الباحث في الفكر الاسلامي والفقه للوفاق:
العلم يمنحنا النور والقدرة والايمان يمنحنا العشق والأمل
العلم والدين لهما علاقات متبادلة. وازدهار العلم والمعرفة في حضارات العالم يعود إلى تدابير الدين وتشجيعه، كما أن للعلم دوراً كبيراً في تعزيز المعتقدات الدينية. ومن خلال إنكار الصراع الحقيقي بين العلم والدين، يقدم بعض العلماء حلولاً لحل الصراعات الظاهرة. ويحل معظم هذه الصراعات من خلال إعطاء الأولوية للافتراضات المحددة على التخمين أو من خلال التمييز بين مجالات العلم والدين، وفي كثير من الحالات من خلال شرح المذاهب الدينية وتفسيرها بشكل صحيح، يظهر عدم وجود صراع حقيقي بين العلم والدين. ومع التقدم المتزايد للعلم، يواجه الإنسان أسئلة حول العلاقة بين العلم والدين؛ ما هي مكانة العلم في الدين؟ فهل تتعارض إنجازات هذه العلوم مع التعاليم الدينية؟ في الصراع بين العلم والدين، أيهما يفضل؟ ومع تزايد تقدم العلوم التجريبية، تطرح الكثير من الشكوك في هذا المجال، وضرورة وجود أساس للإجابة على هذه الشكوك تدفعنا إلى بيان آراء مفكري الإسلام بالتفصيل، وفي هذا الصدد اجرت صحيفة الوفاق حوارا مع الباحث في الفكر الاسلامي والفقه المقارن الشيخ الدكتور عبدالرضا البهادلي وفيما يلي نص الحوار:
الوفاق/ خاص
سهامه مجلسي
ما هو نوع العلاقة الموجودة بين العلم والدين؟
قال الشيخ البهادلي قبل الدخول في هذا النقاش، من المناسب تقديم تعريف مختصر للعلم والدين، لأنه بحسب تعريف وحدود الدين والعلم، فإن العلاقة بين العلم والدين ستكون مختلفة، أحياناً يكون العلم هو المعنى العام للإرادة، والذي يشمل العلوم العقلانية والنظرية والتجريبية والأخلاقية والصوفية والفنية والأدبية وغيرها، وأحياناً يكون المعنى الخاص للإرادة، وهو العلوم التجريبية؛ العلوم التي منهجها التجربة تشمل علم النفس وعلم الاجتماع وعلم الآثار، والعلوم الطبيعية مثل علم الفلك والفيزياء والأحياء والكيمياء، واما ما يتعلق بالدين، فقد تم اقتراح العديد من التعريفات، يشير كل منها إلى جانب من جوانب الدين، ولكن في هذا البحث يقصد الديانات الإبراهيمية، والمسيحية والإسلام، وكما ورد في تعريف الدين، الدين هو التعليم الذي أرسله الله من خلال الأنبياء لهداية البشرية، ولهذه التعاليم أبعاد مختلفة، بعضها يتعلق بالعالم الخارق للطبيعة والغيب، وبعضها يتعلق بمجال الأخلاق، وبعضها يتعلق بالواجبات الفردية والاجتماعية، وبعضها يتعلق بالنظريات حول العالم والإنسان وبعض الأحداث الخارجية وغيرهاـ
ولتوضيح الحديث عن العلاقة بين العلم والدين لا بد من الإشارة إلى بعض خصائص العلوم التجريبية التي اتخذت شكلاً خاصاً بعد عصر النهضة: العلوم التجريبية هي علوم يتم الحصول عليها من الطريقة التجريبية، أي الملاحظة والتجربة، وبمعنى ما مجال نشاطها هي الشؤون المادية، ولا يمكنها ممارسة النشاط والتعليق على الأمور غير المادية وغير التجريبية؛ لأنه في عالم الأمور الخارقة للطبيعة وغير التجريبية، لا تجدي