الصفحات
  • الصفحه الاولي
  • محلیات
  • اقتصاد
  • الثقاقه و المجتمع
  • دولیات
  • قضایا وآراء
  • طوفان الأقصى
  • منوعات
العدد سبعة آلاف وخمسمائة وسبعة وأربعون - ٢٠ يوليو ٢٠٢٤
صحیفة ایران الدولیة الوفاق - العدد سبعة آلاف وخمسمائة وسبعة وأربعون - ٢٠ يوليو ٢٠٢٤ - الصفحة ٤

الإمام الحسين(ع) في نهج الشعراء والأدباء والفلاسفة والثوّار

الوفاق/ خاص

د. رُلى فرحات

واقعة كربلاء، جرت أحداثها في سنة 61 هـ. وهي حدث تاريخي مشهور ليس في الديانة الإسلاميّة فحسب، بل وفي الديانتين المسيحيّة واليهوديّة وديانات أخرى مثل البوذيّة أيضاً، وإن كانت تأخذ حيّزاً أكبر عند الإسلام لأنّ من قُتل هو إبن بنت رسول الله وشفيع الأمّة النّبي محمد(ص) الإمام الحسين(ع). ولهذه الواقعة أبعاد دينيّة وتاريخيّة كبيرة، بل وترتبت عليها إنعكاسات إستراتيجيّة وفقهيّة وتكتيكيّة وأخلاقيّة ثوريّة، إذ تناقلت الأجيال أقوال الإمام الحسين(ع) وأصحابه عبر الزمن وأصبحت مثال يُضرب ومبدأ يُحتذى به، ومن أبرزها:
"مقطع من وصيّة الإمام الحسين(ع) لأخيه محمد إبن الحنفيّة: ... وأنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً، ولا مفسداً ولا ظالماً وإنّما خرجتُ لطلب الإصلاح في أمّة جدي(ص)، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدّي وأبي علي (ع). وأبلغ ما قاله الإمام الحسين(ع) في يوم عاشوراء "ألا وإنّ الدّعي إبن الدعي قد ركز بين إثنتين السلة أو الذلة وهيهات منّا الذلة".
كثيرون هم من تناولوا قضية الإمام الحسين(ع) وتحدّثوا عن بطولاته ومظلوميته، وعن رباطة جأشه وبأسه. كثيرون هم من أخذوا من الإمام الحسين(ع) رمزاً ومثالاً احتذوا بخطه وإستمسكوا بنهجه واستطاعوا مواجهة الظلم وإحقاق الحق. كثيرون هم من تحدّثوا عن الإمام الحسين(ع) وثورته وتأثيرها وانعكاساتها على الفرد في المجتمعات على كافة الأصعدة من تربية وتعليم إلى فلسفة وشعر وأدب، بالإضافة إلى السياسة والمقاومة. كما وقد كتبوا وألّفوا الكثير من الكتب والمقالات والأقوال والقصائد بحق الإمام الحسين (ع) وثورة كربلاء المقدسة.
هناك العديد من الشعراء الذين كتبوا عن الإمام الحسين(ع) وتضحياته في كربلاء، أمثال الفرزدق الذي كان من الشعراء البارزين في العصر الأموي، وكتب في مدح الإمام الحسين(ع) وعن مظلوميته. من أهم القصائد التي كتبها بحقه هي القصيدة الّتي تتحدّث عن اللقاء الشهير بينهما في منطقة "صفا" حيث كان الإمام مغادراً مكّة المكرمة ومتوجهاً إلى الكوفة بعد أن علم بأنّ الوالي الأموي الفاسق عبيدالله بن زياد قد أمر بقتله ولو كان معلّقاً بأستار الكعبة. وقد سأل الإمام (ع) عن أحوال الكوفة فأجابه الفرزدق:
يا سائلي أين حل الجود والكرم  
عندي بيان إذا طلابه قدموا
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته  
والبيت يعرفه والحل والحرم
هذا ابن خير عباد الله كلهم  
هذا التقي النقي الطاهر العلم
ما قال لا إلّا في تشهده
لولا التّشهّد كانت لاءه نعمُ
بالإضافة إلى عشرات ومئات الشعراء الذين مرّوا في مختلف العصور، سواء كانوا مِن مَنْ عاشوا عصر الإمام الحسين(ع) أو من مَنْ أتوا بعد استشهاده وارتقائه إلى الملكوت الأعلى. هؤلاء الشعراء ألهمتهم قصة كربلاء وكتبوا عنها، على الرغم من أنّهم يتبعون ديانات متعددة ولدى كلًّ منهم معتقده الخاص، فقد عبروا في قصائدهم عن تقديرهم العميق للإمام الحسين(ع) وتضحياته، ما يعكس مكانته الرفيعة في قلوب الناس على اختلاف معتقداتهم، الحق حقٌ عند كل الأديان والمجتمعات والظلم تُجمع عليه كل الديانات والطوائف والمذاهب والمستويات الثقافيّة.
