بعد ثمانية أشهر من المواجهة..
سلاح جوّ لحزب الله؛ و«إسرائيل» تعلن «خسرنا الشمال»
حسن لافي
كاتب ومحلل سياسي
كرّر الإعلام الصهيوني مصطلح «خسرنا الشمال»، خلال الأسبوع الماضي، على الرغم من أنّ "الجيش" الصهيوني يخوض حرباً مع حزب الله على الجبهة الشمالية منذ ثمانية أشهر، ونتج عن ذلك تهجير ما يقارب من ستين ألف مستوطن صهيوني على عمق 14 كيلومتراً من الحدود الشمالية، وتمّ إطلاق أكثر من 4800 صاروخ وقذيفة من قبل حزب الله على المواقع العسكرية والمستوطنات خلال تلك الفترة. فلماذا الآن تشعر "إسرائيل" بأنها خسرت الشمال، وبات هناك تحشيد إعلامي وشعبي تجاه حرب شاملة مع حزب الله من أجل الفكاك من الوضع الخطير والمعقّد الذي وصلت إليه "إسرائيل" في الجبهة الشمالية؟ وما الذي يمكن فعله إسرائيلياً؟
برغم أن حزب الله يحافظ على إبقاء المواجهة في الشمال في إطار الحرب محدودة النطاق، ضمن الإطار الاستراتيجي لأهدافها، المتمثّلة بالدعم والإسناد للشعب الفلسطيني الذي يتعرّض لحرب إبادة جماعية في غزة، إلا أنه في الأسابيع الأخيرة، زاد من وتيرة استهدافاته، فبلغ مجموع القذائف التي تمّ إطلاقها من لبنان وسوريا في شهر أيار/مايو ألف قذيفة وصاروخ، مقابل 774 قذيفة وصاروخاً في شهر نيسان/أبريل، بزيادة 30%، بحسب إحصائيات جهاز الأمن العام الصهيوني (الشاباك)، الأمر الذي يؤكد أن حزب الله مستمرّ برفع وتيرة المواجهة تدريجياً مع "إسرائيل" خلال الأشهر الخمسة الماضية، وخاصة بعد اجتياح "الجيش" الصهيوني مدينة رفح في 6 أيار/مايو، الأمر الذي جعل صفارات الإنذار تدوّي 60 مرة في اليوم الواحد في مستوطنات الشمال.
وبذلك يستخدم حزب الله استراتيجية الكشّف المتدرّج عن إمكانياته العسكرية مع الحرص الشديد منه على تجربة أفضل الطرق والوسائل لاستخدام تلك الأسلحة والإمكانات العسكرية، ودراسة ردّ فعل "الجيش" الصهيوني على تلك الأسلحة، ومعرفة أساليبه الدفاعية لمواجهتها، وبذلك يحقّق حزب الله أمرين أساسيّين على مستويّين مختلفين:
فعلى المستوى السياسي يحافظ على إبقاء المواجهة بينه وبين "إسرائيل" على المستوى المحدود والمتحكّم به بمقدار التصعيد وفقاً للحاجة، تماشياً مع الهدف الاستراتيجي للمواجهة المتمثّلة بالدعم والإسناد لغزة، والأهم الحفاظ على قواعد الردع المتبادل مع الإسرائيلي، الذي يعدّ استعادة قوة الردع لديه الهدف المركزي من الحرب برمّتها.
لكنّ التطوّر الأكثر استراتيجية وخطورة على الأمن القومي الصهيوني من قبل حزب الله، يأتي على المستوى العسكري، من خلال تحويل حزب الله مناطق الشمال وخاصة منطقة الجليل إلى مختبر تجارب لتنفيذ تكتيكاته العسكرية وتطوير أسلحته وإدخال أسلحة جديدة للمعركة، فبرغم أهمية عملية مستوطنة "حورفيش" (إلكوش)، والتي بحسب التحقيقات الصهيونية تمّت من خلال طائرتين مسيّرتين انقضّتا على الموقع العسكري على مرحلتين زمنيتين، الواحدة تلو الأخرى بفارق زمني، بعد عدم قدرة رادارات الدفاع الجوي الصهيوني على اكتشافهما، بتكتيك عسكري عالي القدرة على التحكّم والسيطرة واختيار الهدف، إلا أنها ليست الحادثة الأولى، فقبل ذلك بأيام نشر حزب الله توثيقاً لمسيّرة مذخّرة بصواريخ S5 أطلقت صواريخ على منطقة قريبة من المطلة.
