الصفحات
  • الصفحه الاولي
  • محلیات
  • الثقاقه و المجتمع
  • دولیات
  • الریاضه و السیاحه
  • طوفان الأقصى
  • منوعات
العدد سبعة آلاف وخمسمائة وستة وخمسون - ٣١ يوليو ٢٠٢٤
صحیفة ایران الدولیة الوفاق - العدد سبعة آلاف وخمسمائة وستة وخمسون - ٣١ يوليو ٢٠٢٤ - الصفحة ٤

خبيرة تربوية وناشطة ثقافية لبنانية للوفاق:

الأسرة الغزّاويّة نموذج حيّ لتعليمنا آليات البقاء والصمود

تعد الأسرة اللّبنة الأولى التي يقوم عليها المجتمع، وتتمثل أهمية الأسرة في المجتمع كونها أحد أهم الأنظمة الأجتماعية التي يعتمد عليها المجتمع في بنائه وتطوره، والأسرة هي الأساس المتين الذي يقوم عليه المجتمع، فمتى صلح الأساس صلح البناء، وكلما كان الكيان الأسري سليماً مترابطاً انعكس أثر ذلك على المجتمع، فالأسرة التي تقوم على أسس الأخلاق يؤدي ذلك إلى تماسك المجتمع وتعاون أفراده، وتعمل الأسرة على توفير احتياجات الطفل الأساسية، مثل الاحتياجات الفطرية، والبدنية، والنفسية، ما يساهم في وجود مجتمع سوي. لذا تحرص الأسرة على غرس القيم الاجتماعية في أطفالها، والأخلاق الدينية، والعادات والتقاليد التي تتماشى مع المجتمع الذي تعيش فيه. وفي هذا الصدد أجرت صحيفة الوفاق حواراً مع الخبيرة التربوية والناشطة الثقافية الأستاذة فاطمة فنيش فيما يلي نصه:

