الباحث السوري الدكتور ”حسن أحمد حسن” لـ الوفاق:
الوجع مشترك.. محور المقاومة كالجسد الواحد
الوفاق/ خاص
محمد أبو الجدايل
تعرضت الأحد المنصرم مروحية الرئيس "الشهيد الرئيس آية الله السيد ابراهيم رئيسي" لحادث في شمال غرب إيران، استشهد على إثرها رئيس الجمهورية والوفد المرافق، له بمن فيهم وزير الخارجية الشهيد حسين امير عبد اللهيان، وبتشييع مليوني من الشعب في الجمهورية الإسلامية الايرانية ومن الوافدين من مختلف الدول، ودّعت البلاد شهداء حادثة المروحية التي سقطت في محافظة أذربيجان الشرقية لدى عودتهم من مراسم افتتاح سد مائي عند الحدود بين إیران وجمهورية أذربیجان، حيث افتتح السيد رئيسي مع نظيره، إلهام علييف، سد "قيز قلعة سي" المشترك على نهر آرس، لتكون آخر خدمة من بين سلسلة طويلة من الخدمات المباركة يقدّمها السيد رئيسي للمواطنين في البلاد.
في السياق أجرت صحيفة "الوفاق" الدولية حوارا مع الباحث السوري والخبير الإستراتيجي الدكتور حسن أحمد حسن، عرّج خلاله على أبعاد هذه الحادثة المؤلمة، وفيما أبدى الدكتور حسن حزنه وأسفه، أكد بذات الوقت على مواصلة المسيرة الجهادية في مختلف الصعد.
وفيما يلي نصّ الحوار:
هل سيؤثّر استشهاد السيد رئيسي على سياسات الجمهورية الاسلامية في رأيكم؟ وما أثر خبر الاستشهاد في بلدكم؟
عندما نتحدث عن شخصيات قيادية عليا ورجال دولة من الطراز الرفيع ــ كما هو حال الشهداء القادة غفر الله لهم وتغمّدهم بواسع رحمته ــ فلا شك أن غيابهم سيشكل خسارة وفاجعة لمحبيهم سواء في داخل الدولة التي ينتمون إليها أي إيران، أو في بقية أطراف محور المقاومة، وهذا مرتبط بمستوى الإنجازات المشرفة التي تحققت في عهد هؤلاء الشهداء.
النقطة الأخرى المرتبطة بسابقتها تتعلق بالبيئة الإستراتيجية التي هيأت المطلوب والظروف المناسبة لأبناء الثورة الإيرانية كي ينطلقوا بمثل هذا الزخم الفاعل ليتركوا بصمتهم الخاصة المميزة داخلياً وخارجياً، وبكلمات أخرى: محطات التميُّز والتطور التي صبغت جميع جوانب الحياة الإيرانية إنما هي بكليتها سلوكيات وشخصيات إحدى منجزات الثورة الإسلامية الإيرانية، وثمرة من ثمارها المباركة، وهنا تتبلور أهمية التكامل الذاتي والموضوعي، أي المخرجات النوعية عن تفاعل الكاريزما القيادية والثورية لشخصيات رفيعة مثل القائد سماحة آية الله السيد إبراهيم رئيسي الرئيس الشهيد، والشهيد المجاهد الدكتور حسين أمير عبد اللهيان وبقية من كان معهما على متن الطائرة المنكوبة، عليهم جميعاً رحمة الله وغفرانه.
أهم معالم دولة الإقتدار
استنادا لما سبق يتضح لكل من يود رؤية الحقيقة أن ارتقاء الشهداء مصاب جلل وفاجعة من شأنها أن تعرض الأمن القومي لدولة أخرى إلى اهتزاز وارتجاج، لكن الأمر ليس كذلك في إيران الثورة التي هندس بناءها سماحة الإمام الخميني قدس سره، وما يزال يكمل البناء، ويعلي جدران التحصين الذاتي والموضوعي سماحة القائد الامام الخامنئي دام ظله الوارف، وأهم معالم دولة الاقتدار اليوم في إيران الثورة أنها دولة مؤسسات ونظام وقانون ودستور، وهذا كفيل بسد الثغرات الطارئة مهما كانت صادمة ومؤلمة.