الملاحظة والاختبار، وإن المفاهيم والقوانين العلمية هي تمثيل للعالم الموضوعي، وبمعنى ما يؤمن العلماء بالواقعية في عملهم العلمي، يعتبر علماء الفلك والجيولوجيون وعلماء الأحياء والكيميائيون دائماً أن النظريات العلمية تمثل أحداثاً خارج كوكب الأرض، في عالم العلم التجريبي، لا يمكن إثبات صحة أي نظرية، وأكثر ما يمكن قوله عن النظرية أنها تتفق أكثر أو أفضل مع المعلومات المتاحة وهي حالياً أكثر شمولاً من النظريات البديلة، وقد تكون هناك نظريات أخرى تتفق أكثر مع هذه المعايير في المستقبل، ولذلك فإن أي تنظيم وتدوين قانون في هذا المجال هو مؤقت وقابل للمراجعة. إن النظريات والقوانين العلمية لا يتم تأسيسها بشكل مؤكد أبداً، ولكنها دائماً مؤقتة وقابلة للمراجعة ولذلك فإن اليقين لا يتحقق أبداً في مجال العلوم التجريبية، مع كل تقدم العلم التجريبي وإنجازاته جعل البعض يظن أن الطريقة العلمية هي الطريقة الوحيدة لاكتشاف حقائق العالم، وأن أي شيء لا يجتاز اختبار الملاحظة الحسية والتجربة فهو باطل ولا معنى له وعلى هذا فقد تم إخراج الأخلاق والقضايا الدينية، التي لم تكن متوافقة مع المنهج الميكانيكي العلمي، من دورة استكشاف الإنسان، وأدت النظرة العلمية للعالم في الواقع إلى فلسفة مادية إلحادية، في حين أن هذا الاستنتاج نفسه هو نوع من التفلسف وليس البحث العلمي، إن المنهج العلمي في الواقع يستكشف العلاقة بين ظاهرتين ماديتين ولا يمكنه التعليق بشكل إيجابي أو سلبي خارج الظواهر المادية والعلاقات بينهما.
ومنذ عصر النهضة إلى العصر الحاضر، زادت سرعة تقدم العلوم التجريبية يوماً بعد يوم، وزادت هيمنتها وسلطتها للبشر في استغلال الطبيعة أكثر من ذي قبل. إلا أن التطور العلمي للإنسان لم يجعله خاليا من الحاجة إلى الدين، وقد أثبت الدين كحاجة فطرية تأثيره في حياة الإنسان، إن طبيعة العلم والدين والعلاقة بينهما من موضوعات الكلام الجديد التي جذبت اهتمام الكثير من المفكرين.
وجهات النظر الموجودة حول العلاقة بين العلم والدين
واوضح البهادلي بان هناك أربع وجهات نظر حول العلم والدين، وطريقتان للتعبير عن نفس الواقع، نظريّة «التعارض بين العلم والدين»، ونظريّة «التمايز العلم والدين»، ونظريّة «تداخل العلم والدين»، ونظريّة «تعاضد العلم والدين». ولا يخفى أنّ هناك خدماتٍ متبادلةً بين العلم والدين؛ ومن جملة خدمات العلم للدين كشف رموز الطبيعة وأسرارها في ضوء تطوّر العلوم الطبيعيّة والتجريبيّة، ممّا يكشف عن أبعادٍ جديدةٍ للإعجاز العلميّ للنصّ الدينيّ القطعيّ، كما أنّ تطوّر العلوم الحديثة الطبيعيّة يبيّن لنا بعض الحِكَم المكنونة وراء بعض المناسك العباديّة، وأمّا خدمات الدين للعلم فمن جملتها دعوة الدين إلى التعقّل والتفكّر في الحقائق الكونيّة، وإثارة العقول، وتشجيع الناس على البحث عن أسرار الأمور والأشياء المخلوقة في عالم الطبيعة، وكذلك تقديم ملامح وومضاتٍ عن العلوم الطبيعيّة وأسرارها، وفتح آفاقٍ معرفيّةٍ جديدةٍ للعلماء والباحثين.