الوفاق/ خاص

سهامه مجلسي

من هي الأسرة الممتدة وما دورها في بناء الشخصية المسلمة؟
بداية، كل فرد في المجتمع مسؤول بطريقة مباشرة أو غير مباشرة عن الأفراد الآخرين، من ناحية علاقته معهم، ومن ناحية تأثيره عليهم. وهو ما يتلائم مع الحديث الشريف: «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته».
الأهل، الأخوة، الأعمام، الأخوال، وباقي عناصر الأسرة الممتدة، يشكلون كلهم البيئة المحيطة بالانسان، ويؤثرون عليه ويتأثرون به. ولذلك، ان أي سلوك، أو أسلوب عيش، أو فكر، أو عادات او تقاليد أو أخلاقيات يمارسها أفراد الأسرة الممتدة، سينعكس سلباً أو إيجاباً على كل فرد فيها. فإذا كانوا مثالاً للشخصية الاسلامية المعتدلة والسليمة سينشأ في كنفهم أفراد يتمتعون بشخصية مسلمة معتدلة وسليمة. ولذلك كل فرد مسؤول عن تهذيب نفسه وتثقيفها، ومسؤول عن تحسين سلوكه وضبطه، وعن السعي لخلق جو من المودة والخير وصلة الرحم بين الجميع.
كيف تلعب الأسرة دوراً أساسياً ومركزياً في نشر الأمن الفكري؟
الأسرة هي المكان الذي يتربى فيه الأولاد، ويكتسبون فيه عقيدتهم وأفكارهم، ولذلك يقع دور كبير على الأهل في تربية الأولاد بشكل واعٍ كي يضمنوا أمنهم الفكري والمعرفي والعقائدي. وذلك من خلال التالي:
- إيجاد جو داعم ومشجع على التعلم وحب العلم وسعة الاطلاع.
- المشاركة في أنشطة ثقافية آمنة معاً.
- تعزيز حب المطالعة.
- الحديث والحوار مع الأبناء حول كل ما يخص يومياتهم وقضايا أمتهم وشرح ما يدور حولهم والاستماع لهم ولآرائهم ومناقشتهم بشكل علمي يهدف الى إعطائهم أجوبة منطقية مقنعة.
- سرد الأحداث والقصص التي تعكس القيم والأخلاق والأسس العقائدية على مسامعهم.
- مجالسة أهل العلم الذين يتصفون بسعة الاطلاع وعمق الفكر.
ومن خلال كل هذه الأساليب، يستطيع الأهل نقض كل ما يخالف القيم والمعتقدات بشكل علمي ومنطقي مقنع. وذلك كي يضمنوا حماية أفراد الأسرة من الوقوع في مغبة الانحرافات والضياع والسوء. لا سيما وأن الحرب الثقافية والفكرية علينا حرب شعواء لا تستكين ولا تهدأ، بل هي أعتى وأكبر الحروب التي تحصل اليوم.
ما هو دور الأسرة في ترسيخ ثقافة التسامح ونبذ الكراهية؟
الأسرة هي البيئة الاولى التي يكتسب فيها الانسان مجموع صفاته وسلوكياته وعاداته وعقيدته. ولذلك يمكن القول ان دورها مهم جداً في ترسيخ ثقافة التسامح ونبذ الكراهية، إنما باعتدال. لأن بعض الأفراد قد يقعون في فخ تسييل فكرة التسامح ونبذ الكراهية لتصل الى حد الخنوع والضعف وهو ما يخشى منه على الأسرة اليوم. يخشى عليها أن تصبح أسرة خانعة، خاضعة، تبالغ في التسامح وخطاب اللاعنف. وكلنا يعلم أن بعض العنف ممدوح، بل لا بد منه، كالعنف في وجه  الظالم، او في وجه العدو، أي المقاومة. وفي كل الاحوال، فأن الأعتدال واجب، ووضع الشيء في موضعه أوجب. وبالعودة الى ترسيخ ثقافة التسامح ونبذ الكراهية، يقع الدور الأكبر على الأهل، وذلك من خلال
ثلاثة أمور:
- علاقة الأم والأب ببعضهما، والتي يجب أن تقوم على مبدأ المحبة والتسامح والمودة والرحمة.
- علاقة الأهل مع الأبناء.
- موقف الأهل من القضايا والأحداث التي تحصل في كنف الأسرة، والأسرة الممتدة والمجتمع الذي يجب ان يرتكز على الحكمة والأعتدال والعدالة والمحبة والتسامح.
