قصص من الحياة العلمية للعالم الشهيد محسن فخري زاده

أنت الذي لم أكن أعرفك

الوفاق / خاص
سعيد علاميان / کاتب
لقد اختار مجال الرياضيات والفيزياء خلال مرحلة دراسته الاعدادية، ولكن معلم الآداب كان يصرّ عليه بأن يكمل في مجال الأدب وكان يقول له أنت خلقت من أجل الأدب. فقال لمعلمه ولكنني أحب الفيزياء، ويمكنني أن أدرس الآداب فيما بعد بمفردي وبدون معلم، ولكن الفيزياء لايمكنني دراستها بمفردي بدون وجود معلم وبدون الذهاب للجامعة، وكان هذا عندما كان في سن الخامسة عشرة، فقد كان المستقبل الذي رسمه الشهيد فخري زادة لنفسه مبنياً على أساس الفيزياء وكان هذا هو الهدف الذي توصل إليه في النهاية والذي كان يسعى له منذ سن الخامسة عشرة.
كان على رأس قائمة المعرضين للاغتيال
لقد كان الشهيد فخري زادة على رأس قائمة الأسماء التي يخططون لاغتيالها، وقبل عامين من استشهاد علي محمدي (1388 – 2009) أخبرتني منظمة الحماية التابعة للحرس الثوري أنهم ألقوا القبض على مجموعة تخطط لاغتيال الدكتور فخري زادة، وأن أحد أعضاء هذه المجموعة قال أثناء التحقيق معه أنه يراقب الشارع الذي يسكنه الدكتور فخري زادة منذ ستة اشهر، وقال أنه قام بدراسة أدق التفاصيل، فمثلاً كان يراقب ما إذا كان في ذلك الشارع الذي يسكنه الدكتور فخري زادة هل هناك تقليد بأن يقوم أحدهم مثلاً بربط دراجته في الشجرة وتبقى حتى الصباح في الشارع؟ كما قال أنه قام لمدة أسبوعين بمراقبة أعمدة الكهرباء والتأكد منها لمعرفة كم يبعد أحدها عن الآخر، وهل هي من النوع المثقب أم المصمت، كما كان يراقب حركة الدكتور فخري زادة وفي أي ساعة يغادر منزله ومتى يعود، وهل لديه برنامجاً منظماً أم لا، مع من يذهب ومع من يعود، يعني أنهم كانوا يخططون جيداً وبدقة لاغتياله، ولكن إرادة الله شاءت أن يبقى على قيد الحياة ليقوم بواجباته.
وقال الشهيد فخري زادة بعد استشهاد الحاج قاسم سليماني: لقد وفقنا الله تعالى في هذا العمر الذي وهبه لنا بأن نكون إلى جانب شهداء كثيرين، وأن نسعد دائماً باستذكارهم.. ومن الأقوال المعروفة التي تنقل عن الشهيد الحاج قاسم سليماني: إن من يختارهم الله ليصبحوا شهداء، قد كانوا في حياتهم أيضاً شهداء، وهذه الجملة عميقة للغاية. فهل رأيتم منزل الشهيد الحاج سليماني؟ هل منزله يدل على أنه منزل شخص كان جنرالاً عظيماً في الجيش، حسناً فهذا الشخص قد كان في حياته شهيداً أيضاً.
كما كان أعداؤه يقسمون انهم سيجعلونه شهيداً، وكان يمضي بسرور باتجاه الشهادة، وإن الشهيد سليماني رحمه الله، وإن كان يترك أهل بيته ويمضي أيامه ولياليه في الجبال والصحاري فإنه كان يسعى بكل مايملك لتحقيق عزة الاسلام والمسلمين. ومن لايرى ماذا هناك خلف الأفق فإنه لن يملك الجرأة والشجاعة والاندفاع الذي كان لدى الشهيد سليماني. وليس هناك طريق أفضل من الشهادة حتى يترك الانسان هذه الدنيا بسعادة وهو مرتاح الضمير.
لم أكن أعرفه
بعد قراءة كتاب «أنت اذي لم أكن أعرفك» أدركت أن هذا الاسم هو الاسم الأفضل الذي يمكنني اختياره لكتاب الشهيد؛ لأنني وبعد قراءة أجزاء كثيرة من الكتاب توصلت إلى نتيجة مفادها أن أنا أيضاً وبعد بلوغي 36 عاماً بدأت أدرك معاناة والدي والاضطرابات التي تعرض في حياته على مدى حوالي 30 عاماً. فلم أكن أعرفه وربما لم أدرك سوى قطرة صغيرة من هذا البحر الواسع، هذا الشهيد الذي اتجه نحو الجهاد العلمي منذ بداية الحرب المفروضة ليحقق المعجزات على مدى أربعين عاما بعد أن أبدى الكثير من الشجاعة  خلال الثورة الاسلامية وثمانية سنوات من الدفاع المقدس، جعلت أسس الاستكبار في العالم تهتز بعد أن كانت قد بذلت كل طاقاتها على مدى أكثر من عشرين عاماً، وأخيراً قد نال الشهادة بطريقة هي الأغرب في التاريخ بأمر من أربعة أشخاص من أبرز قيادات الاستكبار وعلى أيدي أربعة أشخاص من أشقى أشقياء القرن.

 

البحث
الأرشيف التاريخي