العلامة محسن الحمزي في حديث للوفاق يروي لأول مرة :
تفاصيل جديدة عن نشأة انصارالله وعلاقتها مع الثورة الاسلامية
العلامة محسن صالح الحمزي عالم و سياسي يمني وأحد أقرباء السيد بدرالدين الحوثي. مارس الأنشطة الثقافية والسياسية مع السيد الحوثي منذ ثمانینات القرن العشرین، وكان من الأشخاص الذين وثق بهم هو وابنه الشهيد سيد حسين مؤسس حرکة انصارالله. عائلة الحمزي من العائلات المهمة في حركة أنصارالله باليمن ونسبة للمجاهدين. لذلك قصف بیت العلامة الحمزی فی بدایة العدوان السعودي علی الیمن. وفي حديث معه، تحدث عن ذكرياته وارتباط الشعب اليمني بالثورة الإسلامية في إيران، وتأسيس حركة أنصار الله، وحروب صعدة الستة. علما هو الآن وکیل محافظة صعدة.
الوفاق/ معهد مرصاد
احمد حاجی صادقیان
مرحباً بكم السيد العلامة و شكراً على إتاحة الفرصة لإجراء هذا اللقاء، بداية نتوجه إليكم بالسؤال الأول، أخبرنا كيف تعرفتم على الثورة الإسلامية في إيران؟
أنا من مواليد عام 1956 يعني أن عمري يقارب 67 عاماً، عندما سمعنا في وسائل الاعلام عن الثورة الاسلامية في ايران عبر المذياعات التي كانت تبث في ساعات محددة فقط كنا نتابع الثورة الاسلامية عبر الراديو وكنا ننتظر بحرارة لسماع أخبار الثورة عند الساعة الثامنة والنصف مساءاً بتوقيت اليمن وكنا نتابع أخبار الشعب الايراني الثائر والاحزاب التي سبقت الامام الخميني (رض) ومواقف الشعب الايراني البطل من نظام الشاه البهلوي وكنا نأسف عندما نسمع أن أخوتنا الايرانيين من محبي أهل البيت عليهم السلام يقتلون على أيدٍ همجية عابثة وهم يطالبون بحقوقهم ويطلبون الخلاص من الهيمنة الأمريكية، لايطلبون مالاً ولا يطلبون مناصب، وانتصرت الثورة الاسلامية وكنت عندها في الخامسة و العشرين من عمري، كنا متحمسين كثيراً عندما نسمع أخبار انتصار الثورة الاسلامية، وعندما وقعت الحرب المفروضة من قبل صدام عليه لعنة الله والأمريكان وبعض حكام الخليج الفارسي وجيوشهم كنا قد نسمع احيانا انتصارات وتقدمات الجيش الصدامي وكنا نحزن حزناً شديداً، فالاعلام لدينا كان مضاداً وكان لصالح النظام السابق وفي صفه، فكنا لا نهيب إلا بإذاعة طهران عندما نسمع تقدم الجيش الايراني وأذكر عندما سقطت خرمشهر في أيدي نظام صدام حزنّا حزناً شديداً وبكينا، لأن خرمشهر هي ايران والامام الخميني (رض) كان كما قال حسين الرزين رجلاً إلهياً، وكان امام حق ومستجاب الدعوة، وكنا نواكب انتصارات الجيش الايراني والشعب الايراني البطل بقيادة الامام الخميني مواكبة شديدة، علماً أن النظام القائم في ذاك الوقت كان ضدنا، نظام علي عبدالله صالح ونظام الوهابيين المسيطر على مفاصل الدولة كان ضدنا تماماً. ولكن علماؤنا كانوا شجعان فهم أصحاب فكر شيعي مجاهد، وكانوا يشجعوننا كثيراً، ومنهم المولى العلامة نجم الدين والعلامة بدر الدين والعلامة عبدالعظيم الحوثي والعلامة أحمد صلاح الهادي والعلامة صلاح فليتة وغيرهم الكثيرين وقد سمعت شيخي العلامة هراوية رحمه الله كان يجلس في الوسط بالدعاء للمجاهدين الايرانيين وكنت أسمعه بأذني وهو يقول اللهم انصر المجاهدين في ايران على الصداميين وانصرهم وارحم شهداءهم.
