في ذكرى وفاته، الصديق الصدوق اللبناني للوفاق:
نادر طالب زاده.. رائد الإنتاج الفني المقاوم وجامع الفكر والفن
تتعدّد خنادق وساحات المقاومة والثورة الإسلامية، بوجه معسكر أمريكا والكيان الصهيوني والدول التابعة والمتحالفة معهما. وتأتي الساحتان الإعلامية والثقافية في مقدمة هذه الساحات، بالتوازي مع ساحة المواجهة العسكرية. الدكتور نادر طالب زاده، هو أحد مجاهدي وقادة هاتين الساحتين، حيث التحق فيهما منذ شبابه. فوضع بصمته وتوقيعه، في كل محطّة من المحطات المفصلية، عبر الكثير من الأعمال السينمائية والتلفزيونية والثقافية. المخرج الإيراني الدكتور ”نادر طالب زاده”، الذي يصادف اليوم الأحد ذكرى وفاته، هو السينمائي الثائر الذي طوّع الفن في مشروع المقاومة، وهناك صفات كثيرة تُطلق على هذا الرجل الفنان والمناضل والمثقف والباحث والمقاوم. وما أجمل كلامه الذي قال في حديث له سابقاً: ”الأفلام الدينية تساعد على تخفيف حدة التعصب تجاه الإسلام، وتُبعد عن الدين تهمة الإرهاب. إن إنتاج مثل هذه الأفلام من قلب إيران يرد على الهجوم الغربي علينا”. كان من المساهمين الأوائل في وضع مداميك العمل التلفزيوني والسينمائي المقاوم في لبنان، وهناك العديد من طلابه الذين باتوا مخرجي أعمال تلفزيونية وسينمائية.
الوفاق/ خاص
موناسادات خواسته
عشرات الأعوام من الأفكار والتصريحات المثيرة للجدل بشأن السياسة والإعلام والسينما، أمضاها المخرج الإيراني نادر طالب زاده في صناعة المواقف والأفلام التي خرجت إلى العالم. لونٌ فريد من طيف الثقافة الإيرانية. أرشف الحروب بنفسه. ذهب إليها ليرى المشهد الحقيقي قبل أن ينقله إلى المشاهدين.
عايش الحرب الصدامية المفروضة على إيران ووثّقها. ذهب كذلك إلى البوسنة وشهد على الجرائم التي حدثت هناك. عاش بعض السنوات في أميركا وتحدّث عن العنصرية فيها. كذّب الماكينة الإعلامية الأميركية في أكثر من مكان، وكشف زيّفها، الأمر الذي جعله "يتعرض للعقاب".
النشاطات الفنية
بدأ أنشطته الفنية في عام 1981 في مؤسسة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية بإنتاج أفلام وثائقية. تولّى منصب أمين الاتحاد الدولي "أفق نو" (الأفق الجديد) وأمين مهرجان "عمار" للأفلام، وكان من المساهمين في تأسيس قناة "أفق".
"بشارة المنقذ"، اسم مسلسل تولى طالب زاده إخراجه، تناول الأرضيات المشتركة بين الإسلام والمسيحية، وتمّ عرضه في مختلف قنوات التلفزيون الإيراني، والبرامج الموجهة إلى الخارج. مسلسله عن السيد المسيح حظي كذلك باهتمام واسع داخل إيران وخارجها. درّب في المركز الاسلامي "تدريب صناعة الأفلام" وإدارة مركز الأبحاث والدراسات السينمائية في دائرة الشؤون السينمائية في وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي.
من بين أنشطته، سلسلة مؤتمرات دولية، "الأفق الحديث"، بحيث سعى من خلاله لتوحيد المفكرين المناهضين لأميركا والصهيونية من غير الإيرانيين وغير المسلمين. وهو النشاط الذي فضح، بعد فترات طويلة من بث المسلسل، المسؤولين الأميركيين، بحيث أصبح طالب زاده في قائمة الشخصيات التي تُفرض عقوبات أميركية ضدها.
وأثار رحيل نادر طالب زاده موجة من الحزن وردود الافعال في مواقع التواصل الاجتماعي، فمنهم من ذكر أحاديثه عن رجال المقاومة، وحديثه عن جنوبي لبنان، وعن فلسطين، والمقاومة في العالم.
