)، ولذلك كربلاء ليست مكاناً محدداً أو زماناً محدداً، بل كما قال القائل: "كل يوم عاشوراء وكل أرض كربلاء" لأننا في كل يوم ممتحنون بالظلم وعلينا مواجهته في كل مكان. لذلك من وقف اليوم إلى جانب مظلومية غزة فهو كمن كان مع الإمام الحسين(ع) لأن معركته إنما كانت ضد الظلم وهو ما نعيشه اليوم، ومحور المقاومة اليوم هو الذي يمثل خط الإمام الحسين(ع).. حتى الطلبة في الجامعات الأمريكية هم في هذا الخط لأنهم أحرار في دنياهم كما طلب الإمام فكل حر اليوم هو في خط الإمام الحسين(ع) ما دام في الخط المواجه للظلم والعدوان".
المظلومية واحدة.. من كربلاء إلى غزة
لا شك أن فلسطين مرتبطة بثورة الإمام الحسين(ع)، يوضح الشيخ الزعبي بأن "المظلومية تجمع القضيتان فالإمام الحسين(ع) خرج لرفض الظلم الواقع على الانسان وكذلك قضية فلسطين ليست قضية قومية أو محلية إنما يجب أن تكون قضية إنسانية لأن الانسانية اليوم تنقض قيم العدل والحرية، اليوم هذا الإجرام الفظيع في غزة يجعل الإنسانية كلها على المحك إذا سكتت البشرية على هذا الظلم فهذا يعني أن الإنسان لم يعد إنساناً وقد مسحت صورته وأصبح مجرد كائن على شكل إنسان؛ لكنه فاقد للحس والشعور ولذلك اليوم المقاومة هي التي تحمي الحقيقة الانسانية وتحاول أن تُعيد للإنسانية وجهها الحقيقي بأن تجعلها ترفض كل هذا العدوان وهذا الاجرام والانتهاك الصارخ لكل القيم والأعراف الإنسانية والأخلاقية والدولية، المقاومة اليوم هي جهاز المناعة الذي يحافظ على إنسانية الإنسان".
كل ما لدينا من عاشوراء
المقاومة في فلسطين ولبنان بذلت ما تستطيع وقدمت شهداء وقاومت قبل الثورة الاسلامية في إيران وبعدها، وفق الشيخ الزعبي، ويتابع بالقول: "ولكن من ناحية واقعية الذي يقرأ تاريخ المقاومة يدرك أن المقاومة قبل الثورة الاسلامية كانت مقاومة بالواجب ولم يكن هناك أمل حقيقي للتحرير وإنما كان الشهداء يستشهدون ليقيموا الشهادة على الناس بأنهم قد قاموا بواجبهم؛ ولكن بعد أن مدت الجمهورية يدها للمقاومة أصبحت هذه الأخيرة فاعلة وأصبح لمعركتنا أفق واقعي وليس فقط أفقاً عقائدياً، كنا نقاتل ونحن نؤمن أن النصر من عند الله لكن الواقع لم يكن ينسجم مع هذا الإيمان العقائدي، ونحن نعلم أن الثورة الإسلامية استلهمت أفكارها ومبادئها من عاشوراء من الدم الحسيني، وقال الإمام الخميني(قدس): "كل ما عندنا من عاشوراء"، إذاً كل ما عند الجمهورية الاسلامية هو من عاشوراء، وبالتالي استمدت المقاومة العون من ثورة أصلها وأساسها عاشوراء وثورة الإمام الحسين(ع). لذلك اليوم المقاومة في لبنان وفلسطين تستلهم من كربلاء كما قال يحيى السنوار رئيس المكتب السياسي لحركة حماس عن المعركة الحالية: "إنما أن يكون نصراً وإنما أن تكون كربلاء ثانية"، إذن عادت كربلاء اليوم إلى موقعها في الأمة التي أدركت أن كربلاء هي ملهمة انتصارها وملهمة تحررها وتحرير مقدساتها".
ثورة الإمام الحسين(ع) عالمية
لا شك بأن الإمام الحسين(ع) أبو الأحرار في كل العالم فكل حر يستلهم منه، يقول الشيخ الزعبي، ويكمل حديثه: "لذلك نجد شعراء مسيحيين كالشاعر اللبناني بولس سلامة وكثير من مفكري العالم تحدثوا أنهم يستلهمون قدرتهم على مواجهة الظلم والديكتاتورية عبر ثورة الإمام الحسين(ع) والقول المشهور عن غاندي: "علّمني الحسين كيف أكون مظلوماً فأنتصر"، فثورة الإمام الحسين(ع) هي لكل الناس لكل البشر لكل حر يريد أن يستلهم من هذه الثورة المبادئ والقيم الإنسانية مبادئ وقيم العدل والحق والخير وقيم الثورة الواعية التي تسعى لإحداث نهضة".
