في ظل التوترات العالمية
ما هي أهمية وأبعاد تعزيز العلاقات الروسية-الهندية؟
في خضم التحولات الجيوسياسية العالمية، تبرز زيارة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي إلى موسكو التي أجراها مؤخراً كحدث بارز يعكس تعقيدات العلاقات الدولية الحالية، حيث تأتي هذه الزيارة في وقت حساس من التوترات العالمية، وتسلط الضوء على الدور المتنامي للهند في الساحة الدولية وعلى أهمية العلاقات الروسية-الهندية. و في هذا السياق أجرت الوفاق حواراً مع الأستاذ أحمد الحاج علي الخبير في الشؤون الروسية للوقوف على أبعاد هذه الزيارة وتداعياتها، والمواقف الدولية تجاهها، وتحليل تأثيراتها المحتملة على التوازنات الإقليمية والعالمية.
ما هي أبرز نتائج زيارة رئيس الوزراء الهندي إلى موسكو؟
خلال زيارة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي إلى موسكو، تم التوقيع على أكثر من 15 اتفاقية حكومية بين روسيا والهند بلغت قيمتها أكثر من 40 مليار دولار، و تتضمن الاتفاقيات الموقعة تعاونًا عميقًا في إنتاج الأدوية والمواد الطبية والمعدات والإنتاج الصناعي والبتروكيماويات. كما تم إبرام اتفاقيات منفصلة في إطار التعاون بين وزارتي الدفاع في البلدين. بالإضافة إلى ذلك، فإن الهند مستعدة لتسوية التعامل بالعملات الوطنية وتوسيع التعاون بين البنكين المركزيين والبنوك الوطنية للبلدين .
ما هي الفرص والتحديات التي تواجهها الهند في موازنة علاقاتها مع واشنطن وموسكو؟
كلما كانت الصداقة بين واشنطن ونيودلهي أقوى، كلما اجتذبت الهند المزيد من التقنيات الأمريكية الحديثة، وتسعى لمنافسة الصين على سبيل المثال في تصنيع هواتف الآي فون وكلما زاد الإزعاج الهندي للصين، كلما زادت قيمة روسيا بالنسبة لها كحليف، وكلما زادت البدائل التجارية المتاحة بين بكين وموسكو والحال مشابه مع الهند. إلا أن خطوط السياسة الخارجية الروسية العريضة عبر عنها وزير الخارجية سيرغي لافروف من خلال رغبة بلاده في إنشاء صيغة ثلاثية (روسيا والهند والصين) ما يعطي الأولوية لتقارب قوى عظمى صديقة تاريخياً .
ما هو موقف أميركا من تعزيز العلاقات الروسية-الهندية وما هي مخاوفها؟
باعتراف الإعلام الغربي نجحت موسكو في تعزيز التقارب مع الهند. فقد اوردت الواشنطن بوست: بالنسبة لرئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، تظل روسيا المصدر الأكثر أهمية للأسلحة والطاقة وتكنولوجيا الفضاء التي تحتاجها الهند لتصبح قوة عظمى. ويتم تمويل جهود بوتين العسكرية إلى حد كبير من خلال المشتريات الهندية من المنتجات النفطية الروسية، والتي زادت بنحو 20 ضعفا منذ عام 2021، وقد عززت زيارة مودي مكانة بوتين الدولية. من ناحية ثانية نرى ادانة المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية ماثيو ميللر لزيارة مودي لموسكو.
و جاء في تصريحات ميلير: ندعو الهند، مثل أي دولة أخرى عندما تتعامل مع روسيا، إلى أن تعلن بوضوح أن أي حل للصراع في أوكرانيا يجب أن يكون حلاً يحترم ميثاق الأمم المتحدة، ويحترم السيادة الإقليمية. سلامة أوكرانيا، سيادة أوكرانيا. وكما تعلمون، فإن الهند شريك استراتيجي نشارك معه في حوار كامل وصريح، بما في ذلك ما يتعلق بمخاوفنا بشأن علاقاتهم مع روسيا. وفي نفس السياق علقت الولايات المتحدة على زيارة ناريندرا مودي لروسيا بلسان ميلر. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية ماثيو ميللر في مؤتمر صحفي: "سوف ألقي نظرة على التصريحات العامة لرئيس الوزراء مودي لأرى ما قاله، ولكن كما قلت، أوضحنا مخاوفنا للهند بشأن علاقتها مع روسيا". نقلا عن وكالة رويترز للأنباء. وشدد أيضًا على أن الولايات المتحدة تأمل أن توضح الهند أو أي دولة أخرى، عند الدخول في اتصال مع روسيا، أن موسكو يجب أن تحترم ميثاق الأمم المتحدة وسيادة أوكرانيا وسلامة أراضيها.
