القشة القاصمة لظهر الكيان الصهيوني
اسماعيل المحاقري
كاتب ومحلل سياسي
المراقب لأحداث غزّة وتطوراتها منذ بدء عملية طوفان الأقصى وصولًا إلى تهديد رفح، وما يصاحب ذلك من انتهاكات صهيونية لقوانين الأرض وتشريعات السماء يدرك أن الهزيمة الإسرائيلية في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023 كانت ساحقة، والقلق الوجودي لدى قادة الكيان يتعمق يومًا بعد آخر، والوحشية المفرطة وجرائم حرب الإبادة الجماعية المتواصلة التي حصدت معها أرواح عشرات الآلاف من الأبرياء من نساء وأطفال، لم تخف تلك الحقيقة ولا التشوهات والندوب في جسد الكيان.
اجتياح رفح بعد سبعة أشهر من المواجهة لن يجلب لقطعان المستوطنين الأمن، ولن يكسر إرادة الشعب الفلسطيني أو يخمد نار الانتقام في أعماق المجاهدين الفلسطينيين الأبطال. كذلك، لن يحقق للعدو الإسرائيلي أهدافه العسكرية المعلنة، وإن مكنته قوته الغاشمة من استعادة بعض أسراه فسيكون ذلك في توابيت، أو أن جيش العدوّ سيكتفي بقتل القليل أو الكثير منهم، كما فعل في أماكن متفرقة اجتاحها في غزّة، وبالتالي يفاوض على استلام الجثث وسيشكّل ذلك ضغطًا أكبر عليه على طاولة المفاوضات ويعزز من حالة السخط والانقسام في الأوساط الصهيونية.
بالنسبة لهدف تدمير "حماس" وحركات المقاومة الفلسطينية، فالواقع الميداني المعزز بثبات المجاهدين وصواريخهم التي أطلقت مؤخرًا من أول منطقة اجتاحها العدوّ في غزّة باتّجاه المستوطنات، يؤكد أن العدوّ فشل في تحقيق هذا الهدف وأنه سيخرج من القطاع بجيش نصفه منهك ومدمر معنويًّا والنصف الآخر يعاني من الإعاقة والجنون والحالات النفسية.
محاولات تهجير الشعب الفلسطيني هي الهدف الذي يتمسك به العدوّ، ويتوهم أن بإمكانه تحقيقه من بوابة الاعتداء على رفح. غير أن الواقع الميداني سيفرض على النازحين العودة إلى مناطقهم تحت أي ظرف مع تزايد الضغوط الدولية والمطالب بإيصال المساعدات للشعب الفلسطيني، الأمر الذي يصعب على حكومة نتنياهو مواجهة هذا الاستحقاق لا سيما وأن بعض قادتها يواجهون خطر إصدار محكمة الجنايات الدولية أوامر اعتقال بحقهم رغم تدخل واشنطن وتهديد قضاة المحكمة بفرض عقوبات عليهم في حال مضيهم قدمًا في إصدار أوامر الاعتقال وفق موقع "اكسيوس".
هدف فصل شمال غزّة عن الجنوب وتثبيت قواعد عسكرية للتحكم بالورقة الإنسانية واستخدامها كأداة ضغط في ظلّ انعدام الخيارات الإسرائيلية، وانسداد أفق الحسم العسكري ما يزال قائمًا، والغاية من ذلك أيضًا منع وصول الأسلحة والدعم المالي لفصائل المقاومة، وهذا أقصى ما يطمح إليه العدوّ في هذه المرحلة ولن يصل إلى مبتغاه.
واستنادًا لما سبق فإن التوغل والاستمرار في ارتكاب الجرائم في رفح سيكون بمثابة القشة التي تقصم ظهر البعير الصهيوني وقطيع التطبيع، وليست تلك القشة التي يمكن لقادة الكيان التشبث بها لاستنقاذ أنفسهم من الغرق في مستنقع القطاع المحاصر.