مع تأجيجها للتوترات في المنطقة
لماذا تتبع فرنسا نهجاً غير متوازناً جنوب القوقاز؟
الوفاق/ وصول نيكول باشينيان إلى السلطة في أرمينيا في مايو 2018، وتراجع العلاقات بين أرمينيا وروسيا، والحرب الثانية في قره باغ، وتصاعد التوتر والصراع بين فرنسا وتركيا وكذلك بين فرنسا و جمهورية أذربيجان هي العوامل الرئيسية التي دفعت فرنسا نحو نهج جديد وغير متوازن في جنوب القوقاز. في هذا السياق، يعد النمو المتزايد للعلاقات الدفاعية والعسكرية بين أرمينيا وفرنسا علامة أخرى على تراجع التعاون والالتزامات بين أرمينيا والاتحاد الروسي ومنظمة معاهدة الأمن الجماعي (CSTO).
في الواقع، حفز تطوير العلاقات الدفاعية والعسكرية لأرمينيا مع فرنسا واليونان والهند جمهورية أذربيجان على تعزيز علاقاتها الدفاعية والعسكرية مع تركيا وباكستان. أدى هذا التطور أيضًا إلى تفاقم الخلافات والتوترات بين باكو وباريس. يختلف النهج الجديد لفرنسا عن نهجها المتوازن نسبيًا في الماضي في جنوب القوقاز، خاصة فيما يتعلق بالصراع بين أرمينيا و جمهورية أذربيجان. ومع ذلك، إذا أرادت أرمينيا اتخاذ خطوات لتقليل علاقاتها العسكرية والدفاعية مع روسيا من خلال الانسحاب من معاهدة الأمن الجماعي، فإن فرنسا ستواجه طريقًا صعبًا لسد الفجوة العسكرية والدفاعية. لا شك في أن تركيا، كعضو في الناتو، لن توافق على دعم هذا التحالف بالنظر إلى دور فرنسا ونهجها الجديد. من ناحية أخرى، فإن اعتماد إيطاليا وأوروبا الشرقية على الغاز الأذربيجاني وعبوره عبر الممر الأوسط سيقلل - على الأقل بشكل واضح - من قدرة فرنسا على لعب دور عسكري ودفاعي فعال
في أرمينيا.
علاقات قوية
لا ينبغي أن ننسى أن فرنسا هي موطن لحوالي 650,000 أرمني، وهو أكبر مجتمع أرمني في أوروبا وثالث أكبر مجتمع في العالم بعد روسيا والولايات المتحدة. الأحزاب الأرمنية التقليدية، وخاصة الاتحاد الثوري الأرمني (الطاشناق)، واللوبيات والجمعيات الأرمنية لها تأثير كبير على الهيكل السياسي والاجتماعي والإعلامي الفرنسي. إدوارد بالادور، السياسي الفرنسي البارز من اليمين الذي كان رئيس وزراء البلاد بين عامي 1993 و1995، وباتريك ديفيدجيان، السياسي والعضو البارز في الاتحاد من أجل حركة شعبية، وجيرالد دارمانين وزير الداخلية الفرنسي (2020 حتى الآن) هم شخصيات أرمنية بارزة في السياسة الفرنسية. لذلك، ليس من المستغرب أن تكون فرنسا من بين أوائل الدول الأوروبية التي اعترفت بمذبحة الأرمن على أنها "إبادة جماعية" في 28 مايو 1998، وأعلن عام 2006 "عام أرمينيا" في فرنسا. كان لجمهورية ناغورنو كاراباخ المعلنة من جانب واحد، والتي يطلق عليها الأرمن جمهورية أرتساخ، تمثيل دائم في باريس.
