عملية الاستشهادي أحمد قصير
كان مقراً للعدو وأصبح «كومة باطون»... عملية استشهادية وليس تسرب غاز
بعد 42 عامًا من المزاعم والادعاءات الصهيونية الرامية لتزييف حقيقة العملية البطولية التي نفذها فاتح عهد الاستشهاديين الشهيد أحمد قصير ودمّر خلالها مقرّ الحاكم العسكري الصهيوني في منطقة صور، تلك العملية التي مرغت أنوف الاحتلال بالتراب، فدفعته الى إنكار الحقيقة والترويج لأكذوبة «تسرب الغاز»، كشفت صحيفة «يديعوت أحرونوت» الصهيونية أنّ لجنة التحقيق في العملية الاستشهادية التي نفذها الشهيد قصير، ستُقرّ أنّ العملية كانت هجومًا للمقاومة، وليس «انفجارًا نتيجة تسرب غاز».في 11 تشرين الثاني/ نوفمبر من العام 1982، اقتحم الاستشهادي أحمد قصير بسيارته المفخخة مقر الحاكم العسكري الصهيوني عند بوابة صور، مسقطاً أكثر من 150 صهيونياً من الضباط وجنود الاحتلال بين قتيل وجريح.وشكلت تلك العملية أكبر وأنجح عملية استشهادية في تاريخ الصراع مع الاحتلال الصهيوني، وهزت كيان العدو الذي صدم مسؤولوه ومستوطنوه من حجم العملية وأسلوبها، وفتحت الباب أمام إطلاق «سلاح الاستشهاديين».
ولد الشهيد أحمد جعفر قصير في بلدة دير قانون النهر، قضاء صور، عام 1963. وتربى منذ طفولته على المبادئ الأخلاقية والدينية، وتمتع بصفات وخصال نبيلة ميزته عن كثير من أترابه.
إرتبط إسمه بـ»يوم الشهيد»، إذ أنه كان أول منفذ لعملية إستشهادية ضد قوات الإحتلال الصهيونية في جنوب لبنان، بعد 5 أشهر و7 أيام على بداية الإجتياح الصهيوني، وسقوط آلاف الشهداء والجرحى اللبنانيين، فضلاً عن آلاف المعتقلين.
يومها قاد الشاب اللبناني الذي لم يتجاوز عمره 18 عاماً سيارته المفخخة بكميات كبيرة من المتفجرات، واقتحم بها مقر الحاكم العسكري الصهيوني الذي كان يضم القيادة العسكرية، وفجر نفسه بالمبنى المؤلف من ثماني طبقات.
وكان المبنى يضم مكاتب تابعة مباشرة للمخابرات الصهيونية، بينما خصص أحد الطوابق كمقر لوحدة المساعدة التابعة للقيادة الصهيونية في المنطقة، وحول الطابق الرابع الى مقر يبيت فيه عدد من الضباط والرتباء ممن يكلفون بمهمات محدودة كالمخابرات واللوجيستيك والارتباط.
ومع حدوث الانفجار سرعان ما هوى المقر على من فيه، وشب حريق هائل وارتفعت سحب الدخان، وامتزج صراخ الجنود مع طلقات نارية متقطعة، وتحول المكان الى ساحة جثث متناثرة وصل عددها باعتراف من الناطق العسكري الصهيوني إلى 74 ضابطاً وجندياً بمن فيهم الحاكم العسكري، فيما اعتبر 27 منهم في عداد المفقودين، وأوردت الصحف الصهيونية بعد بضعة أيام أن هناك 141 قتيلاً و10 جنود في عداد المفقودين.
وبعد ثلاثة أيام على العملية الاستثنائية، اجتمعت حكومة الاحتلال وأعلنت الحداد، حيث أطلقت صفارة في جميع أنحاء الكيان الغاصب، وواصلت وسائل الإعلام قطع برامجها وبث الموسيقى الحزينة، في حين خصصت المدارس ساعة من حصصها للحديث عن العملية.
بدورها، أبقت المقاومة الإسلامية اسم الاستشهادي أحمد قصير مجهولاً، كذلك الجهة التي نفذت العملية، حتى الـ19 من أيار/ مايو عام 1985، عندما أقامت إحتفالا بذكرى شهدائها في بلدة دير قانون النهر كشفتْ فيه النقاب عن الإستشهادي قصير، وذلك خلال كلمة ألقاها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله.
ومثلت العملية تحولاً تاريخياً في العمل المقاوم ضد الاحتلال الصهيوني، أثمر تحريرا في عام 2000 وانتصارا في عام 2006، فيما راكمت المقاومة الإسلامية منذ ذلك التاريخ قدرات وخبرات تشكل حتى اللحظة الرادع الوحيد أمام أي عدوان إسرائيلي على لبنان.