هؤلاء الشعراء من جميع البلاد العربيّة ومن مختلف الإنتماءات والديانات والطّوائف، جمعهم الحق ووكدت أعمالهم، الإنسانيّة. وقد عبروا عن حبهم لآل البيت ومساندتهم لهم في شعرهم من مدح لـ آل البيت(ع) والإمام الحسين(ع)، مُعبّرين عن مكانة أهل البيت عليهم السلام، وتأكيدهم على حبهم وموالاتهم، وعلى أن حبهم واجب على المسلمين. كذلك عما ورد عن مآسي يوم عاشوراء، كما وتجسد قصائدهم الألم والحزن العميقين لفاجعة كربلاء وما حل بالإمام الحسين وأهل بيته(ع) من مآسي.
كما وأنّ هناك الكثير من الشعراء الآخرين الذين ألهمتهم قصة كربلاء وكتبوا عنها، على الرغم من اختلاف دياناتهم، عبروا في قصائدهم عن تقديرهم العميق للإمام الحسين(ع) وتضحياته، ما يعكس مكانته الرفيعة في قلوب الناس على تنوّع معتقداتهم، الحق حقٌ عند كل الأديان والمجتمعات والظُلم تُجمع عليه كل الدّيانات والطوائف والمذاهب وعلى إختلاف الثقافات والعقول. هؤلاء الشعراء يُجسدون حاله ورأيه وتفاعله فينسج فكرهم الحي من هذه الخيوط أجمل القصائد والملاحم والكتب.
الفلاسفة والمفكرين والأدباء
ألهمت ثورة الإمام الحسين(ع) وواقعة كربلاء الكثير من الفلاسفة والمفكرين والأدباء الغربيين والعرب عبر العصور فكتبوا عنها وعن تضحيات الإمام(ع) وتجلّى ذلك في أعمالهم الفلسفية التي تناولت مواضيع تتعلق بالإمام الحسين(ع) وثورته من منظور فلسفي وديني. وقد اعتبر المفكرون والأدباء والفلاسفة من مختلف المجتمعات والثقافات والأديان أنّ ثورة الإمام الحسين(ع) وواقعة كربلاء هي رمزٌ للثورة ضد الظلم وللحريّة وللعدالة. كما وأكدوا على أن مبادئه وقيمه وأخلاقياته هي قيم إنسانيّة عالميّةّ تُلهم الأجيال على مر الدهر وفي كل مكان وزمان ما دام هناك ظلم وجور واستبداد.
نذكر أدناه مقتطفات من آراء بعض الفلاسفة بإيجاز، حيث أنّ أعدادهم كبيرة جدا، وهم من العرب والأجانب:
1. الفلاسفة والمفكرين العرب:
جبران خليل جبران: قال عن الإمام الحسين(ع): "مات الحسين لأن الحق يموت إذا رقدت في القبور أجفانه."
ميخائيل نعيمة: رأى في ثورة الإمام الحسين(ع) رمزاً للحريّة والعدالة وقال: "أنت القتيل حقاً، يا حسين، ولكنك قتلت لتكون الحياة لمن بعدك."
محمد إقبال: الشاعر والفيلسوف الباكستاني، قال: "إن كان الإسلام قد حقق الخلود عبر كربلاء، فإن درس الحسين هو أن يتمسك المسلمون بالحق والعدل."
2. الفلاسفة والمفكرين الغربيين:
توماس كارليل: الفيلسوف والمؤرخ الإسكتلندي، تحّدث عن الإمام الحسين(ع) بشكل إيجابي في محاضراته وكتبه، معتبراً أن الإمام (ع) قدّم أسمى التّضحيات في سبيل الحق. فقال عن الإمام الحسين(ع): "أسمى درس نتعلمه من مأساة كربلاء هو أن الحسين وأصحابه كانوا يمتلكون إيماناً راسخاً بالله. لقد أثبتوا بموقفهم أن التّفوق العددي لا يُمثّل أهميّة عندما تواجه الحق والباطل."
