كتاب عاشوراء في خطاب المقاومة الإسلامية
يشكّلُ كتاب الأستاذ الدكتور علي زيتون "عاشوراء في خطاب المقاومة الإسلامية" منطلقًا ضروريًّا لإعادة دراسة مفهوم الخطاب بشكل علميّ وأكاديميّ، يُخرِجُه من العشوائية والمزاجية التي تتحكم به، لتجعله قائمًا على قواعد وأسس واضحة، تنطلق من تأسيسات عميقة تبحث في ماهية اللغة ودور الخطيب، وصولًا إلى أصل الموضوع الذي سيعالجه، وهذه الورقة ستقدّم قراءة للكتاب، تعمل على القاء الضوء على بعض النقاط التي أثارها دون أن يعني ذلك القبض على مضمون الكتاب، الذي سبك بشكل محكم ليكون تأسيسًا لآليات جديدة في قراءة الخطاب.
يبدأ الكتاب بتحفيز ذهنية القرّاء من خلال عنوانه، الذي يطرح العلاقة بين واقعة كربلاء وخطاب المقاومة الإسلامية وحلول في تركيبة الجملة الخبرية تُشير إلى حضور عاشوراء في أصل الخطاب، وكما نعلم فالجمل الخبرية تأتي لتخبر عن شيء وتصفه كما هو، وهذا يُنبئ عن حلول سيطرة وسلطة من الواقعة على الخطاب لتستحوذ عليه، وهذا يجعل النص محكومًا بهذه الواقعة منقادًا لها، فكيف يمكن لمفهوم الخطاب الذي صيغ في المنظومة الغربية كوسيلة للقبض على الآخر والتحكم به أن يكون بذاته تابعًا لغيره؟
يبحث الكاتب في مفهوم الخطاب عبر العودة إلى المصادر الأساسية التي اشتغلت على هذا الموضوع ليستفيد منها، دون أن يستغرق فيها، ويتبنّى مقولاتها، بالتالي عمل الباحث على إظهار ما هو سائد من دراسات، واستثمر فيها ليتخطاها، ويبني عبرها منظوره الخاص. لذلك نراه يرافق هذه الدراسات التي عملت على الخطاب، فقام باستعراضها بشكل علميّ، ليجعل منها مدخلًا لإعادة صياغة مشروع جديد، يقدم مقاربة جديدة، ومن أجل تثبيت هذه الغاية لا يكتفي بالعودة إلى مفهوم “الخطاب” للعمل عليه، بل نراه يعمل على ربطه مع اللغة، وفي هذه الصعيد كان دقيقًا، فما يسعى إلى تأكيده هو موضعة الكلام في سياقه الطبيعي في إطار اللغة، صحيح أنّ اللغة ليست واحدة من ناحية الاستخدام، والناظر إليها سيجد: “لسانين مختلفين: لسانيات الجملة ولسانيات الخطاب. لسانيات الجملة لا تتعلق دلالاتها بظرف وإطار وموقف، بل تستدعي تفسيرًا دلاليًا سيمانتيكيًا تتكفل أنظمة اللغة: من نظام معجميّ، ونظام صرفيّ، ونظام نحوي بإنتاج دلالته بمعزل عن أيّ وضعية غير لغوية…أما لسانيات الخطاب فمتعلقة بموقف يوجه دلالة الخطاب بما يجعل الأنظمة الثلاثة المكوّنة للنظام اللغوي العام حيادية إلى حدّ بعيد فيما يتعلّق بالحاصل الدلالي. ويعني ذلك أنّ المقصود من الخطاب لا يستخلص، بناء عليها، ولكن بناء على موقف وظرف وسياق، بما باتوا يسمونه التفسير التداولي البراغماتي، ولكنّها تبقى في الحالتين متعلقة بأصولها، وإن كانت الثانية تحتاج إلى عناصر أخرى خارجة عنها.