في ظل تطور التعاون بين البلدين
ماهي الفرص والتحديات لتعزيز العلاقات الإقتصادية بين الصين والبرازيل؟
الوفاق/ تقف العلاقة الاقتصادية بين الصين والبرازيل شاهدة على القوة التحولية للتجارة الدولية والتعاون. حيث أقامت الدولتان علاقات دبلوماسية في عام 1974 وحافظتا على علاقات ودية منذ ذلك الحين. في عام 1993، شكلتا شراكة استراتيجية لتعزيز المصالح المتبادلة وتقوية العلاقات الثنائية. كانت الصين الشريك التجاري الرئيس للبرازيل منذ عام 2009، مع زيادة حجم التجارة الثنائية من 9 مليارات دولار أمريكي في عام 2004 إلى 164 مليار دولار أمريكي. بالإضافة إلى ذلك، استثمرت الصين 66 مليار دولار أمريكي في البرازيل بين عامي 2007 و2020.
تطور الشراكة الاقتصادية بين الصين والبرازيل بشكل سريع نسبيا في السنوات الأخيرة. وفقا للإدارة العامة للجمارك الصينية، بلغ حجم التجارة الثنائية بين الدولتين 1.14 تريليون يوان (حوالي 165.6 مليار دولار أمريكي) في عام 2022، بارتفاع قدره 8.1٪ مقارنة بالعام السابق.
تعاون استراتيجي
حاليا، توصلت الصين والبرازيل إلى اتفاق على وثيقتي تعاون حكوميتين بين الدولتين، وهما «الخطة الاستراتيجية الصينية البرازيلية 2022-2031» و»خطة التنفيذ الصينية البرازيلية 2022-2026». علاوة على ذلك، خلال زيارة الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا الرسمية إلى الصين في أبريل 2023، وقعت الدولتان 15 اتفاقية ثنائية بقيمة تقريبية 10 مليارات دولار أمريكي. تغطي هذه الاتفاقيات مجالات مختلفة تهدف إلى تعزيز التجارة الثنائية والاستثمار.
في عام 2022، أنشأت وزارة التجارة الصينية آلية تعاون اقتصادي وتجاري بين المقاطعات والولايات ضمن آلية اللجنة الصينية البرازيلية للتنسيق والتعاون عالي المستوى. وهذه تمثل المرة الأولى التي تجري فيها الدولتان تعاونا اقتصاديا وتجاريا. إن الأنشطة بين المقاطعات والولايات الصينية والبرازيلية والمؤسسات والشركات والمنظمات الأخرى ذات أهمية كبيرة وحظيت باهتمام كبير من كلا الجانبين. يُعد الحوار بين المقاطعات والولايات منصة قوية لمأسسة التعاون الاقتصادي والتجاري بين الصين والبرازيل.
عُقدت بنجاح الندوة الأولى للتعاون الاقتصادي والتجاري بين مقاطعات وولايات الصين والبرازيل في 9 سبتمبر 2023، خلال المعرض التجاري الدولي الصيني ال23 للاستثمار والتجارة. هدفت الندوة إلى تعزيز الصناعات المربحة وفرص المشاريع في مقاطعات وولايات الصين والبرازيل، مع التركيز على التعاون الاقتصادي والتجاري. كما تم مشاركة نتائج التعاون التجاري والاستثماري والتعاون التقني في مجالات مختلفة، بما في ذلك الزراعة والتصنيع وتحويل الطاقة والاقتصاد الرقمي والتنمية الخضراء ومنخفضة الكربون.
صرّح غاو فينغ، المتحدث الرسمي باسم وزارة التجارة الصينية: «بغض النظر عن التغيرات التي تطرأ على البيئة الخارجية، توفر الخصائص المتبادلة المفيدة لاقتصادي البلدين للتعاون التجاري والاقتصادي بينهما دافعًا ذاتيًا ومصدرًا لا ينضب. وهذا سيساهم بالتأكيد في التنمية الشاملة لاقتصادي البلدين».
البرازيل سوق واسعة للصادرات الصينية
تشمل صادرات الصين إلى البرازيل مجموعة واسعة من السلع عالية التقنية، مثل معدات المعالجة الرقمية وأجهزة تكييف الهواء والأدوات البصرية والأجهزة الكهروحرارية ورقائق الإلكترونيات والمحركات الكهربائية والمولدات. بالإضافة إلى ذلك، تستورد البرازيل السلع الاستهلاكية من جمهورية الصين الشعبية، بما في ذلك قطع وملحقات الهواتف والأقمشة وأجهزة تكييف الهواء والمحولات وأجهزة التلفزيون والبطاريات، وغيرها من المنتجات. من الجدير بالذكر أنه تم إحراز تقدم كبير في قطاع الزراعة. لطالما كان فول الصويا محركًا مستمرًا لنمو الصادرات إلى الصين على مر السنين، كما ساهمت منتجات أخرى مثل اللحوم والفواكه والعسل بشكل كبير. تجدر الإشارة إلى أنه تم توقيع أربع بروتوكولات بين الدولتين، تغطي تصدير الكمثرى و القطن من الصين إلى البرازيل، وكذلك اللحوم البقرية المعالجة حرارياً والبطيخ من البرازيل إلى الصين.