إن نظام صالح كان يرسل المقاتلين إلى جبهة النظام الصدامي، فكيف تعاملتم مع ذلك؟
طبعاً كانت مفاصل الدولة كلها تدعم الوهابيين الذين صنعتهم السعودية، وإن عبدالله صالح نفسه كان مجنداً سعودياً يستلم مرتبات من اللجنة الخاصة التي يستلم منها غيره، ففعلاً دعوا في ذلك اليوم إلى التجنيد وأخذوا فريق وكان التجنيد إلزامي في ذلك الوقت عندنا، فكانوا يأخذونهم من المعسكرات الى العراق، ففي الظاهر أن التجنيد الاجباري كان لصالح الوطن ولكنهم كانوا يدعمون الجيش الصدامي. وعلي عبدالله صالح لم يبن الجيش اليمني على عقيدة قتالية فهو جيش عائلي يحميه هو ويحمي عائلته ومصالحه واستثماراته في الوطن فقط.
هناك مقولة معروفة تقول أن السيد العلامة مجد الدين المؤيدي رحمه الله قال بعد انتصار الثورة الايرانية مخاطبا الشيعة الامامية: "تزيدتم وتجعفرنا"، فهل هذه المقولة صحيحة؟
أنا لا اذكر هذه الحكاية عنه لكن من الممكن أنه قالها؛ لأن الفكر الزيدي فكر كما يعرف عنه يدعو للثورة على الظالمين وأنتم الاخوة الامامية فكركم التقية كما نفهمها، فربما يقولها، والمقصود بها أنكم أردتم الخروج على الظالمين ونحن أخذنا بالتقية، وعلى الأرجح أن هذا المقصود منها إذا كان حقاً قالها.
يقال ان هناك وفد من العلماء اليمنيين سافروا أوائل الثورة الى ايران وزاروا الامام الخميني (رض) فهل هذا صحيح؟
انا أروي عن شيخي السيد العلامة الهراوية رحمه الله أنه قال بأن هناك وفد جاء وقابل الامام الخميني في حسينية جماران، هذا حسب الرواية التي وردتني وكانوا مجموعة من العلماء بينهم القاضي عبدالله الشماعي وهو خال شيخي وكان عالما يتبع السلطة من علماء علي عبدالله صالح لمن لايزال هناك رواسب من الفكر الزيدي في عقله وفي فكره، فيقال ان صحة الرواية ان الامام الخميني كتب لهم في ورقة وبقي منها جزء فارغ أبيض فاقتطعها الامام ووضعها في مكتبه فسألوه لماذا، فقال أنه لاداعي أن تبقى هنا فهذا اسراف، وهذا ما أحفظه عنه، وقد جرى ذلك في الثمانينات وعند بداية الثورة الاسلامية.
والسيد بدر الدين.. ألم يكن بينهم مع ذلك الوفد؟
لا لم يكن فقد كان محارباً من قبل النظام والسعودية وكان عليه حظر لايمكنه الخروج من اليمن لأنه كان أكبر وأشهر عالم ثوري في اليمن، وهو أول العلماء الذين نادوا بضرورة حمل السلاح، وكانت البنادق التي يشترونها سعرها 5000 ريال سعودي وكانوا يشترون السلاح فأمريكا تريد ان تهاجمنا وتحاربنا.
هل تتذكرون يوم رحيل الامام الخميني (رض)؟
أنا أذكر تلك الليلة عندما توفي فيها الامام الخميني، كنت أسمع أنا وزوجتي الراديو، ففتحناه فبدأ المذيع بصوت حزين عندما أذاع خبر الوفاة، فبكيت أنا وزوجتي بكاء حاراً، ولا أذكر أننا بكينا على عالم من علمائنا لكننا بكينا على الامام الخميني لأن موقعه من العالم كبير جداً فهو الذي أثار العالم كله وأقام القيامة على أمريكا واسرائيل والاستكبار العالمي وهو صاحب الثورة الام في التاريخ الاسلامي، فالثورة الاسلامية ليس لها مثيل في العالم.
