معاون العلاقات الدولية في جامعة الأديان والمذاهب الإسلامية للوفاق:
المقاومة على خطى كربلاء وعاشوراء
تمر علينا الأيام كمرور السحاب، وفي الأيام العشر الأولى من شهر محرم الحرام نشهد إقامة مجالس العزاء في ذكرى استشهاد الإمام الحسين(ع) وأهل بيته وأصحابه الأوفياء الذين ضحّوا بأنفسهم من أجل الدين، فكربلاء المقدسة أصبحت قلوب جميع أحرار العالم في هذه الأيام، وفي هذه الأجواء وعلى أعتاب يوم الطف، أجرينا حواراً مع معاون العلاقات الدولية بجامعة الأديان والمذاهب الإسلامية حجة الإسلام محمدمهدي تسخيري، وكان الحديث حول نهضة عاشوراء والثورة الإسلامية وإمامَيها، وفلسطين وغيرها، وفيما يلي نص الحوار:
الوفاق/ خاص
موناسادات خواسته
نهضة عاشوراء
بدأ الحوار عن وجهة نظر الإمام الخميني(قدس) والإمام الخامنئي(دام ظله) بالنسبة لنهضة عاشوراء، فهكذا أبدى عن رأيه حجة الإسلام تسخيري قائلاً: إن واقعة عاشوراء مفصل تاريخي في تاريخ بني البشر على مدى التاريخ، وعندما يدرس الإنسان هذه الواقعة، عليه أن يلتفت إلى حيثيات متعددة، والإكتفاء بتاريخية واقعة عاشوراء يعتبر خطأً فادحاً على مستوى التحليل العلمي، فالباحث والمتتبع الحاذق، يدرس هذه الواقعة من مختلف الجوانب والحيثيات، أي أسبابها وعللها، الظروف التي أدّت إليها، محورية الصراع بين الحق والباطل والشر والخير، ومن هو ممثل الحق ومن يمثل الشر، أهداف هذه الواقعة، العوامل الدخيلة في خلود هذه الواقعة، النظرة الدنيوية والمادية من جهة والنظرة المعنوية والأخلاقية والأخروية من جهة و... هناك العديد من الحيثيات لابد أن تلحظ في دراسة هذه الواقعة.
وبما أن الإمام الخميني(قدس) يمثّل الرمزية لمسيرة النهج الحسيني في عالمنا المعاصر والذي أسس للصمود في مسيرة الدفاع عن الحق وانتشار العدل ومقاومة الظلم والطغيان، في كافة بقاع الأرض في مواجهة الطغيان المستشري في السلطات الحاكمة سواء جاءت هذه الأنظمة بفعل إنقلاب عسكري او ديكتاتوري او تحت لواء ديموقراطيات مزيّفة، إرتفع النقاب عنها خلال العقود السالفة، وخاصة في التعامل مع القضية الفلسطينية التي سنتطرق إليها لاحقاً.
ان رؤية الإمام الخميني(قدس) واضحة تجاه واقعة عاشوراء وذلك بمتابعة أقواله وتصريحاته وأفعاله بالنسبة إلى القضية الحسينية الخالدة.
الإمام الخميني(قدس) يرى أن شهر محرم الحرام هو شهر إحياء الشعوب، وبحلول محرم الحرام يكون قد حلّ شهر الملاحم والشجاعة والفداء، شهر إنتصار الدم على السيف، شهر تمكّن فيه الحق من دحض الباطل، ودمغ جبهة الظالمين والحكومات الشيطانية بختم البطلان، شهر علم الأجيال - على مرّ التاريخ - طريق الإنتصار على الرماح، شهر سجّلت فيه هزيمة القوى الكبرى أمام كلمة الحق.
شهري محرم وصفر
وفيما يتعلق بأهمية شهري محرم وصفر في كلام الإمام الخميني(قدس) والإمام الخامنئي(دام ظله)، قال حجة الإسلام تسخيري: نعرف أهمية كل قضية من خلال آثارها ونتائجها وإیجابیاتها من حیث التأثیر علی الفرد والمجتمع،کل ما کان لتلک القضیة تأثير صارخ، فإن تلك القضية لها وقع كبير في ذلك المجتمع "إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ"، وعندما نتصفح التاريخ الإنساني بعد طلوع شمس الإسلام المحمدي وكذلك قراءة التاريخ الإسلامي، يشهد العالم برمّته والمسلمون بمختلف مذاهبهم وطوائفهم بأنه لا توجد قضیة على مدى التاريخ، إستطاعت أن تستقطب قلوب مئات الملایین من البشر وتجمع کل سنة عشرات الملايين في مناسبة تأبين سبط النبي الأكرم(ص)،كقضية الإمام الحسين بن علي بن فاطمة عليهم السلام في شهر محرم الحرام، بحيث تهب هذه التظاهرات المليونية لتعلن انتصار الحق على الباطل على مر العصور وبعد كل ما حاوله الطغاة لإطفاء هذه الشعلة الملتهبة في قلوب الأحرار لم يفلحوا، وفي الحقيقة هي نبوءة النبي الأكرم(ص) في هذا الأمر عندما أشار إليها بقوله: "إِنَّ لِقَتْلِ الْحُسَیْنِ حَرَارَةً فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِینَ لَا تَبْرُدُ أَبَداً".
