في اليوم العالمي لمكافحتها
عمالة الأطفال.. رجال قبل الأوان وأحلام في مهبّ الريح
الوفاق/ وكالات - في عام 2002، اختارت منظمة العمل الدولية يوم 12 يونيو/حزيران من كل عام ليكون يوما عالميا لمكافحة عمل الأطفال، من أجل تسليط الضوء على هذه الظاهرة وبذل الجهود اللازمة للقضاء عليها، واتخاذ إجراءات فورية وفعالية لإنهائها.
تنتشر ظاهرة عمالة الأطفال وتزداد في المجتمعات النامية نتيجة العديد من الأسباب والعوامل منها الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية...، مما ساهم بتعرضهم يومياً للعديد من المخاطر التي تعيق نموهم الجسدي والفكري وتقف عائقاً أمام تنمية قدراتهم ومهاراتهم؛ وذلك كنتيجة طبيعية لتشغيل الأطفال في أعمال شاقة لا تناسب قدراتهم الجسدية، وفي ظروف وبيئة عمل صعبة؛ بما يؤثر سلباً على حياتهم، ويحد من الفرص المتاحة لهم في المستقبل.
يعرف مفهوم "عمالة الأطفال" دولياً بأنه كل عمل يضرّ بصحة الطفل أو بنموه أو رفاهيته؛ إذا لم يكن هذا العمل من الأعمال النافعة التي تتناسب مع عمر الطفل، ويساعد على تطوره الجسمي والعقلي والروحي والأخلاقي والاجتماعي، ودون أن يؤثر على دراسته أو راحته أو متعته؛ وهنا يجب التمييز بين العمل النافع والعمل الضار.
ان عمالة الأطفال وتشغيلهم في سوق العمل يحمل اتجاهين من الآراء والتفكير نحو الظاهر؛ فالأول اتجاه سلبي، والآخر إيجابي، وذلك ارتباطاً بطبيعة تشغيلهم ومدى انعكاس ذلك على واقعهم ومستقبلهم، حيث يعتبر سلبياً كل ما يرتبط بالعمل الذي يضع أعباءً ثقيلة على الطفل العامل مما يهدد سلامته وصحته ورفاهيته؛ والذي يقوم ربُّ العمل على استنزاف طاقة وقدرة الطفل مستغلاً ضعفه وعدم قدرته على الدفاع عن نفسه؛ وتشغيله بالأجر المتدني كبديل عن عمالة الكبار، وهذا النوع من التشغيل للأطفال يحول دون تعليم الطفل وتدريبه وتطوير قدراته ومهاراته.
وأما بالنسبة للاتجاه الإيجابي، فتعدّ كافة الأعمال التي يقوم بها الطفل، والتي تتناسب مع عمره وقدراته، سواء كانت تطوعية أو بأجر، ويكون لها آثار ايجابية تنعكس على نموه العقلي والجسمي والذهني؛ إذ يتعلم الطفل من خلالها العديد من القيم العملية كالمسؤولية والتعاون والتسامح والشراكة والانتماء....إلخ، وأعتقد أن سوق العمل المحلي في ظروفه الحالية لا يشكل فرصة أمام الأطفال، وبهذا تكون ظاهرة عمالة الأطفال غير مرغوبة أو مرحب بها، ويجب العمل على مواجهتها وللحدّ منها والقضاء عليها، وهناك توجهات أممية ودولية لمكافحتها، لما لها من أثار سلبية على الطفل في حاضره أو مستقبله، وقد يترتب عليها الحرمان من الحقّ بالتمتع بالطفولة، والحق بالتعليم، والتعرض لظروف عمل صعبة، وللأمراض المهنية وإصابات العمل وأخطارها؛ أو اكتساب بعض العادات السيئة، والتعرض لانتهاك الحقوق على يد المشغلين واستغلالهم، وقد يتجاوز ذلك بتعرضهم للضرب والشتم مما يؤثر على نفسية وطباع الطفل ويجعله عدوانياً؛ يميل إلى العنف ضد المجتمع؛ نتيجة الإحساس بالقهر الاجتماعي، وهذا يشكل خطرا حقيقيا في المستقبل على حالة التوازن الاجتماعي والعلاقات الإنسانية والتفاعلات، فينقلب ميزان القيم ويصبح المال أغلى من بعض ما تعارف عليه المجتمع من القيم النبيلة، وهذا كله ينعكس على عملية التنمية والتطور في سوق العمل وعلاقات الإنتاج، والانتعاش الاقتصادي، لذلك هناك حاجة ماسة للتدخل ووضع الخطط الفعّالة والواقعية لمواجهة هذه الظاهرة والحدّ منها على جميع المستويات، وبالتعاون والتنسيق بين الشركاء الاجتماعيين رغم كل التحديات والأسباب التي أوجدتها سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية أو تعليمية...إلخ.
