الصفحات
  • الصفحه الاولي
  • محلیات
  • اقتصاد
  • الثقاقه و المجتمع
  • دولیات
  • مقالات و المقابلات
  • طوفان الأقصى
  • منوعات
العدد سبعة آلاف وأربعمائة وواحد وسبعون - ١٣ مارس ٢٠٢٤
صحیفة ایران الدولیة الوفاق - العدد سبعة آلاف وأربعمائة وواحد وسبعون - ١٣ مارس ٢٠٢٤ - الصفحة ٦

الكيان المؤقت في مهبّ الـريـح

محمد أيوب
موقع العهد الإخباري
لم يعد النقاش حول بقاء «إسرائيل» وعدمه نقاشًا سرياليًا بعيدًا عن الوقائع، بل إن أحرف شعار تحرير فلسطين خرجت من إطار اللافتات والخطابات لتسري بحبر الدماء على أرض الواقع. فهذه القضية التي شغلت العالم لنحو ثمانية عقود، وأشعلت الكثير من الحروب في الشرق الأوسط، يبدو اليوم أنها تعيش إرهاصاتها ما قبل الأخيرة، إذا ما أخذنا لحاظ المعطيات السياسية وتطور الأحداث الميدانية، يؤازرها التغيير الحاصل في العالم في موازين القوى، وما يحمله من دلالات مرتبطة مباشرة بمصالح القوى الكبرى، وسقوط الأحادية القطبية الأميركية. ثمّ إنّ تبدّل المزاج الشعبي الغربي بشأن القضية الفلسطينية والفهم الصحيح لواقعيتها التاريخية، خاصةً بين فئة الشباب وبالأخص الأميركي منه، دليلٌ إضافي على ما سيبديه قادم السنوات، بناءً على ذلك ارتقت القضية الفلسطينية مستوىً بالغًا من الفاعلية، وبقراءة هادئة مشفوعة بدلائل سياسية وميدانية، لا بالتواكل على سرديات أو عنتريات عربية خاوية ممجوجة، ولا اعتمادًا على نبوءات العقد الثامن التي يحدِّث اليهود بها أنفسهم، ويبني عليها بعض ساستهم في برامجهم، وإنّما بحقيقة ما يدور في الميدان وعلى أرض الواقع، من غزّة، إلى الضفّة الغربية، إلى الأراضي المحتلة عام ثمانية وأربعين، إلى محيط إسنادها اللبناني واليمني والسوري والعراقي.
مع العلم أنّ أول من أشار لهذا المعنى واستحضره توراتيًا، من بين رؤساء وزراء العدو، هو بنيامين نتنياهو المأزوم اليوم في مستنقع غزّة، الذي ادّعى قبل سنوات أن بقاءه رئيسًا للوزراء هو الضمان الوحيد لاستمرارية «إسرائيل» بعد عقدها الثامن. كذلك دفعت التجاذبات الداخلية رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق نفتالي بينيت للدعوة في العام 2021 إلى التركيز على عدم الانهيار من الداخل، وإشارته إلى أن أشد ما يواجه «إسرائيل» هو خطر التفكك داخليًا، وبالتالي الاندثار كما حصل بممالك اليهود السابقة، وبالرغم من أن هذه الشواهد ومثلها الكثير تدعم ما نتعرض إليه هنا، إلا أننا لا نستند إلى النبوءات هنا لتأكيد ما نصبو إليه.
