عضو المجلس المركزي في حزب الله للوفاق:
السيّد محسن.. كان شديداً على الأعداء ليّناً مع الأصدقاء
خاض القائد الجهادي الكبير الشهيد فؤاد شُكر «السيد محسن»، غمار المقاومة ضد كل أنواع الاحتلال ومراتبه، مُقبلاً غير مدبر، محققاً في غضون سنين معدودة إنجازات لا تنتهي، بدءاً من الثمانينيات وصولًا إلى «طوفان الأقصى». وفي هذا السياق وللتعرف على الشهيد السيد محسن القائد والإنسان، سنسلط الضوء على مسيرة الشهيد القائد منذ ريعان شبابه وصولاً إلى استشهاده. كما حاورنا عضو المجلس المركزي في حزب الله الشيخ حسن البغدادي حول العلاقة التي جمعته بالشهيد القائد «السيد محسن»، وعن بدايات عمله المقاوم، والصفات التي تحلّى بها القائد الشهيد.
الوفاق/ خاص
عبير شمص
السيد محسن، أو القائد فؤاد شكر، ممن كان لهم تاريخ ودور تأسيسي في المقاومة الإسلامية، خاض بإقبال غمار العمل المقاوم ضد الاحتلال، بدءاً من الثمانينيات منذ قتال اللحظات الأولى في خلدة وصولًا إلى طوفان الأقصى، مُحققاً إنجازات زاخرة لا تنتهي، رافق الشهداء القادة وكل الذين تولّوا قيادة المقاومة. ويُجمِع من عاصره بأنه قيمة عسكرية وثقافية كبيرة، تمكّن من تطويع ذكائه الحاد لتطوير قدرات المقاومة العسكرية.
على مر عقود أربعة، كان لهذا القائد دوره الميداني المباشر، منذ قتال اللحظة الأولى في خلدة. وهو واحد ممن رافقوا كل الذين تولّوا قيادة المقاومة. كما كان شريكاً أساسياً في قراءة الواقع وتحضير لوازم الحرب والاستعداد لفعل نوعي متى تحين لحظة الحرب الكبرى.
من الضاحية.. بدأت القصة
من مواليد النبي شيت - بعلبك، 15 أبريل /نيسان 1961. لم يكن والده علي شكر صاحب مال أو سلطة، بل كان فقيراً من سكان "أحزمة البؤس" على أطراف بيروت، تحديداً في محلّة الأوزاعي، عند مدخلها الجنوبي. كان كادحاً، يُكابد مصاعب الحياة بعناد شديد، أورثه صلابة وقسوة ستتركان لاحقاً آثاراً واضحةً على ابنه فؤاد. "كان يخشى أن ألتحق بأحد الأحزاب خلال الحرب الأهلية، إذ كان يعلم أنّي أحمل السلاح وأتحمّس للقتال، فقرّر إرسالي مع بقية أفراد العائلة إلى النبي شيت لإبعادنا"، قال السيد محسن لـصحيفة الأخبار في مقابلة معه قبل عامين، لمناسبة أربعينية حزب الله. عاد فؤاد إلى بيروت، تحديداً إلى الأوزاعي والضاحية الجنوبية نهاية السبعينيات، في مرحلة انتصار الثورة الإسلامية في إيران بقيادة الإمام الخميني (قدس)، واعتقال آية الله الشهيد السيد محمد باقر الصدر في العراق واغتياله. أثّر الحدثان في شخصيته وتوجّهاته، وسرعان ما وجد نفسه بين مجموعة من المتأثّرين بالثورة الإسلامية، والغاضبين من اغتيال الصدر، من بينهم الشهيدان القائدان عماد مغنية
ومصطفى بدر الدين.
بعد سنوات قليلة، عام 1982، اجتاح العدوالصهيوني لبنان. مع تقدّم دباباته من الجنوب، مع ثلةٍ قليلة جداً، قرر السيد محسن أن يكون من الذين يأخذون بلبنان من مرحلةٍ إلى أخرى. وكان من الذين آمنوا بجدوى القتال، ورفعوا راية الجهاد التي أتوا بها من الإمام الخميني (قدس)، يوم أصدر فتوى توجب قتال "العدو الصهيوني" ومواجهتها.
