مستشار نفسي واجتماعي للوفاق:
الشباب درع الأمّة وسيفها الذي يحميها من أطماع الطامعين
مراحل متعددة يمر بها الإنسان منذ ولادته.. ولعل مرحلة الشباب هي أروعها حيث يكون الإنسان في أوج نشاطه وقوته وعطائه.. مقبلاً على الحياة وراغباً في خوض التجارب واكتساب الخبرات.. يدفعه الأمل لبلوغ قمم النجاح. ويشكل الشباب القوة الدافعة لتحقيق التنمية والارتقاء لأي مجتمع، فهم رأس المال الحقيقي للمجتمع إذ يمتلك الشباب طاقات تمكنهم من القيام بدور فاعل في عملية البناء والتغيير، وهو الأمر الذي يسهم في بناء الأوطان وإحداث التغيير الاجتماعي الإيجابي اللازم. لذا تسعى حكومات العالم إلى الاستثمار في الشباب عبر بناء وتنمية قدراتهم ومهاراتهم، وتمكينهم وإشراكهم في صياغة سياسات تنموية مستدامة، فالشباب هم الركيزة الأساسية لصناعة حاضر ومستقبل بلادهم. ومن أجل زيادة الوعي الدولي بأهمية ومركزية دور الشباب في عملية التنمية والتطوير وإدراكاً أن طموح الشباب وطاقتهم الحيوية تمثل وقوداً لاستمرار تطور المجتمعات التي يعيشون فيها، أعلنت الأمم المتحدة اختيار يوم 12 أغسطس من كل عام «يوم الشباب العالمي»، بهدف تذكير العالم بدور الشباب والتزامات الدول تجاههم، وفي هذا الصدد أجرت صحيفة الوفاق حواراً مع المستشار النفسي والاجتماعي جعفر علي درويش، وفيما يلي نصه:
الوفاق/ خاص
سهامه مجلسي
ما هو دور الشباب في بناء المجتمع وحل المشاكل المستعصية؟
كلمة شباب في المعجم اللغوي العربي تعني الفتاء والحداثة، ومن هنا يمكن الإنطلاق لإلقاء الضوء على الدور الكبير للشباب في بناء المجتمعات، تطويرها وتحديثها. فالشباب هم الأكثر طموحاً في المجتمع، وروح عملية التغيير والتقدّم عندهم لا حدود لها، لذا فهم يشكلّون أساس القوة القادرة على بناء وتقدّم المجتمعات، واستقطاب طاقاتهم هو الحجر الأساس لجميع المؤسسات والمجموعات الإجتماعية التي تسعى للتغيير، فهذه الفئة هي الأكثر تقبّلاً له. كما أنّ الشباب يشكلون قوّة إجتماعيّة هائلة، والشباب هم الثروة الحقيقية، وهم درع الأمة وسيفها الذي يحميها من أطماع الطامعين.
ففي بعض البلدان هم الأكثر عدداً، وبالطبع الأكثر نشاطاً، فيشكلون النواة الأساسية لبنية المجمع إقتصاديّاً، تربويّاً، اجتماعيّاً وحتّى سياسيّاً حيث أصبح تأثيرهم على القرارات السياسية وحتّى شكل الحكم في المجتمعات. فأغلبية التحركات والمظاهرات والإنتفاضات والثورات الناعمة يكون للشباب فيها الدور الأكبر والأبرز، فحماسهم الفكريّ وطاقتهم الجبارة التي يملكونها تُساعدهم بشكل كبير نحو التقدم والحيوية في التفاعل مع مُختلف المعطيات السياسية والإجتماعية. ومن ناحية ثانية، يشكل الشباب الجزء الأهم في العمل التطوعي، العمل الذي يعتبر واحداً من عناصر بناء مجتمع سليم وصحي، ويعزّز روح المبادرة عندهم والمنافسة الشريفة مما يشجعهم على إطلاق الإبتكار والإبداع الأمر الذي يؤسس لمجتمع مبدع متطوّر، هذا بالإضافة إلى أن هذه الخاصية تساعد الشباب على حلّ المشكلات التي تواجههم وتخطّي أيّ عقبة أو عائق ممكن أن يقف أمامهم.