صبيحة يوم السابع من تشرين الأول/ أكتوبر عام 2023 تاريخٌ مجيد دُوّنت فيه عملية طوفان الأقصى الصادمة لحركة المقاومة الإسلامية ـ حماس، التي هزّت كيان الاحتلال ونفضت غبار الوهم باستمراره، بل حفرت عميقًا في وعي الصهيونية لتصل إلى مؤسّسها تيودور هرتزل، وتزامن توقيتها مع غمرة الانقسام السياسي والشعبي الداخلي الصهيوني، بينما كانت «إسرائيل» تسعى لاستعادة صورة الردع المتآكل، وتسعى لترقيع ثوب هيبة جيشها المهترئ، الذي هشّمته المقاومة الإسلامية منذ العام 1982، ومعها باقي فصائل المقاومة، وحطّمت أسطورته، فكان وقع هذه الضربة غير المسبوقة في تاريخها كالصاعقة، وهي التي كانت تطلق التهديدات يمنةً ويُسرى، بعد أن أدركت قيادتها أنها تواجه حركات مقاومة حرّة جديّة لا تحيد ولا تلين، ولا تفاوض ولا تساوم ولا تطبّع أو تتنازل عن  القضية، منطلقةً في ذلك من تغيير الوعي في فكر الأمة، ومن بصيص نور أزال جُدُر الوهم المصطنعة.
فالزلزال الذي شعر به قادة «إسرائيل» عام 1979 قادمًا إليهم من إيران وتحول عليهم كابوسًا مرعبًا، بدأ يزلزل أركان كيانهم أكثر فأكثر، ولعلّ المسلمين والمستضعفين والأحرار حول العالم باتوا اليوم، يدركون أكثر أن الأمل الذي لاح لهم حينها بتحرير فلسطين لم يعد حلمًا بعيد المنال، بل يرونه قادمًا على صهوة فجرٍ جديد، فبعد تحرير جنوب لبنان عام 2000 بقوة المقاومة، لا بأرقام دولية جامدة غير قابلة للصرف، حيث قاومت العين الفتيّة مخرز الاحتلال لثمانية عشر عامًا، بإمكانات متواضعة نسبة إلى (الجيش الأسطورة) وانتصرت، وباتت هذه العين مسلّحة وأكثر اتّقادًا، ترقب فلسطين من داخلها ومحيطها، تهاوي خيوط بيت العنكبوت أمام فطنتها وتدبيرها في محور اتّحدت ساحاته.
يمكن للمراقب اليوم دعم هذه الصورة الواقعية باختصار، من خلال حركة ميدان مقاومة المحور، الممتد من باب المندب والبحر الأحمر في اليمن، وطبعًا الجمهورية الإسلامية الإيرانية بكلّها وكلكلها، إلى عراق الحشد وقوى التحرر، وسورية الصامدة المنتصرة على ربيعهم التكفيري التفريقي، إلى لبنان القوي بمقاومته، وغزّة الأعجوبة، فضلًا عن الضفّة الغربية المعطاءة؛ فمع دخول الشهر السادس من فترة السماح الأميركية والغربية للإبادة الجماعية، والقتال في وجه أقوى ترسانة عسكرية لجيشٍ في المنطقة، لم تفلح حكومة نتانياهو في تحقيق إنجاز يُبنى عليه، إلا إذا كان قَتلُ وجَرحُ أكثر من مئة ألف طفل وامرأة وشيخ ومدني، وتدمير خيالي (هيروشيمي) لبقعة صغيرة يُعدُّ إنجازا، فبعد أكثر من مئة وخمسين يومًا، لم ينجح الاحتلال في إعادة أسراه لدى المقاومة، ولم يتمكّن من كسر مقاومة حماس وباقي الفصائل وجبهات المساندة، التي باتت أشدّ ساعدًا وأصلب عودًا، ويوميات القتال شاهدة على ذلك.
فكلُّ صنوف الدعم الأميركي أولًا والغربي ثانيًا، والفترة الزمنية الأطول في تاريخ الحروب الإسرائيلية، وآلاف الأطنان من المتفجرات والقنابل الذكية والكبيرة، وكلُّ التقنيات والأسلحة التي يقدمها الغرب بسخاء، كلُّ ذلك لم يُسعف الحكومة الإسرائيلية في تحقيق أيٍّ من أهدافها، بل ازدادت غرقًا في أزماتها على المستويات السياسية والأمنية والعسكرية، فضلًا عن تعرية هذا الكيان أخلاقيًا، وبشكلٍ غير مسبوق أمام الرأي العام العالمي والغربي خاصةً، كما لم تشفع الاتفاقيات وجرعات تطبيع الأنظمة العربية في حماية هذا الكيان المصطنَع، وباتت الاتفاقيات الثنائية المعقودة مع كيان الاحتلال خاوية لا لون لها ولا طعم ولا رائحة، من اتفاقية كامب ديفيد عام 1979، واتفاقية أوسلو عام 1993، واتفاقية وادي عربة عام 1994، إلى غيرها من الاتفاقيات المنظورة وغير المنظورة.