تشارلز ديكنز: الأديب الإنجليزي، قال: "إذا كان الحسين(ع) قد قاتل من أجل أهداف دنيويّة، فلا أستطيع أن أفهم لماذا اصطحب معه النساء والأطفال. إذن، فإن الهدف الحقيقي لا بد أن يكون غير دنيوي."
كما وأن الفيلسوف سقراط وقبل ما يقرب من 5000 سنة قال مقولته الشهيرة وهو يتجرع السّم: "جميل أن نموت مع الفضيلة على أن نحيا مع الرذيلة." هذا ما يُعّزز فكرة وجود المدافع عن الحق وعن أحقيته في كل اللغات، منذ قيام البشريّة وسيستمر حتى فناء لحياة.
الثائرون والسياسيون
أثّرت قضية كربلاء وثورة الإمام الحسين(ع) في الكثير من السياسيين العرب والأجانب من ديانات ومجتمعات وثقافات مختلفة وأبدوا إعجابهم بشخصيّته. كما وأنّها حثّت الثّوار ليهبّوا ولينتفضوا فاستخدموا مبادئه كنموذج للنضال ضد الظلم والإستبداد ضد الظلم والمجرمين والجائرين. هؤلاء السياسيون والثوار استلهموا من ثورة الإمام الحسين(ع) قيم التضحيّة والشجاعة والعدالة في نضالهم ضد الظلم والطغيان في بلدانهم ومجتمعاتهم. ومن أبرز هؤلاء:
المهاتما غاندي: القائد الهندي الشهير، تحدث عن الإمام الحسين(ع) وثورته كرمز للنّضال والحق، فاستلهم غاندي من ثورة الامام الحسين(ع) مبدأ المقاومة السلمية ضد الإستعمار البريطاني من أجل إستقلال الهند. وقال مقولته الشّهيرة: "تعلّمتُ من الإمام الحسين(ع) كيف أكون مظلوماً فأنتصر".
نيلسون مانديلا: رئيس جنوب أفريقيا السابق، الذي ناضل ضد نظام الفصل العنصري، أبدى إعجابه بشجاعة الإمام الحسين(ع) وتأثر بتضحياته، مشيراً إلى أن تضحيات الامام الحسين(ع) ألهمته في نضاله الطويل من أجل الحرية والعدالة. ونشير إلى أنّ إقتباساته عن العدالة والمقاومة السلميّة قد ألهمت الكثيرين في الغرب.
علماء النّفس وعلماء الإجتماع
تناول علماء النفس والإجتماع تحليلات حول أحداث كربلاء وشخصية الإمام الحسين(ع) وتأثيرها الّنفسي والإجتماعي. فقدموا رؤى متعدّدة حول تأثير الإمام الحسين(ع) وثورته على النفسيّة الفرديّة والجماعيّة، وكذلك على التشكيل الإجتماعي والثّقافي في المجتمعات المختلفة. وقد أشاروا إلى دور الشخصيات البطوليّة مثل الإمام الحسين(ع) في تكوين الوعي الجماعي والهوية الثقافية، كما تحدّث عنه عالم النفس اللبناني البروفيسور مصطفى حجازي.
علي شريعتي: عالم الإجتماع الإيراني، كتب عن الإمام الحسين(ع) كثورة ضد الظّلم والطغيان واعتبره رمزاً للمقاومة.
فيكتور فرانكل: الطبيب النّفسي النّمساوي، أشار إلى معنى الحياة والبحث عن هدف، وهي قيم ترتبط بتضحيّة الإمام الحسين(ع).
ومع ذلك، يمكن إستخدام بعض مفاهيم فرويد في التّحليل النّفسي لفهم تأثيرات الأحداث التاريخيّة الكبرى، مثل ثورة الإمام الحسين(ع)، على النّفسيّة الجماعيّة. وعلى الرغم من أن فرويد لم يتناول الإمام الحسين(ع) بشكل مباشر، فإن تطبيق نظرياته يمكن أن يوفر فهماً أعمق لتأثير مثل هذه الشخصيات التاريخية والأحداث الكبرى على النفس البشرية.
