الصفحات
  • الصفحه الاولي
  • محلیات
  • اقتصاد
  • الثقاقه و المجتمع
  • دولیات
  • مقالات و المقابلات
  • طوفان الأقصى
  • منوعات
العدد سبعة آلاف وأربعمائة وتسعة وستون - ١١ مارس ٢٠٢٤
صحیفة ایران الدولیة الوفاق - العدد سبعة آلاف وأربعمائة وتسعة وستون - ١١ مارس ٢٠٢٤ - الصفحة ٥

وسط تدخلات الغرب الكثيرة

هل يمكن أن تشهد قيرغيزستان انقلاباً ؟

الوفاق/ في يناير 2024، تم اعتقال مجموعة من الأشخاص بتهمة التخطيط لانقلاب حكومي في قيرغيزستان. في بيان رسمي تم الإعلان عن «تيليكمات كورنوف»، التاجر القيرغيزي الذي لجأ إلى الولايات المتحدة، بأنه المنظم الرئيسي لهذا الانقلاب. وتبعًا لذلك، قامت السلطات الحكومية باستجواب ممثلين من عدة صحف ومنظمات غير حكومية (بدعم مالي من وزارة الخارجية الأمريكية والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية) بما في ذلك مؤسسة ميديابوليس، وأديليت، و24.kg، وتيميروف-لايف.
هذا في حين أنه في خريف عام 2022، تم الإعلان أيضًا عن إحباط محاولة انقلاب في قيرغيزستان. في ذلك الوقت، تم اعتقال 25 شخصًا، أكثر من نصفهم موظفون في منظمات تحظى بدعم مالي من الولايات المتحدة وبريطانيا والدول الغربية. بناءً على بيانات الخدمات الخاصة التي تم نشرها في وسائل الإعلام، كان المشاركون في هذه المؤامرة على تنسيق مع السفارات الأمريكية والبريطانية في بيشكيك. بعد فشل الانقلاب عام 2022، استدعت لندن حتى «تشارلز جريت»، سفيرها في قيرغيزستان.و في العامين الماضيين، نشطت المعارضة المتطرفة في قيرغيزستان بشكل واضح بدعم من الولايات المتحدة، مما يُظهر رغبة واشنطن في تغيير الوضع في هذه الجمهورية بطرقها الخاصة.
الصراع الاقتصادي
قبل ثلاث سنوات، عارضت واشنطن علنًا «صادر جباروف»، رئيس جمهورية قيرغيزستان. عندما صادق البرلمان القيرغيزي في 10 أكتوبر 2020 على تعيينه رئيسًا للوزراء، أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية علنًا أنها تعتبر هذا القرار نتيجة لنفوذ الجماعات «الإجرامية» في قيرغيزستان، ومع ذلك، بعد انتخاب جباروف رئيسًا للجمهورية في عام 2021، حذفت وزارة الخارجية الأمريكية هذا النص من مصادرها الرسمية.
كان عدم قبول هذا السياسي من قبل الغرب بسبب طلبه بتأميم منجم الذهب كومتار القيرغيزي الذي وقع تحت سيطرة الشركة الكندية سنتيرا جولد في عقد 2000. كان الدخل السنوي لهذا المنجم 615 مليون دولار (حتى عام 2022) والذي شكل أكثر من 5.6٪ من الناتج المحلي الإجمالي لهذه الجمهورية. من الواضح أن تخلي هذا المنجم للأجانب لم يكن لصالح قيرغيزستان، وكان الكثيرون مشتبهين في ارتكاب فساد مالي في هذه الصفقة مع الغرب. في عام 2021، أعاد جباروف السيطرة على هذا المنجم إلى قيرغيزستان. كما أعلن أيضًا أن روسيا ستكون الشريك الاستراتيجي لهذه الجمهورية، وأن بيشكيك وموسكو ستكافحان جنبًا إلى جنب ضد فرض النفوذ الأجنبي.
