الفنان و الرسّام العاشورائي «علي بحريني» للوفاق:
مجموعة «رستاخيز».. أحداث عاشوراء بلوحات فنية
مضت أكثر من 1300 سنة على بطولات سيد الشهداء(ع) وأصحابه الأوفياء في ملحمة كربلاء المقدسة، وفي كل هذه السنوات، على الرغم من أن حدث عاشوراء كان أساساً لخلق أعمال مختلفة لفنانين مختلفين، بما في ذلك الأدب والموسيقى والمسرح والفنون البصرية والسينما وما إلى ذلك، لكن هذا الحدث لا يزال جديداً ويحتوي على العديد من القرائن والمفاهيم المثيرة للتفكير في عمقه. الأستاذ ”علي بحريني” فنان من مدينة بوشهر، شوهدت لوحاته العاشورائية عدة مرات في الفضاء الإفتراضي، وهو فنان معروف في مجال الفن العاشورائي، لوحاته بمثابة مجالس ندب تصويرية يحتاج جيل اليوم إلى رؤيتها. ويُعد ”بحريني” أحد روّاد الفن العاشورائي، الذي دخل هذا المجال قبل فنانين مثل ”حسن روح الأمين” بسنوات، وتمكن من الإبداع في العديد من الأعمال الخالدة في السنوات الأخيرة. ومن خلال دراسة أعماله، يمكن للمرء أن يرى بوضوح تأثير نتاجاته في ترسيخ وتوسيع الفن العاشورائي، خاصة اللوحات الدينية والطقوسية. ”علي بحريني” هو أحد الأساتذة المعروفين في مجال الفن التشكيلي، وقد أقام العديد من المعارض الفردية والجماعية داخل وخارج ايران، وحصل على جوائز عديدة وتم اختياره كشخصية بارزة والأفضل لفن الثورة الإسلامية، ويُقام هذه الأيام معرض للوحاته الفنية في طهران بموضوع عاشوراء تحت عنوان مجموعة ”رستاخيز” (القيامة)، التي تحكي ملخصاً لقصة عاشوراء من اليوم الأول من محرم إلى غروب الشمس في يوم عاشوراء. يضم المعرض 38 لوحة مقسمة إلى قسمين؛ منها 16 عملاً عن حياة الإمام علي(ع) و 22 عملاً خاصاً بحادثة عاشوراء. تم تنفيذ هذه الأعمال بأبعاد مختلفة باستخدام تقنية الطلاء الزيتي وأسلوب يمزج بين الواقعية والإنطباعية. فاغتنمنا الفرصة وأجرينا حواراً معه للتعرف على أسلوبه الفني، والموضوعات التي تناولها في أعماله، وخاصة المرتبطة بأهل البيت(ع)، وفيما يلي نص الحوار:
الوفاق/ خاص
موناسادات خواسته
الدافع إلى رسم اللوحات الدينية
بداية طلبنا من الأستاذ "علي بحريني" أن يتحدث لنا عن الدافع الذي دفعه إلى رسم اللوحات الدينية، فقال: لقد بدأت الرسم منذ وعيت على نفسي، أي أنني كنت أمارس الرسم قبل أن اذهب إلى المدرسة، واستمررت في ذلك حتى بعدما كبرت، وكان لهذا الفن شرارة بداخلي لا تتركني أبداً، وكانت حياتي دائماً مليئة بالتصاميم والألوان واللوحات، ولأنني نشأت في المسجد والحسينية، لذا أحببت دائماً هذه المراثي والندب التي كانت تُقال في المجالس، لكي أقوم بالتعبير عنها بطريقة بصرية، وكما كنت أتصورها بنفسي، وأحببت أن يرى الآخرون هذه المشاهد كما رأيتها بنفسي.