العلم والدين يكملان بعضهما البعض، وإن وجهة نظر العلم والدين طريقتان للتعبير عن نفس الواقع، انطلاقا من أن الطروحات العلمية والدينية تقول حقائق مشتركة، ولكن بتعبيرين وطريقتين مختلفتين، وإذا كان هناك اختلافات بين هذه الطروحات، إنه المستوى الذي إذا تم تحليله بشكل صحيح يصبح من الواضح أنهم متفقون مع بعضهم البعض، على سبيل المثال، أشار القرآن الکریم إلى حركة الأرض، فشبهها بالمهد بطريقة جميلة ودقيقة، وبالتالي فإن الأرض أيضاً تتحرك مثل المهد، كما يشير علماء الفلك بطريقتهم الخاصة ومن خلال الطريقة التجريبية، ولذلك فإن العلم والدين يعبران عن نفس الحقيقة بطريقتين مختلفتين، ووفقاً لهذا الرأي، لا يوجد تعارض بين العلم والدين، فإن النظريات العلمية تدعم التعاليم الدينية، بمعنى آخر، كلما اكتشف العلم أسرار الطبيعة وقوانينها، كلما أدرك الإنسان خفايا نظام الوجود وتعقيداته، وأصبح أكثر وعياً بالله الحكيم والقدير، كما أنه مع تقدم العلوم التجريبية سيتم اكتشاف المزيد من تعاليم الدين، على سبيل المثال، كذلك يذكر في القرآن الكريم قانون الجاذبية العامة بدقة، ولكن نيوتن هو الذي اكتشفه في عالم الفيزياء، وكذلك هناك الكثير من القواعد والتعاليم الدينية التي اكتشفت أسرارها بفضل تقدم العلم، ولذلك فإن العلم يؤكد الدين، في بعض النواحي، يمكن اعتبار وجهة النظر هذه ووجهة النظر السابقة متشابهتين، ينبغي النظر إلى العلم والدين على أنهما مكملان لبعضهما البعض، بمعنى أن كل منهما يدرس جانباً محدداً من الحقيقة، والمعرفة الكاملة للحقيقة تتطلب جمع كلا وجهتي النظر، وكما يتبين من عنوان وجهة نظر العلم والدين المكملين لبعضهما البعض، أي أن كل منهما يبحث في جانب معين من الحقيقة، والمعرفة الكاملة للحقيقة تتطلب أن نجمع كلا المنظورين، اذن أن العلم والدين يكملان بعضهما البعض، ولا يتعارضان، العلم يصنع نصفنا والدين يصنع النصف الآخر، ومن أجل فهم العالم بشكل كامل، نحتاج إلى المعرفة العلمية والمعرفة الدينية.
تعاضد العلم والدين
وتابع الشيخ البهادلي هناك نظرية حول نسبة العلم والدين تسعى الى تحقيق العلاقة الوثيقة بينهما، وتركز على التكامل بين العلم والدين في كشف حقائق الكون، ألا وهي النظرية التكاملية بينهما. حسب هذه النظرية ليس هناك أي تعارض بين مسائل الدين والعلم، بل تحاول نظرية التكامل أن ترسم مجموعة متناسقة متماسكة يساهم العلم والدين فيها في تبيين الحقائق الكونية والظواهر الطبيعية، وفي تحقيق رؤية كونية منسجمة، ونظرية التكامل بين العلم والدين تساعدنا على فهم متكامل وتفسير شامل متوائم منسجم للعالم، ويمكن في هذا الصدد الإشارة الى كلام العلامة مرتضى مطهري حول العلاقة الوثيقة بين العلم والدين حيث يقول: العلم يمنحنا النور والقدرة، والايمان يمنحنا العشق والأمل، العلم يصنع الأداة، والايمان المقصد، العلم يمنح السرعة، والايمان يحدد الاتجاه، العلم قدرة، والايمان ارادة الخير، العلم يبني الطبيعة، والايمان يبني الانسان.
العلم والإيمان كلاهما يمنحان الإنسان قوة، لكن العلم يمنحه قوة منفصلة، والايمان يمنحه قوة متصلة.
وتابع الشيخ البهادلي بان هناك اتجاهين أساسيّين حول العلاقة بين العلم والدين: الاتجاه الذي يركز على إقصاء الدين وتحييده من العلم ويرى الفصل بينهما، بل يؤكد على التعارض والتنافي بينهما، وفي المقابل هناك اتجاه آخر يدافع عن العلاقة التكاملية والتعاضدية بين العلم والدين، ويركز على التوائم والتناغم بينهما، يحاول الاتجّاه الأخير أن يبّين أن الدين محتاج الى العلم في بعض الموارد، كما أنّ العلم يفتقر الى الدين في بعض المجالات، من هذا المنطق بدأ المفكرون يسلّطون الضوء على الخدمات المتبادلة بين العلم والدين ويؤكدون على العلاقة التكامليّة بينهما من خلال إبراز الاحتياجات المتبادلة بينهما.