الصفحات
  • الصفحه الاولي
  • محلیات
  • اقتصاد
  • الثقاقه و المجتمع
  • دولیات
  • مقالات و المقابلات
  • طوفان الأقصى
  • منوعات
العدد سبعة آلاف وأربعمائة وتسعة وستون - ١١ مارس ٢٠٢٤
صحیفة ایران الدولیة الوفاق - العدد سبعة آلاف وأربعمائة وتسعة وستون - ١١ مارس ٢٠٢٤ - الصفحة ٦

هل تولّدت قناعة أميركية بوقف الحرب على غزة؟

شرحبيل الغريب
كاتب ومحلل سياسي
إن ما يجري حالياً من تباين في المواقف بين الإدارة الأميركية وحكومة نتنياهو له أبعاد أعمق من موقف معارض أو موافق. القضية ليست مرتبطة بالموافقة على هدنة لأسابيع من عدمها، فهناك تحولات في الموقف الأميركي تبني مؤشرات من الضرورة التوقف عندها، فإدارة بايدن في الفترة الحالية لديها أولويات ومصالح لا تتوقف عند حسابات متعلقة بـ»إسرائيل» وحدها، فعلى خلفية انحيازها الواضح والصريح إلى «إسرائيل»، باتت صورتها تتصدع، وصارت تتعرض لضغوط شديدة داخلية وخارجية، وتحديداً ما يتعرض له الحزب الديمقراطي الأميركي الحاكم وما له من أثر بالغ في مستقبل الانتخابات الرئاسية الأميركية القادمة، إذ إن ما تقوم به الآن هو حالة من التكيف حتى تحافظ إلى أبعد مدى على صورتها ومصالحها في المنطقة.
هناك من لا يرى في هذا التصور أو الاعتقاد أهمية كبيرة، ويقلّل من أهمية هذه المؤشرات، لكنها ازدادت بعد تصاعد وتيرة التظاهرات والأحداث الداخلية المتصاعدة في أميركا، والتي كان آخرها قيام جندي أميركي بإحراق نفسه احتجاجاً على جرائم الإبادة الجماعية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني، وقرار المحكمة العليا الأخير بالسماح لدونالد ترامب، المنافس الأبرز لبايدن، بخوض الانتخابات الرئاسية المقبلة... جميعها شكلت وما زالت تشكل ضغوطات حقيقية على الإدارة الأميركية الحالية. وقد بدأ بايدن يضع في حساباته تداعيات مثل هذه الاعتبارات التي تؤثر بشكل مباشر فيه، وتقف عائقاً أمام طموحاته بولاية سياسية جديدة.
تاريخياً، الخلافات بين الإدارة الأميركية وشخص نتنياهو ليست بالقضية الجديدة، فلو عدنا إلى عهد باراك أوباما، فسنجد أن السيناريو نفسه يتكرر، فقد انتهت ولاية الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما بأزمة حقيقية مع نتنياهو، بل أكثر من ذلك، لو عدنا إلى مذكّرات أوباما التي دوّنها بعد انتهاء ولايته كرئيس، فقد أشارت بالفعل، وبشكل واضح، إلى هذه الجزئية، وقالت إن الخلاف بدأ من الفترة التي كان فيها بايدن نائباً لأوباما.
انطلاقاً من أن شكل الخلافات بين نتنياهو والإدارة الأميركية ليس بالجديد، لكنه في هذه المرة يأخذ منحى تصاعدياً مع استمرار حرب غزة وإخفاق «جيش» الاحتلال وفشل «إسرائيل» في تحقيق أي من أهدافها في قطاع غزة، إذ بدأ الخلاف والتباين مع إدارة بايدن كرئيس للولايات المتحدة منذ تشكيل الائتلاف الحكومي المتطرف بزعامة نتنياهو. بمعنى أدق أن هذه الحرب لم تكن السبب المباشر لحال التباين والخلافات، إنما نتيجة تراكمات، وبالتالي الخلاف في هذه الحالة يحمل احتمالين لا ثالث لهما.
الاحتمال الأول: أن يكون الخلاف تكتيكاً ومراوغة بهدف امتصاص الضغوط الداخلية التي تواجه أميركا، وهذا احتمال ضعيف. الاحتمال الثاني: أن تكون هناك أزمة حقيقية على أرضية إدراك البيت الأبيض فشل نتنياهو في الحرب بعد إعطائه فرصة 152 يوماً، وإدراكها بأن استمرار سلوكه بات يضر بـ»إسرائيل» وأميركا معاً. إلى الآن، من الواضح أن الضغوط الأميركية التي تمارس على نتنياهو هي ضغوط ناعمة، وبالتالي حسم أحد الاحتمالات يرجع إلى سلوك الإدارة الأميركية وإجراءاتها العملية تجاه حكومة نتنياهو خلال الفترة القليلة المقبلة.
الاحتمال الراجح بالنسبة إليَّ هو الاحتمال الثاني، والسيناريو نفسه الذي حدث مع أوباما سيتكرر مع بايدن، فكل معطيات المشهد تقول إن مستقبل العلاقات سيفضي إلى أزمة حقيقية، وستضطر الإدارة الأميركية إلى اتخاذ إجراءات قد يكون هدفها على أبعد تقدير إسقاط حكومة نتنياهو. وما يزيد من فرص هذا السيناريو هو استقبال بيني غانتس في أميركا.
 ثمة خلاصة مهمة أستنتجها في مثل هذا المشهد هو أن هذه الإدارة التي تمثل الديمقراطيين ستكون الإدارة الأخيرة المنحازة بشكل أعمى إلى «إسرائيل» حتى لو أفرزت الانتخابات الرئاسية المقبلة ولاية جديدة لبايدن. أما في المشهد الآخر، وفي حال فاز الجمهوريون وعاد ترامب إلى الحكم، فسنجد انحيازاً أعمى إلى نتنياهو و»إسرائيل»، وسيكون الداعم الأكبر لحكومة متطرفة لم يعد في أجندتها سوى حسم الصراع بالقوة مع الفلسطينيين. وسواء بقيت حكومة ديمقراطية أو جاءت حكومة جمهورية في أميركا، فلا اختلاف إلا في الأدوات والطريقة، وحال العداء للشعب الفلسطيني والانحياز إلى «إسرائيل» يمثل عنواناً لكل الإدارات الأميركية بعيداً من هويتها، بل والذهاب إلى أقصى مدى في دعم  الكيان كأولوية قصوى. ولعل المهم في هذا السياق هو أن أميركا بهذا النهج باتت تخسر من رصيدها الأخلاقي والإنساني في المنطقة، وهو من وجهة نظر استراتيجية خسارة فادحة لها، ولا سيما في مثل هذه الظروف التي تواجه فيها تحديات كبيرة في سياق الصراع الدولي المتفاقم والمتصاعد.

البحث
الأرشيف التاريخي