محور المقاومة يرفض الذلّ
يشرح الشيخ الزعبي بأنه "لا شك بأن أصحاب الحسين(ع) قدموا نموذجاً عالمياً لتضحية الإنسان بنفسه من أجل أن يعيش الآخرون أحراراً ليؤمّنوا للناس حريتهم والعدالة التي يستحقون العيش في ظلالها. أصحاب الحسين(ع) كانوا يقولون له: "لو كانت لي ألف نفس وقُتلت نفساً نفساً ثم أُقطع وأحرق وأذر في الهواء ما تركتك يا حسين"، وهذا هو عشق للشخص لا شك وكل صاحب فطرة سليمة حتى لو لم يكن مسلماً يراه لابد أن يعشقه؛ ولكن العنوان ليس عنوان الشخص وعشقه؛ ولكن لما مثله من سعي الانسان ودأبه الدائم الى طريق الكمال وتحقيق قيم العدالة في حياته، ولذلك تفانى أصحاب الحسين(ع) للاستشهاد في الدفاع عنه وعن قضيته والتي لا يمكن الفصل بينهما.
واليوم شهدنا هذه النماذج في جنوب لبنان وفي غزة وفي اليمن، شهدنا الجريح يعالج ثم يرجع للمعركة ثم يرجع للقتال في مشهدٍ وتصرّف يشبه ما قاله وما فعله أصحاب الإمام الحسين(ع). أثبت محور المقاومة أنه يمتلك وعي ورؤية واضحة تماماً كما كان أصحابه(ع).. لم تنكسر إرادتهم، يحمل أحدهم جراحه وينقض على عدوه مصراً أن يقتل ما يستطيع، ليرى الله (سبحانه وتعالى) أنه قد قدم كل ما يستطيع، ما قالت السيدة زينب(ع): "ما رأيت إلا جميلاً".
رأينا في المقاومة في جنوب لبنان وفي فلسطين مئات الزينبيات التي تُقدم أبنائها شهداء وحالها يقول ما رأيت إلا جميلاً سواء قالت العبارة بلسانها أم لم تقلها، قال الإمام الحسين(ع) وقال أنصاره: "هيهات منّا الذلة"، وقالت غزة وقال لبنان واليمن والعراق وقال كل محور المقاومة "هيهات منّا الذلة".. الموقف واحد في كربلاء واليوم. وهوّن علينا ما نزل بنا أنه بعين الله(سبحانه وتعالى)".
تفاعل واسع من الزوار مع فلسطين
شاركت في الزيارة الأربعينية في مؤتمر "نداء الأقصى" وفي حملة "أنصار القدس" هذه السنة والسنة التي سبقتها، يقول الشيخ الزعبي ويوضح أنه "في كلا السنتين حملت المشاركة إيجابيات جميلة جداً وكان تجاوب الزوار رائعاً، وشعرنا هنا بصدق هذه الفطرة في الأمة الإسلامية رغم كل ما بذلوه وأنفقوه من مليارات الدولارات لحرف هذه الفطرة ولتشويهها؛ ولكن نجد الأمة تعود الى فطرتها وهذا ما أكده الله (سبحانه وتعالى) في كتابه الكريم: "إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله وسينفقونها ثم ستكون عليهم حسرة ثم يغلبون". كل ما أنفقوه من مليارات الدولارات ليحرفوا هذه الأمة عن قضاياها وعن مظلومية فلسطين شاهدنا في السنة الماضية، وفي هذه السنة أن الناس مازالت تحافظ على فطرتها وأن مليارات الفتنة التي أنفقت قد ضاعت هباء بإذن الله؛ لكن هذه السنة لها خصوصية بسبب عملية "طوفان الأقصى"، تفاعل الناس مع قضية فلسطين ومع موكبنا كان كبيراً في طريق المشاية والتي تعبر عن شريان العشق الحقيقي النابض في الأمة لأن الأمة إذا مات فيها عشقها فقد ماتت والأمة إذا مات فيها ولائها لأهل بيت رسول الله(ص) فقد ماتت، إذن هذا الشريان المسمى بطريق المشاية والذي يبلغ طوله ثمانين كيلومتراً والذي يقطعه الزوار لا لشيء إلا ليعبّروا عن عشقهم وحبهم، نستطيع أن نقول هو جهاز المناعة التي يحفظ للأمة حياتها وعشقها. فحينما تدخل قضية فلسطين إلى هذا الشريان النابض بالحياة فهذا يعني أن الأمة لازالت حية وما زالت