الصحة النفسية.. بناء الشخصية المتكاملة وإعداد الإنسان
الوفاق/ خاص
د. رُلى فرحات
الصّحة النفسيّة هي الرفاهية العاطفية والنفسية والإجتماعية، وهي القدرة على تطوير جوانب الصحة المختلفة حيث تنعكس الحالة النفسية على الجسد فنواجه الآلام المختلفة بدون أن يكون هناك خلل بيولوجي او فسيولوجي حقيقي. كما وتساعد في معرفة الطريقة الصحيحة في التفكير واتخاذ القرارات. كذلك تعتبر الصّحة النفسيّة من إحدى العوامل التي تؤثر على السلوك والتفكير والأداء في جميع مراحل الحياة بدءا من الطفولة الأولى مرورا بالمراهقة والرشد إلى الكهولة.
الصحة النفسية لا تعني أن تكون خاليا من حالة الحزن والبكاء وبعض من التوتر والقلق بل هي القدرة على التكيف وحالة المرونة للتكيف والتقبل والضّبط الإنفعالي والتّفكّر والإبتعاد عن القرارات المُتسرّعة التي تُعرّض صاحبها للمسؤولية الصّعبة وأحياناً المؤلمة.
صحتك النفسيّة مهمة، حيث يمكن أن تكون سبباً رئيسياً في تعطيل حياتك اليومية وتوقفك عن ممارسة أبسط أنشطتك المفضلة. ولا يمكننا الإستهانة بالآثار السلبيّة التي من الممكن أن تخلّفها مشاعر الوحدة والقلق والتوتر على صحتة الإنسان النفسيّة.
للمحافظة على صحتنا النفسيّة علينا تخصيص وقتا لممارسة الهوايات المختلفة من قراءة وكتابة ورسم وأشغال يدويّة ورياضة مختلفة من تأمل ومشي وغيرها. كذلك علينا أن نحافظ على علاقاتنا الإجتماعية والأسرية مع الإبقاء على مسافة آمنة تقينا من التّعرّض للتحرّش وتمنع عنّا انتهاكات جسديّة وشخصيّة عديدة. كما وعلينا معرفة ذواتنا خير معرفة وتقديرها، وتحديد ما نريد، وما هي أهدافنا وأولياتنا لمنع الإجهاد والإحتراق النفسي. تعزيز تقنية قول (لأ) بالإضافة إلى تناول الغذاء الصحي والمتوازن وأخذ قسط وافر من النوم.
في شهر الصّحة الّنفسيّة نؤكد على طلبنا الدائم، إذا وجدت نفسك تعباً من ضغوطات الحياة ولا تستطيع مواجهة مشكلة ما أو أنك تعاني من إختناق نفسي:
أكسر حاجز الصمت وتكلم، المرض النفسي ليس عارا، المرض النفسي إن لم يعالج فسيكون له الكثير من التداعيات السلبية الجسدية والسلوكية والأدائية وحتى العقلية.
(بتفرق_ع_كلمة) شعار أطلقناه من مركزنا "مركز علم النّفس للنخبة" ليكون حافزاً للتوعيّة والتّثقيف النّفسي.
أطلب الإستشارة من متخصص بالشأن النفسي حائز على شهادة أكاديمية في علم النفس والأهم أن يكون قد خضع لتدريبات مختلفة في التشخيص والعلاج والدعم على أيدي مختصّين أكفّاء في شأن التّشخيص والعلاج النّفسي ومنذ أكثر من عشر سنوات. لا تطلب العلاج إلا ممَن هو حائز على إذن مزاولة مهنة الطبيب النّفساني من وزارة الصّحة.
أهمية الصحة النفسية للفرد والمجتمع
الصّحة النفسيّة مهمة فى المجتمع بمؤسساته المختلفة الطبيّة والإقتصاديّة والدينيّة والإجتماعيّة، ويجب أن يكون هناك عمل دائم على تحقيق التوافق بين هذه المؤسسات وبصفة خاصّة بينها وبين الأسرة والمدرسة، وهنا لا بد من أن تكون هناك أنشطة مختلفة ودائمة بين شراح المجتمع تُحاكي معايير الصّحة النّفسيّة بين أفراد المجتمع وهذا لتفادي ما يُمكن أن يؤدي الى الإضطراب النّفسي فيتحقق الإنتاج والتقدم والتطور والسعادة".
والصّحة النفسيّة تهتم بدراسة وعلاج المشكلات الإجتماعية التي تتصل مباشرة بشخصيّة الإنسان والعوامل المحددة لها مثل مشكلات التأخر الدراسي، والرّسوب والنجاح والإنحرافات الجنسيّة، والضعف العقلي.
فإن الصّحة النفسيّة تساعد في ضبط سلوك الإنسان وتوجيهه وتقويمه في الحاضر بهدف تحقيق أفضل مستوى ممكن من التوافق النفسي كإنسان صالح في المجتمع".