أظهرت التجارب في التصدي لعمالة الأطفال على مدار العقود الماضية أن من الممكن إنهاء ظاهرة عمالة الأطفال إذا عُولجت الأسباب الجذرية لها. ومن الملح لنا جميعاً المساهمة في إيجاد حلول لمشاكل الناس اليومية، ولعل عمل الأطفال هو أحد أكثر هذه المشاكل وضوحاً.
ولذلك، نَعد نحن الملتزمون بإنهاء عمل الأطفال.
احتفالية اليوم العالمي لمكافحة عمل الأطفال بمثابة اللحظة الزمنية المناسبة لإثبات إمكانية تحقيق التغيير عندما تتضافر الإرادة والعزم تضافرا يتيح طريقا للجهود المبذولة التي ينبغي التعجيل بها في موقف له ضرورته الملحة.
كيف تؤثر عمالة الاطفال نفسياً عليهم؟
يؤثر عمل الأطفال سلباً عليهم نفسياً وجسدياً، فهو يحرمهم من حقهم في التعليم واللعب والحصول على رعاية صحية وغذاء متوازن، ويضعف قدراتهم وإبداعهم وثقتهم بأنفسهم، كما يزيد من خطر تعرضهم للإصابة أو المرض أو التعنيف أو التشرد.
لذلك، تدعو المنظمات الدولية إلى زيادة الاستثمار في أنظمة وخطط الحماية الاجتماعية لإنشاء أرضيات حماية اجتماعية متينة وحماية الأطفال من عمالة الأطفال، كما تشجع على تبني سياسات فعالة لتحسين فرص التعليم والتشغيل للأسر والشباب، وتقديم دعم نفسي وقانوني للأطفال المتضررين من عمل الأطفال.
عمل الأطفال قد يسبب لهم العديد من المشاكل النفسية التي تؤثر على صحتهم وسعادتهم وتطورهم، ومن بعض هذه المشاكل:
- اضطرابات القلق: هي مخاوف أو جزع أو قلق مستمر يعيق قدرة الطفل على المشاركة في اللعب أو المدرسة أو المواقف الاجتماعية.
- اضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط: هو صعوبة في الانتباه أو السلوكيات الاندفاعية أو فرط النشاط بالمقارنة مع معظم الأطفال من نفس العمر.
- اضطراب طيف التوحد: هو حالة عصبية تظهر في مرحلة الطفولة المبكرة وتتسم بصعوبة في التواصل والتفاعل مع الآخرين ومجال محدود من الاهتمامات.
- اضطرابات الشهية: هي الانشغال بنوع الجسم المثالي والتفكير المضطرب في الوزن وفقدان الوزن والعادات غير الآمنة للأكل والحمية.
- الاكتئاب واضطرابات المزاج الأخرى: هي شعور مستمر بالحزن وفقدان الاهتمام أو تقلبات مزاجية شديدة بين الاكتئاب والارتفاعات العاطفية أو السلوكية، فهذه المشاكل تحتاج إلى تشخيص دقيق وعلاج مناسب من قبل خبراء في مجال الصحة النفسية للأطفال، كما تحتاج إلى دعم وتفهم من قبل الأهل والمدرسين والأصدقاء.
الهدف والغايات العالمية من هذا اليوم
تقترح خطة العمل أن تستمر منظمة العمل الدولية والدول الأعضاء فيها في اتباع هدف القضاء الفعلي على عمل الأطفال، وذلك بأن تتعهد بالقضاء على أسوأ أشكال عمل الأطفال بأن تقوم الدول الأعضاء، لهذا الغرض وبتصميم واتخاذ تدابير ملائمة ومحددة زمنيا. ويعتبر هدف القضاء على أسوأ أشكال عمل الأطفال هدفا قابلا للتحقيق بالاستناد إلى اتجاهات عمل الأطفال، بالإضافة إلى ذلك، سيواكب هذا الهدف ويساهم في تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية وفي القضاء الفعلي على جميع أشكال عمل الأطفال، وهو الهدف الأساسي لمنظمة العمل الدولية.
لقد تكثفت إجراءات منظمة العمل الدولية الرامية إلى القضاء على عمل الأطفال على مدى السنوات الماضية وتم إحراز تقدم يعتد به منذ التقرير العالمي الأول عن الموضوع. وسيكون التحدي الماثل أمام منظمة العمل الدولية للسنوات المقبلة هو العمل على نحو أكثر تركيزا واستراتيجية بحيث تكون المنظمة هي العنصر المحفّز لتحالف عالمي منشط دعما للإجراءات الوطنية الرامية إلى القضاء على عمل الأطفال. ومن شأن هذا التحول في النهج إزاء القيادة العالمية أن يضمن إسهام منظمة العمل الدولية على نحو أكثر فعالية في جعل عمل الأطفال ذكرى يطويها النسيان.