نحن الخمينيون.. انطلاقة المقاومة
في خلدة، بعد صد عنيف وقاسٍ للعدو الصهيوني شارك فيه الشهيد مع الشهيد القائد عماد مغنية والسيد الشهيد مصطفى بدر الدين وآخرين، وصلت بعض وسائل الإعلام لتسأل هذه الثلة عن هويتهم، فلم يتردد السيد محسن في الإجابة: "نحن الخمينيون".
هكذا بدأت تتشكل ملامح التشكيل العسكري الأول للمقاومة، في وقت زاد انخراط القائد الشهيد في العمل الجهادي، بعدما تعرّف إلى الحرب وفنون القتال الإستراتيجية والتكتيكية وحتى الشخصية، فبات حضوره الميداني المباشر عاملاً مؤثراً منذ ذلك الوقت في كل المعارك والحروب اللاحقة. لم يعرف السيد محسن، الخمينيّ والاستشهادي والقائد، بعد ذلك اليوم، عملاً سوى المقاومة وقتال العدو الصهيوني وأعوانه.
دفاعاً عن الاسلام
عام 1992، وفي مهمة سرية واضحة الأهداف، سافر القائد الشهيد السيد محسن إلى البوسنة، على رأس مجموعة عسكرية من نخبة مقاتلي المقاومة أبرزهم الشهيد علي فياض (علاء البوسنة – استشهد في سوريا عام 2016). قطعوا الحدود بطائرة وزير الخارجية الإيراني حينها، علي أكبر ولايتي، ويمموا شطر البلاد لتنظيم صفوف المقاتلين المسلمين، والبدء في مهمات تدريبية وتقديم الخبرات، لأن "مشروعنا أممي، ولا يقتصر على بلد أو منطقة محددة" يقول السيد محسن.
بعدما عاد الشهيد إلى البلاد، تم تنصيبه قائداً لـ"الوحدة العسكرية" حتى 1995، ثم بعدها تسلّم تأسيس وقيادة القوة البحرية، وبعدها القوة الصاروخية والجوية.
في 2000، وبعد مشاركته في التخطيط الطويل لعملية الأسر آنذاك، كان الشهيد القائد السيد محسن على الأرض مع المجاهدين الذين نفذوا العملية، وما إن نجحت، وصار الأسرى الثلاثة داخل السيارة، قادها بنفسه ناقلاً إياهم إلى مكان آمن.
بعد ذلك، انتقل السيد محسن إلى مرحلة جديدة من بناء القدرة، وأشرف بنفسه، حتى شهادته، على بناء القدرات التسليحية النوعية والاستراتيجية للمقاومة. وأشرف مع الشهيد حسّان اللقيس على ملف المُسيّرات والصواريخ الاستراتيجية والدقيقة، وكانت له البصمة الأكبر والأوضح. كما شارك الشهيد في كل المراحل في صياغة الخطط التكتيكية والاستراتيجية، وإعداد البرامج التدريبية والعسكرية، وكان يهتمّ بأن يحضر قدر الإمكان في معسكرات وكليات التدريب، ليتحدّث إلى المقاومين ويُشرف على تخريجهم من الدورات.
السيد محسن.. شهيداً على طريق القدس
في "طوفان الأقصى"، قاد القائد الشهيد العمليات العسكرية على جبهة الإسناد اللبنانية منذ بداياتها، الرجل الذي يُعد أشبه برئيس أركان أدار منذ بداية المعركة جبهة الإسناد اللبنانية يوماً تلو الآخر، متابعاً أدنى تفصيل للعمليات العسكرية في الجنوب. في هذه المرحلة، كان يُعدّ من أقدم القادة العسكريين في المقاومة، ومستشاراً للأمين العام، السيد حسن نصر الله، في التخطيط وتوجيه العمليات خلال الحروب.
مساء 30 تموز/يوليو 2024، مضى ليحلّق قرب رفاقه الذين سبقوه، تاركاً إرثاً طويلاً من العمل الجهادي، ووري الثرى في الضاحية الجنوبية بوداع يليق بتاريخه.