صدمة واستنزاف للعدو
كانت ولا تزال عملية تدمير مقر الحاكم العسكري في صور، الأكبر والأضخم من حيث نتائجها، في تاريخ الصراع العربي الصهيوني، إذ أدت في أقل الاعترافات الصهيونية إلى مقتل 76 ضابطًا وجنديًا، وسقوط عشرات الجرحى. لكن ميزتها لا تقتصر فقط على هذه الفرادة التي تتمتع بها، وإنما تنطوي أيضًا على أكثر من ميزة خاصة في أكثر من سياق.
أتت هذه العملية الاستشهادية في أعقاب اجتياح جيش العدو لأغلب الاراضي اللبنانية، الذي أدى في حينه إلى هزيمة عسكرية مدوية للمقاومة الفلسطينية والقوات السورية في لبنان، وسائر الأحزاب اللبنانية، وأيضًا، بعد مجزرة صبرا وشاتيلا التي شكَّلت تتويجاً للاجتياح وهدفت، من ضمن مجموعة أهداف، إلى حفر الهزيمة العسكرية في وعي ووجدان اللبنانيين والفلسطينيين في حينه.
في المقابل، شكَّلت العملية ردًا عمليًا على كل هذا المسار، وتأسيسًا لمسار جديد من الرفض والمقاومة بهدف هدم الواقع الذي تشكَّل في حينه. لكن مفاعيل هذه العملية التأسيسية تكمن في نتائجها الاستثنائية وتوقيتها وأسلوبها، وأيضاً في استمرار المقاومة. فهذا النمط المتواصل من العمليات، دفع العدو إلى ادراك أن هذه العملية لم تكن استثناء وانما كان لها امتداداتها في مستقبل حركة المقاومة.
العدو الصهيوني يعترف
وفي هذا السياق، كشفت صحيفة «يديعوت أحرونوت» الصهيونية أن لجنة التحقيق في العملية الاستشهادية لأحمد قصير، الذي دمّر خلالها مقر الحاكم العسكري الصهيوني في منطقة صور في تشرين الثاني/نوفمبر من العام 1982، ستُقرّ بأنّ العملية كانت هجوماً للمقاومة، وليس «انفجاراً نتيجة تسرب غاز» كما كانت الادعاءات السابقة.
وفي التفاصيل، نشرت الصحيفة، لأوّل مرة، أنّ لجنة التحقيق، التي تشكلت قبل نحو عام في أعقاب سلسلة من التحقيقات التي نُشرت في «يديعوت أحرونوت»، من أجل إعادة فحص «أسوأ كارثة في تاريخ الجيش الصهيوني»، أنهت عملها وكتابة تقريرها النهائي، الذي تم تعريف استنتاجاته بأنّها «دراماتيكية ومثيرة».
وقالت مصادر في مجتمع الاستخبارات، التي راجعت التحقيق، إنّه «يحتوي على نتائج مثيرة ليس فقط حول سبب المأساة، بل أيضاً بشأن التستر عليها وتكلفة هذا التستر».
وأضافت «يديعوت أحرونوت» أنّ اللجنة وجدت أنّ انهيار مبنى الحاكم العسكري قبل 42 عاماً، سببه هجوم للمقاومة، وذلك بعدما «رفض سلسلة من كبار المسؤولين الأمنيين والوزراء ورؤساء الحكومة الأصوات التي شككت في أنّ ما حدث هو انفجار نتيجة تسرب غاز لسنوات».
كما لفتت إلى أنّ «اللجنة ستقدم استنتاجاتها قريباً إلى رؤساء أجهزة الاستخبارات والمؤسسة الأمنية والعسكرية والحكومة الصهيونية، ومن ثم إلى عائلات قتلى الانفجار».
يُشار إلى أنّ «إسرائيل»، أعلنت في 25 حزيران/يونيو 2023، تشكيل لجنة جديدة للتحقيق مجدداً في تفجير مقر الحاكم العسكري جنوبي لبنان، وذلك مع كشف وقائع جديدة بشأن هذه العملية.ختاماً بعد 42 عاماً، لا تزال تداعيات عملية الشهيد أحمد قصير الخطرة على أمن العدو الصهيوني تتوالى، ففوق حجم خسائر الاحتلال البشرية والمعنوية الضخمة، جاءت الرواية الركيكة التي حاكتها لجنة التحقيق العسكرية آنذاك للتعمية على حقيقة ما جرى.
لكن العناد والتعمية الذي لفّ القضية طول تلك السنوات، سقط أمام سيل المطالبات والانتقادات التي وجّهت للتحقيق الرسميّ، الذي تجاهل الاستنتاجات المبنية على شهود وقرائن ماديّة جُمعت حينها، والتي تشير بما لا شك فيه إلى أنّ ما حصل كان عملية استشهادية، وليس حادثاً عرضياً.