هل كانت هناك مراسم لتعزية الامام الخميني في الشوارع اليمنية؟
لا لم تكن هناك مراسم في الشوارع بل اقتصرت التعزية على المساجد وكانوا يقرأون الفاتحة وسورة ياسين على روحه الطاهرة، لأن النظام السابق كان موالياً لأمريكا والنظام الصدامي، وقد سجن بعض شبابنا بسبب قراءتهم الفاتحة لروح الامام الخميني بصورة سرية في المساجد الصغيرة. وكانوا يوزعون مجلات مثل مجلة العالم ومجلة الانوار فكانوا يؤخذون إلى السجون.
وبعد أن توفي الامام الخميني خفنا وقلقنا وقلق علماؤنا المجاهدون، لأنهم لم يكونوا يعرفون ماذا سيكون مصير الثورة الاسلامية، وبالرغم من أننا كنا نعلم أن هناك علماء كبار لكنهم ليسوا مثل الامام الخميني، فهيأ الله الامور واختير الامام الخامنئي لقيادة الثورة فكما يقال التئم الجرح لأن الامام الخامنئي مد ظله الشريف كان صورة طبق الاصل عن الامام الخميني (رض). اذكر تلك الليلة عندما كان الجيش الايراني على مقربة من البصرة على بعد 12 كيلومتر من البصرة وأذكر عندما قيل ان الامام الخميني (رض) قال أنه أشد عليه من تجرع السم عندما أعلن وقف الحرب سمعنا هذه العبارة.
علماؤنا المجاهدون والشعب اليمني الشيعي الزيدي والأحرار من بعض الفرق كأخوتنا الاسماعيلية واخوتنا من بعض الشوافع يوالون الثورة الاسلامية الايرانية، وكانت هناك مجموعة أو طائفة من مشايخ القبائل يستلمون مرتبات من السعودية وقيل لي أنهم كانوا يسمونها بدل شرف ومن العجيب أنهم كانوا يأخذونها. وكان هؤلاء المشايخ عاملاً مساعداً في انتشار الوهابيين في مناطقنا وعلماؤنا كما قال السيد هراوية رحمه الله عندما زار آية الله السيد الخوئي رحمه الله في العراق اواخر السبعينات ولقيه هناك فأخذ السيد هراوية إلى السيد الخوئي في مكان عام وسلم عليه فسأله السيد الخوئي رحمة الله عليه وقال: كيف اخواننا الزيدية؟
فأجاب شيخنا: في وضعية صعبة ومتعبة، فقال السيد الخوئي لماذا؟ فقال لأن علماءنا فقراء وتجارنا بخلاء وأتباعنا جهلاء. فالسيد الخوئي رحمه الله استوعب هذا الكلام وقال أن هذه كارثة.
وبعدها حول ماجرى في ايران كنا نتابعه عبر الراديو، وكانت توزع لنا أفلام فيديو من قبل الاخوة المجاهدون السابقون أمثال عبدالرحيم الحمران وأبو الأخ علي الحمران وهو الان القنصل اليمني وقد كان من سابقي الثوار في اليمن وأخوه عبدالله حسين مؤيد نائب وزير الخدمة المدنية والدكتور عبد الكريم الجدبان الشهيد رحمة الله عليه والكثير من الاخوة الشباب كانوا يحصلون على بعض الصحف وافلام الفيديو واذكر ايام كان الاخ السيد محمد جلال فيروزنيا كان سفيراً لايران عندنا في اليمن اوائل التسعينات في الذكرى الثانية عشرة للثورة الاسلامية فاستضافونا ضيافة في فندق سبأ فحضرت بالزي اليمني وكان أعضاء الوفود كلهم سفراء وكان عميد السلك الدبلوماسي آنذاك علي الوفيدي سفير السعودية وكان أكبرهم سناً وصاحب مال وأذكر انني دخلت كالغريب فقد تمت دعوتي من قبل السفارة الايرانية وذهبت الى صنعاء وحضرنا الاحتفال بالذكرى الثانية عشرة للثورة الاسلامية وبعد العشاء تكلمنا مع السفير السيد فيروزنيا الذي كان شابا متواضعا، فقلت له سعادة السفير هل لديكم فيلم أو فيديو أو أي شئ فقال تفضل غداً للسفارة فذهبت في اليوم التالي للسفارة الايرانية في صنعاء وكانت الحراسة مشددة وكان الامن عبارة عن أمن سياسي ومخابرات وعندما وصلت إلى بوابة السفارة قالوا ماذا تريد فقلت اريد دخول السفارة فقالوا لا يمكنك دخول السفارة، وما هو عملك في السفارة فطلب البطاقة الشخصية فأعطيته اياها ودخلت لمقابلة السفير فاستقبلنا وسألنا سؤالا غريباً قال: كم نسبة الزيدية في مدينة نجران؟ فقمت بالشرح له فقال يغلب طابع الزيدية على بيوتهم أيضاً؟ فقلت لا فعندنا في اليمن طابع المنازل يقال له قمرية.