لقد استغرق الأمر سنوات ولم يكن لدي الأساس القوي والصحيح له من الناحية الفنية، ولهذا السبب عملت في العديد من المجموعات غير الدينية. على سبيل المثال، كانت هناك مجموعة "تفرج در آینه ها" (المشي في المرايا) المأخوذة من أعمال الرسامين العالميين، أو مجموعة "اقليم نخل ها" (اقليم النخيل)، وهي عن طبيعة محافظة بوشهر، أو مجموعة "خاطره ها" (الذكريات) التي تدور حول دور المرأة في جنوب ايران.
وهكذا واصلت المضي قدماً حتى رأيت بعد المجموعة الأخيرة "خاطره ها" (الذكريات) أنني وصلت إلى المرحلة التي يمكنني فيها الدخول في الأعمال الدينية، وبالطبع، عملت بشكل متقطع بين هذه المجموعات، لكن كان من الضروري تطوير المجموعة بشكل أساسي. وبعد مجموعة الذكريات، عملت على مجموعة "مهر وماه" (الشمس والقمر)، والتي كانت بأسلوبي الخاص، والتي تضمنت حياة الإمام علي(ع) والسيدة فاطمة الزهراء(س).
وبعد ذلك، منذ حوالي 5 سنوات وأنا منخرط في مجموعة "رستاخيز" (القيامة)، التي تروي أحداث عاشوراء، وربما نظرت إلى هذا الحدث من وجهة نظر جديدة، لأنه حتى الآن يتم خلق الأعمال الدينية عادة إما بشكل منمنمات أو الواقعية، فقد قمت بعمل مزيج من هذه الفنون التي تم إنجازها، وهناك أيضاً مزيج من المنمنمات والواقعية والانطباعية.
وحاولت إزالة تفاصيل العمل في هذه المجموعة، والإهتمام بالموضوع الرئيسي، وبطريقة ما، أستمد منه إحساسي بالواقع، والذي عادة ما يكون في هالة من الضوء والغبار والألوان الخاصة.
ميزات اللوحات الدينية
وعندما سألنا الفنان الإيراني القدير عن ميزات اللوحات الدينية، قال: يجب على كل فنان أن يتقن تصميمه قبل أن يفعل أي شيء، أي لا ينبغي أن يكون لدينا عيوب تشريحية (آناتومیکال) في التصميم، لأنني رأيت العديد من الأعمال التي بها مشاكل من الناحية التشريحية.
وفي رأيي أن هذا يعود إلى كرامة أهل البيت(ع)، فيجب أن نهتم بكرامتهم في أعمالنا، وأن نتحلى بالجدية اللازمة، وثانياً، يجب أن نتحلى بالدراسة اللازمة، ويجب أن يتم تحديد تناغم الألوان لكل موضوع بالنسبة لنا، لأنه ليس لدينا رسم للوجه في الأعمال الدينية، علينا أن نملأ هذا الفراغ بالألوان التي نستخدمها، فالرسم الديني ليس كغيره من اللوحات، فحتى الملابس يجب أن تكون لها شخصية، أي أن الملابس يجب أن تعبّر عن مشاعر وأمزجة تلك الشخصية الروحية؛ عندما نقوم بعمل ديني، فإننا في الواقع نمثل أساطير دينية، ولهذا السبب يجب أن نعبّر عنها بأجمل طريقة يستطيعها الفنان حتى تكون مؤثرة.
اختيار الموضوع ودراسته
وفيما يتعلق باختيار الموضوع والأجواء حين رسم اللوحات قال بحريني: كل موضوع وكل مجموعة أبدأوها، أدرسها من عدة مصادر قبل ذلك، وعندما تنتهي الدراسة أبدأ في الرسم المبدئي، ومن ثم يأتي الأمر إلى مرحلة الأداء، والتي كما قلت، أعمال أهل البيت(ع) والأعمال التي لها لون ورائحة ذات قيمة، وهذه لها ميزة لا يمكن مقارنتها بأي عمل آخر.
يعلم الرسامين أنه عندما يكون المرء في فضاء الرسم، فإنه يتخلص من كل شيء، ويحدث ذلك مائة مرة عند رسم الأعمال الدينية، وعندما نقوم برسم لوحة لأهل البيت(ع)، فإن المرء يشعر بوجود تلك الشخصية الدينية، وهذا أمر طبيعي، إنه يعطي شعوراً جيداً.