تحفظ عشقها لرضا الله ولرضا رسول الله وأهل بيت رسوله(ص) وتحقيق الحرية والعدالة في حياتها. ولذلك هذه الزيارة كانت مميزة ورأينا الحب والعشق لنا ولفلسطين في عيون الزوار. لم يعد العقل يستطيع استيعاب كل هذا العشق، لأن هذا استجابة لدعاء النبي إبراهيم(ع): "فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم". لم يقل اجعل الناس تهوي إليهم، هؤلاء الزوار أفئدة تمشي على الأرض، قلوب تتحرك، هذه القلوب المنفتحة على الله وعلى العشق الحسيني حينما تجد أمامها قضية فلسطين تعيش الحقيقة الحسينية، تجد لنفسها فرصة أن تكون مع الحسين(ع). حين نقول "يا ليتنا كنا معكم فنفوز فوزاً عظيماً"، هنا نجد الفرصة متاحة الآن لنكون مع فلسطين ومظلوميتها، ترى الزوار يريدون التقاط الصور معي في العتبات المقدسة في مدينتي النجف الأشرف وكربلاء المقدسة، فأنا أضع عمامة عالم دين سني على رأسي وتجدهم مقبلون بشغف وحب علي وكأنهم يقولون هذا الذي نعشقه ونريد أن نرى الأمة موحدة، وهذا يؤكد أن فطرة الناس محفوظة بإذن الله، قد نجد بعض التشوهات في فترة من فترات الضغينة والحقد الذي زرعه الأمريكي والصهيوني وكثير من الإعلام العربي المنافق؛ لكن هذا يبقى خارجياً وسرعان ما تجد أن القشرة قد سقطت وظهر لبه الطاهر النقي ولذلك نعم، الأربعينية أكدت لنا طهارة قلوب هذه الأمة وأن الذي عشق الإمام الحسين(ع) لا يستطيع أن يعشق أمريكا أو أن يضع يده في يدها أو يد أتباعها الذين طبّعوا مع العدو وكانوا عرّابين للتطبيع معه، الأربعينية أظهرت محبة الناس وكرمهم يشددون عليك بالإطعام وخاصةً عندما يجدك تحمل علم فلسطين وهذا كله يؤكد أن فلسطين قضية حية في قلب الأمة ما استطاع الاستعمار ولا ثقافته ولا إعلامه ولا فتواه أن تميت فلسطين في قلوب الأمة وهذا كله يجعلنا نقول قطعاً ستنتصر فلسطين".
الدم الحسيني يتفجر اليوم ثورة ومقاومة
لا شك أن لعقد المؤتمر في العراق دلالة ورسالة واضحة جداً، فالعراق احتضن علياً(ع) أمير المؤمنين والإمام الحسين(ع) سيد الشهداء والأئمة الذين استشهدوا، لأنهم كانوا يريدون للإنسان أن يعيش حريته وأمنه وأمانه وأن يسقط الطغيان في حياته وأن يسقط الظلم في أنظمة حكمه، هكذا عبر العراق عن أصالته، وهذا المؤتمر الذي ينعقد في العراق إنما يريد أن يوصل رسالة للعالم بأن هذه الأرض التي احتضنت الأحرار والتي واجهت الظلم هي الآن توجه رسالتها من المكان نفسه الذي استشهد فيه الإمام الحسين(ع)، توجه رسالتها للعالم بأن الدم الحسيني ما ضاع وما زال رسول الله(ص) يجمعه وها هو يتفجر اليوم في عصرنا مقاومةً وانتصاراً ".
ويختم الشيخ الزعبي حديثه بالقول بأن "رسالة المؤتمر و"موكب نداء الأقصى" لأهل فلسطين بأن الأمة معكم وأنها لن تترككم وأن محور المقاومة محور متماسك ومنيع وبأن الإرادة صلبة لا تنكسر ولا تلين وبأن عدونا هو المهزوم باذن الله وليس علينا سوى الصبر، هذه رسالتنا إلى إخواننا في فلسطين لنقول لهم ليس أمامنا وأمامكم إلا الصبر وصلابة الإرادة لنتحمل وسنقطف النصر بإذن الله وشهداءنا ليس خسارة، بل هم ربح لأنهم قد ذهبوا إلى عليائهم إلى سعادتهم إلى رضوان ربهم وهذا غاية ما يمكن أن يحققه الإنسان ولذلك نحن نقول رغم كل هذه الإبادة الجماعية التي نشهدها ما رأينا إلا جميلاً".