فتحدثنا وأياه عن أوضاع الاخوة الزيدية ثم طلبنا منه أن يسهل لنا السفر الى ايران اوائل الثمانينات، فقال إن هذا ليس من شأننا فنحن هنا نمثل الدولة الايرانية بل عليكم أن تطلبوا ذلك من الأخوة العلماء لأننا نحن بيننا وبين الخارجية اليمنية اتفاق بألا نسهل لكم السفر فتأسفنا لهذا الجواب فقال أنه ممكن ولكنه ملتزم بالقوانين والأعراف فخرجنا وأعطانا بعض النماذج وسلسلة من أشرطة الفيديو فأخذناها وكانت جيدة وقد طابت نفوسنا، وظللنا هكذا الى ان جاءت المسيرة القرآنية.
بلغنا أن السيد حسين الحوثي سافر الى ايران في تلك الايام، هل هذا صحيح؟
أنا أذكر أنني سافرت وأياه عام 1997 وكان أبوه المولى بدر الدين ولا أعلم ان كان قد جاء قبل ذلك أم لا. وكان علي عبدالله صالح منزعج من بدرالدين ولم يرده أن يذهب الى ايران وكلما ذهب الى ايران كان يضغط على العلماء ويطلب بأن يعيدوه فطلب العلماء ولده الاكبر وقالوا له ان الرئيس شغلنا بأن نحضر بدرالدين من ايران.
ولماذا ذهب المولى بدرالدين الى ايران؟
ذهب هرباً من ظلم علي عبدالله صالح فقد كانت المخابرات تلاحقه وحاولوا اغتياله مرتين. وکان السید بدر الدين في قم وجئنا عن طريق صنعاء دمشق إلى طهران فوصلنا ونزلنا في فندق استقلال، وبقينا في طهران ليلتان وكان معنا محافظين من الامن الايراني وصادفتنا أشياء كثيرة كان اولها الاهتمام بالسيد حسين بدرالدين، ولم نكن نعلم أن السيد حسين بدرالدين يتمتع بهذه الاهمية ولكن هنا علمنا أنه رجل مهم فقد كانوا يشددون الحراسة عليه وترافقنا سيارتان من الامن الايراني واحدة نستقلها والاخرى ترافقنا ووصلنا قم إلى منزل السيد حسين بدرالدين وكان هناك أكثر من 30 رجل أمن يحرسون منزله فوصلنا وقدموا لنا ضيافة كبيرة جداً. وبعدها جلسنا وطلب منه ولده أن يعود إلى اليمن وقال أن طلابك والعلماء جميعهم ينتظرون عودتك، وقال أن أولادك وأحفادك ينتظرونك ولم يقل له أن الرئيس يريدك أن تعود وإلا لما كان ليفعل، وعند الساعة الثانية دخل أحد رجال الحراسة وقال هل ستبقون الليلة في قم لنحجز لكم فندقاً أم ستعودون إلى طهران؟ فقلنا أننا سنعود إلى طهران وبالفعل عدنا إلى طهران وفي اليوم التالي أتوا بوالد بدر الدين وذهبنا من مطار مهراباد في طهران إلى سوريا وجلسنا في سوريا يومين وفي اليوم الثالث سافر السيد حسين بدر الدين ووالده فقط وبقينا نحن في سوريا لنركب طيران آخر. وقد عاد السيد بدر الدين إلى مدينة الجوف في اليمن وهي مدينة مليئة بالأسلحة والناس الأشداء وعندما علم علي عبدالله صالح أن السيد بدر الدين عاد من طهران إلى مدينة الجوف غضب غضباً شديداً وطلب أن يعود إلى صنعاء وإلا فسيقتله. وفي اليوم التالي أتوا به إلى صنعاء وقابل الرئيس مع العلامة محمد المنصور والعلامة أحمد عباس والعلامة أحمد الشامي رحمه الله وقال له علي عبدالله صالح: هل اهتموا بك في ايران؟ فقال نعم اهتموا بي وهيأوا لي بيتاً فقال له لماذا اخترت ايران؟ اجلس في صنعاء وقم بالتدريس وسنقدم لك بيتاً فقال إنني مصاب بالربو ولايمكنني البقاء في صنعاء وطلب الذهاب إلى مكان آخر فوافقوا على ذلك.
