الصفحات
  • الصفحه الاولي
  • محلیات
  • اقتصاد
  • الثقاقه و المجتمع
  • دولیات
  • الریاضه و السیاحه
  • طوفان الأقصى
  • منوعات
العدد سبعة آلاف وخمسمائة وسبعون - ١٨ أغسطس ٢٠٢٤
صحیفة ایران الدولیة الوفاق - العدد سبعة آلاف وخمسمائة وسبعون - ١٨ أغسطس ٢٠٢٤ - الصفحة ٤

حجة الاسلام والمسلمين محمد الكرباسي للوفاق:

زيارة الأربعين ملحمة التضحية ومسيرة التكافل

ماهي إلا أيام قليلة وتقبل علينا زيارة الأربعين تلك الزيارة المليونية التي حيّرت عقول البشرية وجذبت أنظار العالم نحوها. في هذه الزيارة العظيمة تستوقفنا العديد من الصور الملفتة التي تذكرنا بأنصار الإمام الحسين(ع) الذين دعاهم سيّد الشهداء (ع) إلى التخلّي عنه وعدم تعريض أنفسهم للهلاك فقدّموا الغالي والنفيس في نصرته وجسّدوا أعظم نماذج سجّلها التأريخ عن البطولة والتضحية والمعرفة بإمام زمانهم. الملفت للنظر أنّ أنصار الحسين(ع) كانوا من مجتمعات مختلفة وطبقات متعددة، فمنهم الرجال والنساء، ومنهم العبيد والموالي، ومنهم الأحرار والسادة، ومنهم الكهول والشيوخ الطاعنين في السن، ومنهم المسلم والنصراني... كل هؤلاء جمعهم حُبّ الحسين(ع) والتفاني في نصرته. واليوم وبعد أكثر من ألف واربعمائة عام تجد الملايين ممّن تأسّوا بأنصار الإمام الحسين(ع) قد زحفوا من مختلف بقاع العالم قائلين: «لبّيك داعي الله»، ففي هذه الزيارة يتجلى الإبداع بأروع صوره ويعكس للعالم بأسره كيف أبدع الموالون في تبديل كثيراً من المفاهيم الخطيرة في حياة البشرية. فمن بين الملايين من الزوّار تجد الكثير ممّن أرخص ذاته وملذّاته وانشغل بالسير إلى الحبيب وهو الإمام الحسين(ع). وفي هذه المناسبة اجرت صحيفة الوفاق حوار مع حجة الإسلام والمسلمين محمد الكرباسي من النجف الاشرف وفيما يلي نصه:

