أكاديمي فلسطيني من غزة للوفاق:
أطفال غزة.. أمل فلسطين وكابوس الكيان
منذ احتلال فلسطين، بدأ مسلسل لا يتوقف من المعاناة يحاصر الفلسطينيين جراء سياسات سلطات الاحتلال الصهيوني التي استهدفت الشعب الفلسطيني بكل مقدراته ومكوناته وتفاصيله اليومية، عبر جملة من الممارسات التعسفية من قتل، وجرح، واعتقال، وتشريد وإبعاد، وإقامة جبرية، ومصادرة أراضي واستيطان، وجدران، وحواجز، وبوابات، واقتحامات، وحظر تجول، وحصار؛ والقائمة تطول. لم يكن الطفل الفلسطيني بمعزل عن هذه الإجراءات التعسفية التي تُمارسها سلطات الاحتلال الصهيوني؛ بل كان في مقدمة ضحاياها؛ رغم الاتفاقيات والمعاهدات والمواثيق والقوانين الدولية التي تنص على حقوق الأطفال؛ وفي مقدمتها ”اتفاقية حقوق الطفل”، التي تنادي بحق الطفل بالحياة والحرية والعيش بمستوى ملائم، والرعاية الصحية، والتعليم، والترفيه، واللعب، والأمن النفسي. لقد شكلت عمليات استهداف الأطفال الفلسطينيين وقتلهم سياسة ثابتة اتبعتها القيادة السياسية والعسكرية الصهيونية، واعتُمدت على أعلى المستويات، وهم ينطلقون بذلك من صميم الايديوليوجيا الصهيونية التي يؤمن بها الصهاينة سواء كانوا متديّنين أو علمانيين أو ملحدين، فقد ورد في كتاب ”توراة الملك” الصادر سنة 2009م :”أمّا في شأن الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين يوم واحد وسنّ الرّشد، والذين بطبيعة الحال لا يخالفون الفرائض السّبع لعدم إدراكهم لها أو سماعهم بها، فبالإمكان قتلهم (بسبب الخطر المستقبليّ الذي يشكّلونه إذا سُمِح لهم بالعيش ليكبروا فيصبحون أشرارًا مثل أهاليهم). وفي هذا السياق التقت صحيفة الوفاق بالأكاديمي الفلسطيني المختص في القانون الدولي والنظم السياسية الدكتور وسام عطا الله، وكان معه الحوار التالي:
الوفاق/ خاص
عبير شمص
كل فلسطين بنسائها وأطفالها وشبابها تحت مرمى العدوان
بدايةً يشرح الدكتور قائلاً: تستمر هذه الحرب الهمجية حرب الإبادة الجماعية - كما أطلقت محكمة العدل الدولية التوصيف القانوني عليها - ولا يزال العدو الصهيوني عبر جيشه الاحتلالي النازي يقوم بممارسة كافة أنواع القتل وخاصةً على النساء والأطفال منذ أكثر من مئتين وتسعين يوماً على التوالي، وها نحن على مشارف انتهاء الشهر العاشر من هذه الحرب و الكيان الصهيوني يتعمد منذ بدء الحرب باستهداف كل فلسطيني بشكلٍ عام حينما وصفهم وزير الدفاع الصهيوني بقوله سنقاتل حيوانات بشرية في غزة ويجب أن نقضي عليهم جميعاً وهو يقصد بذلك الكُل الفلسطيني نساءً وأطفالاً وشيوخاً وشباناً وطواقم طبية وصحفية. كل فئات المجتمع الفلسطيني باتت تحت مرمى استهداف نيران الطائرات والقذائف الصهيونية والأسلحة المحرمة دولياً والتي هي أسلحة وذخائر أمريكية أمدت بها أمريكا الكيان الصهيوني منذ بداية الحرب".
استهداف ممنهج على مر التاريخ
ويوضح الدكتور عطا الله بأنه:" على مر التاريخ استهدف الكيان الصهيوني أطفال فلسطين بشتى أنواع الاستهدافات، فإخضاع قطاع غزة للحصار الصهيوني المشدد منذ سبعة عشر عاماً حرم الأطفال من كل مستلزمات الحياة الكريمة والترفيهية حيث لم تكن هناك أماكن ترفيهية وملاعب، إذ يمنع الكيان الصهيوني دخول أي شيئ سواء للبلديات أو لمنظمات الطفولة والأمومة، ما ضيق الحياة وزاد من ظروف الحياة المأساوية في القطاع على الأطفال، وهذا النهج استخدمه الكيان الصهيوني ليس في الآونة الأخيرة وفي حصار القطاع بل كان الوضع هكذا منذ نشأة الكيان الصهيوني. فهو يرتكب المجازر ضد النساء والأطفال، وعلى سبيل المثال في مجزرة صبرا وشاتيلا عام 1982م في لبنان تم قتل ما يزيد عن ثلاثة آلاف شهيد معظمهم من النساء والأطفال، وهذا يعني أن الطفل الفلسطيني مستهدف من قبل الجيش الصهيوني في كافة أماكن تواجده في فلسطين وخارجها وفي مخيمات اللجوء الفلسطيني، لأن الصهيوني يعتبر أن الطفل الفلسطيني عبارة عن قنبلة موقوتة فهو عندما يكبر سيحمل أفكار الدفاع عن فلسطين وسيسترد أرضه من غاصبيها وسيقاوم الجيش الصهيوني، وبالتالي كلما قتل الجيش الصهيوني الأطفال مبكراً وفق اعتقادهم بأنهم سيرتاحون منهم في مرحلة الشباب وسيفقد المجتمع الفلسطيني هذه القوة الشبابية المقاومة للعدو الصهيوني والتي تحمل هم القضية وهم فلسطين ويقاتل هذه العدو المجرم الذي يحتل فلسطين منذ أكثر من خمسة وسبعين عاماً".
