المخرج والممثل المسرحي والسينمائي «شهاب راحلة» للوفاق:
لن نخضع للظلم.. كلّما استشهد مجاهد منّا أتى بعده آخر
دَخَلَ المسرح في هيكلية الحياة للفرد؛ لأنه وسيلة من وسائل التثقيف والتعبير عن الأتراح والأحزان التي يعانيها الفرد، بالإضافة إلى اعتبار أن المسرح بالنسبة لعدد كبير من الناس واحد من فئات الأشكال البديلة للتسلية، فالمسرح جزء من المجتمع، ومساهم فاعل في التركيب البنيوي للجانب الأخلاقي، وهذا ما نشهده خاصة في هذه الأيام في العروض التي تتطرق إلى موضوع الدين والمقاومة. وتزامناً مع معرض «أرض الحضارات» الذي يُقام حالياً في طهران ويتم فيه إجراء عروضات مختلفة عن المقاومة، أجرينا حواراً مع السيد «شهاب راحلة» الذي هو مخرج هذه العروض وهو فنان مسرحي وسينمائي في مجال الدين والمقاومة وله نشاطات كثيرة وحصل على عدة جوائز محلية ودولية، وفيما يلي نصه:
الوفاق/ خاص
موناسادات خواسته
المسرح الديني والمقاوم
بداية تحدث لنا السيد "شهاب راحلة" عمّا جعله يتجه نحو المسرح الديني والمقاوم، فقال: بدأت العمل عام 1994 وشكلّت رسمياً فرقة "بيان" المسرحية عام 1996، ونظراً إلى المحيط والبيئة التي كنت أعيش فيها، "مدينة ري"، حيث كانت الإحتفالات والشعائر الدينية تؤدى هناك بشكل مستمر، لطالما أردت أن أشارك في هذه الفعاليات بنفسي.
ثم دخلت الجامعة والتفتّ إلى الأعمال المسرحية والفنية وما إلى ذلك. وأذكر أنه في عامي 1996 و1997 كانت هناك عروض مسرحية مثل "فاتح خيبر" و"موسى وشبان" و"هرولة" و"حراج عشق" عرضت في مهرجان فجر، وقد حصلت على العديد من الجوائز العالمية، وقد شجعني ذلك كثيراً على هذا الأمر.
عندما بدأت هذا الموضوع في البداية كان مشوقاً كثيراً بالنسبة لي ولم يكن ممزوجاً بالمعرفة، ولهذا السبب كان مشوقاً ومثيراً وقد تقدمت رويداً رويداً حتى واجهت النصوص الدينية الغنية، وخاصة القصص القرآنية التي قمت بإجراء قصة "سفينة نوح" منها كما قدمت عرض حشمة النبي سليمان و أبابيل.
الأخلاق هي روح القانون
وفيما يتعلق باختيار النصوص للعروض والمصادر والمراجع التاريخية التي يُعتمد عليها وتأثيرها على ثقافة المجتمع، قال "راحلة": إن الأخلاق هي روح القانون، وبسبب العالم الإفتراضي الذي يتواجد فيه الصديق أو العدو -لا أعرف اللفظ الدقيق الذي يناسبه- هناك الكثير من الأصدقاء الذين يقومون بأعمال معادية، وهذا يخلق جواً من التضاد والتناقض، حيث يقولون أنه في البلد الفلاني مثلاً يتم احترام القانون ونحن نقول أنه لدينا الدين، في حين أننا ومنذ بداية خلقنا نسمع قصص الأنبياء منذ زمن سيدنا آدم وحتى سيدنا إبراهيم وإسماعيل وصولاً إلى النبي محمد(ص) خاتم الأنبياء، وكلها قصص تتضمن الأخلاق والقانون والمحبة والصداقة والأخوة، ولا تحمل إلا جانب واحد، وأنني عندما أقوم بارتكاب جرم ما فيجب أن يتم تنبيهي وتأديبي، وهذا يذكرنا بعصا المعلم؛ فهؤلاء يتشدقون بقضية عصا المعلم ويقولون أن دين الإسلام يخلو من الرحمة، وأنه دين سلبي التوجه، في حين أن هذا الدين الإسلامي هو دين إيجابي بحت، والآن نرى أن المسيحيين أنفسهم وحتى اليهود والزرادشتيين يعترفون بأن دين الإسلام هو الدين الأكثر أريحية وتسامحاً.