ملء الشغور في رأس هرم الدبلوماسية
إن نهج الثورة الذي أوصل الشهداء القادة إلى حيث كانوا من مواقع المسؤولية العليا قد نجح في تأهيل غيرهم ليكونوا على قدر المسؤولية عندما يتطلب الأمر، وهذا ما رآه العالم أجمع عبر انتقال صلاحيات الرئيس الشهيد إلى نائبه وفقاً لأحكام الدستور، كما تم ملء الشغور في رأس هرم الدبلوماسية بعد ارتقاء الشهيد عبد اللهيان، إضافة إلى إعلان البدء بالتوجه إلى انتخابات رئاسية ضمن المهلة الدستورية المحددة بما لا يتجاوز خمسين يوماً كحد أقصى، وبالتالي لن تكون هناك رجات خارجة عن السيطرة على مستوى الأداء الرسمي المتكامل لدولة الثورة التي يعلي رايتها المظفرة سماحة القائد الإمام الخامنئي بيقين وثقة واقتدار وحكمة وصبر وبصيرة جعلت أعداء إيران يعيدون الحسابات مرات ومرات قبل التفكير بارتكاب أية حماقة.
تطابق في تلقّي الصدمة
الجانب الآخر من السؤال المتعلق بمدى الصدمة التي شكلها خبر الاستشهاد في سورية وغيرها من بقية أطراف محور المقاومة، فالمتابع الموضوعي لما حدث ويحدث يدرك بأن حالة التوتر والقلق التي رافقت الداخل الإيراني منذ لحظة الإعلان عن خبر الهبوط الاضطراري الصعب للمروحية التي كانت تقل الشهداء إلى أن تم الإعلان عن ارتقائهم شهداء تكاد تكون متطابقة مع واقع الحال في سورية وبقية أطراف محور المقاومة، وهذا يفسر قرار الدولة السورية إعلان الحداد الرسمي لمدة ثلاثة أيام وتنكيس الإعلام فوق جميع المقرات الرسمية للحكومة السورية على امتداد جغرافية الوطن، وفوق جميع المباني الدبلوماسية والقنصليات في الخارج، فالوجع مشترك والجميع يتعاملون وبشكل طبيعي وبما يؤكد أن محور المقاومة كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى لها سائر الجسد بالسهر والحمى.
هل كان الرئيس الشهيد رئيسا لجمهورية المقاومة ووزير خارجيته وزيرا لها كما وصفهما العديد من الخبراء في رأيكم؟ ما اهميتهما لمحور المقاومة؟
ما يميز أداء محور المقاومة تجاوز التراتبية التقليدية، فلا وجود لما يسمى رئيس ومرؤوس، بل كل طرف من الأطراف هو القائد المسؤول عن تزخيم الفعل المقاوم في الإطار الجغرافي ومسرح العمليات الواقع ضمن صلاحياته ومسؤولياته، ومهمة بقية الأطراف تقديم الدعم والتأييد والمساندة وفق الإمكانيات الذاتية المتاحة لكل طرف، ومن المسلم به أن إيران هي الدولة الأكبر والأقوى ضمن تشكيل هذا المحور، وإيران منذ انطلاقة الثورة وانتصارها في أيامهاــ بل ساعاتها ـــ الأولى وهي ترفع راية المقاومة، وقد استطاعت أن تحجز لذاتها موقعاً متقدماً حتى غدت دولة إقليمية كبرى بالمقاييس الدولية، وما تمتلكه إيران الثورة من قدرات بشرية وعسكرية واقتصادية وفكرية واستراتيجية يؤهلها لتقديم الدعم بكل أنواعه وأشكاله لبقية أقطاب محور المقاومة، كما أن سورية تضطلع بدور واسطة العقدة لهذا المحور، ولكل طرف من بقية أطراف المحور دوره الفاعل والمؤثر، وأهم ما يميز الجميع تكامل الأداء فتأتي الإنجازات على مستوى التحديات القائمة والمحتملة.