هل فكرة المسيرة القرآنية كانت من قبل الشهيد القائد السيد حسين الحوثي أم من قبل السيد بدر الدين؟
لقد ولدت الفكرة من رحم المعاناة، فنحن في اليمن عموماً وفي صعدة خصوصاً عانينا كثيراً من الوهابيين، فكانوا يسيطرون على مساجدنا ومنعونا من دخول المدارس ومنعوا كتبنا من الطباعة، طاردوا علماءنا وسجنوا البعض وحاولوا اغتيال البعض الاخر إلى درجة أنهم حاولوا السيطرة على مسجد الامام الهادي وهو أكبر رمز للزيدية في اليمن فالعلماء كانوا كثيرين ولكنهم قاموا بإرهابهم وازعاجهم وتهديدهم، ولكنهم لم يمنعوا من التدريس فتشكلت فكرة الشباب المؤمن عام 1987 وكنت أنا أحدهم وكان من المؤسسين السيد عبدالرحيم الحمران رئيس جامعة صعدة حالياً والاخ محمد بدر الدين الحوثي وهو مسؤول القسم النسائي في أنصار الله والاخ الدكتور الشهيد عبدالحسين الجدبان والاخ محمد عزام وعبدالله الرزامي وغيرهم وكنا نخرج في رحلات الى خارج المدن ونستقطب الكثير من الشباب ونعلمهم التمارين العسكرية والحراسة وكلمات السر والبلاغات وكنا ندعو الشباب من المحافظات ليأتوا للدراسة ونخرجهم رحلات لأيام ونعلمهم الرماية ونعلمهم الحراسة وكلمات السر وأذكر ان خرجنا ذات مرة في رحلة عام 1983 وخرج بعدنا نائب مدير الأمن الوطني آنذاك، وعبد الوهاب الدرة الذي هو الان وزير النقل وكان مدير المديرية في محافظة صعدة، فتحدثنا عن أساليب المخابرات في العالم في تعذيب الناس وعن أساليب القمع في السجون فخشينا من الحبس بعد ذلك اليوم فذكرت كلام النبي (ص) " من كنت جلدت له ظَهْرًا فهذا ظهري فليستقد منه" وكنا قرأنا كتاب "كنت سجين في سجن صدام".
هل كانت هناك نماذج لمعاهد صيفية إخوانية في مصر أو السودان؟
أنا درست في السعودية مرحلة الابتدائية والمتوسطة وكانت هناك مراكز صيفية قبل نظام الملك فيصل وكانوا يستقطبوننا وكان السيد بدر الدين يشرف على المناهج ويطلع عليها ويعدلها اذا وجد فيها مايخل في القواعد والسيد حسين كان في مجلس النواب في ذلك الوقت. وكان أول مركز صيفي أقمناه في مدينة ضحيان، وكان لدينا تسعة طلاب فقط وكان من بينهم ابنان للدكتور أحمد شرف الدين الذي تم اغتياله وابن الدكتور محمود عبدالملك المتوكل وهو الدكتور الذي اغتالوه في 2014 ابنه ريدان وهو الان عضو في منظمة مكافحة الفساد و غيرهم. و في السنة الثانية تأسست المراكز الأخرى في صعدة و الحمزات و غيرها.