ثورة الإمام الحسين(ع) في كربلاء لها تأثيرات عميقة وبعيدة المدى على المجتمعات الإسلامية وغير الإسلامية، وفي المجتمعات العربيّة والأحنبيّة، من أبرز هذه التأثيرات:
- تعزيز الوحدة والتضامن: تشكل ذكرى عاشوراء فرصة لتجمع النّاس وتأكيد الروابط الإجتماعية والوحدة، في كثير من المجتمعات.
- التّأكيد على القيم الإنسانيّة والأخلاقيّة: تُعتبر ثورة الإمام الحسين(ع) رمزاً للصّمود في وجه الظّلم والطّغيان، والدّفاع عن الحق والعدل. هذه القيم الإنسانيّة الأساسيّة تجد صدى في العديد من الثّقافات والأديان السّماويّة والوضعيّة.
- تعزيز الهويّة الثقافيّة والدينيّة: تُعتبر كربلاء حدثاً محورياً في التاريخ الإسّلامي، حيث يتم إحياء ذكرى عاشوراء سنوياً من خلال الطّقوس والشّعائر الدينيّة التي تعزز الهوية والإنتماء.
- إحياء الروح الثوريّة: قدمت كربلاء مثالاً يحتذى به في مقاومة الظلم، ما ألهم العديد من الحركات الثورية والإصلاحيّة عبر التاريخ وحتى اليوم، إذ ما زالت وستبقى تُركّز على القيم والمبادىء وتحثُّ دائماً على رفض الظلم والثّورة .
- إلهام الأدب والفن: ثورة كربلاء ألهمت العديد من الأعمال الأدبيّة والفنيّة، من شعر وروايات ومسرحيات، تعبيراً عن القيم والمثل والمبادىء التي تجسدها هذه الثورة. ثورة الإمام الحسين (ع) ليست مجرد حدث تاريخي، بل هي رمز للوقوف ضد الظلم والطغيان والسعي لتحقيق العدالة، ما يجعلها مستمرة في إلهام الناس عبر العصور والمجتمعات. هذه الثورة التي تتخطى حدود الزمان والمكان، إذ رفض الامام الحسين(ع) الإستسلام للطّغيان والفساد الذي كان يُمثله يزيد بن معاويّة، الحاكم الأموي في ذلك الوقت. فواجه الإمام الحسين(ع) وأتباعه وأنصاره جيشاً كبيراً وخذلان أكبر من أجل الحفاظ على القيم الإسلاميّة الحقيقية والعدالة الإجتماعية. بالرغم من أنهم كانوا أقليّة ومعرّضين للهزيمة المؤكدة، إلا أن وقوفهم بشجاعة أمام قوة الظلم يعكس رسالة عميقة حول التضحيّة والحق، واصطحاب الإمام الحسين(ع) لعياله ونسائه وأهل بيته كان فيه دروساً تُعلّم وتُفصّل جيلاً بعد جيل.
الثورة الكربلائية ليست مجرد مقاومة عسكريّة، بل هي درس في التضحيّة من أجل المبدأ والكرامة الإنسانيّة. وما قدمه الامام الحسين(ع) وأنصاره من إيثار في الأرواح في سبيل تحقيق العدالة ورفض الظلم، يجعل قصتهم دائماً ملهمة للعديد من الحركات الثوريّة والإصلاحيّة في التاريخ، ليس هذا فحسب بل فصول هذه الملحمة هي من أساسيات التربيّة الأسريّة والمجتمعيّة.
تبقى ثورة الإمام الحسين(ع) رمزاً عالمياً للأمل والعدالة، وذكرى حية تلهم الأفراد والمجتمعات للنضال من أجل حقوقهم وكرامتهم. وفي غزة اليوم، وفي جنوب لبنان أبطال يحيون ذكرى فصول كربلاء ويستمدون من نور ثورة الإمام الحسين(ع) نور يهتدون به ليتغلبوا وينتصروا على براثن الكيان الصّهيوني الغاصب وسينتصرون كما انتصر الإمام الحسين(ع) وستتناقل الأجيال أخبار هذا البطولات التي تجاوزت التسعة أشهر حتى الآن وما كلوّا أو ملّوا أو قصّروا أو تراجعوا لحظة في سبيل الذّود عن الحرم وعن الأرض والعرض.. وسينتصرون !!!

 

البحث
الأرشيف التاريخي