هذه العناصر الثلاثة، تشكل ركيزة اساسية لدور الأسرة في ترسيخ ثقافة التسامح ونبذ الكراهية، فكما ذكرنا ان الأبناء يتماهون ويتأثرون بالجو الأسري العام.
ما هي أدوات الغزو الفكري في القضاء على الأسرة المسلمة؟
الأسرة هي صمام الأمان الأول من عواصف الحياة، والتي أشدها خطراً هي مواقع التواصل الاجتماعي والتكنولوجيا لأنها تعتبر البوابة الأوسع لدخول أي عنصر من عناصر الغزو الفكري بكل أريحية وبدون إستئذان. كما نلاحظ اليوم ان جهوداً كثيرة تنصب على إحداث تغيير جذري في المجتمعات: تغيير في العادات، التقاليد، الأعراف، القيم و العقائد.أي تغيير اجتماعي سلوكي، يعني تحويل المجتمع من هيكلية معينة الى هيكلية مغايرة كليا. والمستهدف الأكبر اليوم من ذلك هي المجتمعات المسلمة. ولا يتم الأمر الا من خلال البدء بالمكونات الصغيرة فيها أي الاسرة.  
واحدة من اساليب القضاء على الأسرة هي التيارات النسوية الحديثة المتطرفة والتي سعت الى تعزيز الشرخ بين الرجل والمرأة، وتقديس حب الذات ونبذ مبدأ التضحية من أجل الأسرة، كما روجت وبشدة لصورة الأب الظالم والأب المنحرف لاظهاره كخطر داهم على الأسرة. كما ظهرت في المقابل آراء تروّج الى حب العزوبية ونبذ الزواج ودعم فكرة أن الزواج مؤسسة فاشلة. كل هذا يراد منه هدم نموذج الأبوة والأمومة وجعل الأسرة مكانا خاويا.
أما آخر الأساليب فكان نشر ثقافة الشذوذ والترويج له عبر شتى الوسائل. لأن الشذوذ آفة لا رجوع عنها. انتشاره في المجتمعات يعني ان الخلل صار متأصلا. وهذا مبحث كبير لا يسعنا الاحاطة به هنا. لكن باختصار، الشذوذ له مقدمات كثيرة، ووصول المجتمعات اليه يعني انها سلكت مساراً عميقاً من الانحراف والسوء والفساد. وهو وسيلة أكيدة لتدمير المجتمع.
ما هو دور الأسرة تجاه الغزو الفكري للأبناء؟
ان التثقيف هو الحل المقدس. بشكل أساسي يجب ان نجتهد لتثقيف أنفسنا وأولادنا وتحصينها عبر المعرفة والعلم والحجة. بالاضافة الى تعزيز الايمان بالله والعمل لرضاه. هذا على الصعيد الفردي. أما على الصعيد العام، أنا ما زلت أؤمن بأن العمل على ارض الواقع هو أقصر الطرق للتأثير. هذا الدور يقع على عاتق المثقفين والعلماء والفنانين والأدباء وغيرهم، على جهودهم أن تنصب للعمل على أرض الواقع: الجلسات العلمية، التثقيفية، الأنشطة التطوعية، الكشاف، المحافل الأدبية، الأنشطة المتنوعة في المناسبات الدينية والتاريخية وغيرها الكثير.
ولا ينبغي إغفال دور وسائل الأعلام والفن والمسرح، فهي ايضاً تشكل بمجموعها باباً واسعاً للتأثير وللترويج لعقيدتنا وفكرنا وقيمنا وشكل المجتمع الاسلامي كما يجب ان يكون عليه. ونحن ما زلنا نفتقر الى الكم والنوع في الأعمال الفنية، مقارنة بالغزو الكبير، لكن ذلك لا يجب ان يمنعنا من السعي.
وخير مثال على ذلك العمل الفني الكبير "سلام يا مهدي" الذي ترك اثراً فكرياً وعقائدياً ومعنوياً في نفوس الأبناء، ما جعل الخصوم يتحدثون عنه قبلنا.
ما هو دور الأسرة المسلمة في ظل التغييرات المعاصرة؟
التحديات كثيرة جداً. على الأهل ان ينزعوا لباس الأنا وحب الذات والاستهلاك عن أنفسهم. هذه الآفات التي أدت الى كوارث داخل الأسرة. على كل حال ، لا يمكن لعاقل إنكار ان الاطلاع الدائم والمستمر على المتغيرات المعاصرة أمر مهم جداً من ناحية الأهل. وهو أمر شاق وغير هين، ولكن لا بد منه، ليستطيعوا أن يواكبوا ابناءهم كما يجب. وعلى الأسرة المسلمة ان تكون واعية، مثقفة، مطّلعة، متعلّمة، منتجة، مواكبة وعصرية كي تكون على مستوى التغييرات المعاصرة وكي تستطيع فهمها والتعامل معها بحكمة وصوابية.  
