الصفحات
  • الصفحه الاولي
  • محلیات
  • اقتصاد
  • الثقاقه و المجتمع
  • دولیات
  • الریاضه و السیاحه
  • طوفان الأقصى
  • منوعات
العدد سبعة آلاف وخمسمائة وستون - ٠٥ أغسطس ٢٠٢٤
صحیفة ایران الدولیة الوفاق - العدد سبعة آلاف وخمسمائة وستون - ٠٥ أغسطس ٢٠٢٤ - الصفحة ۳

الخسائر تتجاوز ملياري إسترليني هذا العام

متاجر بر‌يطانيا تواجه «وباء السرقة»

تعد البقالات الصغيرة أو corner shops واحدة من السمات المميزة للحياة في بريطانيا. في كل شارع تقريباً تجد واحداً من هذه الدكاكين يشتري منه السكان المحليون ما يحتاجونه في يومهم من خبز وماء وحليب وصحف؛ لكن زحف الفروع الصغيرة للمتاجر الكبرى مثل «تيسكو» و»سينسبري» قلص أعداد الدكاكين الصغيرة بدرجة كبيرة، وما تبقى منها يواجه الإغلاق بسبب خوف أصحابها من السرقات المتكررة، التي باتت تسجل أرقاماً قياسية منذ جائحة كورونا.
خسائر كبيرة للمتاجر
بالنسبة لفروع المتاجر الكبرى، التي توظف أكثر من خمسين عاملاً، والمتوسطة التي توظف ما يربو على 49 عاملاً، كانت مستهدفة لما يصل إلى 49% من الحوادث المسجلة، أما الصغرى التي لا يزيد العاملون فيها عن تسعة فكان نصيبها 24% من حوادث السرقة، حسب تقرير لوزارة الداخلية البريطانية في نهاية ديسمبر/ كانون الأول الماضي؛ لكن الأرقام الرسمية قد تبدو قطرة في بحر مع المقارنة بالأرقام التي صدرت عن «اتحاد تجار التجزئة» في بريطانيا، وهو أكبر هيئة للمتاجر الكبرى والصغرى بكل أنواعها، والتي تتحدث عن 1300 سرقة يومياً من متاجر بريطانيا.
يقدّر الاتحاد حجم الخسائر الناجمة عن سرقات المتاجر مع نهاية أغسطس/ آب الماضي، أي قبل الارتفاع القياسي الأخير، بحوالي 8/1 مليار جنيه إسترليني أي ما يعادل ملياري دولار. ومن المتوقع أن ترتفع هذه الخسارة إلى ملياري جنيه إسترليني مع نهاية العام الحالي.
ويلاحظ تقرير للاتحاد بأن المتاجر الكبرى والصغرى أنفقت في عام 2023 ما قيمته 2/1 مليار إسترليني لتعزيز إجراءاتها الأمنية لمنع السرقات، ورغم ذلك فقد أصبحت سرقات المتاجر أكثر جرأة وعدوانية من ذي قبل، حسب بيان للرئيس التنفيذي للاتحاد هيلين ديكنسون؛ لكن أصحاب البقالات الصغيرة هم الأكثر تضرراً، فظاهرة الدكاكين الصغيرة التي يعرفها كل شارع في بريطانيا، لدرجة جعلت البريطانيين يصفون بلادهم بأنها «بلد البقالات»، آخذة في الانحسار في ظل منافسة غير متكافئة من فروع سلاسل السوبر ماركت، وربما يمثل وباء السرقات الذي تتعرض له الضربة القاضية لبقائها.
فبينما تتمكن المتاجر الكبرى من تعويض خسائر السرقة من فروعها الممتدة في أنحاء البلاد وزيادة عناصر الأمن في فروعها، تضطر البقالات الصغيرة التي تدار من قبل أسرة واحدة إلى الإنفاق من رأس المال، والتخلي عن الأرباح لتعزيز إجراءاتها الأمنية أو تعويض الفاقد من السرقة. وتشير أرقام وزارة الداخلية إلى أن واحدة فقط من كل سبع حالات سرقة، اكتمل التحقيق فيها بالتوصل إلى الجناة.
 الجريمة والعقاب
يأتي الكشف عن هذه الأرقام بعد أيام من تعهد حكومة العمال الجديدة في بيان سياساتها المتضمن في «خطاب الملك» بتبني تشريع جديد يتصدى لتلك «السرقات الصغيرة»، ويجعل من التعدي على العاملين في المتاجر جريمة قانونية محددة. هذه الضغوط جاءت من ملاك المتاجر الكبرى الذين يشكون من تقاعس الشرطة في التعامل مع «السرقات»، وهو حقيقة واقعة، بعدما قررت حكومة المحافظين في عام 2014 ألا تتابع الشرطة التحقيقات عندما تقل قيمة البضاعة المسروقة عن 200 جنيه إسترليني (230 دولاراً)، وكان الهدف وقتها أن تتفرغ الشرطة للجرائم الكبيرة التي تؤثر على حياة المواطنين.