قصيدة مهداة لروح الحاج نادر
نعاه الشاعر الإيراني "علي رضا قزوة" وتلا قصيدة حداداً على روح الحاج نادر، جاء فيها:
يا حاج نادر ذكرياتك ستبقى خضراء.. وستبقى رايتك عالية.. صدرك العامر بالأمواج العاصفة مثل ينابيع المياه المتدفقة.. وأنا أراقب تلك العيون، أرى فيها نصيبك الكبير من الحب.. عيناك في عيوننا ويدك في أيدينا.. قف بجانبنا بنفس هدوئك الجميل.. رغم أنك نائم في النعش، فإن روحك مجيدة وثابتة.. روحك لا تموت، لا تموت، ستسترجع القدس من العدو..
توفي الدكتور نادر طالب زاده وترك وراءه بصماته الخالدة وقد ربّى جيلا فنيا مقاوما يواصل مسيرته، ففي هذه الأجواء أجرينا حواراً مع أحد أصدقائه، الدكتور سهيل أسعد الذي هو مبلغ ديني لبناني ويقدّم برنامج تلفزيونية كثيرة ومدير مهرجان عمار السينمائي وغيرها من النشاطات، يتحدث لنا عن الدكتور نادر طالب زاده، وفيما يلي نص الحوار:
بداية التعرّف عليه وإنسجام العلاقة
بداية تحدث لنا الدكتور سهيل أسعد عن تعرّفه لأول مرّة على الدكتور نادر طالب زاده، ورأيه عنه، فقال: حوالى قبل 15 سنة كان هناك مؤتمر بمشهد الإمام الرضا (ع) للخادمين الإفتخاريين، وأنا تلك الأيام كنت مديرا لمؤسسة ثقافية اسمها الإمام الرضا (ع) في اسبانيا، فمن اجل هذا العمل تشرّفت بزيارة الإمام الرضا (ع) وشرفونا بقضية خادم افتخاري للإمام الرضا(ع) فهو كان عنده برنامج وباعتبار كان هناك ضيوف دوليون من كل انحاء العالم، فاستضافنا بالبرنامج التلفزيوني "عصر"، فكان اول لقاء معه وتعرفت عليه خلال المقابلة التي أجراها في تلك الأيام، ومن بعد ذلك تابعنا نحن العلاقة باعتبار أنه هناك تشابه في الحياة والتجربة في الغرب وفي ايران، وحبنا للإمام الخميني(رض) والثورة الإسلامية فبالتالي كان هناك انسجام في العلاقة وكان عنده بيت في قم المقدسة، وبما أنه كان يعاني من مشكلة التنفس وعنده مشكلة في الرئتين، فكان يزور قم يومين في الأسبوع، فكل ما كان يأتي إلى قم المقدسة كان يزورنا، فصار هناك علاقة عائلية وصداقة قوية جداً بيننا، وأما رأيي بالنسبة له، الحاج نادر عاش للثورة الإسلامية وللإسلام ولمذهب أهل البيت (ع)، عاش القضايا الكبرى للأمة الإسلامية، وعاش من أجل الإنسان الحر، ونشر ثقافة الإسلام الأصيل، وعلى كل حال كان له دور مهم جداً على المستوى الإعلامي وكان إعلامياً بارعاً ومفكّراً ومجاهداً ثقافياً، ورأيي بالنسبة له رأي إيجابي بكل نواحي الحياة.
إدخال الكاميرا على خط المقاومة
وعندما سألناه عن تأثير الدكتور طالب زادة على المقاومة والشباب المقاوم والمجتمع العربي، أبدى رأيه قائلاً: أنا أتصور أن أهم دور له، هو قضية إدخال الكاميرا والسينما والتصوير على خط المقاومة، هو ربّى أجيالاً في فنون السينما وخاصة في المقاومة الإسلامية في لبنان، يعني هو من مؤسسي حركة الإعلام المقاوم على كل حال، فأتصور أنه هو المربي الأول، لمحور المقاومة، على مستوى الإعلام والسينما والتصوير والإخراج، ثم أنه خط فكري على كل حال هو خط مقاوم، فنقل هذا الفكر بأعماله وفي إقامة دورات وتدريب وتدريس وتعليم ، فهو أتصور من أهم الشخصيات التي استطاعت أن تنقل تجربة الثورة الإسلامية الإعلامية إلى المجاهدين والمقاومين.