كيف تعيش الأسرة الفلسطينية تحت النار والحصار؟
بالنسبة للقضية الفلسطينية، وما يجري اليوم في غزة تحديداً. قدّم الشعب الفلسطيني نموذجاً مختلفاً للأسرة، بل في الحقيقة أعاد الى الواجهة نموذج الأسرة الأصيلة، وقد ظهر ذلك من خلال تجلّي الوعي لدى الاطفال والشبان والكبار: الوعي لقضيتهم، والوعي لدورهم، والوعي لموقفهم أمام العالم. بدا جليّاً أنهم أفراد مسؤولون وأنهم نشأوا على هذه المسؤولية.
من جهة ثانية، أعادت الأسرة الفلسطينية الغزاوية كما رأيناها مفهوم الانجاب الى الواجهة، كواحدة من أهم سبل التحضير للحرب، وكدليل على أن هذه الأسر تعيش على مبدأ أنها مجتمعات حرب، ولتكون على كامل الاهبة والاستعداد عليها أن تبدأ بإعداد العديد من خلال الانجاب. هذه النقطة بالذات أهملها أغلبنا، فبسبب طغيان خطاب الهوس بالتجمل والصبا، والخوف من تشوه الجسد، واللحاق بالراحة والرفاهية، نبذ الآباء والامهات فكرة العائلة الكبيرة. طبعاً لا أنفي تأثير الأوضاع الأقتصادية على إحداث هذا التغيير في ذهنية الشعوب، ولكن غزة أيضاً عاشت تحت الحصار وعانت من وضع اقتصادي صعب.
في الحقيقة تذكر سريع لسياق الحرب وموقف الصهاينة من الأطفال، يؤكد أن هدفهم ، وباعترافهم ،كان ابادة العائلات وقتل الأطفال قبل أن يكبروا. أذكر هنا أنشودة كنت أسمعها في صغري «ارعبهم أنك يا قاسم… قد تكبر يوماً وتقاوم».
الأسرة الفلسطينية الغزّاويّة نموذج حيّ لتعليمنا آليات البقاء والصمود في وجه محتلّ غاشم لا يرحم ولا يقف عند حدّ.
تعيش الأسرة اليوم تحديات مختلفة، هل لكم أن تطلعونا على أخطرها؟
باعتقادي، أشدها خطورة اليوم هما: الالحاد والانحرافات الأخلاقية بكافة انواعها. ان نشر ثقاقة الإلحاد موضوع خطير جداً، وتصرف عليه ميزانيات ضخمة لانتشاره عبر صناعة الافلام والسوشيال ميديا والفن والالعاب الألكترونية والكرتون وغيرها. وقد كنت شاهدة على إلحاد أطفال صغار نشأوا في أسر مؤمنة، وصلوا لمرحلة أنكروا فيها وجود الله.
كذلك الأمر في مسألة الانحرافات الأخلاقية والتي يروج لها عبر كل الوسائل المتاحة. وهو أمر خطير جداً لأن فيه هدماً أكيداً للاسرة ولمؤسسة الزواج ككل. وهي تطال الأطفال والمراهقين ويتم التأسيس لها لدى الصغار قبل الكبار عبر نشر ثقافة الاغراء والشذوذ وتطبيعها في الاذهان، وعبر الترويج المفرط للموضة غير المحتشمة ومشتقاتها... يراد للناس ان يسعوا وراء اللذة والشهوة بكل ما أوتوا من قوة. أن يتحولوا لبهائم هائمة لا هم لها الا شكلها وغريزتها. والضحية؟ هي الاسرة.
أما كيفية التعامل مع هذه المخاطر؟ بداية، يجب أن تكون عبر المراقبة الشديدة للابناء والامتناع عن استخدام وسائل التكنولوجيا قدر الامكان، والامتناع مطلقا لدى الأعمار الصغيرة. وثانيا عبر تعزيز النموذج الأسري السليم، وتعزيز الحصانة الأسرية. حيث لا يقف دور الأهل عند الانجاب، بل يبدأ من أنفسهم هم. إذا لم يجهدوا لتثبيت دورهم وسلطتهم وإدارتهم الصائبة للنظام الاسري فلا يلوموا إلا أنفسهم إذا أوكل الدور لغيرهم. 

 

البحث
الأرشيف التاريخي