يجادل كثيرون في صفحات الرأي وبرامج المناقشات البريطانية بأن ارتفاع معدلات السرقة من المتاجر لا ينفصل عن السياسات الاقتصادية التي أدت لتزايد معدلات الفقر في بريطانيا ودفعت الكثيرين نحو الهامش الاقتصادي في ظل أزمة غلاء المعيشة غير المسبوقة. وحسب رأيهم، فإن السرقة من المتاجر ليست أمراً جديداً على بريطانيا أو أي مجتمع آخر؛ لكنها كانت تحدث في حدود معقولة من أشخاص لا يجدون قوتهم، وهي بالتالي تختلف عن «الوباء» الراهن.
وترى البروفيسورة إيميلن تايلور، أستاذة علم الجريمة بجامعة سيتي في لندن، أن «السرقة من المتاجر يمكن أن تمثل مقياساً على مدى صحة الأمة، فالأسباب الكامنة وراءها اجتماعية بالأساس سواء كانت إدمان المخدرات أو التشرد أو الأمراض العقلية، وكلها ظواهر تفاقمت بشدة خلال فترة الجائحة، وقد حدث ذلك على خلفية عقود من سياسات التقشف وتقليص الخدمات الاجتماعية وموارد الشرطة».
وعلقت تايلور، التي تقدم بودكاست عبر الإنترنت بعنوان «كشف جرائم التجزئة»، على إجراءات الحكومة عام 2014 التي قللت من أهمية سرقات المتاجر عندما تكون قيمتها أقل من 200 جنيه، حيث يتعين على المذنب في هذه الحالة أن يعترف بجرمه دون أن يحضر للمحكمة، ويمكنه دفع غرامة تكون عادة أقل من قيمة البضاعة المسروقة، وقالت: «خلال أبحاثي تحدثت إلى كثير من اللصوص الذين قالوا إنهم طالما جعلوا قيمة السرقة أقل من 200 جنيه فلن يواجهوا عقوبة السجن».
وتطالب تايلور بأن تمد الخدمة الاجتماعية عونها لمدمني المخدرات الذين يمثلون العدد الأكبر من مرتكبي سرقات المتاجر بهدف تمويل إدمانهم. رغم ذلك تحولت سرقة المتاجر إلى «مهنة» بالنسبة لكثير من مرتكبيها، والسبب غالباً هو «أزمة تكاليف المعيشة»، فليس نادراً أن يوقفك شخص في الشارع ليتحدث إليك بصوت هادئ عارضاً هاتفاً ذكياً أو ساعة جديدة للبيع بسعر مخفض، هذا النوع من اللصوص يسرقون من منطقة ويبيعون في منطقة أخرى. كما أن هناك من يسرق من المتاجر لصالح تجار أصغر ومقابل نسبة معينة من قيمة البضاعة المسروقة.
رغم ذلك، يتفق معظم المحللين على أن «الفقر» هو السبب الرئيسي وراء تفشي السرقات في بلد غني مثل بريطانيا. فسياسات التقشف التي اتبعتها حكومة المحافظين على مدى عشرين عاماً، وما لحقها من جائحة كوفيد وأزمة غلاء المعيشة دفعت أعداداً متزايدة من البريطانيين إلى هوة الفقر. ويشير هذا الفريق إلى أنه لا يوجد «مجرم» محترف سيقدم على سرقة علبة من لبن الأطفال أو علبة من القهوة سريعة الذوبان، وهي أمور شاعت مؤخراً في المتاجر البريطانية لدرجة أن معظمها توقفت عن عرضها على الأرفف ويمكن شراؤها عند الدفع لدى الخروج.
ربما لا تكون السرقة من المتاجر على نفس الدرجة من الإلحاح الذي تمثله قضايا أخرى مثل الرعاية الطبية والإسكان والوظائف؛ لكنها بحد ذاتها مؤشر على ما يمكن أن يلحق بصحة المجتمع من آفات عندما تتردى أوضاعه الاقتصادية والاجتماعية، وهو التحدي الكبير الذي تواجهه حكومة العمال الجديدة.
البحث
الأرشيف التاريخي