مقارعة الصهيونية من خلال الإنتاج الفني
وعندما سألنا الدكتور أسعد عن أن الدكتور طالب زاده كيف قام بمقارعة الغطرسة الأمبريالية والصهيونية؟، قال: مقارعة الغطرسة الأمبريالية والصهيونية كانت من خلال إنتاجه الفني، أتصور أنه اختار محاور أساسية مثل الحملات ضد الصهيونية وحماية ودعم والدفاع عن المظلومين، ودعم المقاومة الإسلامية وخط المقاومة ومحور المقاومة، وعدّة نشاطات اخرى قام بها منها قضية مؤتمرات الأفق الجديد، كان فيه تواصل مستمر مع مفكري العالم، وكان شخصية تتميز بأنها تجذب كثير من كبار المفكرين في العالم، وأتى بأعمال وإنتاج فني، يشرك الآخرين بالقضايا الكبرى للأمة الإسلامية، وهو على تواصل دائم مع شخصيات ونخب مؤثرة، في العالم، واستخدام تلك الأفكار والشخصيات، في دعم القضية الإسلامية وقضايا الأمة الإسلامية، فأتصور أن استضافته للكثير من المفكرين الدوليين في برنامجه التلفزيوني كان مؤثرا جدا والإتيان بهم إلى الجمهورية الإسلامية، خلال مؤتمراته والإتيان بهم على سبيل المثال إلى الأربعين الحسيني، وأتصور أن فنه كان فن التواصل الدائم والمؤثر والمستمر مع مفكري العالم والنخب الفكرية.
الإنسان الواعي
وفيما يتعلق بغزة، وكيف يمكن لطلاب مكتب طالب زاده أن يقوموا بمواجهة الكيان الصهيوني، قال أسعد: أتصور من تعاليم الحاج نادر أنه على الانسان أن يكون دائماً واعيا، اول قضية هي أن يكون وعي النخبة هو وعي حقيقي يعني أن يتطرق لكل قضايا الصهيونية بكل حذافيرها في وعيه وفكره ومعرفته، أتصور لو أنه كان اليوم موجود بيننا لكان سلّط الضوء على خُبت الكيان الصهيوني، والنظام العالمي وكان يركّز على عولمة هذه الخباثة، وعلى الأذى الموجّه نحو المسلمين، والأمة الإسلامية، كان هو دائماً يعمل في قضية البصيرة، وينوّر أذهان وعقول الناس، ينقل المعرفة، والتجربة والبصيرة والوعي السياسي والإجتماعي، والحس بالمسؤولية، ينقل التعهد والإلتزام بالقضايا المهمة، دائماً كان يركّز على جبهة الحق وجبهة الباطل، والصراع الموجود بينهما، كان يركّز دائماً على حركية الإسلام، أن الإسلام ليس صامتا وساكنا، بل الإسلام هو صوت وصورة، الإسلام هو حركة، الإسلام هو روح وجسم، والإسلام عبارة عن مسيرة حركية وديناميكية متطورة.
الحاج نادر كان يفتخر بأنه ابن الثورة الإسلامية، ما كان الحاج نادر ينفصل عن حركة الثورة والنضال الثوري، فهو يعتبر نفسه جزءا بسيطا من هذه المنظومة المتكاملة اسمها الثورة الإسلامية، وأهم نقطة هي أنه بمثابة الرائد الأول لجبهة المقاومة على مستوى الفن الإعلامي، ولكن كان يعبّر عن نفسه، أن هو خادم الأمة، أو هو جندي من جنود الثورة، وما كان يعتبر نفسه أنه قائد، أو رائد أو بمثابة المسؤول الكبير للحركة الإعلامية أو الفنية، بل هو دائماً كان يركّز أن الثورة الإسلامية بحاجة إلى جنود وهو واقعاً كان من جنود هذه الثورة.
الفكر والفن والجهاد
وحول أبرز ميزات الدكتور طالب زاده، قال أسعد: أتصور أنه جمع بين الفكر والفن والجهاد، هو شخصية جامعة بجوانب حيوية مهمة في الإسلام التي تبدأ من الفكر والمعرفة، والعلم ثم المهارات الفنية، ثم الفنون الحقيقية التي تنقل الصورة لهذ النمط، الفكري والحركة والجهاد، هو جانب منها وميزته أنه كان رجلا مفكّرا، ليس ناقلا ولا مقلّدا، بل هو مفكّر مستقل، والجانب الآخر أنه ترجم فكره في حركة فنية، في قوالب فنية، واعلامية، ثم أن هذا الفن وهذا الفكر كان في قالب جهادي، يعني ليس دون مسؤولية أو تحمل مسؤوليات، بل دائماً كان هو في خوض المعارك، وفي قلب المعركة، لكنه مفكّر غير منفصل عن المعركة، مفكّر ومُنظّر في قلب المعركة وضمن حركة فنية وإعلامية مستمرة.