مجموعة "رستاخيز"
أما حول مجموعة "رستاخيز" (القيامة) والمشاهد التي تم التركيز عليها والأسلوب الفني فيها، قال الأستاذ بحريني: حاولت أن أرسم لوحات جيدة على حد استطاعتي، من خروج الإمام الحسين(ع) إلى كربلاء المقدسة حتى أحداث ليلة ونهار عاشوراء وعودة أهل البيت(ع) إلى المدينة المنورة. وعلى الرغم من أنني أعتقد أنه إذا اجتمع كل الفنانين حقاً وعملوا من أجل عاشوراء، فهناك الكثير من مشاهد عاشوراء الجميلة جداً والتي نفتقدها.
ولهذا أقدّم في هذه المجموعة حوالي 22 لوحة على قدر استطاعتي وحوالي 10 من هذه الأعمال بمقاس 2 متر في 3 أمتار وهي لوحات كبيرة وباقي الأعمال معروضة بمقاس 150 في 100 سم. كما لدي عناية خاصة بتلك المشاهد التي كانت حساسة ويوليها المسلمون اهتماماً خاصاً، حاولت أداء تلك المشاهد، لكن مهما تقدمت، فأنني بقيت أفكر في مشاهد أخرى كان يجب أن أؤديها، وإن شاء الله لو كان لي عمر أطول سأقوم برسمها كلوحة واحدة.
لوحة "اول محرم"
بعد ذلك تطرقنا إلى بعض اللوحات التي رسمها الفنان علي بحريني ومنها لوحة "اول محرم" التي هي عن رواية تعليق رداء الإمام الحسين(ع) الدموي من السماء في اول محرم من كل سنة، فقال: لقد عقد هذا العام لقاء حول رداء أبي عبد الله الحسين(ع) الدموي، وقال أحد أصدقائي أنني أتمنى أن تعمل أيضاً لوحة حول هذا الموضوع.
حسناً، مجموعة القيامة الخاصة بي كانت قد انتهت بالفعل، وكنت أقيم معرضاً، ولكن عندما اقترحها هذا الصديق، ذهبت سريعاً ودرستها، ورأيت أنه من الممكن جداً المناورة حول هذه اللوحة، وخطرت العديد من الدراسات في ذهني، فقمت بالرسومات المبدئية العديدة.
ولأنه لم يكن لدي الوقت الكافي، فقد استقريت على هذه اللوحة، وبالمناسبة، تم رسم هذه اللوحة وتنفيذها بسرعة كبيرة، وفيما يستغرق عادة كل عمل حوالي شهر واحد، لكن هذه اللوحة استغرقت حوالي 10 أيام من البداية حتى النهاية. وأصبحت لوحة مشهورة جداً في هذه المجموعة، والتي حظيت بردات فعل جيدة جداً، حيث شاهد ما يقرب من 50 ألف شخص هذا العمل على صفحتي في الإنستغرام، ما أظهر أن الناس مهتمون جداً بهذه القضايا.
لوحة "ضيافة السيوف"
وحول لوحة "ضيافة السيوف" وأسلوب العمل قال بحريني: أسلوب عملي كله عبارة عن طلاء وزيت، وحاولت الجمع بين أساليب المنمنمات والواقعية والإنطباعية.
مجتمعنا هو المجتمع الأكثر تقبلاً للأعمال الواقعية حول حدث عاشوراء، لأنه في التسعينات، جاء فنانون مشهورون وعملوا وقاموا برسم أعمال جرافيكية جيدة عن عاشوراء، لكن ردود الأفعال في المجتمع لم تكن كما توقعنا، ولم تكن حاضرة بين الناس وفي الحسينيات، ولكن عندما نرى أن عملاً مثل لوحة الأستاذ فرشجيان أي لوحة "عصر عاشوراء"، بما أنها كانت واقعية فالناس يتواصلون معها بسهولة، فإن مجتمعنا يحب الأعمال الواقعية أكثر، ولهذا حاولت استخدام الواقع، ولم أرغب في إدخال تفاصيل في عملي لأنه كان لدي هدف لكل موضوع اخترته.
