الصفحات
  • الصفحه الاولي
  • محلیات
  • اقتصاد
  • ملحق خاص
  • الثقاقه و المجتمع
  • طوفان الأقصى
  • منوعات
العدد سبعة آلاف وأربعمائة وستة وثمانون - ٢٨ أبريل ٢٠٢٤
صحیفة ایران الدولیة الوفاق - العدد سبعة آلاف وأربعمائة وستة وثمانون - ٢٨ أبريل ٢٠٢٤ - الصفحة ٤

الدكتور محمد عمارة تقي الدين للوفاق:

الكيان الصهيوني لا يحمي حقوق يهود العالم، بل إنه يمثل تهديداً مباشراً لهم

منذ تأسيس الكيان الصهيوني في عام 1948، وجدت وجهات نظر متنوعة بين اليهود حول هذا الكيان وعلاقته بالديانة والثقافة اليهودية. فهناك تيارات يهودية ترفض الكيان الصهيوني وتروج لفكرة أن الديانة اليهودية لا تدعم فكرة إنشاء دولة يهودية على حساب الفلسطينيين، وتعتبر أن هذا يتعارض مع قيم العدالة والسلام التي تحث عليها التوراة. في نفس الإتجاه أجرت صحيفة الوفاق مقابلة مع الدكتور محمد عمارة تقي الدين، وهو مفكر وأكاديمي مصري حاصل على دكتوراه في الأديان والصراع العربي الصهيوني، وله العديد من الإسهامات العلمية الجادة في هذا الحقل المعرفي الهام. واليكم نص الحوار:

الوفاق/ خاص

فاطمة سيار

في مستهل هذا اللقاء نود معرفة رأيكم فيما يجري الآن على الأرض الفلسطينية؟
بدايةً نود توجيه التحية للمقاومة الفلسطينية وصمودها الأسطوري في مواجهة آلة القتل الهمجية الصهيونية المتسلحة بأسلحة غربية شديدة الفتك والدمار، وبرغم كل شيء وبرغم عدد الشهداء الهائل إلا أن عملية طوفان الأقصى قد أحدثت تصدعات هائلة في أنحاء ذلك الصنم الصهيوني، إذ أسقطت نظرية الأمن الصهيونية وقلبت ميزان القوى النفسي لصالح الفلسطينيين، فأضحى الصهاينة هم الخائفون من ذلك الفلسطيني القادم من بعيد، ووضعت مستقبل الكيان الصهيوني على المحك، فلربما تجرفه الأمور لطور العدم، كما أنها أيقظت الوعي لدى الشباب العربي والإسلامي بحقيقة هذا الصراع ووضعت القضية الفلسطينية في إطارها المركزي من بؤرة الوعي العالمي، وكشفت وجه الكيان الصهيوني القبيح كقاتل شرير، كما فضحت عدم عدالة النظام العالمي القائم الذي رأس حربته الولايات المتحدة الأمريكية حيث الدعم المطلق للكيان الصهيوني،  كما وجَّهت سهماً في مقتل لعملية التطبيع القسري مع البلدان العربية والتي كانت تجري على قدم وساق إذ تم وأدها شعبياً، بل وأحيت فكرة البطل والبطولة حيث التضحية بالنفس من أجل الأوطان، كما مثلت قبلة الحياة لروح التضامن العربي والإسلامي على مستوى الشعوب، والأهم أنها كشفت هشاشة الكيان الصهيوني ومنظومته الأمنية، فما بعد عملية طوفان الأقصى لن يكون البتة كما كان قبلها.   
ما مدى انعكاس التعاليم الدينية لليهود على ممارسات الكيان الصهيوني الإجرامية بحق الفلسطينيين؟
لقد تمكَّنت الحركة الصهيونية عبر قراءة سياسيَّة ومتشددة لتعاليم ونصوص الدين اليهودي من تطويع هذا الدِّين ليصبح أيديولوجيَّة عنف وقتل، وذلك عبر استدعاء نصوص دينيَّة تاريخيَّة حربيَّة، وانتزاعها من واقعها وسياقها ومِن ثَمَّ إسقاطها على الواقع المعاصر.
