أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية للوفاق:
انهيار العقد الاجتماعي.. المقاومة تدمّر أسس مجتمع الشتات الصهيوني
العقد الاجتماعي هو اتفاق ضمني بين الأفراد والدولة، إذ يتنازل الأفراد عن طيب خاطر عن بعض حقوقهم وحرياتهم الطبيعية للدولة مقابل الحماية والحفاظ على النظام الاجتماعي، ويضع هذا العقد أساس السلطة وشرعية الدولة. تم إنشاء العقد الاجتماعي الصهيوني شبه العسكري على مرتكزات أساسية، من ضمنها تحقيق الأمان والاستقرار والرفاهية لـلصهاينة، بالمقابل على ”المواطن” أن يذهب للعيش والعمل في الكيبوتسات والمستوطنات، والخدمة في الجيش، والقيام بواجب الاحتياط، والمساهمة في الصالح العام. وبالتالي، يقوم المواطنون بتجنيد أبناءهم وبناتهم في الجيش مقابل أن تبذل الدولة كل ما في وسعها لإعادتهم حال أسرهم، والدفاع عنهم وحمايتهم. ولهذا يؤمن المستوطنون أن الدولة- بجيشها وشرطتها وأمنها- لا تتوانى في حماية كل فرد. إلا أنّ هذا العقد، بدأ بالتّصدّع تحت وطأة عمليات المقاومة الفلسطينية واللبنانية وكان آخرها وأشدها عملية طوفان الأقصى. في سياق التعرف على معالم تهشم وانكسار العقد الاجتماعي بين الكيان الصهيوني ومستوطنيه، التقت صحيفة الوفاق أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية الدكتور وسام اسماعيل، وكان الحوار التالي:
الوفاق/ خاص
عبير شمص
تصدع العقد الاجتماعي
يشرح الدكتور اسماعيل بأنه:" تغير الواقع بالنسبة للأسرى ولكيفية تعاطي الصهيوني معهم وهنا لا نتحدث فقط عن العسكريين بل عن المدنيين، الأمر مرتبط بانهيار المنظومة الفكرية التي سوق لها الكيان منذ نشأته والتي كانت تقوم على أساس فلسطين أرض الميعاد والأحلام والأمان وأن هذا الكيان بجيشه وسلطته قادر على ضمان وتأمين مقومات العيش الرغيد وذلك بالاستناد الى عقيدة " بن غوريون" القائمة على الحسم والردع المبكر وبالاستناد الى الإصرار على الحفاظ على حياة الصهاينة عبر استخدام القوة والتفوق والقدرة على الردع بمختلف أشكاله وصولاً إلى الردع النووي، ففي كل الحروب التي شنها الكيان المؤقت في السابق منذ 48 وصولاً حتى 82 كان هناك تأكيد على هذه السردية أن الجيش الصهيوني يتحرك بالقوة وأنه لا يقبل أبداً بأن يكون عرضة للابتزاز عبر أسر أحد جنوده أو مستوطنيه واستطاع أن يطبق هذه السردية، لكن الأمر تغير مع تحول المقاومة من مجرد أنظمة عربية تخضع لأجندات سياسية وتسويات إلى مشروع عقائدي إلى مشروع مجتمعي، تغير هذا الواقع وبات العدو الآن يعترف بأنه غير قادر على الحسم وعلى الحماية غير قادر على أن يشن حروباً حاسمة من أجل استعادة الأسرى. فمنذ عملية "طوفان الأقصى" تغير الواقع، على سبيل المثال في عام 2006 م شن العدو الصهيوني حرباً على لبنان لمدة 32 يوما ومن بعدها فاوض لاستعادة جنديين أسرتهم المقاومة الاسلامية ودفع ثمناً باهظاً لاستردادهم وذلك من أجل أن يؤكد للمجتمع الصهيوني على أنه يبذل كل ما باستطاعته من أجل اطلاق سراح الأسرى أو من أجل الحفاظ على أمن الكيان".
أمّا اليوم ، فيقول الدكتور اسماعيل بأنه:" بات الكيان الصهيوني يشعر بالضعف لدرجة أنه أصبح يعتبر أن دفع ثمن مقابل الأسرى الصهاينة سينعكس سلباً على الأمن وعلى العقيدة الأمنية له وهذا بدوره سينعكس على المجتمع الصهيوني شعوراً بالضعف وعدم القوة وشعور بعدم القدرة على التمتع بالأمن في ظل كيان غير قادر على أن يردع أعداءه على حدوده".
فقدان المجتمع الصهيوني الثقة بدولته
بطبيعة الحال هذا الواقع المجتمعي سيكون له تداعيات على المدى البعيد على الكيان الصهيوني وفق ما يؤكده الدكتور اسماعيل، فلن يعود مكاناً جاذباً للمستوطنين بفعل التطورات الجديدة، فقد نشهد في المرحلة المقبلة هجرة معاكسة وها نحن نتحدث اليوم عن هجرة 500 ألف صهيوني تركوا أرض الميعاد وذهبوا بدون رجعة ولا نية لهم بالعودة. وهذا له تداعيات سلبية على الكيان الصهيوني على المدى البعيد، ونحن إذا كنا نتحدث عن الكيان الصهيوني الذي تتداخل بعوامل بقائه القدرة على الردع والحسم مع بيئة مجتمعية حاضنة، فلقد بدأ يفقد الردع والحسم والبيئة المجتمعية لم تعد حاضنة ولم تعد تملك الثقة بهذا الكيان وبقدرة الجيش على الحسم، وهكذا فقد نشهد بداية زواله وهذا يتوافق مع ما يتحدث به كثير من قادة المقاومة وخاصةً سيد المقاومة السيد حسن نصر الله (حفظه الله)، فإن الكيان الصهيوني قد يسقط دون حرب كبرى نتيجة تآكل العوامل الداخلية التي كانت سبباً في بقائه، وبالتالي أستطيع القول إن التغير على مستوى التعامل مع الأسرى سيكون له ارتدادات ليس فقط على مستوى نتائج عملية "طوفان الأقصى" سواء من ناحية الهزيمة أو غيرها، ولكن على المستوى البعيد إذ أن الكيان الصهيوني سيتأثر حكماً بما سيحدث مع الأسرى ونحن نشهد ذلك على المستوى الداخلي فنحن نرى انقساماً مجتمعياً كبيراً نتيجة وجود فريقين، تكون الهوة بينهما عميقة جداً، فريق يريد الذهاب إلى صفقة لاطلاق سراح الأسرى وفريق يريد التضحية بهم".
ويختم أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية الدكتور اسماعيل حديثه بالقول بأن:" هذا العقد الغير المكتوب بين أفراد "المجتمع الصهيوني"، والذي تتم ترجمته في الخطاب السياسي والإعلامي، ومناهج التربية والتعليم، وبرامج الأحزاب السياسية، والتصورات والمعتقدات التي تؤمن بها مختلف الفرق أو الجماعات الدينية، تتصدع أسسه ويسير نحو الانهيار نتيجة فقدان الثقة بالجيش والقيادة الرسمية والسياسية والتي لم تستطع تحقيق أية صورة نصر تمكّن الكيان من الخروج من هذا المأزق والحفاظ على عقد اجتماعي قد مرّت عليه سنوات من الهزائم".