الوفاق/ خاص

سهامه مجلسي

المسيرة الاربعينية رمز من رموز التجمعات العالمية
في البداية يشرح لنا الشيخ محمد الكرباسي بأن مسیرة الأربعين هي أحد أكبر التجمعات البشرية في العالم، والذي يقام كل عام في شهر صفر، عندما يتوجه الملايين من الشيعة وغيرهم من المسلمين والديانات السماوية الأخرى من جميع أنحاء العالم نحو كربلاء لزيارة الإمام الحسين(ع) وأصحابه.
تعود جذور هذا الحدث إلى حادثة كربلاء واستشهاد الإمام الحسين(ع). ويعتبر هذا الحدث فرصة لتقوية الإيمان والتواصل مع الله وأهل البيت(ع) وتجديد العهد مع الإمام الحسين(ع). فمسيرة الأربعين تعزز الوحدة والتضامن بين المسلمين وتعتبر رمزاً للأخوة والتعاطف، مسيرة الأربعين العالمية لها أعمال رائعة، فهي معززة للوحدة والتضامن الإسلامي، وتعمل على إحياء القيم الإسلامية، تعزيز ثقافة الخدمة، تعزيز روح التضحية والغفران، خلق مجتمع عالمي وما الى ذلك، ومسيرة الأربعين، ليست مجرد حدث ديني، بل حدث عالمي له عواقب شاملة تؤثر على مختلف أبعاد الحياة الفردية والاجتماعية. ويعتبر هذا الحدث رمزاً للمقاومة والثبات ومحبة أهل البيت(ع)، وقد ألهمَ الكثير من الناس حول العالم. وتعتبر مسيرة الأربعين أحد أكبر التجمعات البشرية في العالم، لها آثار وعواقب واسعة في مختلف الأبعاد الاجتماعية والدينية والثقافية والسياسية والاقتصادية.
من أهم جوانب هذه المسيرة الكبرى:
- إحياء القيم الإسلامية: يعتبر هذا الحدث فرصة لإحياء القيم الإسلامية مثل التضحية والاستشهاد والغفران وحسن الضيافة.
- تعزيز ثقافة الخدمة: إن مواكب الخدمة التي تنظّم على طريق المشي تعزز ثقافة الخدمة التطوعية.
- تعزيز روح التضحية والغفران: يواجه الزوار المشاكل والمصاعب أثناء سيرهم، مما يقوي روح التضحية والغفران في نفوسهم.
- خلق مجتمع عالمي: تخلق مسيرة الأربعين مجتمعاً عالمياً من الزوار يركّز فيه جميع الناس على هدف مشترك، وهو زيارة الإمام الحسين(ع).
ان قضية الإمام الحسين(ع) تجذرت وتوسعت على انها مسندة من الله تعالى ورسوله(ص) وأصبحت مسيرة الاربعين رمز من رموز التجمعات البشرية،  والمجتمعات البشرية دائماً تروم وتميل إلى الإنقاذ  ومد يد العون. هذا من جانب ومن جانب آخر تميل أيضا إلى من يعبّر عما في داخلها لأن الإنسان عادة يبتلى في الدنيا ابتلاءات عدّة  والتي تتراكم عليه هذه فيريد لها حلولاً ويريد من يعبّر عنها تعبيراً صحيحاً وصادقاً. والإمام الحسين(ع) هو خير معبّر وافضل معبّر لأنه سار في طريق الحق والحقيقة من أجل الإنقاذ ومن أجل أن يسعد الناس ومن أجل أن يقف بوجه الظالم مع المظلوم منذ ان خلق الله الخلق الى يوم القيامة. وهو العيّنة الخالصة المستخلصة من الله تعالى ورسوله(ص). لذلك تجد الإمام الحسين(ع) هو العيّنة الأساسية في الإسلام من بعد جده وأبيه وأمه وأخيه. فلكل شيء عيّنة ولا تقاس الاشياء الا بعيناتها، وما يحمل كل شيء إلّا قياس مقدار محدد.  وذلك المقياس الاساسي في الإسلام هو الإمام الحسين(ع)، العينة التي اختارها الله تعالى للفصل في جميع الأمور. إنّه عبّر عن كل شيء في الإسلام وما تحمله البشرية من آلام وأوجاع وهموم، لذلك جعل الله تعالى افئدة من الناس تهوي اليهم بهذا المعنى. لذلك لم تكن زيارة الاربعين فقط هي الرمز ولكن أصبحت رمزاً لكل أمر عسير لكل شدة لكل وقوف بوجه الظالم والنصرة، لكل مظلوم ومقهور، وضد كل غاصب حق مع كل من اغتصب حقه. ومسيرة الاربعين تحولت إلى ظاهرة عالمية، لذلك تجد التجمعات البشرية اهتدت وآوت إلى الإمام الحسين(ع) وأصبحت قضية الاربعين هي القضية التي تتشارك بها الأمم والمجتمعات البشرية لأنهالم تستطع أن تشارك من قبل مع الإمام الحسين(ع).
زيارة الأربعين وكيفية استضافة الشعب العراقي الحشود المليونية
واوضح الشيخ الكرباسي: تطلق كلمة الاربعين على اليوم الاربعين من استشهاد الإمام الحسين(ع)، ومن جملة التقاليد المتعارفة عند المسلمين تكريم اليوم الاربعين لوفاة موتاهم، حيث يقوموا بتقديم الصدقات والخيرات وإهداء ثوابها للمتوفي، وهذا دأب الشيعه أيضاً في العشرين من صفر من كل عام حيث يقيموا المآتم لاحياء ذكرى ملحمة عاشوراء ترافقها مجاميع العزاء اجلالاً وتعظيماً لتلك الشعائر.
وقال: يتميز الشعب العراقي عن باقي الشعوب، ولا سيما العربية منها، بسمة الكرم والجود وحسن الضيافة، وهذه الصفة محل تفاخر لديهم، وميدان يتسابقون فيه مع باقي الأمم، ويبدو ان الشعب العراقي نجح في امتحان واختبار الضيافة الإلهي، فاجتباه الله تعالى ليكون موطئاً وممهداً لدولة المهدي المنتظر(ع)، في سفرة الكرم إضافة لمعترك الجهاد والسلاح.