أردت استحضار وإظهار مشهد معين، لهذا السبب قمت بإزالة الكثير من التفاصيل وحاولت إضفاء الإحساس على هذه الأعمال، إحدى خصائص مجموعة رستاخيز هي أنك قد ترى وجوهاً أقل في هذه المجموعة، الوجوه التي إما من الأولياء أو من الأشقياء.
وجوه الأولياء لم أظهرها في التركيب الفني ولا في التصاميم، وعندما اضطررت لإستخدام ورسم الوجه فيها كانت بهالة من الضوء، وكان وجه الأشقياء باللون الأسود ولم يكن هناك داعي للمناورة. وكما قلت، فقد قمت بإزالة التفاصيل التي هي جزء من هذا الوجه، ويمكنك بسهولة التعرف على الحدود بين الأولياء والأشقياء من خلال ظلمة الوجوه ونورها.
لوحة "بطرس المـَلك"
وفيما يتعلق بلوحة "بطرس المـَلك" والتي تم إهداؤها إلى العتبة الحسينية المقدسة، والحضور في الدول العربية قال بحريني: لوحة "بطرس ملك" كان رسمها قبل عامين تقريباً وقبل أن نذهب لزيارة الإمام الحسين(ع) في الأربعين، طُلب منّا أن نرسم لوحة لتقديمها كهدية للعتبة الحسينية هناك، فرسمت هذه اللوحة وأخذتها معي إلى كربلاء المقدسة، وفي الورشة التي أقيمت بين فناني العالم الإسلامي تم إهداء هذه اللوحة إلى مرقد الإمام الحسين(ع).
بصراحة أود أن أكون حاضراً في الدول العربية مثل العراق والكويت وغيرهما من الدول التي تصطف معنا وفي نفس الخط لترويج أعمال من هذا النوع، لأنني عندما كنت في كربلاء المقدسة، للأسف رأيت أن المواكب التي كانت هناك نادراً ما تستخدم الأعمال القيمة التي يتم إنتاجها اليوم، وفي الغالب استخدمت الصورة غير الواقعية لأهل البيت(ع) أي التمثال. والحمد لله لم نشهد الإتجاه إلى تمثال الشخصيات المقدسة في بلادنا ولكن لدينا الكثير في العراق، أتمنى لو كانت هناك فرصة ومن خلال تقديم مثل هذه المعارض في الدول المجاورة، لنستطيع تقديم فننا لمسلمي الدول الأخرى وخاصة تلك التي تعرّف جيل الشباب بحياة أهل البيت(ع) وأحداثهم، والإطلاع على تاريخ الإسلام المهم جداً. وإذا تم توفير منصة وإمكانية نقل المعارض إلى بلدان أخرى، فسأرحب بكل سرور بهذا الحدث وأعتبره فأل خير وأعلم أنه سيكون له تأثير بالتأكيد.
غزة.. كربلاء اليوم
وأخيراً دار الحديث عن مظلومية غزة تزامناً مع أيام شهر محرم الحرام، فسألنا الأستاذ بحريني حول كيفية دعم الشعب الفلسطيني المظلوم وأطفال غزة بالريشة واللوحات الفنية، حيث أجاب: في رأيي أن هناك كربلاء مستمرة في غزة، أي كربلاء المقدسة التي سمعنا عن فظائعها ونحزن عليها كل عام، فهي تحدث بشكل موضوعي في غزة اليوم، وبالتأكيد يمكن عمل العديد من المشاهد وقد فعل ذلك العديد من الفنانين في ورش العمل التي أقيمت، وما زال فنانونا ينتجون أعمالا حول هذه القضية، ولا يمكن لأي فنان أن يتجاهل الأحداث المؤلمة في غزة.