كيف يتسنّى لنا ونحن نعيش عصر التطوّر التقنيّ والعلميّ تأصيل الفكر العقديّ لدى شبابنا المسلم، والحفاظ عليهم من الانحراف؟
مع نهاية آخر أنفاس القرن العشرين وبداية القرن الذي يليه، والعالم بأسره يعيش تطوّر تقنيّ وعلميّ بوتيرة عالية جدّاً، فكان الغزو الثقافيّ عبر انتشار ظاهرة العولمة بأدواتها الإلكترونية والرقمية الحديثتين. هنا تعرّض الشباب المسلم لإغراء الفكر الغربيّ بكل مجالاته، وأصبحوا أكثر عرضةً للإنزلاق نحو التخلي عن الفكر العقديّ الملتزم والتوجه إلى المفهوم الخاطئ للإنفتاح الأعمى المبرمج من قبل مصادره لإبعاد الشباب المسلم عن قيمه وعقائده. لذا وجب تأصيل العقائد والفكر الإسلاميّ عنده، لكن هذه العمليّة لا تتمّ بين ليلة وضحاها، ولا تقع على عاتق طرف واحد بل يجب تظافر جهود العديد من الجهات. فهذه العملية يجب أنّ تبدأ منذ بدء تشكّل وعي الفرد، أي منذ الطفولة المتأخرة نوعاً ما ومروراً بمرحلة المراهقة حيث تعمل الأسرة النواة مع الأسرة الممتدة، بالإضافة إلى المدرسة والنوادي الكشفية والإجتماعية التي ينتمي إليها الفرد، بالإضافة إلى الشارع والحيّ، على تحصين الفرد وزرع الفكر المسلم الملتزم الغير متزمّت أو متطرّف، وذلك بشكل تدريجيّ وبطريقة ترغيبيّة غير ترهيبيّة. وبعد عملية الزرع هذه يجب متابعة نمو هذا الفكر من قبل ذات المؤسسات وباتباع نفس الطريقة، وزيادة متابعة وتطوير هذا الفكر كما تدعيمه من أجل مواجهة مغريات العصر، فيصل الفرد إلى مرحلة الشباب و هو يحمل الفكر العقديّ الإسلاميّ الملتزم غير المتطرف محصّناً بما يحميه ويقيه من إنزلاقات خفايا العولمة.
وبالرغم من كل هذه الأخطار، لا بدّ لنا أن نشير إلى أهمية التطوّر العلميّ والتقنيّ وضرورة الإستفادة منه، لذا يجب مواكبة الشباب من خلال الندوات والمحاضرات الدورية والمستمرة المشبّعة بالمعلومات اللازمة والضرورية من أجل مواكبة هذا التطور والإستفادة منه بطريقة تجعله يتطوّر من جهة، وتساعده من جهة أخرى على ترسيخ فكره الإسلامي، لا بل تتعدى ذلك إلى نشر هذا الفكر في جميع أرجاء المعمورة.
ما هي أهمية العقيدة بشكلٍ عامٍّ وضرورتها في حياة الشباب؟
العقيدة جذع من جذوع الأنا الأعلى، ولكي يثمر الأخير بشكل سليم على الأولى أن تكون سليمة، منفتحة لا منغلقة، مرنة لا متزمّتة، ويؤدي كل ذلك إلى شباب محصّن واعٍ، قادر على التحكم بسلوكه وفكره، ويواجه تحديات اللّهو الداخلي والّلهو الخارجي المفروض عليه بكل حزم.
يتعرّض عالمنا الإسلاميّ إلى هجمةٍ فكريّةٍ وعقديّةٍ شرسةٍ، ما هي أهم الأسباب لذلك؟ وما هي سبل معالجتها؟
منذ نزول الوحي على نبي الله محمد (ص) والدعوة إلى الدين الإسلامي تتعرّض للمحاربة والمجابهة، ووصولاً إلى يومنا هذا لازالت العقيدة الإسلامية تتعرض لهجمة شرسة. من أهم أسباب هذه الهجمة: أوّلاً الصراع الديني، فتاريخيّاً تعرّض الإسلام لصراع ديني مع أديان أخرى سواء كانت وضعية أو سماوية وذلك خوفاً من اضمحلالها واختفائها. فتعرّض الإسلام وما يزال يتعرّض لتشويه صورته، فاستُخدمت هذه الهجمات الفكريّة لذاك الغرض. وأبرز مثال على ذلك تسويق مصطلح «إسلاموفوبيا» الذي زُرع في الثقافة الغربية وانتشر بين سُكانها، وعملوا على تخويف هؤلاء من الإسلام والمسلمين وترويج فكرة ان كل مسلم هو إرهابي وكل إرهابي هو مسلم. وينطبق ما ذكر ايضاً على السبب التالي ألا وهو السيطرة السياسية والإقتصادية، فتهدف الدول القوية السيطرة على الدول الإسلامية، التي تعتبر نامية لكنّها تجلس على ثروات مادّية، فعندما تُحكِم السيطرة وتشوّه العقيدة الإسلامية والأفكار المرتبطة بها، يمكن لهذه القوى تعزيز نفوذها وتقليل المقاومة ضد تدخلاتها. وأيضاً يُشكل الصراع الثقافي سبباً لهذه الهجمة، فبعضها يأتي من صراع بين الثقافات. الحضارة الغربية، على سبيل المثال، قد ترى في الإسلام تهديداً لنمط حياتها وقيمها، وتسعى لتقويضه لإظهار تفوقها الثقافي، لا بل تعدّته إلى منع وصول التطور التكنولوجي للعالم الإسلامي، من خلال هذه الهجمات الفكرية أو إلهائهم بقشور هذا التطور، خوفاً من تقدّمهم على الحضارة الغربية. ومن جهة مقابلة قد تأتي بعض الهجمات من داخل العالم الإسلامي نفسه نتيجة للإنقسامات والطائفية. هذه الخلافات تُستَغَل من قبل الأطراف الخارجية لتغذية الصراعات الداخلية وإضعاف المجتمعات الإسلامية.