مرحلة جديدة
لكن بعد وصول نيكول باشينيان إلى السلطة في مايو 2018، والذي وضع على جدول أعماله نهجًا لتقليل العلاقات مع روسيا وتطوير العلاقات مع الغرب، دخلت العلاقات بين باريس ويريفان مرحلة جديدة. وتبعًا لذلك، تغير النهج المتوازن نسبيًا لفرنسا في جنوب القوقاز تدريجيًا. زار إيمانويل ماكرون، الرئيس الفرنسي، أرمينيا وشارك في القمة السابعة عشرة للدول الناطقة بالفرنسية (المنظمة الدولية للفرنكوفونية) في أرمينيا في أكتوبر 2018. في الواقع، دعمت فرنسا مشاركة أرمينيا في اتفاقية الشراكة الشاملة والمتقدمة (CEPA) مع الاتحاد الأوروبي ودورًا مهمًا لأرمينيا في علاقاتها مع الاتحاد.
في هذه الأثناء، دفع تصاعد التوتر في شرق البحر المتوسط بين فرنسا وتركيا، بالإضافة إلى دعم فرنسا لقبرص واليونان، أرمينيا و جمهورية أذربيجان إلى دعم حلفائهما التقليديين. شهدت الحرب الثانية في قره باغ (27 سبتمبر 2020 - 10 نوفمبر 2020) ذروة هذه الخلافات. أدى الدعم السياسي والعسكري الصريح من تركيا لجمهورية أذربيجان ودعم فرنسا لأرمينيا إلى تفاقم المواجهة. دافع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن أرمينيا في صراع قره باغ ودعم الجهود الدولية للتوصل إلى وقف إطلاق النار. لهذا السبب، يعتقد سيمور ممدوف في باكو أنه "في أعقاب الصراع الذي استمر 44 يومًا بين أذربيجان وأرمينيا، تغير الموقف المتوازن نسبيًا لفرنسا في العلاقات مع المنطقة بشكل ملحوظ نحو الدعم الصريح لأرمينيا وتدهور العلاقات مع أذربيجان".
استمر التوتر السياسي بين باريس وباكو في خضم العملية المتوترة بين الأرمن والأذربيجانيين في ممر لاتشين إلى ناغورنو كاراباخ من خريف 2022 إلى صيف 2023. في هذه الظروف، في اجتماع حركة عدم الانحياز الذي عقد في باكو في 5 يوليو 2023، اتهم إلهام علييف، رئيس أذربيجان، فرنسا بأنها واحدة من الدول التي تواصل سياسة الاستعمار الجديد، وطلب من إيمانويل ماكرون، الرئيس الفرنسي، الاعتذار عن الدول التي تضررت من الاستعمار الفرنسي. الاعتذار لملايين الأشخاص الذين استعمرهم أسلافه (إيمانويل ماكرون)، واستخدموهم كعبيد، وقتلوهم، وعذبوهم، وأذلوهم. أخيرًا، بعد حرب 19-20 سبتمبر 2023 التي أدت إلى إعادة تأكيد سيادة أذربيجان على ناغورنو كاراباخ بعد ثلاثة عقود، دخلت العلاقات بين أرمينيا وفرنسا مرحلة جديدة. خصصت فرنسا 29 مليون يورو كمساعدات إنسانية لأرمينيا، وفي ديسمبر 2023، خصصت فرنسا 15 مليون يورو إضافية كمساعدات طارئة لدعم الأرمن الذين أُجبروا على مغادرة قره باغ. في الواقع، بعد أسبوعين فقط من إعادة تأكيد سيادة جمهورية أذربيجان على ناغورنو كاراباخ، في 3 أكتوبر، سافرت كاثرين كولونا، وزيرة الخارجية الفرنسية، إلى أرمينيا وأعلنت أن "فرنسا أعربت عن موافقتها على إبرام عقود مستقبلية مع أرمينيا بشأن تسليم المعدات العسكرية حتى تتمكن هذه الدولة من ضمان دفاعها".
نمو العلاقات العسكرية
ابتعد باشينيان عن روسيا و بدأ بالإقتراب من الغرب، وخاصة فرنسا واليونان والهند. في هذا السياق، في أكتوبر 2023، تم توقيع عقد بين وزارة الدفاع الأرمنية ومجموعة Thales الدفاعية الفرنسية لشراء ثلاثة أنظمة رادار متقدمة من طراز GM-200. حضر الحفل لوكورنو ونظيره الأرميني سورين بابيكيان. في الواقع، في ذلك الوقت، أعلن سيباستيان لوكورنو أن فرنسا قررت مساعدة أرمينيا في تعزيز قدراتها للدفاع الجوي من خلال بيع ثلاثة رادارات والتوصل إلى اتفاق لتوريد صواريخ ميسترال المضادة للطائرات في المستقبل. لاحقًا، تبين أن فرنسا ستزود أرمينيا أيضًا بـ 50 ناقلة جنود مدرعة لتعزيز قواتها البرية.