وفيما يلي نص الحوار مع عضو المجلس المركزي في حزب الله الشيخ حسن البغدادي:
بداية التعارف
الشهيد السعيد القائد الجهادي الكبير العزيز السيد فؤاد شكر والذي كان يُعرف بـ "الحاج محسن" تعرفت عليه في بداية تسعينات القرن الماضي، يقول الشيخ البغدادي، ويتابع حديثه عنه بالقول:" كان يُعتبر من القياديين في المقاومة الاسلامية ولم يكن إنساناً عادياً ويشغل مناصب متعددة منها المسؤول العسكري العام في حزب الله، وأنا كنت أعرفه سابقاً عن بعد ولم يكن هناك صلة تواصل أو عمل فيما بيننا إنما كنت أعرف أنه يعمل بالمقاومة. لكن في بداية التسعينيات أصبحت المعرفة عن قرب لأن الشهيد كُلّف بمهمة في الجنوب للجمع بين العمل العسكري وبين العمل التنظيمي آنذاك، حينها بدأت قصة تعارفنا وعلاقتنا. وهذا العمل كان منشأه وخلفيته المقاومة لأن المجتمع آنذاك كان يتعرض للقصف والعدوان الصهيوني في القرى وكان البعض يعملون على تحريض الناس ضد المقاومة وحزب الله وكانت المهمة مواجهة هؤلاء المحرضين والاجتماع بالناس والعمل على توعيتهم وتحضيرهم وطمأنتهم، وكانت مهمة شاقة وصعبة جداً في تلك المرحلة خصوصاً في مناطق التأزم في منطقة اقليم التفاح جنوب لبنان بشكلٍ خاص".
المساجد متراس المقاومين
يشرح الشيخ البغدادي بداية المواجهات مع العدو الصهيوني في العاصمة بيروت والتي بدأت عند مدخلها في منطقة خلدة والمشاركين فيها، فيقول:" انطلقت مجموعة العشرة والتي ينتمي إليها القائد الشهيد السيد محسن في مواجهة العدو الصهيوني من المسجد، هؤلاء الشباب كانوا متأثرين بعلمائهم، وعلى رأسهم المؤسس الإمام السيد موسى الصدر الذي أسس المقاومة، وعدد من علماء الدين في تلك المرحلة، وهؤلاء الشباب الذين كانوا يتطلعون إلى الدمج بين العمل الديني والجهادي كانوا يجتمعون في المساجد إما في منطقة الغبيري أو الأوزاعي أو بئر العبد وغيرها وانطلقوا من هذه المساجد بروحية العبادة الجهادية، العبادة التي تحمل معها البصيرة وحس تحمل المسؤولية، عبادة الصلاة التي تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر. كانت صلاتهم وعباداتهم تأخذهم إلى هذا البعد ولذلك أثّرت هذه الصلاة عميقاً فيهم، فعندما جاء الاستحقاق في عام 1982 عند الاجتياح الصهيوني للبنان ظهرت هذه الروحية على محياهم وعلى سواعدهم وقاتلوا الاحتلال بشجاعة".