العدو الصهيوني على قائمة العار السوداء
يعتبر الدكتور عطا الله بأن:"الأمين العام للأمم المتحدة الحالي هو الأمين العام الوحيد منذ بدء عمل الأمم المتحدة منذ العام 1946م الى الأن والذي وقف إلى جانب الفلسطينيين، فهو يصرح تصريحات قوية ولصالح القضية الفلسطينية في أكثر من موقف حتى أنه بعد هجوم السابع من أكتوبر صرح بأن هذا الهجوم لم يأت من فراغ وإنما هو نتيجة لانتهاكات الاحتلال الصهيوني منذ أكثر من ستين عاماً، وقد تنوعت التصريحات الأممية بخصوص الأطفال، فمنظمة اليونيسف التي ترعى الطفولة والأمومة قال المتحدث بإسمها في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أن نسبة قتل الجيش الصهيوني للأطفال في قطاع غزة والضفة الغربية غير مسبوقة ونتخوف أن يكون هذا العام هو أكثر دموية بالنسبة للأطفال والنساء. وقد أوضح الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني أن الكيان الصهيوني يقتل أربعة أطفال كل ساعة في قطاع غزة، ومن المعروف أن المجتمع الفلسطيني عموماً هو مجتمع شبابي وتقريباً خمسين بالمئة من السكان أعمارهم أقل من خمسة عشر عاماً، لذلك يتعمد الكيان الصهيوني استهداف الطفل الفلسطيني في مهده وبداية عمره. وأمام هذا الواقع أعلن الأمين العام للأمم المتحدة رسمياً وأبلغ ممثل الكيان الصهيوني في المنظمة الدولية أنه تم إدراج الكيان الصهيوني على القائمة السوداء نظراً لأنه قتل أكبر عدد من الأطفال والنساء في هذه الحرب بل على مر التاريخ لم يسبق لدولة أن قتلت أكثر من خمسة عشر ألف طفل حتى الآن في هذه الحرب الدائرة، وقد غضب الكيان الصهيوني من هذه التصريحات واصفاً إياها أنها تقف إلى جانب الإرهابيين في قطاع غزة، وهذا ما اعتاد عليه الكيان الصهيوني عند اصطفاف أي منظمات أو دول أو شخصيات إلى جانب الحق الفلسطيني أو الاعتراف بالدولة الفلسطينية. فيتم اتهامهم مباشرة من قبل الخارجية الصهيونية وعلى لسان أكثر من مسؤول صهيوني بأنهم يصطفون إلى جانب الإرهاب الفلسطيني وأنهم معادون للسامية".
ويتابع الدكتور عطا الله حديثه بالقول:" يرتكب الكيان الصهيوني الإبادة الجماعية وخاصةً التطهير العرقي، فعندما يستهدف الأطفال بشكلٍ خاص فهو يستهدف المجتمع الفلسطيني في نشأته وفي مستقبله، فهم لا يريدون لهؤلاء الأطفال أن يكبروا وينشأوا على حب فلسطين وأن يفهموا طبيعة الصراع مع هذا العدو ويصبحوا في المستقبل قنابل موقوتة تهدد مستقبل الكيان المؤقت".
منظمات حقوق الطفل ضعيفة لكنها خطوة في طريق إحقاق الحق
يرى الدكتور عطا الله بأن:" كل مؤسسات حقوق الانسان أصدرت بيانات وتصريحات تُدين الإجرام الصهيوني، لكن العدو الصهيوني اعتاد الضرب بعرض الحائط لكل الجهود الدولية الساعية لإيقاف هذه الإبادة الجماعية والتطهير العرقي بحق الطفولة الفلسطينية. وقد كان هذا العام الأكثر دموية وغير المسبوق لذا تم إدراج الكيان الصهيوني على قائمة العار الأممية في منظمة الأمم المتحدة، صحيح أن خطوات منظمات حقوق الانسان خصوصاً تلك التي تهتم وترعى الطفولة هي دون المأمول ولا تنال الرضا المطلق من قبل الفلسطينيين، إلا أنها خطوة في الاتجاه الصحيح من حيث تعزيز إدراج الكيان الصهيوني في قائمة العار في الأمم المتحدة ، لكن المتوقع من هذه المنظمات أن تضطلع بدور ٍأكبر من ذلك، لكن الكيان الصهيوني اعتاد للأسف بالتمتع بحصانة مطلقة وبأن يده مفتوحة في ارتكاب الجرائم".