يضاف إلى ذلك، تبلور صورة الأزمة الوجودية التي بات يعيشها الكيان الإسرائيلي. وما التسرّب الكبير للمستجلَبين من اليهود في العالم إلى فلسطين المحتلة إلا جزء من هذه الصورة، فللمرة الأولى ومنذ نشوئه سجّلت حركة الهجرة المعاكسة أرقامًا خطيرة، وهي تتفاقم باطّراد، فمنذ بدء الحرب غادر أكثر من 370 ألفًا من المستوطنين فلسطين المحتلة، فضلًا عن 470 الفًا كانوا خارج فلسطين عند اندلاع الحرب، ولم يعودوا ومن غير الواضح إذا ما كانوا قد يعودون أم لا، إضافة إلى أن حركة الهجرة هذه، أو بتعبير أصحّ الفرار من فلسطين، كانت قد بدأت قبل الحرب مع كلّ أزمة أمنية واقتصادية يمرُّ بها الكيان، هذا إضافة إلى نحو مئتي ألف من المستوطنين فرّوا من مستوطناتهم من الشمال والجنوب، وهم باتوا يشكّلون عبئًا إضافيًا اقتصاديًا مباشرًا وسياسيًا واجتماعيًا، وبينهم الكثير ممّن قرر التخلي نهائيًا عن العودة.
ويرخي الوضع الاقتصادي المأزوم في الكيان الإسرائيلي بظلاله على عمق الأزمة، فبعد أن خفّضت وكالة موديز تصنيفها الائتماني له، مع تأكيد المخاطر السياسية والمالية التي يمرّ بها، ومع توقع تخفيض وكالات أخرى تصنيفها الاقتصادي لـ»إسرائيل» جراء الحرب، رفع الخبراء الاقتصاديون الإسرائيليون الصرخة عاليًا لتدارك هذه المخاطر، التي تُعتبر مخاطر وجودية بالنسبة لكيان مزروع في منطقتنا، عماده الأساس الأمن والاقتصاد. وهذا ما عبّر عنه رئيس بورصة «تل أبيب» الذي دقّ ناقوس الخطر، محذّرًا من أن «إسرائيل» قد تصبح دولة «فقيرة»، وقال إيتاي بن زئيف إن الحكومة تشجع الإسرائيليين عن غير قصد على إرسال الأموال لخارج «البلاد» بدلًا من استثمارها في الداخل، في إشارة إلى نزيف هروب الأثرياء ورؤوس الأموال مع استمرار الحرب للشهر السادس.
إزاء ذلك يتضح المشهد أكثر بالنسبة لصورة الكيان المستقبلية، وأيضًا صورة الحرب على غزّة فضلًا عن توسعتها، والتهويل بفتح جبهة لبنان، مع الخشية من ارتفاع تكاليفها غير المنظورة على الصعد كافّة، ومع هذه الصورة يبدو أنه لا محيص أمام الكيان الصهيوني، ومعه واشنطن وباقي الداعمين الظاهرين والمغمورين سوى تقبّل الهزيمة الجزئية، كي لا يُقامر بهزيمة وجودية، فهو وزرّاعه باتوا يدركون أكثر، أن بيت العنكبوت هذا، يسير شيئًا فشيئًا إلى مرحلة التلاشي، بعد أن تأكّد لهم أن «إسرائيل» هذه، قد فقدت دورها المحدّد لها أمنيًا واقتصاديا وسقطت، بفضل تضحيات عقود من المقاومة الفاعلة وصبر وصمود شعوبها الوفيّة، ولا يجانبُ المراقب الصواب إذا ما طرح سؤالًا: ما هي المدّة الزمنية التي تفصلنا عن رؤية فلسطين محرّرة؟

 

البحث
الأرشيف التاريخي