من هنا تأتي أهمية الشهيدين القائدين رئيسي وعبد اللهيان وبقية رفاقهما غفر الله لهم جميعا، ولا أحد يستطيع أن ينكر ضرورة استمرارية الدعم الإيراني لجميع أقطاب محور المقاومة ليس في المنطقة فقط بل وصولاً حتى أمريكا الجنوبية، والإنجازات الميدانية التي أذهلت محور الأعداء إنما هي انعكاس حقيقي للفاعلية الإيرانية التي بلغت الذروة على يد الشهيد القائد قاسم سليماني رحمه الله، واستطاع الشهداء القادة الحفاظ على هذا المستوى العالي من الدعم والتنسيق والتكامل.
قام الصهاينة بتوزيع الحلوى احتفالا بالواقعة، عن ماذا ينمّ هذا الامر في نظركم؟ هل كان الرئيس الايراني ووزير خارجيته يثيران قلق الاحتلال الى هذا الحدّ؟
من وزّع الحلوى أو فكر بتوزيعها من الصهاينة، أو المشاركة بتوصيل أية رسالة من هذا النوع القميء إنما هو بيدق يصطف حيث يريد أسياده ومشغلوه، وبما أن الشهداء القادة كانوا يشكلون كابوساً لحكام تل أبيب فمن المتوقع أن تظهر النوايا الصهيونية الشريرة والأحقاد الدفينة في سلوكيات كل أتباعهم من مستوطنين وجنود احتلال ومسؤولين سياسيين أمنيين وعسكريين، فضلاً عن أصحاب الأدوار الوظيفية القذرة، وهذا يعبر عن مدى الرعب والخوف الذي يستوطن عقول ورؤوس المتزعمين الصهاينة المتشددين وأتباعهم وداعميهم، ومهما بلغ مثل هذا النوع من التعبير عن الوحشية ومحاولة التعويض أو التغطية على جوانب الفشل والإخفاق المركب، فلن بفيدهم ذلك شيئاً في التقليل من حالة الاضطراب والقلق التي يعيشها الكيان الغاصب، وبخاصة بعد الرد الإيراني المبارك على الوحشية الصهيونية التي استهدفت المبنى القنصلي في السفارة الإيرانية في دمشق، فكان الرد الإيراني الحتمي والمزلزل والذي ما تزال ارتداداته تتالى داخل الكيان وخارجه. يمكنهم أن يوزعوا الحلوى، ويظهروا الفرحة التي يتمنونها ولا يستطيعون بلوغها، لكن لا يمكنهم تعويض افتقاد الأمن والأمان والإستقرار الذي يحكم الكيان، ولا يمكنهم تغيير اللوحة الميدانية المزركشة بأزهى الألوان وأبهاها بعد ملحمتي طوفان الأقصى والوعد الصادق، والقادم من الأيام ستكون إن شاء الله حبلى بالكثير من المؤشرات التي تبرهن على انكماش الهيبة والنفوذ الصهيو ــ أمريكي وتآكلها أكثر فأكثر يوماً بعد يوم.
هل يوجد ما تودون قوله بهذا المصاب الأليم؟
تغمد الله الشهداء القادة آية الله السيد إبراهيم رئيسي والسيد حسين أمير عبد اللهيان ومن كان معهما، وجميع شهدائنا الأبرار بواسع رحمته وأسكنهم فسيح جنانه، وأصدق آيات التبريك وأحر العزاء للأشقاء الإيرانيين جميعاً، وفي المقدمة وعلى رأس الجميع سماحة الإمام القائد السيد علي الخامنئي حفظه الله وحماه، وأسر الشهداء جميعا، وأقول لكل فرد من أهليهم وذويهم : يحق لكم الافتخار بعظيم ما أنجزه الشهداء الميامين فقد تمكنوا حقاً من هز باب خيبر، ولن يطول الزمن ليأتي فوج آخر من المقاومين الأنقياء الأصفياء المصممين على اقتلاع ذاك الباب اللعين، وسيُقلع باب خيبر من جديد، وقريباً إن شاء الله.