فقد تم استدعاء نصوص تاريخية تصف واقع تاريخي مَرَّ وانقضى، وانقضت معه كل معطياته وصراعاته، لتصبح هذه النصوص داخل أيديولوجية العنف الصهيوني وكأنها أمر إلهي يخاطب الواقع الراهن، وكما تم التعامل مع الأعداء التَّاريخيين قتلًا وإبادة يتحتَّم التعامل بالمثل مع أعداء اليوم (أي الفلسطينيين).
ففي العهد القديم، كتاب اليهوديَّة المُقدَّس، استقطعت الصهيونية والتَّيَّارات اليهوديَّة المتشدِّدة كثير من الفقرات وعزلتها عن سياقها، مثل :"لا تعف عنهم بل اقتل رجلًا وامرأةً، طفلًا ورضيعًا، بقرًا وغنمًا، جملًا وحمارًا"، وغيرها من النصوص الكثير التي يصعب حصرها في هذا المقام.
فقد وظّفت الحركة الصهيونية هذه النصوص الدِّينية من أجل الخلاص من الفلسطينيين (تهجيراً أو قتلاً)، ليتحقق مشروعهم الاستعماري الاستيطاني، إذ يصبح الفرد الصهيوني المؤمن بذلك التفسير لتلك النصوص وكأنه مأمور من قبل الله بإبادة الفلسطينيين، حيث تعمد فتاوى التشدُّد اليهودي، إلى شيطنة هؤلاء الفلسطينيين ومِن ثَمَّ تسويغ وشرعنة إبادتهم جميعًا. ومن ثم فلا عجب أن نشهد ظاهرة التحاق المتدينين بالجيش الصهيوني، بل واشتراكهم في الخطوط الأمامية للوحدات القتالية حيث مغالاتهم في قتل المدنيين الفلسطينيين والتمثيل بجثثهم.   
لقد أفتى الحاخام المتطرف شاؤول إلياهو، للجنود الصهاينة بجواز قتل النساء والأطفال الفلسطينيين ومن الفتاوى الدينية التي يجري تداولها: "اقتل العربي قبل أن يقتلك، اقتل النساء والأطفال، الموت لكل سكان غزة والضفة".و جدير بالذكر أن المتطرف بتسلئيل سموتريتش أحد زعماء التيار الديني الصهيوني ووزير المالية في حكومة نتنياهو قد ذهب إلى أن الخطأ التاريخي والكبير الذي ارتكبه بن جوريون في الماضي هو عدم إنهاء وجود الفلسطينيين في أرض "إسرائيل" بشكل تام .
ما هي وجهة نظر اليهود حول حق الفلسطينيين في استعادة أرضهم وإقامة دولتهم المستقلة؟
الحقيقة أن اليهود ينقسمون إلى قسمين رئيسيين: يهود صهاينة، ويهود رافضون للصهيونية، وصراعنا الحقيقي مع الصهاينة سواء أكانوا يهوداً أم من ديانات أخرى، فمراكمة الخبرات التَّاريخيَّة ووضعها تحت مجهر البحث والدراسة، هو أمر من شأنه أن يدفعنا للتفرقة بين اليهوديَّة والصهيونية، فالحقيقة أن ليس كل اليهود صهاينة، كما أن ليس كل الصهاينة يهود، ومن ثم فالمواقف بشأن القضية الفلسطينية في غاية التباين، ففي حين يرى اليهود الصهاينة من المتطرفين أنه يتحتم تهجير أو إبادة الفلسطينيين ليتسنى لهم إقامة كيانهم المزعوم من النهر إلى البحر أو من النيل إلى الفرات.
في المقابل يرى اليهود المعادون للصهيونية أن الأرض هي ملك للفلسطينيين وحدهم، ولعل أبرزهم على الإطلاق هي، حركة ناطوري كارتا اليهودية، والتي ترى أن الصهيونية هي أخطر المؤامرات الشيطانية ضد الديانة اليهودية وأنها قوضت اليهودية من الداخل وحولتها لأيديولوجية قتل، وأن الصهاينة هم سبب تزايد العداء لليهود في العالم، وأن الصهيونية ارتكبت جريمة نكراء بطرد  الفلسطينيين من أرضهم، وتدعو  كل شخص في هذا العالم يؤمن بالعدالة أن يسعى للقضاء على الكيان الصهيوني مؤكدين أن القدس تلك المدينة المُقدَّسة يجب أن تكون عاصمة للشعب الفلسطيني وتحت سلطته الكاملة .
