في ظل المنافسة الشديدة
ما هي المجالات التي تحاول تركيا النفوذ عبرها في آسيا الوسطى؟
الوفاق/ يبدو أن تركيا أيضًا، مثل الصين، حققت نجاحًا ملحوظًا في النفاذ إلى آسيا الوسطى. مع هذا الفارق، بينما يُشعر الوجود الصيني بقوة في المجالات المالية والتجارية والاستثمارية في دول المنطقة، تتحدى تركيا بوضوح روسيا بشكل مباشر في مجالات مثل الدفاع والطاقة التي كانت موسكو متفوقة فيها بشكل واضح. من ناحية أخرى، كانت الشركات التركية نشطة للغاية منذ فترة طويلة في بناء البنية التحتية مثل المطارات والفنادق في دول آسيا الوسطى. تشير جميع هذه الحقائق إلى قفزة نوعية في الطموحات التركية للوجود والنفوذ في آسيا الوسطى.
سعي للنفوذ عبر الطاقة
بالإضافة إلى ذلك، يمكن إرجاع الزيادة الملحوظة في اهتمام تركيا بآسيا الوسطى وزيادة وتنوع "محفظة الاستثمار" الخاصة بها مباشرة إلى التعاون الناجح لأنقرة مع جمهورية أذربيجان في مختلف المجالات في حرب ناغورنو كاراباخ منذ عام 2020. شجع هذا التعاون الناجح تركيا على تعزيز وجودها الإجمالي إلى ما بعد القوقاز، وأظهرها في الوقت نفسه كشريك موثوق. بعد حرب قره باغ مباشرة، كشفت تركيا عن نواياها الحقيقية من خلال الضغط على مجلس الدولة التركية، حيث تريد انقرة أن تلعب دور القيادة بناءً على الثقافة التركية المشتركة، وكذلك من خلال توقيع اتفاقيات خط أنابيب الغاز مع باكو التي تستهدف بوضوح نقل غاز آسيا الوسطى في المستقبل. وعلى هذا الأساس، فاوضت بعد ذلك تركمانستان بشأن اتفاقية ستربطها بتركيا عبر خط أنابيب مخطط له عبر
جمهورية أذربيجان.
على الرغم من مواجهة هذا المشروع لمشاكل متوقعة، إلا أن هذا السلوك يرسل إشارة واضحة حول أهداف ونوايا تركيا. رغم أن هذه خطوط الأنابيب لم تتحقق بعد، إلا أنه ليس من غير المألوف لمثل هذه الصفقات أن تستغرق سنوات حتى تصبح قابلة للتنفيذ، حتى لو لم تواجه معارضة دولية جادة. في هذه الحالة، لا شك أن العديد من الدول قد لاتسمح بنجاح مثل هذه المشاريع الكبيرة.
النفوذ عبر الدفاع
ومن الأكثر إثارة للاهتمام أن تركيا تحاول تحدي السيطرة الروسية غير المنازع عليها في المجال العسكري، وخاصة في مبيعات الأسلحة لدول آسيا الوسطى منذ عام 2021. لقد كان هذا الاتجاه أكثر وضوحًا في مجال الطائرات المسيرة. استخدمت قرغيزستان طائرات تركية مسيرة في اشتباكاتها الأخيرة مع طاجيكستان، ونتيجة لذلك تدرس طاجيكستان الآن خياراتها لشراء طائرات مسيرة. كما تشتري كازاخستان أيضًا طائرات مسيرة مختلفة من تركيا. لذلك يبدو أن استخدام الطائرات التركية المسيرة قد انتشر في جميع أنحاء آسيا الوسطى.
إذا استمر هذا الاتجاه في شراء الطائرات المسيرة التركية من قبل دول آسيا الوسطى، وربما الأهم من ذلك، إذا حظيت أنظمة الأسلحة التركية الأخرى باستقبال مماثل، فسيكون هذا أمرًا مهمًا للغاية ويشير إلى تراجع نسبي لقدرة روسيا على توريد الأسلحة للقوات العسكرية في آسيا الوسطى. في الواقع، كانت قدرة موسكو على أن تكون الداعم الوحيد للجيوش في المنطقة، قد ساعدت في الماضي على ترسيخ النفوذ الروسي في آسيا الوسطى. لكن إذا تفوقت الأسلحة التركية على الروسية من حيث الجودة وتكاليف الصيانة والفعالية من حيث التكلفة وما إلى ذلك، فهذا سيؤثر على هيمنة روسيا ومبيعات أسلحتها لآسيا الوسطى والأسواق الأخرى بشكل كبير. من ناحية أخرى، قد يفتح هذا الاتجاه آفاقًا للتعاون الثنائي أو المتعدد الأطراف بين تركيا ودول آسيا الوسطى أو حتى الصين، مما قد يكون علامة أخرى على تراجع مكانة روسيا في آسيا الوسطى.