الصين مستثمر رئيسي في القطاعات البرازيلية
تلعب الاستثمارات دوراً محورياً في العلاقة الديناميكية بين الصين والبرازيل، حيث تعمل كمحفزات للنمو الاقتصادي وتطوير البنية التحتية والابتكار التكنولوجي.
تُعد البرازيل المنطقة الاستثمارية الرئيسية للصين في أمريكا اللاتينية. ويتضح الريادة العالية للمستثمرين الصينيين، حيث زادت العديد من الشركات المعروفة (مثل BYD وGreat Wall Motor) استثماراتها في البرازيل، مما ساهم إيجابياً في تعزيز التنمية الاقتصادية المحلية وزيادة فرص العمل وتحسين رفاهية الشعب.
على مدار العقد الماضي، نمت استثمارات الصين في البرازيل بمعدل نمو سنوي مذهل بلغ 30٪ في المتوسط. وقع بنك الشعب الصيني والبنك المركزي البرازيلي مذكرة تفاهم العام الماضي لإنشاء آلية مقاصة لليوان الصيني في البرازيل. تهدف هذه المبادرة إلى تعزيز التنمية الخضراء والمستدامة في البلدين.
استثمرت الشركات الصينية بثقة في مختلف القطاعات في البرازيل، بما في ذلك النفط والغاز والتعدين والكهرباء والبنية التحتية والزراعة والتصنيع والمالية. علاوةً على ذلك، وسّعت استثماراتها بجرأة لتشمل مجالات جديدة مثل التكنولوجيا العالية والبيئية وتكنولوجيا منخفضة الكربون. استأنفت الاستثمارات الصينية في قطاعي الطاقة وتكنولوجيا المعلومات منذ عام 2021. تتوسع شراكات الاستثمار وبناء البنية التحتية، وتم إطلاق صندوق توسيع القدرات التعاوني الصيني البرازيلي بقيمة 20 مليار دولار أمريكي رسمياً. علاوةً على ذلك، وافقت وزارة التجارة الصينية ووزارة الاقتصاد البرازيلية على توقيع مذكرة تفاهم بشأن التعاون الاستثماري للتنمية المستدامة لتعزيز الاستثمار في تقنيات منخفضة الكربون والنظيفة بين البلدين.
عقبات في الطريق
على الرغم من التقدم الكبير في تطوير التجارة والتعاون الاقتصادي بين الدولتين، إلا أن هناك بعض العقبات أمام مزيد من التطور. إحدى العقبات الرئيسية هي المنافسة بين البلدين في الأسواق العالمية، وخاصة في السلع. كما أن هناك بعض الخطر من اعتماد البرازيل على تصدير المواد الخام إلى الصين، مما قد يؤثر سلبًا على التنمية الاقتصادية للبلد على المدى الطويل. بالإضافة إلى ذلك، تزيد البنية التحتية غير الكافية والاختناقات اللوجستية والتعقيدات التنظيمية من تكاليف المعاملات، مما يعوق تنافسية كلا الاقتصادين.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تؤثر تقلبات الجغرافيا السياسية وسياسة التجارة والتوترات الدبلوماسية على تدفقات التجارة الثنائية والاستثمارات، مما يجلب عدم اليقين إلى بيئة الأعمال. يشير بعض الخبراء إلى إمكانية وجود تعارض في المصالح بين جمهورية الصين الشعبية والولايات المتحدة، مما قد يؤثر على التعاون بين البلدين. في هذه الحالة، من الضروري إيجاد حل وسط وإقامة حوار بين جميع أصحاب المصلحة.
تُعد البرازيل شريكًا تجاريًا وسوقًا حيوية بالنسبة للصين. إن التعاون التجاري بين الجانبين مفيد للغاية، وقد عززت هياكلهما الصناعية المكملة علاقات التجارة الثنائية. كما عززت التبادلات على المستوى الرفيع وتنسيق السياسات بين البرازيل والصين من مساحة التعاون بين البلدين، وبنت نموذجًا للتبادل الودي الثنائي القائم على المعاملة المتساوية والمنفعة المتبادلة.
تجسد الشراكة الاقتصادية بين الصين والبرازيل تفاعلاً معقداً من التحديات والفرص. في حين تشكل عدم اليقين الجيوسياسي وعدم توازن التجارة وعجز البنى التحتية والمخاوف البيئية وقضايا الملكية الفكرية عقبات هائلة أمام التعاون الثنائي، فهي تقدم أيضًا مجالات للتعاون الاستراتيجي والابتكار.
على الرغم من هذه التحديات، فإن كلا البلدين في وضع جيد للاستفادة من الفرص الناشئة وتعميق روابطهما الاقتصادية. من خلال تنويع التجارة والاستثمار وتطوير البنى التحتية والممارسات المستدامة والتعاون التكنولوجي وتنسيق السياسات، يمكن للصين والبرازيل أن يدعما علاقة اقتصادية مرنة ومفيدة للطرفين.