واعتبر الإمام الخميني(قدس) أن عاشوراء هو يوم ولادة جديدة للإسلام بعد غلبة دم الإمام الحسين(ع) على سيوف الظلم الأموي وقال: "عاشوراء هو يوم الحداد العام للشعب المظلوم، ويوم الملحمة، ويوم الولادة الثانية للإسلام والمسلمين".
وأن الإمام الخامنئي (دام ظله) يطالب الناس أن يستلهموا من شهر محرم الحرام ومناسباته ومجالسه وأن على الناس والخطباء أن يتزودوا من هذا الشهر بالحماس والقوة، وعدم الخوف من الطغاة والظالمين، وبحق فإن بيوتهم أهون من بيت العنكبوت ولاتستحق الخوف منها.
عندما يقرأ كل إنسان ويتدبّر كلام أمامَي الثورة الإسلامية حول القضية الإسلامية، يستلهم العزيمة والإرادة الإلهية الإيمانية في مواجهة أعتى القوى الظالمة لأنه سيستخف بالموت الذي يخوف الجبناء ويلهم الأبطال لأنه جسر هؤلاء إلى جنانهم وأولئك إلى جحيمهم.
أهم دروس عاشوراء
أما حول أهم دروس عاشوراء عند الإمام الخميني(قدس) والإمام الخامنئي (دام ظله)، قال معاون العلاقات الدولية بجامعة الأديان والمذاهب الإسلامية: إن الدروس الملهمة من عاشوراء والتي أشار إليها الإمام الخميني رضوان الله عليه في خطبه وكتاباته كثيرة ومتعددة الإتجاهات ولا يمكننا سوى الإشارة إلى بعض منها:
التضحية من أجل الإسلام
الامام الراحل (قدس) يرى أهم عنصر في مسيرة الإنتصار والتغيير هو التضحية بكل ما يملك من جهد وجهاد مال وأهل وبنون، فإن التكاسل والاحتكار وعدم بذل الجهد ودخول سوح الجهاد لا عاقبة لها سوى ما نشاهده اليوم في عالمنا الإسلامي.
المقاومة
وأضاف حجة الإسلام تسخيري: أعظم درس في كربلاء وإلى يومنا هذا هو المقاومة امام كل انواع الظلم والإضطهاد حتى النصر. يقول الإمام الخميني(قدس)، عن الإمام الحسين بن علي عليهما السلام: "لقد علم عليه السلام الناس ألا يخشوا قلة العدد، فالعدد ليس هو الأساس، بل الأصل والمهم هو النوعية، والمهم هو كيفية التصدي للأعداء والنضال ضدهم والمقاومة بوجههم، فهذا هو الموصل إلى الهدف. من الممكن أن يكون عدد الأفراد كبيراً إلاّ أنّ نوعياتهم ليست بالمستوى المطلوب، ومن الممكن أن يكون عددهم قليلاً لكنهم أقوياء أشداء وشامخو الرؤوس".
كشف زيّف إعلام العدو
ويتابع حجة الإسلام تسخيري: اليوم وفي عالمنا المتحضر كما يدعي، إن الغلبة للسلطة الإعلامية التي تقلب الواقع رأساً على عقب، وخلط الحق والباطل ليصطاد في الماء العكر. وهنا يشير الإمام الخميني(قدس) إلى دور الإمام السجاد(ع) والسيدة زينب(س) في أداء هذا الدور الرسالي والذي خلّد الثورة الحسينية ويقول: "فقد ارتقى الإمام السجاد سلام الله عليه المنبر وأوضح حقيقة القضية وأكد أن الأمر ليس قياماً لأتباع الباطل بوجه أتباع الحق، وأشار إلى أن الأعداء قد شوّهوا سمعتهم وحاولوا أن يتّهموا الإمام الحسين(ع) بالخروج على الحكومة القائمة وعلى خليفة رسول الله!! لقد أعلن الإمام السجاد(ع) الحقيقة بصراحة على رؤوس الأشهاد، وهكذا فعلت السيدة زينب(س) أيضاً.
الدروس العاشورائية عند الإمام الخامنئي (دام ظله)
بعد ذلك يتطرق حجة الإسلام تسخيري إلى بعض الدروس العاشورائية التي يشير إليها الإمام الخامنئي (دام ظله) في خطبه المتنوعة، ويذكر منها:
- تعديل الإعوجاج الطارئ: كان ينبغي أن يؤدّي الإمام الحسين (ع) هذا الواجب ليصبح درساً عمليّاً للمسلمين على مرّ التّاريخ... عبارة عن إعادة المجتمع الإسلامي إلى المسار الصّحيح. متى؟ عندما تبدّل هذا المسار وأدّى الظّلم والإستبداد وخيانة البعض إلى حرف المسلمين وباتت الأرضيّة والظروف مناسبة للقيام والنّهوض... هذه القضيّة تشكّل أساس المعارف الحسينيّة.