إذا تمكنت حكومات آسيا الوسطى من إبرام عقود مع تركيا في مجالات الأسلحة والطاقة، فقد تتمكن من تنويع مبيعات الطاقة الخاصة بها. و إذا تمكنت هذه الجمهوريات من بيع نفطها أو غازها إلى تركيا وما بعدها إلى أوروبا، فهذا سيؤثر على اقتصادات روسيا إلى حد كبير و يفتح المجال أمامها لتعزيز علاقاتها مع تركيا و غيرها من الدول.
تأثيرات الحرب على سياسة دول آسيا الوسطى
لم تنشأ هذه الاتجاهات التي يمكن أن تؤثر على النفوذ الروسي وتعزز الوجود التركي في آسيا الوسطى فقط بسبب الحرب الأوكرانية. ومع ذلك، فإن الحرب والاتجاهات الناتجة عنها تسهل بلا شك التراجع التدريجي لروسيا و سمحت لدول كالصين و تركيا للبحث عن نفوذ أكبر.
لقد أثرت الحرب الروسية الاوكرانية على سياسات دول آسيا الوسطى وخاصة في كازاخستان، و سعت حكومات آسيا الوسطى على زيادة التعاون المتبادل فيما بينها من جهة، والاهتمام بتعزيز العلاقات مع دول اخرى في مجالات الدعم والتجارة والاستثمار والتعاون الأمني من
جهة أخرى.
وقد تستمر هذا الاتجاه، نظرًا لأنه يتماشى مع الممارسة والفكرة السائدتين بين دول آسيا الوسطى حول سياستها الخارجية المتعددة الأطراف. وهذا من شأنه أن يخلق إمكانات جديدة وواسعة النطاق للتطوير التعاوني للبنية التحتية والاقتصاد مع هذه الدول. يمكن أن يتجلى هذا التطور في العلاقات في تعزيز أمن آسيا الوسطى، وتنويع عدد شركائها.
ترحيب بشركاء جدد
في هذا السياق، من المرجح أن ترحب دول آسيا الوسطى بمشاركة أكبر ليس فقط من تركيا، ولكن أيضًا من الدول الأخرى في تطوير المنطقة. تتماشى مشاركة تركيا والجهات الفاعلة الأخرى مع المبدأ الأساسي لسياسة دول آسيا الوسطى الخارجية التي تتبعها جميع هذه الدول لتقليل أي ادعاءات بنجاح هيمنة أي طرف. ونتيجة لذلك، حتى لو ظل نفوذ روسيا في آسيا الوسطى ثابتًا، فمن المرجح أن ترحب هذه الدول بوجود أكبر لتركيا أو أي دولة أخرى في المنطقة. أحد أسباب النجاح الظاهر المتزايد لتركيا هو أنها تقدم للحكومات المحلية قدرات مثبتة في مجال إنشاء البنية التحتية وبناء الأسلحة التي تلبي احتياجاتها. ومع ذلك، يجب أيضًا فهم ودراسة نجاح تركيا المتزايد
في سياق أوسع.
ينبع هذا النجاح من تلاقي العوامل الداخلية والخارجية. داخليًا، على الرغم من سوء الإدارة الاقتصادية الفادح، فإن النخب التركية لديها إجماع راسخ على أن تركيا يجب أن تعمل كلاعب إقليمي كبير في العالم "التركي-الإسلامي". كما لديهم اعتقاد مشترك بأن تركيا، بسبب موقعها الجغرافي، على الرغم من عدم امتلاكها الكثير من موارد الوقود الأحفوري المحلية، تم تحديدها منذ فترة طويلة كمركز للغاز والنفط، وكذلك سجل إنتاج عسكري صناعي جيد في الوقت الحاضر، تصبح أسباب نجاح هذا البلد أوضح بكثير.