في نفس السياق، في دولة كازاخستان المجاورة أيضًا، وقع ما يقرب من نصف شركات إنتاج النفط التي تنتج أكثر من 12 مليار دولار من النفط سنويًا (بيانات عام 2020) تحت سيطرة الولايات المتحدة وأوروبا. ومن أصحاب المصلحة في مشاريع النفط الكازاخستانية شل (بريطانيا)، وشيفرون وإكسون موبيل (الولايات المتحدة)، وتوتال (فرنسا). في الواقع، استطاعت واشنطن لفترة طويلة الحفاظ على هذا الوضع غير المرغوب فيه لبلدان آسيا الوسطى من خلال نفوذها على النخب السياسية المحلية. عوامل هذا النفوذ هي:
أولاً، نقل بعض السياسيين الإقليميين رؤوس أموالهم إلى الغرب، وشراء العقارات هناك، والارتباط بالحكومات الغربية.
ثانياً، أرسل النخبة في هذه البلدان شبابهم للدراسة في أمريكا وأوروبا (حيث زُرعت فيهم أفكار مثل تفوق العالم الغربي على بلدانهم وعدم إمكانية تطوير اقتصادهم دون مساعدة الأمريكيين والإنجليز). في قيرغيزستان نفسها، تم إنشاء «الجامعة الأمريكية لآسيا الوسطى» تحت سيطرة وزارة الخارجية الأمريكية و»جامعة آسيا الوسطى» بتمويل بريطاني لهذا الغرض.
ومع ذلك، فإن جهود الولايات المتحدة للنفوذ في المنطقة تُقيَّد إلى حد ما من قبل روسيا حيث يعمل العديد من تجار آسيا الوسطى مع موسكو، ويذهب ملايين السكان من هذه البلدان إلى روسيا للعمل سنويًا.
ومع ذلك، تمكنت الولايات المتحدة من خلال نظام الرشاوى والتعليم والدعاية من إنشاء شبكة من عملاء النفوذ لديها بين المسؤولين والمعارضة في قيرغيزستان. على سبيل المثال، درس «إديل بايسالوف» نائب رئيس الوزراء القيرغيزي في الجامعة الأمريكية لآسيا الوسطى وعمل في أوروبا ثم في منظمات غير حكومية قيرغيزية ممولة من الولايات المتحدة. كما درس «روشان جينبيكوف» زعيم المعارضة القيرغيزية الذي اعتقل في 2022 في ماساتشوستس (الولايات المتحدة) وعمل لفترة في واشنطن.
لم يكن صادر جباروف جزءًا من النظام السياسي القيرغيزي لفترة طويلة. لأنه بسبب موقفه الصارم تجاه كومتار، كان مطاردًا واضطر للعيش في الخارج، وبعد عودته سُجن، وفي نهاية الأمر أفرج عنه بعد أحداث أكتوبر في 2020. في البداية، كان من المقرر أن تعزز هذه الاضطرابات موقف أمريكا في قيرغيزستان، ولكن بسبب تفشي فيروس كورونا، أخرجت الولايات المتحدة معظم دبلوماسييها وضباط المخابرات من البلاد وفقدت السيطرة على قيرغيزستان لهذا السبب. لذلك، يمكن أن يساعد انقلاب حكومي في قيرغيزستان الولايات المتحدة على استعادة نفوذها في هذه المنطقة.
الجيوبولتيكا
إلى جانب الأهداف الاقتصادية الصرفة، تمثل آسيا الوسطى جزءًا من سياسة الولايات المتحدة الشاملة ضد روسيا. في عام 2017، وضع «جو بايدن» والخبير السياسي الأمريكي «مايكل كاربنتر» خطة جديدة للمواجهة مع روسيا بناءً على الخبرة السلبية في تنظيم انقلاب من قبل المعارضة الموالية للغرب في روسيا. اقترح بايدن وكاربنتر أن الولايات المتحدة يجب أن تعتمد على دعم المعارضة في البلدان المجاورة للتأثير على الوضع في روسيا من خلالها. وأظهرت تجربة الانقلاب في أوكرانيا عام 2014 أن نظامًا قوميًا متطرفًا في الجوار يمكن أن يسبب العديد من المشاكل لموسكو ويجبرها على صرف تكاليف دفاعية.