إننا نسعى منذ سنوات لطباعة ونشر كتاب بالتعاون مع البروفيسور "ناظرزادة كرماني" والذي يُعد قطب الثقافة والفن والعلم والأبحاث في ايران وهو أيضاً أستاذ في جامعة السوربون الفرنسية، ذلك الكتاب الذي بدأ بـ 1000 صفحة والآن يبلغ عدد صفحاته 5000. والذي يتطرق إلى المسرحيات العالمية بالإتجاه الإيماني والديني، وإلى أصول العروض ومن أين بدأت، ومن أين تشكّلت الدراما؟
العروض المسرحية في «أرض الحضارات»
بعد ذلك طلبنا من مخرج العروض المسرحية في معرض "أرض الحضارات"، لكي يتحدث لنا عنها، فقال: فيما يتعلق بكتابة النصوص، فقد طلب "سيد محمد مصطفى موتورجي" وهو من الفعالين في المجالات الفنية في "حوزه هنري"، أن يكتب هذه النصوص لمركز الفنون المسرحية للثورة الإسلامية بإدارة السيد "عليرضا كوهفر"، مقدّم ومنفّذ معرض "أرض الحضارات"، وبعدها تم اختياري لأتابع الأعمال وقد قمت أيضاً ببعض المداخلات والتعديلات البسيطة وسلّطت الضوء على بعض المسائل بشكل أكبر، وقد حاولت وجميع الزملاء أن نؤدي الدور بكل مصداقية وحرفية منذ العرض الأول العاطفي تحت عنوان "هنا"، وتدور القصة في المستشفى، وهي قصة الفتاة "هنا" ابنة أبو لطيف وخطيبها "فالح" ذلك الشاب الرشيد الذي يذهب إلى فلسطين من أجل الجهاد وفي نهاية المطاف يرتقي شهيداً على سريره.
وفي الغرفة المجاورة التي تُعرض مسرحية "إسماعيل" حول أناس جزائريون، ويعرض فيها قصة "اسماعيل" و"فؤاد" وزوجته الحامل حيث يحاول هذا الأب الوصول لزوجته وطفله لمساعدتهما ويقول لصديقه سوف أذهب وإن استشهدت، أريدك أن تسمي ابني اسماعيل على اسم والدي وأن تخبره بأننا من الجزائر ولأننا ولدنا هنا أصبحنا ننتمي لهذه الأرض، واطلب منه أن يدافع عن القدس والجولان وعن هذه الأرض والجبال، أُطلب منه أن يبقى ويكبر وأن يقف في وجه رصاصات الإحتلال، وأخبره بأن هؤلاء الأعداء فانون وأننا نحن الباقون.
والمسرحیة التالیة باسم "الجيران" حيث تعرض قصة سيدة إرهابية، تتناول موضوع السيد عماد مغنية وسيد رضي والشهيد سليماني، وهذه السيدة جاءت لتنفيذ مهمة أوكلت إليها لإغتيال أحد المسلمين، حيث يقوم هذا الشخص المسلم باستلال سلاحه في اللحظة المناسبة ويُصوّب نحو السيدة الإرهابية ويرديها قتيلة.
والمسرحية التي تلتها، وكانت باسم "راشل"، تلك الفتاة الأمريكية الشهيرة التي ترتدي سترة برتقالية وتقف في وجه الجرافات الصهيونية لتمنعها من تدمير المنازل.
ثم نصل إلى مسرحية "قلم التلوين" التي تتناول قصة طفلة اسمها ياسمينة، تروي قصتها من بين أنقاض المنازل في غزة، وتتحدث عن والدها ووالدتها اللذين رحلا، وأخيها وأختها اللذين استشهدا، وعن المدينة المدمرة ولم يعد يسكنها أحد، وبقيت هذه الطفلة وحيدة تتحمل مشقة وصعاب هذه المشكلات وحدها. وفي نهاية العرض تقول: سوف أقوم برسمكم في العالم الطبيعي، وأعيش معكم للأبد، وأعني أن هذه الأرض حية وهي قبلة المسلمين الأولى، وهذه الأراضي بها جذورنا، وإن شبابنا يكبرون وفي النهاية سيشهدون انتصار راية الإسلام وهذا قريب جداً إن شاء الله.
ونحن في مجال المسرح والإخراج نسعى لأن نستخدم فن التباعد، لنتمكن من كسر هذا الحاجز الرابع الذي نتحدث من خلفه لكي لا يشعر المشاهد بأنه يشاهد عرضاً مسرحياً. وفي المسرحيات والعروض التي تقدم في الشوارع نستخدم تقنية عنصر المفاجأة أو المحاكاة ليصبح المشاهدون جزءاً من العرض. في مسرحية "راشل" أمسك المشاهدون اللوحات والصور وشاركوا في المسرحية، ليتم كسر وتخطي هذا الحاجز بين الممثلين والجمهور وبفضل الجهود وبراعة الممثلين تمكّنا من تحقيق ذلك في مدة أقصاها 15 يوماً.
الشهيد هنية والعروض المسرحية
وفيما يتعلق بزيارة الشهيد إسماعيل هنية للمعرض ومشاهدة العروض المسرحية وهل يمكن خفت صوت المقاومة باغتيال شخصياتها، قال "راحلة": لم أكن أتوقع زيارة الشهيد هنية لمعرض "أرض الحضارات"، وقد تفاجأت جداً عندما رأيته، وبمجرد رؤيتي له غرقت في الأفكار وبدأت أفكر في نفسي أنه كيف لشخص بمقامه وبموقعه الحساس أن يتواجد هنا في معرض "أرض الحضارات"، ودعوت الله أن يحميه من كل مكروه.