اذن نحن نستغل كل مناسبة تقترب من عاشوراء للاستفادة من هذا الحدث العظيم، ونحن في الواقع نحاول في هذه الأيام التأكيد على الخط الاسلامي بكل ابعاده وشخصياتة من الرسول الأكرم(ص) ومروراً بالزهراء وعلي والحسن والحسين عليهما السلام وانتهاءً بالمهدي عجل الله تعالى فرجه وخيار الصحابة والمؤمنين، ولا نحصر الأمر بالحديث عن الثورة الحسينية فقط، بل نرى الثورة الحسينية احدى المفاصل المهمة في هذه السلسلة الطويلة. كذلك نحن نحيي ذكرى بقية الائمة والرسول(ص) من الولادة والوفاة وغيرها من المناسبات، الا ان للإمام الحسين(ع) مظلوميته الخاصة، وعظم فاجعته جعلتنا وانطلاقاً من قولهم عليهم السلام «أحيوا أمرنا رحم الله من أحيا أمرنا» نهتم بها اكثر من غيرها، علما ان شهادته فيها خاصية كبيرة في جلب الكم الهائل من الناس والتفاعل معها مما يجعل قضية التبليغ الى الدين وإحياء المفاهيم الاسلامية امراً اكثر سهولة.
 مثل كل عام، تبدأ المواكب العراقية نشاطها قبل بضعة أسابيع من الأربعين من أجل خدمة ضيوف الرحمن بنجاح أكبر من السنوات السابقة. إن استضافة ملايين الزوار من أبناء البلد الذي مزقته الحرب مهمة صعبة تتطلب الإيمان الجاد والمثابرة، وإن إخلاص العراقيين الصادق للإمام الثالث للشيعة واضح طوال الطريق. ويخدم معظمهم الناس بكل ممتلكاتهم حتى ولو كان بحجم رغيف الخبز أو بغسل أقدام الزوار أو استضافتهم في منازلهم الصغيرة، ويعتبرون هذه الخدمة شرفاً كبيراً لأنفسهم،  وتبدأ ضيافة العراقيين منذ لحظة وصول الزوار إلى هذا البلد.
وهناك المواكب على الطرق المختلفة إلى كربلاء تصور عمق هذه الضيافة؛ المواكب التي تنشط ليلاً ونهاراً وتقدم الطعام والمشروبات الساخنة والباردة وجميع انواع الخدمات مثل التدليك والخياطة وما شابه ذلك، لذلك لا يوجد نقص في هذا الطريق، والشعب العراقي، باعتباره مضيف هذه الملحمة العظيمة، يقدم بكل صدق للزوار كل ما لديه ويرحب بهم اجمل ترحيب.
أربعينية الإمام الحسين (ع) وانعكاساتها الثورية والحضارية
واخيراً يوضح الشيخ الكرباسي إن انتفاضة عاشوراء بكل جوانبها عبر التاريخ كان لها الأثر الكبير في انتصار الحق على الباطل. الأربعين هو أحد الجوانب الإحيائية لانتفاضة عاشوراء، ورغم أنها جزء من هذه الانتفاضة إلا أنها تحتاج إلى دراسة منفصلة لتأثيرها المباشر ودورها في تحقيق العديد من النضالات ضد العدو، وزيارة الإمام الحسين(ع) تعد أكبر مشروع إصلاحي لواقع الأمة. إن زيارة الأربعين تجمّع إنساني وعالمي يتجاوز الطابع الديني لما تجمعه الزيارة من دلالات على المستوى التربوي والعقائدي والسياسي والإعلامي والثقافي. كما تختزن الزيارة أكبر عملية تفاعلية على عدة مستويات، فهناك الارتباط بين عالمي الغيب والشهود؛ وامتداد الماضي والحاضر والمستقبل؛ ومفاهيم بناء النفس الإنسانية؛ واستلام الجهاد الدفاعي عن الاسلام، وكما قال الإمام الخميني(قدس) ان طريق القدس يمر من كربلاء وما انكشاف الاستكبار العالمي على حقيقته الا من هذا التجمع الذي وحّد العالم الإسلامي على محاربة ذلك الاستكبار. في هذه الزيارة العظيمة تستوقفنا العديد من الصور الملفتة التي تذكرنا بأنصار الإمام الحسين(ع) الذين دعاهم سيّد الشهداء (عليه السلام) إلى التخلّي عنه وعدم تعريض أنفسهم للهلاك فقدّموا الغالي والنفيس في نصرته وجسّدوا أعظم نماذج سجّلها التأريخ عن البطولة والتضحية والمعرفة بإمام زمانهم. ولقد نرى في هذه المسيرة أن كثيرا من الموالين تخلّوا عن ذواتهم ومحسوبياتهم وجعلوا يتسابقون في نيل شرف خدمة زوار الحسين(ع)، فتركوا العديد من الألقاب والعناوين الرفيعة لهم بما في ذلك الرئيس والمرجع والعالم والتاجر والأستاذ والشيخ وغير ذلك. وفي هذه المسيرة تتغيّر العناوين، ويتبدّل العدو إلى صديق وأخ حميم، ويتساوى الناس في المحبّة والمودّة، وقد يصبح الفقير غنيّاً، فيبذل الأموال الطائلة رغم فقره وقلّة ما في يديه، وباختصار زيارة الأربعين هي زيارة الإبداع في تغيير المفاهيم وقلب الموازين من أناس عاديين مشغولين بزخارف الدنيا ومشاغلها إلى رجال لا تلهيهم تجارة، فطوبى لمن ساهم في هذا الإبداع العظيم وسجّل اسمه في قائمة الفائزين بنصرة
الإمام الحسين(ع).

 

البحث
الأرشيف التاريخي