هل قامت هذه المراكز الصيفية في المساجد مثلا أم لا؟
لا.. كانت تقام في المدارس وكان النظام يحضر الجلسات بعد التعددية الحزبية فكان يرسل بعض عناصره ليحضروا الجلسات واحتفالاتنا ليروا بأعينهم مايحدث، وأذكر في إحدى المرات أن أحد الأخوة قال إذا أمكن أن تضعوا صورة لعلي عبدالله صالح فوافقنا وقمنا بوضع صورة قديمة جداً له فلم تعجبهم وقالوا هل تكون صورة الرئيس بهذا الشكل؟ إما أن تضعوا صورة أفضل أو قوموا بازالتها فأزلناها. فكما يقال القوي يفرض نفسه على الآخرين فكانت الجماهير الشيعية الزيدية تحضر بكثرة وبشكل عجيب وكانت السلطة تخاف وكان العلماء يقولون أن منهج الزيدية هو الخروج على الظَلَمة. وكانت لنا شعبية كبيرة وكان الاخوة المجاهدون يدعموننا.
هل كانت هناك خلافات بين السيد حسين والشباب المؤمن؟
لا لم تكن هناك أية خلافات. فقد ذهب السيد حسين بدر الدين في الفترة الاخيرة إلى السودان لاتمام رسالة الدكتوراه في جامعة ام درمان فكان له رأي لأنه رأى أن العلماء لدينا يتحدثون بمؤلفات الشباب وكان في بعضها خروج عن المألوف في فكر الزيدية فالسيد حسين قال أنا لا أوافق على ذلك وقال قوموا باعداد ملازم وأصر بعض الاخوان أن تعرض هذه المؤلفات على السيد بدرالدين ليقوم بتصحيحها وكان يكتب فيها قد تم الاطلاع على هذا المؤلف ولم يلق مانعاً من تدريسه فقد كان عالماً كبيراً وعائلة الحوثي معروفة جداً في صعدة أنها عائلة علم وفيها الكثير من العلماء.
هل تتذكرون يوم الصرخة؟
أنا اذكر هو يبعد عن بلادنا حوالي 70 كيلومتر السيد حسين نعرف أباه واجداده علماء شجعان كبار فيهم حماس للحفاظ على الدين وكان أخي الأكبر يذهب ليصلي الجمعة والأمن موجود وكان يعود للبيت ويقول لي باللهجة اليمنية: "ياخبير، إننا نقابل شباباً يقولون بعد صلاة الجمعة الله أكبر الموت لاسرائيل الموت لأمريكا ويقولون أنهم مرسلين من قبل حسين بدرالدين". وصادف أن علي عبدالله صالح أتى إلى الحج برفقة عبدالمجيد الزنداني مرّ من صعدة ووصل إلى هذه الجماعة وكان ذلك في سنة 2002 تقريبا وصلّوا في المسجد وكلما لاحقهم الناس انتشروا أكثر فكما تعرف أن الانسان إذا حدث له ظرف معين فإنه يولد رد فعل إلى أن جاء المحافظ يحيى العمري الذي أثار المشكلة في صعدة فأراد أن يمنع الناس حتى كان الشباب يكتبون الشعارات في الليل ويأتي العمري في الصباح ويمسح شعارات الموت لاسرائيل والموت لأمريكا، وفي أحد الايام طلبني يحيى العمري فدخلت عليه وكان ذلک قبل الحرب بعشرة ايام تقريباً فقال لماذا تنادون من المساجد فلم أعرف ماذا أقول وقلت أن هذه الحركة ضد اليهود وأمريكا فقال لا هذه الحركة ضد علي محسن الأحمر الجناح العسكري للاصلاح.
