الحرب النفسية.. العدوّ يسدّد داخل مرماه!
ليلى عماشا
كاتبة ومحللة سياسية
مصطلح "الحرب النفسية" شائع في إطار توصيف ما يقوم به العدوّ من محاولات مستميتة تسعى إلى بثّ روح الهزيمة والضعف في صفوف محور المقاومة، باستخدام الأدوات الإعلامية والمنابر الواقعية والافتراضية. اعتمد العدوّ هذا الغرض في الترويج للأكاذيب والأضاليل وبثّ التهديدات الواهية بشكل مباشر عبر الناطقين باسمه أو العاملين لديه أو حتّى مقدّمي الخدمات المجانية له بدافع الحقد الخالص أو غيره. واستخدم صيغ المخاطبة المباشرة وغير المباشرة في هذا السياق ليحقّق ما يعجز عنه في الميدان العسكري ضد المقاومة فتارّة يخرج علينا متحدث صهيوني بتهديد ووعيد ضدّ لبنان، رغم علمه أنّ ما يهدّد ويتوعّد به غير قابل للتنفيذ، وتارّة يعطى تعليمات لمتحدّث بالعربية كي يقوم بذلك بطريقته الخاصة والتي قد تظهر على شكل تباكٍ وتعاطف هدفه التخويف من القادم، أو على شكل قول شائن ضدّ المقاومة ورموزها وثقافتها وكلّ ما يدور في فلكها.
تعرف الحرب النفسية بـ"الحرب التي تستخدم فيها الدعاية من أجل التأثير على أشخاص بين أوساط العدو"، وبأنّها "عملية منظمة شاملة، تُستخدم فيها من الأدوات والوسائل ما يؤثر على عقول ونفوس واتّجاهات الخصم"، وقد تتزامن هذه الحرب مع حرب عسكرية كما نشهد في هذه الأيام، أو تدور مجرياتها في أيّام الهدوء على الجبهة بين معركتين، وهذا ما شهدناه بكثافة منذ تموز ٢٠٠٦ وحتّى دخول جبهة الإسناد في لبنان في معركة "طوفان الأقصى".
بناء على هذا التعريف، يمكن الجزم بأنّ العدوّ لقي في هذا الميدان هزيمة مذلّة تشكّل انعكاسًا مسبقًا لهزيمته العسكرية، أو تمهّد لها. في الواقع، تُقاس فعالية الأدوات المستخدمة في الحرب النفسية بفعاليتها وتأثيرها، تمامًا كما في الحرب العسكرية حيث يقوم العدو بتقييم فعالية قنبلة أو صاروخ من خلال قياس الأثر التدميري في المكان المستهدف، يجري تقييم الدعاية أو المقابلة أو المقالة أو التصريح أو حتّى المنشور المستخدم في الحرب النفسية من خلال قياس أثره في نفوس المستهدفين، وما دام غير مؤثر، فالحديث عن فشله هو حديث موضوعي علميّ مثبت، بمعزل عن الموقف منه. وبالتالي القول بأنّ العدوّ يلقى في الميدان النفسي هزيمة مرّة تصل الى ادنى المستويات ولا يترك اثرا في نفوس أبناء المقاومة، في حربه النفسية.
ويواصل الناطقون العسكريون والسياسيون في صفوف الكيان الصهيوني تصريحاتهم بالتهديد والوعيد ضدّ جبهة المقاومة في لبنان، وعن لائحة طلباتهم ورغباتهم التي تتضمّن إبعاد حزب الله إلى شمال الليطاني. الهدف من هذه التهديدات هو بطبيعة الحال ترهيب جبهة المقاومة وكلّ اللبنانيين كي يقوموا بالضغط على المقاومة لتتراجع. وعندما يرد المقاومون على هذه الترّهات بعدم قدرة الكيان على تنفيذ ما يتوعّد به على لسان سياسييها وعسكرييها، يصدر صوت من داخل الكيان المحتل عبر السياسيين أو العسكريين بأنهم قادرون. وفي هذا الإطار، يمكن متابعة الصحف اليومية الصادرة يوميًا في كيان الاحتلال والتي تنشر الكثير من التصريحات الرسمية أو التسريبات نقلًا عن ضباط وساسة، وجميعها تتحدّث عن الوهن الذي يفضح قدرة الكيان على الردع أو على حماية نفسه.
هناك مقال لـ "دايلي تلغراف" صدر مؤخرا حول مطار بيروت والذي يراد منه بثّ رسالة ترهيب من الكيان في سياق الحرب النفسية والإعلامية ضدّ حزب الله، وجميعنا رأينا كيف ارتدّت هذه القنبلة على الصهاينة أنفسهم، فعدا عن انفضاح الكذبة، كشفت عجزهم عن التجرّؤ على المطار خوفًا من ردّ المقاومة على ارتكاب عمل كهذا. بكلام آخر، روّج الصهاينة لكذبة تخزين الصواريخ في مطار بيروت، فسألهم جمهورهم "ما دمتم تعلمون بذلك فلماذا لا تقصفونه!؟"، عندها صمتوا!
وفي إطار الحرب النفسية هناك جانب آخر يستخدم فيه العدوّ أدواته المحليّة، سواء التاريخية أو المستحدثة، فالفشل الذريع عنوان لطيف لتوصيف ما يجري. كلّف العدوّ مجموعة من الخائبين ليطبّلوا له ويخدموا أهدافه في المعركة النفسية، فلم يكتفوا بالعجز عن تحقيق أيّ هدف، بل تحوّلوا بفعل حماقاتهم المتكرّرة إلى عبء نفسي ومعنويّ عليه. أظهر هؤلاء كلّ حقدهم على بلدهم دون أن ينجحوا في تحقيق أي مسعى من مساعي مشغّلهم، فازدادت عزلتهم وانكشف خواؤهم الأخلاقي والوطني أكثر فأكثر، حتّى باتوا عبارة عن عصبة بالكاد تمثّل نفسها، منفصلة عن الواقع ومتلعثمة في كلّ قول أو حديث. والأمثلة الحيّة هنا بتعداد هؤلاء الذين ارتبط اسم كلّ منهم بقول ساخر، أو بفيديو تهكّمي يبدع روّاد منصات التواصل الاجتماعي من أهل المقاومة في تسجيله ونشره وتداوله.
بالعودة إلى مصطلح "الحرب النفسية" بكونه يعبّر عن "حرب العصر" وبكونها تهدف إلى تغيير أفكار وسلوكيات واستراتيجيات الفئة المستهدفة فيها، يمكن القول بثقة تامّة، إن العدوّ الصهيوني اليوم يحاول تسديد الأهداف في مرمى المقاومة، فيصيب مرماه ويعجّل في إعلان هزيمته.