مواجهات خلدة.. انطلاقة المقاومة
يوضح الشيخ البغدادي عن الأهداف الحقيقية للاجتياح الصهيوني وخلفياته فيقول:" لم يكن الاجتياح الصهيوني للبنان اجتياحاً مفاجئاً، إذ كانت الحرب الأهلية عام 1975 تحضيراً له والتي وقف خلفها الكيان الصهيوني وأمريكا وواجهها الامام موسى الصدر لعلمه بغايتها وهدفها، وفي تلك المرحلة قبل 82، عندما انطلقت الثورة الاسلامية في 1978م، غضب العدو الصهيوني كثيراً واعتبر أن هذه الثورة سوف تُهدد وجوده لهذا قال آنذاك رئيس وزرائهم "أننا سنُلاقيهم في منتصف الطريق" ، وكان يقصد الحرب المفروضة عبر نظام صدام البائد والاجتياح الصهيوني للبنان. والاجتياح كان يهدف الى أمرين: إبرام معاهدة بين الحكومة اللبنانية والعدو الصهيوني لتكون معبراً للتطبيع مع العالم العربي ولفتح الأسواق العربية أمامهم. والأمر الآخر هو قضم ما أمكن من أراضي جبل عامل لضمها إلى فلسطين لأن لهم أطماع بالثروات المائية. من هنا جاءت المؤامرة والتجهيز للاجتياح عبر اختطاف الامام موسى الصدر وسبقها الحرب الأهلية والسلاح المنفلت داخل لبنان الذي أوصل الناس لطلب المخلص فجاء العدو الصهيوني تحت هذا العنوان. هذه الحيلة لم تمر على المخلصين من الشباب كالقائد الشهيد سيد محسن شكر والحاج عماد مغنية والسيد مصطفى بدر الدين وغيرهم من المجاهدين. وهم بخلفية الحس الجهادي الذي زُرع فيهم بالمساجد انطلقوا في مواجهة هذا الاحتلال باكراً في كل بيروت وخصوصاً في خلدة وتشكلت النواة الأولى للمقاومة الاسلامية وحزب الله والسيد محسن كان أحد الأساسيين في انطلاقة المقاومة مع هذه المجموعة من الشباب الذين كان مُعظمهم في العشرين من عمرهم، مُشكلين النواة الأولى للمقاومة التي بدأت تنمو وتكبر حتى استطاعوا إخراج العدو الصهيوني من بيروت إلى الجنوب وتوالت الانسحابات حتى الشريط الحدودي، وهذا كُله لم يكن بفعل ضغط دولي وقرارات دولية إنما كان بفعل ثبات هؤلاء الشباب المجاهدين".
القائد اللين المرن الجاد
يعتقد الشيخ البغدادي أن السيد محسن كان شخصية عسكرية ويقول:" كنت أتساءل كيف سأتعامل معه وأنا عملي سياسي اجتماعي احتوائي مرن وهذا شخص قاس لأنه عسكري وله هيبته العسكرية. كيف يمكنني العمل والتعاون معه، لكن بعد العمل معه وجدت فيه الانسان العاقل الذي يجمع في شخصيته بين القساوة ضد الأعداء وبين اللين مع الأصدقاء وأبناء بلده، فعندما نصف أمير المؤمنين(ع) نتحدث عن حنانه وعطفه على الفقراء واليتامى فهو كان ليناً هيناً معهم ولكن كان شديداً مع الأعداء، شباب المقاومة كانوا كذلك أشداء على الأعداء بحيث الذي يراهم في ساحات المعارك يتخيلهم أسوداً ولكن عندما يعودون إلى القرى والبيوت والشوارع يكونون أناساً عادين يُحبون الناس ويساعدوهم، ومن خلال تجربتي مع السيد محسن، لم أرَ فيه إلاّ الإنسان اللطيف الجاد في العمل من دون ملل ولا كلل، وكان يوصل الليل بالنهار ويبدأ عمله وجلساته منذ طلوع الشمس، فكان يُتعب من يعمل معه".
ويختم الشيخ البغدادي بالحديث عن الشهيد القائد السيد محسن بالقول:" فقدنا أخاً عزيزاً قبل أن تفقده المقاومة قائداً شهيداً ودائماًعندما كنا نلتقي في أوقات مختلفة نلتقي على المودة والذكريات الجميلة وهو لا ينسى أصدقائه. على المستوى الشخصي تأثرت بشهادته كثيراً واعتبرت أنني فقدت انساناً عزيزاً ، أما في اطار المشروع فإن خسارته تعوض ، فنحن نؤمن بالأجل واختاره الله بالساعة المناسبة وفي هذا الوقت وختم له بالشهادة، وهو ترك بصمة جهادية اجتماعية وهي لن تذهب معه إلى قبره بل ثوابها سيذهب معه، أما هي فستبقى معنا فسيعمل الإخوة المجاهدين على هذه البصمة. عندما استشهد الحاج عماد لا زال إخواننا يعملون ضمن بصماته، والسيد محسن كذلك، أي مجاهد وأي عالم له بصمة وحين يرحل ستبقى هذه البصمة حاضرة يعمل عليها الأعزاء من الجيل الصاعد من الشباب المقاومين وبالتالي لا خوف على هذه المقاومة وهذه المسيرة لأن هذه المسيرة ستبقى وتستمر".