فقلت اتصل بالأخ حسين بدر الدين ليأتي وتتفاهم وأياه فلم يقبل ثم اقترحت عليه مرة اخرى فسكت أيضاً فاتضح لي أنه محرج؛ فمن عادته أنه كان يجيب بسرعة لكن في ذلك اليوم كان لايجيب فاتصلت بالسيد حسين بدرالدين وقلت له أنا عند العمري حيث طلبني ودخلنا في حوار وكأنه خائف من هذا الشعار وقلق للغاية، فقال ماذا أجبته فقلت إن كان بإمكانك أن تأتي لمقابلته وتوضح له، فقال هل هو من طلب منك أن آتي أم أنك انت من اقترحت عليه ذلك؟ فقلت أنا من اقترحت عليه، فقال إذاً لا تهتم لأمره دعه وشأنه وبعدها بأيام طلبني نائب المحافظ حسن محمد مناع وقال ما الذي فعلتموه أنت والسيد حسين بدرالدين فقد قمتم بازعاج الرئيس وهو سيتخذ قرار بمحاربتكم فقلت وهل من الصواب أن يحاربنا لأجل الصهاينة وأمريكا؟ فهذه فضيحة في حقه فذهبت إلى السيد حسين واستمعت لمحاضرة له وبعدها ذهبت لأبيه وهو يسكن منطقة تبعد حوالي 15 كيلومتر وسألته مارأيك في أن تتم هذه الصلحة فقال أصبحت واجبة وقد لاقت استحسان كبير وكان السيد عبدالملك خطيباً وإمام جمعة واذكر انه تحدث ذات مرة عن المنافقين وخطورة النفاق في الأمة في صورة حماسية قوية وقال أن الجمعة لاتصح إلا بالصلح وأنا ابتداءاً من الجمعة القادمة لن أصرخ. وفي الحرب الاولى توسع نشاط السيد حسين عندما كان هناك سجناء في صنعاء وكان عددهم حوالي 1500 سجين كلهم على ذمة الشعار ووزعوهم على المحافظات وكانوا يصرخون حتى من داخل السجون وحتى في المحكمة وهم يحاكمون وكنت حاضراً في إحدى الجلسات فقد كان ابني سجيناً وكانوا يصرخون أمام القاضي.
وهل كانوا يحكمونهم بالإعدام؟
نعم حكموا بالإعدام ولكن لم يعدموهم فقد كانت هناك وساطة قطرية. فعندما زاد الضغط الأمريكي في صنعاء تحرك علي عبدالله صالح تحركاً جاداً وقد زار السفير الأمريكي الذي يتبع للخارجية وزير الاوقاف اليمني وقال أن هذه الحركات الثقافية والشعارات تثير الحساسية وتوجد عداوات دينية وحن في غنى عنها. وقد ذكر لي أحد الأخوة وقد كان وزير الثقافة آنذاك واسمه خالد الرويشان وهو من جماعة علي عبدالله صالح وقال أن صنعاء عاصمة الثقافة العربية وأتوا بفرقة موسيقية من اليابان ورتبوا لها في صنعاء القديمة وسط مجموعة من المساجد الزيدية ليخترقوا حياء الناس فحشدوا لها حشداً كبيراً وأتوا بفرق لحمايتها فقام أربعة من شباب العاصمة بالتوزع كل واحد في زقاق واتفقوا على أنه عندما تبدأ الفرقة بالعزف يصرخون وبدأت الفرقة بعد الحراسة والترحيب وحضور النساء اليابانيات فقام الشبان بالصراخ الله اكبر، الموت لأمريكا... فعندما سمعت الفرقة أصوات الصراخ هربوا بشكل جنوني وكان ذلك بعد الحرب الاولى.
كيف بدأت الحرب الاولى؟
ذهبت الدولة بحملة كبيرة جداً واشترت مشايخ القبائل بالنقود والسلاح وطلبت منهم منع الشباب من الذهاب من صعدة وكان وعي الناس كبيراً وعدد المقاتلين إلى جانب السيد حسين قليل ولايتجاوز 300 شخص ومع ذلك استمرت الحرب 90 يوماً بينما زحفت الدولة بما يقارب 60 ألف جندي مدربين في معسكرات بالسعودية تدريباً حديثاً وجيداً وانتهت الحرب بمقتل السيد حسين وأسرته بطريقة شنيعة ووزعوا صوره وهو شهيد على مناطق تابعة للدولة ليهزموننا نفسياً. وانتهت الحرب الاولى وكان هناك مسلحين في منطقة الرزامات وكان السيد بدر الدين نفسه في الرزامات فشكلنا لجنة من أربعة اشخاص وكنت أحدهم ودخلنا على علي عبدالله صالح وقابلناه في وزارة الدفاع وكان علي محسن هناك وقد كان فرحاً فرحة النصر بعد مقتل السید حسين بدرالدين. ثم جلسنا عند علي عبدالله صالح ساعتين ونصف في جلسة حوار بعدها كتب المستشار الصحفي لديه صلح من الرئيس لباقي الموجودين في نشور أن عليهم الرجوع إلى مناطقهم وقراهم وهم آمنون هناك فرجعنا الى السيد بدر الدين وقلنا أننا اتفقنا مع الرئيس أن كل يرجع الى منطقته وننهي الحرب فوافق السيد بدر الدين حيث أنه كان وفياً و يفي بالمواعيد وقال لننفذ الاتفاق فقمنا بإعادة المجاهدين من الجبال، وأنا ذهبت مع عائلتي وأولادي إلى صنعاء وبقيت هناك واشتعلت الحرب الثانية وبدأوا بضرب عائلة بدرالدين عام 2005 وشنّت الحرب على نشور.
