تم الحفظ في الذاكرة المؤقتة...
في ظل التوترات العالمية
لماذا أثارت زيارة بوتين إلى كوريا الشمالية قلق الغرب؟
في مقال له نُشر في صحيفة "رودونغ سينمون" الكورية الشمالية بالتزامن مع زيارته لكوريا الشمالية، أكد بوتين أن البلدين أقاما علاقات وشراكة جيدة على مدى 70 عامًا على أساس المساواة والاحترام المتبادل والثقة.
أهداف زيارة بوتين لكوريا الشمالية
تزامنت زيارة بوتين لكوريا الشمالية مع قمة حلف الناتو، وتأتي قبل قمة مجموعة السبع بأيام قليلة، مما زاد من أهميتها، حيث يمكن القول إن بوتين يرسل من خلال زيارته لكوريا الشمالية ثم فيتنام رسالة إلى أميركا بأنه سيستخدم كل إمكاناته للمواجهة في مقابل سياسة الضغط. وفي هذا السياق، كتب بوتين في مقاله "سنطور آليات تجارية بديلة ومناطق تجارة متبادلة ليست تحت سيطرة الغرب، وسنقاوم معًا القيود الأحادية الجانب غير القانونية، وفي الوقت نفسه سنبني بنية تحتية أمنية متساوية وغير قابلة للتقسيم في أوراسيا".
وأعلن رئيس روسيا بعد محادثات مفصلة مع كيم جونغ أون، رئيس الشؤون الحكومية لكوريا الشمالية، عن اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين روسيا وكوريا الشمالية وأنها تنص على المساعدة المتبادلة في حالة تعرض أحد الطرفين للعدوان.
وأوضح بوتين: تتضمن اتفاقية المشاركة الشاملة التي تم توقيعها، إلى جانب أمور أخرى، المساعدة المتبادلة في حالة العدوان الخارجي على أحد أطراف هذه الاتفاقية. علاوة على ذلك، لا تستثني الجهة الروسية التعاون العسكري والتقني مع جمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية بموجب هذه الاتفاقية، وأكد رئيس كوريا الشمالية بدوره أن هذه الوثيقة لها طابع سلمي ودفاعي، وتخدم إقامة عالم متعدد الأقطاب، وتتوافق مع الوضع المتغير لروسيا وكوريا الشمالية على الساحة الدولية.
علاوة على ذلك، لفت بوتين الانتباه إلى تصريحات الدول الغربية، بما في ذلك الولايات المتحدة، بشأن توريد أنظمة أسلحة دقيقة وبعيدة المدى، وطائرات إف-16، وغيرها من الأسلحة المتطورة لشن هجمات من قبل الجيش الأوكراني على الأراضي الروسية، وذكر أن هذا ليس مجرد تصريح، بل هو يحدث حاليًا، وكل ذلك انتهاك صارخ للقيود التي تعهدت بها الدول الغربية في إطار مختلف الالتزامات الدولية.
ستحل هذه الاتفاقية محل الوثائق الأساسية السابقة الموقعة بين موسكو وبيونغ يانغ: معاهدة الصداقة والمساعدة المتبادلة لعام 1961، ومعاهدة الصداقة والجوار الحسن والتعاون لعام 2000، والبيانات المشتركة لموسكو وبيونغ يانغ الصادرة في 2000 و2001.
وقع بوتين وكيم جونغ أون شخصيًا على هذه الاتفاقية. ووصف رئيس روسيا الاتفاقية بأنها "وثيقة أساسية" تحدد مبادئ العلاقات بين البلدين على المدى الطويل. استمرت محادثات بوتين وكيم جونغ أون، التي بدأت بشكل خاص ثم توسعت، والتي كان من المقرر أن تستمر لساعة واحدة، لمدة ساعتين ونصف في نهاية المطاف.
قلق غربي
أثارت زيارة زعيم كوريا الشمالية إلى روسيا في سبتمبر الماضي ضجة كبيرة، وأثيرت مسألة إرسال أسلحة من بيونغ يانغ إلى موسكو مرة أخرى، وهو ما يعود جذوره إلى الحرب الروسية الاوكرانية. خلال هذه الزيارة، زار بوتين وكيم جونغ أون مواقع عسكرية وتكنولوجية حيوية مثل أحدث مطار فضائي روسي، ومن المحتمل أنهما واصلا المفاوضات المتعلقة بالأسلحة التي كانت جارية بين مسؤولين روس وكوريين شماليين آخرين. وفي ذلك الوقت، طُرح السؤال حول مدى توسع نطاق الحرب الروسية الاوكرانية، او الاستعدادات التسليحية التي تقوم بها روسيا في حال توسعت الحرب أكثر.