ولم أكن أتوقع أن شخص بمقامه لحضور مسرحية "قلم التلوين"، وقام باحتضان الطفلة الممثلة التي أدت دور ياسمينة وكرر كلمة "شكراً شكراً" عدة مرات، وكانت قد إرتسمت ابتسامة جميلة على وجهه مع بهجة كان يمكننا أن نشعر بها وكأنه يشكر الحضور على وقوفهم في هذا الجو الحار لمشاهدة المسرحية التي تتحدث عن المقاومة والطفلة الصغيرة التي تقف وتحكي عن بطولات المقاومة وهو فرح جداً، وقال: "إلهي إنني أشكرك؛ فلايزال الناس يؤمنون بنا"، وطبعاً في إيران منذ البداية نتابع موضوع القدس المحتلة وحماس ولبنان والمقاومة.
وقد كان سعيداً جداً بمشاهدة هذا العرض القصير وكان مثيراً جداً بالنسبة له و شعر وكأنه يمشي في شوارع غزة ويشاهد هذه المشاهد عن كثب.
لقد قدمنا الكثير من الشهداء الذين كان يقال أنه بعد استشهادهم سوف تنكّس راية الاسلام وتغلق قضيته. من أمثال سيد الشهداء(ع) وشهداء الثورة والمقاومة الإسلامية، ولكن شمعة المقاومة لم تنطفئ يوماً.
لن نخضع للظلم، وكلما استشهد مجاهد منا أتى بعده آخر، لأن هذا الطريق هو الصحيح ومنذ بداية الخلق وحتى اليوم شهد العالم الكثير من أمثال هؤلاء الشهداء، ولكن شجرة هذه القضية لاتزال صامدة شامخة لأنها سُقيت بدماء
طاهرة زكية.
مسرحية «أكثر وحدة من المسيح»
وأما حول مسرحية "أكثر وحدة من المسيح" التي تعرض في هذه الأيام، قال "راحلة": لقد شاركت في دورة أو دورتين من مسرحية "أكثر وحدة من المسيح" وكانت مؤثرة جداً ومشوقة جداً بالنسبة للمشاهدين، والسبب في ذلك هو أننا كنا نروي الأحداث بحذافيرها ولحظة بلحظة منذ دخول قافلة سيد الشهداء(ع)
أرض كربلاء المقدسة وحتى إستشهاد سيد الشهداء(ع)، وأحياناً كنّا نتطرق إلى مدافعي المراقد المقدسة عندما كنا نعمل في حرم السيدة زينب عليها السلام، وكان المتلقي حينها يشعر بتقمص الشخصية ويحب
العمل كثيراً.
الأعمال الإيرانية العربية
وحول الأعمال الإيرانية العربية المشتركة، هكذا أبدى رأيه المخرج الإيراني، حيث قال: لقد كانت لدينا أعمال مختلفة في العراق وسوريا وفي مناطق من لبنان، وفي مدن مختلفة، وكم سيكون جيداً لو إستطعنا أن نقدم أعمال مشتركة في تونس وسائر الدول والجيران وحتى في البلدان الأوروبية. وأن نقدم عروضنا بلغات مختلفة كالإنجليزية والصينية والإسبانية وليس بالعربية فقط. واليوم إن سمحت لنا الفرصة وكان لدينا المجال يمكننا أن نترجم أعمالنا للغة العربية، فالبلدان العربية بلدان كبيرة والمجتمع العربي مجتمع كبير، ويمكننا أيضاً أن نقدم عروضنا بطريقة "الإجراء في الخلفية" أو "البلاي باك" حيث يمكننا أن نفعل كما فعلنا في سوريا أن نشغل العرض في الخلفية ويقوم الممثلين بأداء الأدوار أمام الجمهور، وسوف يتأثر الجمهور أيضاً بلا شك لأن النص يُحكى بلغة الممثل، ولغة العرض
هي الأكثر بلاغة.
وأتمنى أن توصلوا صوتنا لجميع المسؤولين بأننا جاهزون لأداء أي عمل في كل أرجاء العالم وأننا جاهزون لتقديم عروض بمضامين دينية وجاهزون للعمل معهم ومع كوادرهم وفنانيهم وأننا قادرون على تقديم المضامين والمفاهيم الدينية بأحدث التقنيات.
العروض العربية
وأخيراً تحدث السيد "راحلة" عن المسرحيات التي تم إجراؤها في الدول العربية وقال: مسرحية "الحلب حيّة" تم إجراؤها في حلب، ومسرحية "أرض الشمس" تم إجراؤها في دمشق وحمص، وفي لبنان أيضاً قمنا بعمل دعائي لم يُطلق عليه اسماً معيناً وكان هذا العمل في شهر محرم الحرام وقد سلطنا الضوء فيه على قضايا مثل تقديم الأضاحي والنذور. وفي العراق قدمنا مسرحية "قيامة الأرض" ومسرحية "فصل شيدايي" ونحن هنا الآن من أجل الأربعين الحسيني ونرغب جداً في اجراء عرض مسرحي خلال مسيرة الأربعين وقد فعل ذلك
زملاؤنا سابقاً.