الحرب وخيار الحسم العسكري
وسام ابو شمالة
كاتب ومحلل سياسي
يثير فشل جولات التفاوض غير المباشر بين المقاومة في فلسطين ولبنان مع الكيان الصهيوني لوقف إطلاق النار تساؤلاً حول الانعكاسات على تطور الصراع بعد ارتفاع مستوى التوتر على الجبهة اللبنانية، وتمسك المقاومتين اللبنانية والفلسطينية بمواقفهما تجاه الحرب، ولا سيما الربط بين الجبهتين، وفي ضوء الخطاب الأخير للسيد حسن نصر الله الذي رفع مستوى التهديد والجاهزية للمواجهة الشاملة، وفي أعقاب الفيديو الاستخباراتي والنفسي لمسيرة الهدهد، وتصريحات قيادة المقاومة الفلسطينة التي أكدت التمسك بشروطها ومواصلة المقاومة على الأرض التي كبَّدت الجيش الصهيوني خسائر بشرية ومادية لافتة بعد نحو 8 أشهر من الحرب.
فهل تتجه الحرب لرفع مستوى المواجهة حتى الوصول إلى الحرب الواسعة أم أن الخشية من تداعيات الحرب وانعكاساتها والكلفة البشرية والمادية المرتفعة، إضافة إلى التدخلات الدولية، ستدفع أطراف الصراع إلى القبول بحلول وسط وأطروحات التسوية قبل الانفجار الكبير؟
إن المخاوف التي رسختها ملحمة طوفان الأقصى في الوعي الإسرائيلي لم تنجح الحرب التدميرية على غزة في محوها أو حتى التخفيف منها، بل أدى الفشل، من جهة، في حسم المعركة مع جبهة واحدة إلى زيادة المخاوف من فشل أكبر في حال توسّعت الحرب إلى جبهات متعددة، ومن جهة أخرى، ارتفعت أصوات تعتقد أن وجود الكيان الموقت معرض للخطر في حال لم تحسم المعركة مع المقاومتين الفلسطينية واللبنانية، وأن عليها أن تمضي في حربها حتى النهاية، ويحظى ذاك التوجه بتأييد واسع في أوساط اليمين الصهيوني ولو بثمن التضحية بالأسرى في غزة، بيد أن اتجاهات صهيونية على مستوى الجمهور وفي أوساط نخبوية وقادة سياسيين وعسكريين تعتقد أن الحسم ضروري بعد استعادة الأسرى واختيار موعد مناسب ومباغت تفاجئ فيه "إسرائيل" أعداءها، ولا سيما على الجبهة اللبنانية، كما أن أحد السيناريوهات التي طرحت في بداية الحرب هو توجيه ضربة استباقية إلى المقاومة اللبنانية، وهو ما تبناه وزير الأمن الصهيوني يوآف غالانت وعارضه بيني غانتس وغادي أيزنكوت عضوا مجلس الحرب المستقيلان، ويبدو أن بيبي نتنياهو لم يكن متحمساً له.
من يتبنى خيار المواجهة الشاملة في "إسرائيل" يتبنى نظرية الحسم العسكري للصراع، وأن المرحلة مواتية للحسم على الجبهات كافة، الأمر الذي يستدعي عدم توقف الحرب على غزة حتى تحسم المقاومة نهائياً، من حيث القدرة العسكرية والمدنية والحكومية واستعادة الأسرى وتغيير الواقع الأمني في غزة، وفي الشمال أيضاً، حتى يتم "إخضاع" قدرة المقاومة اللبنانية واحتلال المنطقة الأمنية في الشمال.
وبحسب رؤية من يتبنى خيار الحسم العسكري الشامل، يجب الانتقال في أسرع وقت ممكن إلى الجبهة الشمالية، لأنها باتت تشكل تهديداً وجودياً لـ"إسرائيل"، ما يستدعي القيام بمناورة برية يتم من خلالها تدمير البنى التحتية للمقاومة اللبنانية، وللبنان أيضاً.
ويعتقد أصحاب هذا التوجه أن لا سبيل إلا الحسم العسكري حتى يتم إعادة هيبة الردع الذي انمسح كلياً في السابع من أكتوبر، مهما كلف "إسرائيل" من ثمن، فالحرب لها ثمن لا بد من دفعه، ولا يوجد بديل من النصر في هذه الحرب، بحسب من يدعو إلى خيار الحسم.
نتيجة صدمة السابع من أكتوبر، فإن غالبية الجمهور الإسرائيلي تؤيد شن حرب واسعة على لبنان، حتى لا يتكرر مشهد طوفان الأقصى في شمال فلسطين المحتلة، ولا سيما أن المستوطنين في الشمال يرفضون العودة إلى المستوطنات في حال أعلن تسوية مع لبنان ولم تحسم المعركة عسكرياً، كما أن أوساط اليمين المتطرف تتساوق مع فتح مواجهة عسكرية واسعة على الجبهة اللبنانيه، إلا أن موقف بيبي نتنياهو يبدو أكثر تردداً ولم يحسمه بعد، فهو من جهة يسعى لإطالة أمد الحرب، حتى يحافظ على بقائه السياسي، ويطمح إلى خطف صورة انتصار افتقدها في غزة، ويوثق تحالفه وائتلافه الحكومي مع غلاة اليمين المتطرف، ومن جهة أخرى يخشى من نتائج الحرب وتوسعها وانضمام إيران وجهات وكيانات إقليمية وإسلامية إليها، ما سيعرض "إسرائيل" لمخاطر غير مسبوقة ستهدد مصيرها.
إن ملحمة طوفان الأقصى أدخلت المنطقة في حالة انعدام يقين، وربما تجهل كل الأطراف مآلات المواجهة القائمة وتداعياتها، بيد أن التوجهات الأيديولوجية والرؤى القائمة على أن الحل في حسم الصراع لا في تسويته تجعل معادلة معادلة الصراع أقرب إلى أن تصبح صفرية، وأن المواجهة الشاملة لا مناص منها.