الاحتلال يستهدف الأطفال بالمرض والجوع
تتأثر حياة الأطفال بالحرب الدائرة في قطاع غزة وخاصةً الأخيرة كثيراً ، فالأطفال محرومون من أبسط حقوقهم، محرومون من الرعاية الصحية حتى المواليد منهم ، محرومون من التعليم واللعب، ومن الحصول على المياه النظيفة والطعام الصحي، محرومون من كل مقومات الحياة الكريمة الآمنة، تُنتهك حقوق الطفولة الفلسطينية على يد الإجرام النازي الصهيوني في كل لحظة وفي كل دقيقة، وفق الدكتور عطاالله الذي يتابع حديثه بالقول:" أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية بداية ظهور مرض شلل الأطفال في قطاع غزة، فالعدو الصهيوني استهدف كل الأعيان المدنية في قطاع غزة ، ومن ضمن هذه الاستهدافات شبكات الصرف الصحي وشبكات المياه وكل مرافق البلديات ما أدى الى تراكم النفايات الصلبة وتراكم مياه الصرف الصحي في الطرقات، فأدى الى انتشار الأوبئة والأمراض مثل فيروس شلل الأطفال وقبله فيروس الكبد الوبائي والكثير من الأمراض المعدية والأمراض الجلدية في ظل انعدام العلاجات والأدوية الضرورية لهذه الأمراض حتى أن عيادات وكالة الأونروا الخاصة بالمرأة والطفل خرجت عن الخدمة بفعل تدميرها من قبل العدو الصهيوني، فهذا الكيان المجرم لا يستهدف الأطفال بالقتل فقط بل بنشر الأمراض والمجاعة وسوء التغذية والتسبب بموتهم بشكلٍ غير مباشر".
مبادرات أهلية لدعم الأطفال صحياً ونفسياً
يؤكد الدكتور عطا الله بأنه: "هناك مبادرات خاصة تقوم بها مؤسسات تطوعية في المجتمع المحلي الفلسطيني في قطاع غزة ـ ويشكل تحدياً للعدوان الصهيوني وتحت شعار عدم كسر إرادة الفلسطينيين وضمن الاصرار على البقاء والتحدي، لكنها صراحةً كلها جهود ومبادرات لا تفي ولا تكفي لحجم الكارثة الانسانية الكبيرة التي تستهدف الطفولة والأمومة في القطاع، الأنشطة الترفيهية والتفريغ النفسي والرعاية الصحية والنفسية للأطفال كلها تقام بمبادرات محلية، ولا توجد رعاية ودعم لا من منظمات دولية ولا عربية ولا رسمية".
اعتقال الأطفال جزء من الاستهداف
يرى الدكتور عطا الله بأن الكيان الصهيوني :" يتعمد ضمن مخالفاته العديدة للقوانين الدولية واتفاقية جنيف وبروتوكولاتها الملحقة اعتقال الأطفال الفلسطينيين وفي هذا تحدٍ صريح لكل الأعراف والقوانين الدولية، وكان اعتقال الكيان الصهيوني للأطفال الفلسطينيين منتشراً في الضفة الغربية قبل الحرب الحالية أكثر من قطاع غزة والذي ازداد بالقطاع في الحرب الدائرة حالياً واقتحام الجيش الصهيوني لمراكز إيواء النازحين، حيث يعتقل الكيان الصهيوني هؤلاء الأطفال اعتقالاً إدارياً حتى لا يتم الاعتراف بهم كأسرى حرب لكي لا يلتقيهم أو يقدم لهم الرعاية الصليب الأحمر الدولي، فالكيان الصهيوني لا يراعي الاتفاقات الدولية ويخضعهم للتعذيب الشديد الذي لا يمكن للعقل تصوره، لدرجة أن الكثير من الأسرى الفلسطينيين الذين يخرجون من المعتقلات يتحدثون عن وسائل تعذيب بشعة منها الحرمان من الطعام والماء والنوم وإجراء العمليات الجراحية بدون تخدير وبتر الأطراف، كل هذا مُجرم بالقانون الدولي لكن الكيان الصهيوني لا يهتم بالقوانين الدولية" .
ويختتم الدكتور عطا الله بالقول:" لا نستغرب مما تقوله المحكمة الجنائية الدولية أن رئيس وزراء العدو الصهيوني ووزير دفاعه متهمين ومطلوب إصدار مذكرات اعتقال بحقهم لارتكابهم جرائم حرب ضد الإنسانية، أما بخصوص محكمة العدل الدولية فقد قبلت محاكمة العدو الصهيوني بتهمة الإبادة الجماعية في دولة جنوب أفريقيا وانضمت العديد من الدول لهذه الدعوى ولذلك ينال العدو الصهيوني جزاءه وإن كان سلاح القانون الدولي طويل ويمتد لسنوات إلا أنها أعمال تراكمية وسيأتي اليوم الذي سيحاكم فيه العدو الصهيوني على جرائمه ولن يفلت الجلاد من العقاب".