يبدو أن الاستعداد لطول أمد الحرب قد دفع روسيا لزيادة الأسلحة المستوردة. إلى جانب ذلك، تشهد موسكو زيادة في صادرات أنواع مختلفة من الأسلحة المتطورة من قبل دول حلف الناتو إلى أوكرانيا. لهذا السبب، قد تكون روسيا، التي كانت قبل بدء الحرب الاوكرانية ثاني أكبر مصدر للأسلحة في العالم بعد الولايات المتحدة، اتخذت إجراءات احترازية لطول أمد الحرب أكثر فأكثر.
ربما هذا هو السبب في أن أميركا ودول الاتحاد الأوروبي واليابان وكوريا الجنوبية تتابع نتائج هذه الزيارة بقلق. ادعت السلطات الأمريكية امتلاكها معلومات تشير إلى أن روسيا اشترت ملايين الصواريخ والقذائف المدفعية من كوريا الشمالية. ويدعي الأمريكيون أن كوريا الشمالية أرسلت نحو 260 ألف طن من الذخيرة أو المواد ذات الصلة إلى روسيا.
من الجانب الآخر، لا تخشى كوريا الشمالية فرض مزيد من العقوبات الغربية عليها، وحتى تتمكن من جذب اهتمام روسيا بتصدير التكنولوجيا الحديثة لإنتاج الصواريخ والصناعات الفضائية، فقد بدأت بالتنسيق مع الصين أكبر حليف لها، تعاونها الشامل لتصدير جميع أنواع الأسلحة التقليدية إلى روسيا منذ الاتفاق في سبتمبر الماضي.
رسائل للغرب
بشكل عام، يمكن القول إن زيارة بوتين إلى كوريا الشمالية تأتي لمتابعة وإنجاز الاتفاقيات التي تم التوصل إليها العام الماضي. كما أنها تحمل رسالة غير مباشرة للغرب مفادها أن روسيا ستقترب أكثر من الدول المعارضة للغرب في ولاية بوتين الرئاسية الجديدة.
وصف وزير الدفاع البريطاني زيارة بوتين لكوريا الشمالية بأنها تحذير للغرب وأعرب وزير الدفاع البريطاني، غرانت شابس عن قلقه: أن زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لكوريا الشمالية يجب اعتبارها تحذيرًا للغرب. وكتب على شبكة التواصل الاجتماعي (إكس) سابقًا تويتر، حول اجتماع الزعيمين الودي: "يجب اعتبار مشاهد زيارة بوتين لكوريا الشمالية تحذيرًا حقيقيًا".
في الواقع، يعرض التحالف الثلاثي بين كوريا الشمالية والصين وروسيا نوعًا من الشراكة ضد الغرب. في هذا الصدد، يجب ملاحظة أنه ما لم يحدث أمر غير متوقع، فمن المتوقع أن يبقى بوتين رئيسًا لروسيا حتى عام 2030 على الأقل. وأولويته الأولى خلال هذه الفترة هي ملف أوكرانيا. لذلك، سيحشد كل إمكاناته لإحراز التقدم المنشود في هذا الملف، لدرجة أنه غيّر وزير دفاعه بعد سنوات، مما يشير إلى اهتمامه المتزايد باقتصاد الحرب، حيث عين شخصًا في منصب وزير الدفاع ليس لديه خلفية عسكرية ويُعرف أكثر كخبير اقتصادي.
تحاول أمريكا والغرب بطرق مختلفة منع تقارب الصين وروسيا وكوريا الشمالية. والحقيقة أن مثل هذا التحالف يُشكل تهديدًا لأمريكا والاتحاد الأوروبي، و يبدو ذلك واضحا من ردود أفعالهم،سواء بالنسبة لزيارة بوتين إلى كوريا الشمالية، أو حتى علاقة تعاون موسكو وبكين، فقبل أيام قليلة، هدد أمين عام حلف الناتو الصين بسبب ما اسماه دعمها لروسيا، وقال إن مسؤولي بكين يجب أن يختاروا بين روسيا وأوروبا، وإذا لم تغير الصين سلوكها، فسيكون لذلك تأثير على علاقاتها التجارية مع أوروبا والولايات المتحدة.