وهكذا، حدث حوالي 10 محاولات انقلاب بمشاركة المعارضة الموالية للغرب في الدول المستقلة عن الاتحاد السوفييتي السابق في الفترة 2020-2023. وقعت أكبر الاشتباكات في مينسك في صيف 2020، وفي ألماتي (كازاخستان) في يناير 2022، وفي نوكوس (أوزبكستان) في يوليو 2022.
كان معظم الاحتجاجات مع شعارات معادية لروسيا وبعنف مسلح، ونفذها أشخاص ومنظمات تلقت مساعدات مالية من الغرب، ونسقتها الولايات المتحدة. وفي كثير من الحالات، كان المتطرفون الأوكرانيون حاضرين ومدعومين من قبل الدول الغربية. في احتجاجات مينسك عام 2020، شارك متطرفون قاتلوا سابقًا في صفوف كييف في دونباس في الاشتباكات مع الشرطة. وفي عام 2023 عندما أعلنت السلطات الجورجية رسميًا عن محاولة هذا الانقلاب، ظهر اسم الجنرال «جيا لوردكيبانيدزه» نائب رئيس جهاز المخابرات العسكرية الأوكرانية بين منظمي الانقلاب.
كما سافر «روشان جينبيكوف»، زعيم انقلاب خريف 2022 في بيشكيك، إلى كييف في 2013 وألقى خطابًا أمام القوميين. كما سافر المشاركون في الانقلاب الأوكراني بدعم مالي من الولايات المتحدة لدعم قادة التمرد في كازاخستان إلى ألماتي وأخرجوا المتطرفين إلى الشوارع في يناير 2022.
في عام 2023، سنت كازاخستان قانونًا جديدًا بشأن تسجيل المنظمات والوسائل الإعلامية التي تعمل كوكلاء أجانب، وألزمتهم بإبلاغ سلطات هذا البلد بتلقي المساعدات المالية والمهام التي يتلقوها من الخارج. و في الوقت الحالي، يجري نقاش حول قانون مماثل في قيرغيزستان أيضًا، لكن تمريره واجه معارضة واضحة من الولايات المتحدة،و مؤخرًا أرسل «أنتوني بلينكن»، وزير الخارجية الأمريكي، رسالة إلى الرئيس جباروف وهدد بأنه في حال تمرير قانون مراقبة الوكلاء الأجانب، ستوقف الولايات المتحدة وحلفاؤها الاستثمارات والمشاريع الإنسانية في قيرغيزستان.
صراع دولي
في عقدي 1990-2000، تمكنت الولايات المتحدة من السيطرة على العديد من احتياطيات النفط والغاز والمعادن الثمينة في هذه المنطقة، مستغلة ضعف وعدم خبرة النخب المحلية في هذه البلدان المستقلة حديثًا. الغرب مهتم باستمرار هذا الاستغلال  للفضاء ما بعد السوفييتي، لكن هذا النموذج غير مقبول لسكان المنطقة؛ لأن تصدير المواد الخام يحرم بلدان آسيا الوسطى من اكتساب مزيد من الموارد المالية لتنميتها. الصناعات التي أنشئت في عهدي الإمبراطورية الروسية والاتحاد السوفيتي بما في ذلك أنظمة الطاقة والتدفئة والمياه قيد الدمار، ولا يوجد ما يكفي من الأموال لتحديثها حيث يتم نهبها من قبل المستعمرين الغربيين. لذلك، مع تدمير هذه الصناعات والجفاف، لا يمكن لآسيا الوسطى توفير الاحتياجات الأساسية لسكانها ويهاجر ملايين الأشخاص للعمل في روسيا المجاورة، ويهاجر البعض بشكل دائم. بالإضافة إلى الاقتصاد، تشهد مجالات التعليم والثقافة والحياة الدينية للناس أزمة أيضًا؛ حيث يزداد الفساد والتطرف الديني والصراعات بين الأعراق. لكن على الرغم من أن روسيا واجهت أزمة أيضًا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، إلا أنها اكتسبت القدرة على إلغاء عقود المشاركة في الإنتاج مع الشركات الغربية، واستعادة السيطرة على المعادن، واستخدام أرباحها لإحياء الصناعات والقوات المسلحة والثقافة. وتسعى روسيا حاليًا لنموذج التنمية «الأوراسي».  