- تعيين مسؤولية المسلمين: لقد أوضح الإمام الحسين بن علي(ع) في كلمته للجميع أنّ أهمّ مسؤوليات العالم الإسلامي في تلك الظروف هو الصّراع مع رأس القوّة الطاغوتيّة، والإقدام على إنقاذ النّاس من سلطتها الشيطانيّة.
- الأصل هو أداء التكليف: الإمام الحسين(ع) ثار من أجل أن يعلّم النّاس درساً هو أنّ الإنسان المسلم عندما يشاهد الظّلم في مجتمعه، وعدم وجود نظام إسلامي، وعدم وجود حاكميّة للقرآن، ووجود التمييز والغطرسة والنّهب والسّرقة، وأيضاً تعاظم السّلطة دون أيّ حدود ومعايير، ينبغي عليه أن يثور لكي يصلح الأوضاع رغم كلّ شيء؛ سواء أثمر قيامه أو لم يثمر. وهناك دروس أخرى لا يتّسع لها الوقت.
تأثير نهضة عاشوراء في الثورة الإسلامية
وعندما سألنا حجة الإسلام تسخيري عن رأيه حول تأثير نهضة عاشوراء في الثورة الإسلامية، قال: كما أشرنا سالفاً بأن النهضة الحسينية ألهمت كل ثورات العالم الإسلامي على مدى القرون السالفة، علمت الأمة الإسلامية عدم الخنوع والخضوع أمام الطغاة والمستكبرين وأيضاً عدم اليأس لقلة سالكي طريق الحق وكثرة أتباع الباطل في بعض الظروف، وأن النصر، هو أن تكون مع الحق مهما كلّف الأمر والنصر الحقيقي هو أن تنال إحدى الحسنين وأما الغلبة الظاهرية فهي زائلة لا محالة، فالثورة الإسلامية قيادة وأمة ونهجاً جاءت على خطى نهضة الإمام الحسين(ع) وهذا ما صرّح به إمام الثورة وقائدها: "إنّ کلّ ما لدینا من عاشوراء".
عاشوراء والمقاومة وفلسطين
وفيما يتعلق بالعلاقة بين عاشوراء والمقاومة وخاصة فلسطين قال حجة الإسلام تسخيري: إن أردنا البحث عن معرفة هذه العلاقة، يكفينا أن ندرس كربلاء المقدسة وما حل فيها لنكتشف واقع العلاقة بين المقاومة وفلسطين في أيامنا هذه مع عاشوراء وكربلاء المقدسة. إن العاشورائیین كانوا قلة قليلة لا تتجاوز السبعين أمام الآلاف من الفرسان المدججة بالسلاح والمدعومة بالعتاد المتواصل، فالمقاومة الفلسطينية إعدادها وعُدتها لا تقاس بما یمتلکه الصهاینة من أحدث الأسلحة والتكنولوجيا المتطورة، يستتبعها جسر جوي من الأسلحة والعتاد الأمريكي والأوروبي وأما المال فحدث ولا حرج.
إن إعلام كربلاء كان معتماً على الواقعة العاشورائية وإلى يومنا هذا لم تكشف كثيراً من حقائقها، وكان مقلِّباً للحقائق والواقع المعاش، یقدّم امام المسلمين بأنه خارجي وأن يزيداً الفاسق الفاجر هو أميرالمؤمنين.
وکذلك فإن الإعلام الذي تمتلكه المقاومة لا يقاس بالأسطول الإعلامي وما يبذله الإستكبار والصهاينة من أموال لا تعد ولاتحصى في مسيرة تزييف الحقائق؛ فالمجاهد في سبيل الله والمدافع عن دينه وعرضه وأرضه وماله وحقه في فلسطين ولبنان واليمن والعراق، يصوّره الإعلام السلطوي بأنه إرهابي خارج على الشرعية الدولية، ويصوّر الصهاينة القتلة المرتكبين للقتل الجماعي كل يوم والذي يتجاوز عشرات الآلاف من الأبرياء بأبشع سبل القتل، يصوّرهم أصحاب حق ومدافعين عن حقوق الإنسان، فتبّاً لهذا الإعلام وتبّاً لهؤلاء الحكّام دعاة الديموقراطية كذباً وزوراً وتبّاً لوعّاظ السلاطين من كافّة الأديان الساكتين عن الحق والشياطين الخرس والمدافعين عن الباطل، ولا أدري ما الذي سينطقهم لصالح المظلوم أكثر من هذا الإجرام الحاصل.؟!!
إن المقاومة اليوم قيادة ومجاهدين ومشروعاً وجهاداً ونزاهة ومظلومية على خطى كربلاء المقدسة وعاشوراء من فلسطين إلى لبنان وسوريا واليمن والعراق وايران.
وما النصر إلّا من عند الله.