ولذلك فتلك الحركة معروفة جيدًا لوسائل الإعلام المختلفة سواء العربية منها أو الأجنبية، فهي لا تكف عن التظاهر ضد الكيان الصهيوني مؤكدة على عدم اعترافها بـ "دولة إسرائيل"، إذ تتهمها بالكفر باعتبارها قامت بإرادة بشرية صهيونية جاءت ضد تعاليم الإله الذي أمرهم بعدم العودة للأرض المقدسة إلا بعد قدوم المسيح اليهودي المُخلِّص، وفقاً للتشريع الموجود بالتوراة المُقدَّسة منذ ألفي عام وتردد ذكره في التلمود.
مؤكدة أن السلام لن يتحقق بمنطقة الشرق الأوسط من دون  تفكيك الكيان الصهيوني وإزالته من الوجود بشكل تام.
ما هو تأثير جرائم الكيان الصهيوني ضد الأطفال والنساء في غزة من وجهة نظر شعوب العالم  من القضية الفلسطينية؟
 الحقيقة أن شعوب العالم أغلبها متعاطف مع الحق الفلسطيني،  لكن المؤلم أن كثير من الحكومات لا تمثل شعوبها وبخاصة الغربية منها والتي تسيطر عليها مراكز القوى واللوبي الصهيوني تحديداً.   
غير أن جرائم الكيان الصهيوني ضد الأطفال والنساء في غزة في الآونة الأخيرة قد زادت من نسبة المتعاطفين مع الفلسطينيين والرافضين لهذا الجرم الصهيوني، وهو ما علينا توظيفه جيداً في المرحلة القادمة.
ما هو دور الكيان الصهيوني في حماية حقوق اليهود حول العالم؟
الكيان الصهيوني لا يحمي حقوق يهود العالم،  بل إنه يمثل تهديداً مباشراً لهم، فممارساته الإجرامية بحق الفلسطينيين تجعلهم في وضع قلق حيث زيادة كراهية العالم لهم، من هنا تزايد أعداد اليهود الساخطين على السياسة الإسرائيلية في كل من أوروبا وأمريكا.
وفي هذا السياق يجب ألا نغفل دور تيار المسيحية الصهيونية في حشد الغرب وراء المشروع الصهيوني، فهو يمثل أحد أهم محددات صنع القرار السياسي الغربي وبخاصة الأمريكي ودفعه نحو الانحياز المطلق للكيان الصهيوني، بل هي الأهم على الإطلاق والأكثر تأثيرًا بما توفره من دعم مادي "لإسرائيل"، وكغطاء سياسي يُمثِّل عقبة كأداء أمام المجتمع الدولي تحول دون اتخاذ ردود أفعال حقيقية ضد جرائم الكيان الصهيوني، وبخاصة تلك الجرائم المتعلقة بالاستيطان في الأراضي المحتلة والذي تدفع به المسيحية الصهيونية إلى حده الأقصى تعجيلًا بالخلاص الديني (وفق معتقدهم الدين)، وهي في ذلك تتحرك على ثلاثة محاور رئيسية هي: المحور الأول: قراءة النصوص الدينية قراءة منحرفة ومجتزأة من شأنها تعضيد المشروع الصهيوني وإضفاء المشروعية الدينية عليه، المحور الثاني: الدفاع عن "إسرائيل" ودعمها ماديًا وسياسيًا حتى اكتمال مخططات الاستيطان وبناء الهيكل، المحور الثالث: تأجيج الصراعات في منطقة الشرق الأوسط للإسراع بمعركة نهاية الزمان. ولك أن تعلم أن الدعم المادي الذي تمد المسيحية الصهيونية "إسرائيل" به يفوق دعم المنظمات والجماعات اليهودية حول العالم، والمفاجأة أنه في حين يزداد الأول (دعم المسيحية الصهيونية لإسرائيل)، فإنه بمرور الوقت يتقلص الثاني (دعم المنظمات والجماعات اليهودية حول العالم لإسرائيل)، وهي ظاهرة في حاجة لمزيد من البحث والدراسة لمعرفة مآلاتها وانعكاساتها على الصراع العربي الإسرائيلي، بل ومن دون مبالغة على مصير البشرية كلها وإلى أين تتجه في ظل تنامي هذا التيار وحشده لمعركة نهاية العالم (هرمجدون) وحتمية فناء غالبية بني الإنسان في تلك المعركة، بحسب زعمهم، لقد ألقى تنامي تيار