أحد العناصر الرئيسية لهذا المشروع هو إحياء العلاقات الصناعية المفقودة في التسعينيات واستعادة سلاسل الإنتاج مع مشاركة المنشآت الاقتصادية في بلدان مختلفة، مما سيؤدي إلى زيادة الأسواق والإنتاج والوظائف. كما تروج روسيا لفكرة أوراسيا الكبرى، وتطوير التعاون الاقتصادي دون سيطرة واشنطن والدولار والشركات المتعددة الجنسيات الغربية.
اختارت بيلاروسيا التي أنشأت فضاء اقتصاديًا مشتركًا مع روسيا أيضًا النموذج التنموي «الأوراسي». وحاول «فيكتور يانوكوفيتش» رئيس أوكرانيا السابق في 2023 الانضمام إليه، لكنه أطيح به. والحرب في دونباس و اوكرانيا هي جزء من الصراع المستمر.
تأميم كومتار في 2021 كان أول محاولة لآسيا الوسطى للتحرر من العلاقات مع الغرب. وفي عام 2023، قامت كازاخستان أيضًا بتأميم الإنتاج المعدني لشركة «أرسيلور ميتال» (لوكسمبورغ) (التي لم تلتزم بمتطلبات السلامة في مصانعها في هذه الجمهورية بهدف زيادة أرباحها، مما أدى إلى خسائر كبيرة في الأرواح). و بشكل طبيعي، تحاول الولايات المتحدة وأوروبا منع تكرار مثل هذه الحوادث ومنع تعزيز نفوذ روسيا ومشروعها ،و  تعد الانقلابات التي تسمى «الثورات الملونة» عنصرًا واحدًا فقط من هذه الاستراتيجية التي تهدف إلى تعزيز السيطرة الغربية. في قيرغيزستان أيضًا، مازالوا يواصلون استخدام الرشاوى والمؤامرات والاتصالات السرية مع ممثلي الحكومة وحلفاء الرئيس لتغيير مسار تنمية هذا البلد. لذلك، فإن وقوع انقلاب جديد، بما في ذلك بدعم من بعض ممثلي مؤسسات الأمن التي جرت محاولات لجذبها نحو الغرب، ليس مستبعدًا.
تحرض الولايات المتحدة وحلفاؤها الفتنة والعداء من خلال الأحزاب ووسائل الإعلام التي يسيطرون عليها، لصرف سكان آسيا الوسطى عن النضال ضد الغربيين نحو الصراعات الداخلية بين الأعراق واللغات والأديان المختلفة. تم استخدام هذه الاستراتيجية لسنوات من قبل الإنجليز في الهند المستعمرة لإثارة الكراهية بين المسلمين والهندوس ومنعهم من التحالف ضد لندن.
بشكل عام، هناك صراع حاليًا على مستقبل آسيا الوسطى مرتبط بعمليات مماثلة في مناطق أخرى - إزالة الاستعمار من أفريقيا الوسطى والتحرر من سيطرة باريس، و الحرب في اوكرانيا و غيرها من المناطق والتي ستحدد نتيجة هذا الصراع مستقبل ليس فقط قيرغيزستان، ولكن العديد من بلدان العالم أيضًا.

 

البحث
الأرشيف التاريخي