أثناء الحرب الثالثة أو الرابعة كانت هناك انتخابات رئاسية، وكما يقول البعض أن عبدالله بن حسین الأحمر زار وجلس مع علي عبدالله صالح وأنه أمر قبائل بأكملها بأن يصوتوا لعلي عبدالله صالح والبعض يقول في وسائل الإعلام أن صعدة بأكملها صوتت لعلي عبدالله صالح، هل هذا صحیح ام لا؟
هكذا هم الحكام العرب دائماً يستخدمون التزوير في الانتخابات فقد حصل يومها علي عبدالله صالح على 90 بالمئة من إجمالي الأصوات وكان يطلب من العسكريين في صعدة أن يصوّت كل منهم مرتين أو ثلاثة وقد كان مايقارب 120 الف جندي في الجيش أرسلوا إلى صعدة وتم تزوير التصويت ليقولوا أن صعدة مع الرئيس ونحن نعرف أن ذلك ليس صحيحاً.
ماذا حصل في الحرب الخامسة؟
اشتعلت الحرب الخامسة وقد كانت قوية جداً، ولا أعرف ماهي ذريعة الحرب الخامسة. أخذت الجماعة كل المواقع وغنموا كل ما في الجبال وهربوا، وسيطر المجاهدون على كل الجبال وكل الغنائم فاتصل المؤيدي بسيف أبوالعينين في قطر الذي قال له أن الدولة صعدت على جبالكم وتريد قتلكم وتهجيركم فصدق ذلك محمد المؤيدي.
وماذا بخصوص الحرب السادسة؟
الحرب الخامسة انتهت بنصر مؤزر حيث تمت السيطرة على المزارع والجبال وكل المناطق في صعدة باستثناء بعض المناطق، وكانت حكومة علي عبدالله صالح موجودة في صعدة وكانوا موجودين في الجبال ولايستطيعون العودة إلى بيوتهم. وأذكر أنه ذات مرة طلبنا مدير أمن المحافظة وقال أن أبناءنا متهمون بموالاتهم للحوثيين وعندما وصلنا إلى النائب قائد المحور واسمه الدكتور ناصر الضهري فقال أنتم أيها الحمزات تقفون في صف الحوثيين وأنكم أوكار للحوثيين مع العلم أن أقرب منزل من منازلنا يبعد كيلومتر ونصف عن معسكرات الحوثيين، وفي ذلك اليوم كان لدينا مايقارب ألفي لاجئ ولاجئة في الحمزات وطبعاً كانوا يأتون في سرية، فقال أننا قررنا ضرب بلادكم والخطة جاهزة لذلك ولم يبق سوى أن يوقّع عليها الرئيس وعلي محسن فقلنا أنهم لن يمضوها لكم فقال لماذا، فقلنا لأننا في أيام حرب الانفصال كنا مع علي عبدالله صالح ولا يمكن أن يدمر بيوتنا بعد أن كنا من مناصريه قبل فترة. ولكن على فرض أنهم وافقوا لكم على ضرب بلادنا، فعليكم أن تمهلونا أسبوعاً لننقل عوائلنا ونسائنا إلى منطقة بعيدة عن مكان الحرب، ولا تنس أن لنا مواقف جيدة معكم فقال وماهي هذه المواقف؟ فقلت ان القوات العسكرية لديكم تخرج وهي خائفة من صنعاء وبمجرد دخولها الحمزات فإنها تأمن فهل هذا صحيح؟ فقال صحيح فقلت اذا لماذا تعاملوننا بهذه الطريقة؟