وتمّ تدمير بالون الاستطلاع (تال شميم) بالقرب من مفترق (جولاني)، ذلك البالون الذي يعدّ إحدى المنظومات الاستخباراتية الأكبر من نوعها الموجودة في العالم التي نشرها "الجيش" الصهيوني عام 2021 من أجل الكشف عن التهديدات الجوية وإعطاء إنذار مبكر سريع عنها، الأمر الذي جعل البعض في "إسرائيل" يعترف أن حزب الله بات يمتلك سلاح جو صغير ولكنه يتطوّر مع الوقت، الأمر الذي بات يشكّل تهديداً استراتيجياً على منظومة القبّة الحديدية للدفاع الجوي، ومنظومات القتال الإلكتروني.
وكما تحدّث (طال باري) رئيس مركز "ألما" للأبحاث لموقع N12 الإخباري أن "تلك المسيّرات المذخّرة أو الانتحارية لا يستطيع سلاح الجو الصهيوني ومنظومة الدفاع الجوي التعامل معها، فتلك المسيّرات تعرف جيداً نقاط الضعف في منظومة الدفاع الجوي الصهيوني فهي تسير بسرعة بطيئة وتجيد الهروب من الرادارات الصهيونية". وتتمثّل أهم أسباب الصعوبات التي تواجه "الجيش" الصهيوني وأنظمته الدفاعية الجوية في التصدّي لمسيّرات حزب الله، بالآتي:
أولاً، صعوبة قدرة الكشف المبكر وإسقاط تلك المسيّرات، بسبب حجمها الصغير وسرعتها البطيئة (300 كم في الساعة) إذا ما قورنت بسرعة الصواريخ. بالإضافة إلى طبيعة الجغرافيا الجبلية التي تزيد من صعوبة اكتشاف الرادارات الصهيونية لتلك المسيّرات.
ثانياً، طريقة تفعيل حزب الله لتلك المسيّرات، حيث يسعى الحزب لاكتشاف نقطة الضعف في منظومة الدفاعات الجوية الصهيونية، بالإضافة إلى انتشار واسع لمواقع انطلاق المسيّرات المخفية والمموّهة، الجاهزة للانطلاق. مع محاولة مهندسي حزب الله، وطوال الوقت، فحص قدرات الرادارات الإسرائيلية من خلال تغيير مسارات وطرق طيران تلك المسيّرات.
ثالثاً، يعتمد أسلوب حزب الله على تقليل المسافة بين مواقع انطلاق المسيّرات والحدود مع فلسطين المحتلة، بحيث تمّ نشر منصات تلك المسيّرات في الجنوب وهي جاهزة للانطلاق.
وعلى الرغم من كلّ التهديدات الإسرائيلية بالحرب الشاملة على لبنان وحزب الله، إلا أنه خلال ثمانية أشهر من حرب الاستنزاف، حرم حزب الله "الجيش" الصهيوني من أخذ زمام المبادرة، لدرجة أنّ "إسرائيل" باتت لا تقدر على توجيه ضربة مباغتة لحزب الله، بل ليس لديها خيار إلا أن تجاري حزب الله كردّة فعل فقط، على الوتيرة التي يحدّدها الحزب للمواجهة، وفي الوقت ذاته فإنّ حزب الله يكسب الوقت، ويستكمل الاستعداد بشكل جدّي وميداني للحرب الشاملة، التي باتت تحظى بتأييد 62% من الجمهور الصهيوني بحسب استطلاع صحيفة معاريف. ولكن دوماً حسابات الحقل تختلف عن حسابات البيدر، فالمؤسسة العسكرية وحلفاؤها الأميركيين، يدرسون حقيقة الأمر وتعقيداته، ويسعون لإيجاد حلول دبلوماسية على الأقل تؤجّل المواجهة لظرف استراتيجي أكثر راحة لـ "إسرائيل" والولايات المتحدة الأميركية، لذا سارع ماثيو ميلر، المتحدّث باسم الخارجية الأميركية بالقول: "لا نريد أن نرى تصعيداً للنزاع سيؤدي فقط إلى مزيد من الخسائر في الأرواح سواء لدى السكان الإسرائيليين أو اللبنانيين، ومن شأنه أن يلحق ضرراً هائلاً بأمن "إسرائيل" والاستقرار في المنطقة".