المسيحية الصهيونية داخل أمريكا بظلاله الكثيفة على العلاقات الأمريكية الإسرائيلية إذ أضحت الولايات المتحدة تساند "إسرائيل" مساندة سياسية واقتصادية مطلقة مدفوعة بهذا التيار داخلها، يكفي أن نعلم أن "إسرائيل" وحدها تحصل على أكثر من ثلث المساعدات المالية الأمريكية، وهي بالقطع مساندة من شأنها أن تقود لزيادة الغطرسة الإسرائيلية وتفاقم أزمة الشرق الأوسط، وكما يقول المفكر اليهودي المعارض للسياسات الإسرائيلية إسرائيل شاحاك:"إن تقديم أمريكا مليارات الدولارات "لإسرائيل" هو مثل تقديم مزيد من المخدرات للمدمن"،  لقد  تحولت المسيحية الصهيونية- وكما يذهب البعض- إلى تيار سياسي ضخم في العقود الأخيرة وبخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية وأصبحوا يلعبون دورًا كبيرًا في السياسة الأمريكية، فكانوا أحد الأسباب الرئيسية وراء فوز الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب بالانتخابات ومن ثم دفعه للاعتراف بالقدس عاصمة "لإسرائيل" في ديسمبر 2017م.
ما أهمية أن ينتهي هذا الصراع من العالم عبر منح الفلسطينيين حقوقهم وإقامة دولتهم؟
نعتقد أن هذا الصِّراع هو في عمقه تجسيد لمأساة البشريَّة كلها، وإخفاقاتها في تغليب الروح على المادة، والقيميَّة على النفعيَّة، والحق على القوة، وإن لم يتكاتف الجميع لإنهائه بشكل عادل وإنساني في آن فالأمر منذر بعواقب وخيمة.
وفي يقيني أن التصدي لهذا الكيان الصهيوني الغاصب هو معركة يخوضها الفلسطينيون نيابة عن البشريَّة كلها ودفاعًا عن إنسانيتها المُهدرة، فالمشروع الصهيوني قد تم تعميده بالدماء، دماء الفلسطينيين وإخوانهم من العرب، مع حاجته المستمرَّة لمزيد من الدِّماء ليواصل نموَّه وتمدُّده الشيطاني ككائن دراكولي نهِم، وهكذا عمّدت الحضارة الغربية كل مشروعاتها التوسٌّعيَّة الاستيطانية، وهكذا ستفعل مستقبلًا عبر إنتاج مشروعات استيطانية جديدة إن ظلت تسير بذات الاتجاه وتتبنَّى نفس القناعات.
كما أسهم وجود الكيان الصهيوني في تفشِّي ظاهرة الإرهاب الدولي، وقاد انحياز النظام العالمي لهذا الكيان إلى تصاعد الإرهاب عالميًا،  وهو ما أدركه المؤرخ الكبير أرنولد توينبي مبكراً إذ يقول : "مأساة فلسطين ليست مأساة محلِّيَّة، بل هي مأساة العالم، فهي ظُلم يُهدِّد السلم العالمي"، فالظلم المفرط والكيل بمكيالين والانحياز الغربي للكيان الصهيوني هو أمر من شأنه أن يؤجِّج العنف والإرهاب في منطقة الشرق الأوسط.
وهو ما يؤكده الحاخام اليهودي المعادي للصهيونية يسرائيل فايس إذ يقول: "إسرائيل هي أكبر تهديد للأمن العالمي والسلام سيبدأ بنهاية الدولة الصهيونية".
 هل هناك ما يبعث على الأمل برغم كل المعطيات المأساوية على الأرض؟
نعم هناك الكثير من الشواهد التي تدفع بهذا الاتجاه:
 أولاً يمكن أن نشهد  ظاهرة تآكل الحلم الصهيوني، إذ أصبح هذا الكيان الصهيوني بمثابة (كابوس مُكيَّف الهواء)، إذا جاز لنا أن نستعير من هنري ميللر، فالكيان الصهيوني هو بحق كيان قلق، ولا تلوح في الأفق أدنى سحابة أمل تُنبئ باستمراره الوجودي لعقود قادمة، فالمخاطر المُحدِقة به أكبر من أي وقت مضى: تكنولوجيا تتطوُّر بسرعة، وبخاصة فيما يتعلَّق بإنتاج السلاح ووصوله بيسر للمقاومة الفلسطينيَّة، التي باتت تهدِّد به عمق الكيان الصهيوني.