أما سُبل معالجة هذه الهجمات فتتطلب استراتيجيات متعددة وشاملة، تشمل المجالات الثقافية، التعليمية، الإعلامية، والسياسية. من أبرز سبل المعالجة: تعزيز التعليم من خلال تحديث وتطوير المناهج التعليمية لتشمل تعليم التفكير النقدي والبحث العلمي، بالإضافة إلى نشر الوعي الديني الذي يعزز الفهم الصحيح للإسلام. ومن السُبل أيضاً تحسين وتدعيم الإعلام من خلال إنشاء وسائل إعلام إسلامية أو دعم الوسائل الموجودة، وذلك من أجل تقديم صورة إيجابية وصحيحة عن الإسلام والمسلمين، بالإضافة إلى التصدي للإعلام المعادي والرد على اتهاماته ومزاعمه الكاذبة. وفي نفس الإطار يجب دعم الثقافة والفنّ الذي يعكس الصورة الحقيقية للإسلام والمسلمين من خلال دعم الإنتاج الفنّي والأدبي المخصص لهذا الغرض. وبما أنه كان من أسباب الداء التطوّر التكنولوجي، فأحد العلاجات يكون من خلال التوجيه نحو الإستفادة من هذا التطور بطريقة إيجابية، وزيادة الوعي بكيفية استخدام التكنولوجيا إيجاباً وتصدّياً للهجمات الفكريّة ونشر المعرفة الإسلامية بشكل جذّاب. ومن أهم سبل المعالجة تعزيز الوحدة الإسلاميّة من خلال زيادة الروابط والتعاون بين الشعوب والدول الإسلامية لمواجهة التحديات المشتركة والإنقسامات الداخليّة.
برأيكم كيف أثّرت الحرب الفكرية على شبابنا؟
للحرب الفكرية أدوات عديدة منها: الإعلام والإعلان، الإنترنت ووسائل التواصل الإجتماعي، نظام التعليم والثقافي-الفني، الجمعيات والمنظمات غير الحكومية وغيرها.. تجتمع هذه الأدوات لتؤدي دورها في مهاجمة نظام التفكير للشباب غير المحصّن. فبدأً من الإعلام والإعلان، لعلّها من أخطر الأسلحة التي تستخدمها هذه الحرب للتأثير على عقول الشباب، فتسعى هذه الوسائل إلى غسل دماغ الشباب وإحلال قيم مهجّنة خارجيّة مكان تلك المتأصلة داخل مجتمعاتنا، مما يؤدي إلى حالة من النشاز وخروج الشباب عن الخط المستقيم المتعارف عليه. وهناك عامل آخر سهّل مهمة الإعلام والإعلان، ألا وهو الإنترنت ووسائل التواصل الإجتماعي، فبهدف تحويل العالم إلى قرية صغيرة، قامت القوى العظمى بتسخير الإنترنت ووسائله من أجل تحييد الشباب عن نظامهم القيميّ السويّ، و إحلال مكانه شباب جلّ هدفه جمع التعليقات و المشاهدات."، بل أكثر من ذلك تحوّل جيل بعض الشباب إلى جيل سخيف يسعى للفوز في منافسات وتحديات كالطحين والبيض بدلاً من الوصول إلى مراتب عالية من العلم والتطوّر، وبدل ترديد الحِكَم والشعر والشعارات صار يردد «كبّس وشيّر..». ولكن الخطر الأعظم وراء هذا الإنترنت ووسائل التواصل الإجتماعي هو استغلال الشباب وجعلهم واجهة لأعمال مخالفة للقانون والأخلاق والقيم والتقاليد، كغسيل الأموال وشبكات مبتذلة وغيرها.. وأيضاً يلعب النظام التعليمي والثقافي- الفني دوراً كبيراً في الحرب الفكرية على الشباب. فأبرز ما يروّج له هو تحديد الهوية، فكانت الضمائر اللغوية أداة نحويّة تُستخدم لتصريف الأفعال وتحديد الفاعل، أما اليوم فباتت وسيلة للتأثير على عقول الناشئة، فحُذفَ الهو والهي واستتر الفاعل حتّى يحين الوقت ويحدد المتكلّم هويته.