إن المجتمع الذي يعاني من عدم التكامل والتكافل بين أجهزته ومؤسساته وهيئاته ومنظماته ووزراته وإداراته، مجتمع مريض. والمجتمع الذى تسوء فيه الأحوال الإقتصاديّة ويتدهور فيه مستوى المعيشة يكون مجتمعا مريضا، والمجتمع الذي يتدهور فيه نظام القيم وتسود الإنحرافات والتّشوهات المعرفية والجنسية والجرائم (وما أكثرها اليوم) وتكثر به الكوارث الإجتماعيّة مجتمع مريض. والمجتمع الذي تسود فيه ثقافة مرضيّة مليئة بعوامل الهدم والصراع والتعقيد والإحباط والتنافس غير الشريف والشراكة القائمة على مصالح معيّنة عند البعض، مجتمع مريض معنّف". كذلك فإنّ المجتمع يحتاج الى جهود جبارة للقضاء على كل هذه الأمراض الإجتماعيّة ليكون عندنا جيل قوي جسديّ ونفسيّ وإجتماعيّ، يستحق أن يكون سويّاً بعيداً عن الاضطرابات النفسيّة المختلفة.
إن من أهم أهداف الصّحة النفسيّة بناء الشخصية المتكاملة وإعداد الإنسان ليكون متوازناً نفسياً وعقلياً في قطاعات المجتمع المختلفة وأياً كان دوره الإجتماعي بحيث يقبل على تحمل المسؤوليّة الإجتماعيّة، مستغلا طاقاته وإمكاناته الى أقصى حد ممكن ويعطي للمجتمع بقدر ما يأخذ او أكثر، وهذا يحتاج أن يتمتع الفرد بنمو إجتماعي وجسدي وإنفعالي وحسّي وفكري، وكذلك إشباع صحيح للحاجات النفسيّة والإجتماعيّة وتقبل الواقع والتّكيّف والإندماج السّليم وتوسيع دائرة الإهتمامات والميول وتنمية المهارات الإجتماعيّة والشخصيّة والمشاركة الإجتماعية الخلاقة المسؤولة والتي تحقق التوافق الإجتماعي السوي.
إننا نعيش اليوم في العصر الحديث، عصر القلق والضغوطات الحياتيّة المتنوعة من أمراض وفيروسات مُصنّعة وحروب وكوارث طبيعيّة. فيعاني أفراد مجتمعنا مثل الكثير في معظم المجتمعات من كثير من الاضطرابات النفسيّة والأمراض العصبيّة التي تؤدي إلى عدم المساواة وينتج عندنا الكثير من المشاكل المجتمعيّة والأسريّة وحتى الأمنيّة...، لذلك فهو يحتاج إلى خطط توعيّة وتثقيف متنوعة سواء كان ذلك عبر الحكومة أو الهيئات الشعبية والمدنيّة أو المدارس والمعاهد والجمعيات...كذلك يحتاج إلى عدة إجراءات هامة منها:
1- تهيئة بيئة إجتماعيّة تسودها العلاقات الإجتماعية السليمة والحياة الديمقراطيّة التي تسودها الحريّة الشخصيّة والإجتماعيّة والسياسيّة في ظل قانون نافذ وعادل وبهدف تغيير المجتمع الى الأفضل بما يتفق مع آمال الشعب (المُنتخبين) ومصالحهم هادفين من نضالهم الوصول إلى مجتمع تسوده الرفاهية التوافقيّة".
2- الإهتمام بدراسة الانسان والمجتمع وحماية الأسرة الحجر الأساس فيه، كذلك رعاية الطفولة والمراهقين والشباب ورعاية الكبار والعناية بمشكلاتهم، بهدف تحقيق أقصى إشباع ممكن لحاجات الناس من مختلف الفئات العمريّة وبغض النظر عن مستوياتهم الثقافية والمجتمعية. كذلك، إصدار التشريعات الخاصة بالفحص الطبى والنفسي قبل الزواج وإجراء الإختبارات اللازمة ليكونا في المنطقة الآمنة إلى حد ما، أولاً ليعيشا بسلام ومحبة وثانياً كرمة للأطفال الصغار ليعيشوا ضمن بيئة سليمة نفسيّاً ومجتمعيّاً. بالإضافة إلى التشريعات الخاصة بحماية الأسرة ورعاية الطفولة والشباب والمسنّين، والعناية بذوي الإحتياجات الخاصّة ولمعوقين. والتشريعات الخاصّة بالحد من إنتشار المخدرات وحماية الأحداث والمراهقين من المؤثرات الإعلاميّة والفكريّة والثّقافيّة والإجتماعية الضارة والمخالفة لمبادئنا وتعاليمنا، وديننا...
3-رفع مستوى الوعي النفسي فى الهيئات والمؤسسات العامة والإدارات الرسميّة والجمعيات الشبابيّة المدنيّة والطبيّة.... والمدارس والجامعات والمعاهد... وكذلك الإهتمام بالإرشاد والتوجيه المهني.
4-الإهتمام بمفهوم الوقاية من الأمراض النفسيّة والعمل فى إطار إجتماعي لحماية الفرد والجماعة والمجتمع بما يكفل السعادة والرفاهيّة للجميع لأنّ المجتمع يدفع ثمن تفشي الأمراض النفسيّة والإجتماعيّة من حيث الجهد والمال واتساع دائرة سوء التوافق النفسي والاجتماعي.
5-رعاية العادات والقيم والتقاليد والمعايير الإجتماعية والقيم الدينية والطاقات الروحيّة والعمل على مراجعتها لتكون كلها واضحة ومفهومة وليست معقدة تتناسب مع مفهوم الصغير والكبير.