شعب فلسطيني يزيده الوقت صلابة وتمسُّكًا بحقوقه التَّاريخيَّة، وتضخُّم الإحساس لديه بقيمة فعل المقاومة، شعوب عربيَّة وإسلامية غاضبة وأكثر وعيًا مما مضى، وعي عام عالمي آخذ في التبلور، وقد أصبح لا يقبل بممارسات الاحتلال الصهيوني الإجراميَّة، وضاق ذرعًا بانتهاكه الفجّ لحقوق الإنسان.
مُعدلات هجرة عكسيَّة إسرائيليَّة متزايدة لبلدان أكثر أمنًا، في مقابل تزايد مُعدلات النمو السُّكاني بين الفلسطينيين، ومِن ثَمَّ انقلاب الميزان الديموغرافي بشكل جذري لصالح الفلسطينيين.
تفاقم الصراع بين مكونات المجتمع الصهيوني، ولعل ذلك هو ما دفع الباحث لورانس ماير لأن يقول: "إن الخطر الأعظم الذي يهدِّد "إسرائيل" لا يكمن في خارج حدودها وإنَّما في داخل روحها ونفسها"،كل ذلك يجعل من "إسرائيل" "دولة" تحمل في أحشائها كل عوامل فنائها. وهو أمر يؤذِّن بفشل المشروع الصهيوني برمَّته وسقوطه في هوّة العدمية، فهناك أكثر من نصف مليون "إسرائيلي" يحملون جوازات سفر أمريكية، والعدد في تزايد نتيجة الخوف من نهاية مُفجِعة "لإسرائيل"، مثلها مثل كثير من التجمُّعات الاستيطانية التَّاريخيَّة.
وفي يونيو من العام 2022م  صرح تامير باردو  مدير الموساد الأسبق، بأن "إسرائيل" على حافة الانهيار ومن ثم النهاية بما تمتلكه من خاصية أطلق عليها (خاصية التدمير الذاتي) حيث تفاقم الكراهية المتبادلة بين مكونات المجتمع وأنها قد تتصاعد بما يقود لنشوب حرب أهلية.كذلك فالصهاينة يتخوَّفون من تكرار ما حدث للممالك الصليبية التي زالت جميعًا، إذ باعتقادهم أنه قانون صارم من شأنه أن يسري على كل الكيانات الاستيطانية، ومِن ثَمَّ يتملكهم شعور بأنهم يَسبَحون ضد حركة التَّاريخ وقوانينه الصارمة.
هذا التاريخ الذي يخبرهم أن الممالك اليهودية القديمة لم يتجاوز عمرها الثمانين عامًا، يقول الصهيوني العتيد بنيامين نتنياهو في العام 2017 م معبرًا عن إدراكه العميق لهذه الحقيقة التاريخية:" سأبذل قصارى جهدي كي تبلغ "دولتنا"(يقصد إسرائيل) عيد ميلادها المئة، فهناك الكثير من التهديدات الوجودية المحيطة بنا، إذ أن مسألة استمرارية وجودنا كدولة ليست يقينية، فالتاريخ يعلمنا أنه لم تستمر دولة للشعب اليهودي لأكثر من ثمانين عامًا".
ما الذي علينا فعله من أجل استعادة الحق الفلسطيني وإقامة الدولة الفلسطينية ؟  
أولاً يتحتم ممارسة ضغوط حقيقيَّة على هذا الكيان الغاصب (سياسية واقتصادية ونفسية وغيرها)، وفي القلب من هذه الضغوط تأتي المقاومة الفِعليّة للمُغتصِب كأكثر الأعمال نُبلًا وأخلاقيَّة على الإطلاق، إذ تبقى التضحيَّة بالنفس وبكل عزيز وغالٍ من أجل الأوطان هي قمَّة مشاعر السِّمو الإنساني، فمن شأنها أن تُبقي جذوة التَّوق الإنساني لتحقيق العدل متَّقدة على هذا الكوكب.