يعد النمو المتزايد للعلاقات الدفاعية والعسكرية بين أرمينيا وفرنسا علامة أخرى على تراجع التعاون والالتزامات بين أرمينيا والاتحاد الروسي ومنظمة معاهدة الأمن الجماعي. في لقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الأرمني نيكول باشينيان على هامش قمة الاتحاد الاقتصادي الأوراسي (EAEU) في موسكو في 8 مايو 2024، وافق الزعيم الروسي على سحب القوات الروسية وحرس الحدود من مناطق مختلفة من أرمينيا بناءً على طلب يريفان. في الواقع، في خضم الأزمة السياسية في أرمينيا بعد الاتفاقيات الحدودية الأخيرة مع جمهورية أذربيجان وعشية إبرام معاهدة سلام مع هذا البلد، قال رئيس الوزراء نيكول باشينيان إن أرمينيا ستنسحب من منظمة معاهدة الأمن الجماعي، و ادعى بأنه تحالف أمني "تهيمن" عليه روسيا يضم العديد من دول الاتحاد السوفيتي السابق.
يبدو أن أرمينيا تريد استخدام فرنسا لملء الفراغ الذي سينجم عن مغادرة معاهدة الأمن الجماعي. إن توقيع العديد من العقود الدفاعية والعسكرية هو في الواقع نوع من الاستعداد والتوقع لأرمينيا حتى تتمكن من إيجاد بديل مناسب ومستقر في حالة انسحاب أرمينيا من معاهدة الأمن الجماعي وخروج القوات الروسية.
أهداف فرنسا
من ناحية أخرى، حفز تطوير العلاقات الدفاعية والعسكرية لأرمينيا مع فرنسا واليونان والهند باكو على تعزيز علاقاتها الدفاعية والعسكرية مع تركيا وباكستان. على سبيل المثال، بعد الاتفاق بين أرمينيا والهند في نوفمبر 2023، وكذلك بين فرنسا وأرمينيا في فبراير 2024، وقعت باكستان وأذربيجان عقدًا بقيمة 1.6 مليار دولار لشراء طائرات مقاتلة JF-17C Block-III. يظهر هذا العقد أن أذربيجان ستشتري ثماني طائرات من هذا النوع مجهزة بصواريخ جو-أرض. يظهر هذا الاتجاه بوضوح جولة جديدة من سباق التسلح في جنوب القوقاز.
أدى تطوير العلاقات الدفاعية والعسكرية بين أرمينيا وفرنسا إلى زيادة التوترات بشكل كبير جنوب القوقاز. استمرارًا للصراع اللفظي بين قادة البلدين، اتهمت فرنسا جمهورية أذربيجان بدعم المتمردين ضد السيطرة الفرنسية في كاليدونيا الجديدة، وهي إقليم فرنسي في جنوب المحيط الهادئ. يبدو أن فرنسا تتمتع بحرية عمل وقدرة على المناورة أكبر ضد باكو مقارنة بإيطاليا وألمانيا وأوروبا الشرقية التي تعتمد بشكل أكبر على الغاز الأذربيجاني وعبوره عبر الممر الأوسط. ومع ذلك، فإن وجهة النظر المختلفة التي عبر عنها سيمور ممدوف في باكو هي أن "سياسات ماكرون تعكس رغبة فرنسا في تحييد جهود بريطانيا والولايات المتحدة لتطبيع العلاقات بين أذربيجان وأرمينيا، خاصة بعد تراجع دور باريس في المنطقة في السنوات الأخيرة. تسعى فرنسا بنشاط إلى منع انتقال أرمينيا من مجال النفوذ الروسي إلى الأمريكي ".