الخشية الأميركية تكمن في تحول تكتل البريكس من تحالف اقتصادي إلى أمني سياسي عسكري، فمن خلال قراءة لمناورات روسيا، الصين والهند نرى أهمية حماية التعاون التجاري الاقتصادي بالقدرات العسكرية والتعاون التقني والاستخباراتي بالرغم من إعلان دول البريكس+، و المؤسسون الرئيسيون ــ روسيا والهند والصين ــ بعدم مطالبة بعضهم البعض بالكثير من الالتزامات سوى توسيع التجارة المتبادلة ورفض أي إجراءات قد يعتبرها شركاؤكم التنظيميون تدخلاً في شؤونهم الداخلية - وهذا في الواقع هو جوهر البريكس.
كيف تحافظ الهند على توازن علاقاتها مع القوى الكبرى لتعزيز مصالحها الوطنية؟
تتمتع نيودلهي بعلاقات ممتازة مع الولايات المتحدة، بينما بكين علاقاتها متوترة معها إلا أن الاقتصاد الأمريكي والعالمي لا يمكنه العيش من دون الصين … و لم تصل الهند حتى الان لهذا التأثير … اما التقارب الروسي الصيني فيبقى محدوداً إلى حد ما، وليس موجهاً بأي حال من الأحوال ضد الهند... رغم مشروعية الاستفادة من التناقضات. لا يمكن لنيودلهي إلا أن تتفهم طبيعة هذه العلاقة، فضلاً عن حقيقة أنه من المستحيل زيادة التجارة مع موسكو مع التقيد الصارم بقيود العقوبات التي تفرضها واشنطن عليها ودون إيجاد بعض طرق الالتفاف غير الخاضعة للعقوبات لتطوير التعامل. وبهذا المعنى، يبدو أن الهدف الأساسي لزيارة رئيس الوزراء الهندي إلى موسكو ليس محاولة إقناع الكرملين بإعادة النظر في علاقاته مع الصين أو التنازل في ملف أوكرانيا، بل إيجاد آليات مشروعة ممكنة للتعاون التجاري والاقتصادي الهندي الروسي "لا تهددها المعوقات".
انطلاقاً مما سبق لا تنظر الصين إلى التقارب بين روسيا والهند كونه تهديدا، في حين يشعر الغرب بقلق بالغ إزاء هذا التقارب. وتستشهد صحيفة " جلوبال تايمز" برأي لونغ شينغ تشون، الأستاذ في كلية العلاقات الدولية بجامعة سيتشوان للدراسات الدولية، قائلا: أشار الخبير إلى أنه "على عكس الانتقادات والضغوط التي واجهتها الصين من الولايات المتحدة والغرب فيما يتعلق بالصراع الروسي الأوكراني، واجهت الهند انتقادات أقل لعدم إدانة روسيا وعدم الانضمام إلى الغرب في فرض العقوبات". وبدلاً من ذلك، حافظت على علاقاتها مع روسيا واستفادت من شراء النفط منها.
ورغم الضغوط الغربية، اختار مودي روسيا لتكون أول زيارة خارجية له في بداية ولايته الثالثة. ويشير المنشور إلى أن "هذه الخطوة لا تهدف فقط إلى تعزيز علاقات الهند مع روسيا، ولكن أيضًا إلى زيادة قدراتها في العلاقات مع الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى". وقال الخبير الصيني: "التعاون الدفاعي طويل الأجل يجعل من الصعب استبدال مكانة روسيا في قطاع الدفاع الهندي على المدى القصير. وبينما تسعى الولايات المتحدة إلى استبدال روسيا تدريجياً كمورد رئيسي للأسلحة للهند، فإن هذا التحول سيستغرق بلا شك بعض الوقت". وأضاف أنه بالنسبة لدولة كبيرة مثل الهند "من المهم للغاية الحفاظ على علاقات مستقرة مع روسيا ومواصلة التعاون في صناعة الدفاع". و"في الوقت الحاضر، قد يكون الغرب أكثر ميلا إلى تأجيج [المشاكل] بين الصين وروسيا والهند، في محاولة لزرع الشقاق بين الدول الثلاث. ومع ذلك، في الواقع، قد يكون لدى الغرب نفسه سببا أكبر للقلق، لأنه كان يأمل في ذلك". وخلص الخبير إلى أن الهند ستعارض روسيا من خلال التعاون معها .وأعرب عن اعتقاده بأن "سياسة الهند الخارجية تهدف إلى الحفاظ على التوازن، دون الميل بشكل كامل إلى أي طرف من أجل تعزيز مصالحها الخاصة".