كما أنه علينا الحذر، كل الحذر، من محاولات الكيان الصهيوني المستميتة للتطبيع مع بلدان المنطقة، فهي الخطوة الأولى ضمن استراتيجية ابتلاع المنطقة ككل داخل حلق الأفعى الصهيونية،  نعم هذا الكيان الغاصب يعلم أنه تطبيعًا كارتونيًّا، وأن الشعوب تلفظه جملة وتفصيلًا، لكنه يعتقد أيضًا أنها خطوة أولى ستقود مستقبلًا نحو تطبيع شعبي جارف إذا ما تأسست الأمور على جوانب اقتصاديَّة نفعيَّة وإغراءات مادِّيَّة لا يمكن لأحد مقاومتها، ولعل صفقة القرن هي واحدة من أبرز تجليات تلك الرؤية الصهيونية الشيطانية.
كما يتحتم علينا إعادة بناء استراتيجية إعلامية جديدة، عبر إطلاق مجموعة قنوات إعلامية ولتكن باللغة الإنجليزية الأكثر انتشارًا لتصحيح الصورة، والتأكيد على ما يجري على الأرض من ممارسات وحشية بحق الفلسطينيين، وتطوير لغة الخطاب لتناسب العصر، وتوظيف وسائل التواصل الاجتماعي للترويج لتلك الحملة،  كما يمكن إنشاء متاحف في الفضاء الإلكتروني حول المجازر ضد الفلسطينيين وتسويقها إعلاميًّا.
  فالحقيقة أن الدعاية العربيَّة والإسلامية الموجهة للغرب لا ترتقي إلى مستوى الدعاية الصهيونية المنظَّمة والممولة جيدًا والمتأسِّسة على قواعد واستراتيجيات الحرب النفسيَّة الحديثة.
من هنا أهمية توظيف وسائل تكنولوجيا عالية الجودة في شن حملات توعوية حول المجازر الصهيونية بحق الفلسطينيين، وإعادة تجذيرها في الوعي العام العالمي كجرائم لا تسقط بالتقادم، فتعرية الكيان الصهيوني ليقف قبيحًا ومن دون مساحيق تجميل أمام الرأي العام الأمريكي والعالمي هو ضرورة مُلِّحة.
كما أنه يتعين إتباع استراتيجية المزج والتنسيق بين العمل الدبلوماسي السياسي والعمل المقاوم معًا، فليس بالدبلوماسية وحدها، وليس بالمقاومة الفِعليَّة وحدها ستُحل هذه القضية، بل بالاثنين معًا، ومِن ثَمَّ على أحدهما أن يكون مُكمِّلًا للآخر وليس نافيًا أو مُعاديًا له.
حتمية الانخراط في بناء تحالف قوي مع اليهود المعادين للكيان الصهيوني أمثال جماعة ناطوري كارتا ومجموعة حاخامات من أجل حقوق الإنسان ومجوعة المؤرخين الجدد وغيرهم وكذلك مناصري القضية الفلسطينية من أحرار العالم من مختلف الديانات والأعراق.
وفي التحليل الأخير أود أن القول أن عملية طوفان الأقصى وبرغم تصاعد عدد الشهداء والدمار الهائل، إلا أنها كانت حتمية في ظل تصاعد العدوان الصهيوني على الفلسطينيين وعلى الأماكن الإسلامية والمسيحية المقدسة، فالمقاومة من شأنها أن تبقي القضية الفلسطينية حية في الضمير العالمي، وهو ما يؤكده الكاتب "الإسرائيلي" الرافض للاحتلال جدعون ليفي، إذ يقول :" مقاومة غزة هي روح غير قابلة للكسر، فهي ما أبقت القضية الفلسطينية حية في الضمير العالمي..علينا أن نقدم التحية لأهالي غزة.. لولا غزة، لمحت "إسرائيل" القضية الفلسطينية من الوجود، فهي بصمودها تعطي قبلة الحياة للقضية برمتها، وتحكي ما تم ارتكابه من جرائم بحقها، لولا غزة، لكان العالم قد نسي القضية الفلسطينية بشكل تام ودخلت في طور العدم" .
   وهي حقيقة من شأنها أن تضع فعل المقاومة على قمة الاستراتيجيات التي يتحتم اتباعها من أجل إنهاء هذا الصِّراع الوحشي الدائر بين شعب أعزل تم الاستيلاء على أرضه وجيش احتلال مدجج بالسلاح ولديه عمى قيمي وأخلاقي في آن معاً.

 

البحث
الأرشيف التاريخي