على طريق دعمه للشعب الفلسطيني..
ماذا حقق اليمن في المعادلات الدولية؟
شارل أبي نادر
كاتب ومحلل سياسي
لقد كان منتظرًا أن يقوم أبناء اليمن بالتدخل نصرةً للشعب الفلسطيني ضدّ "إسرائيل" وضد القوى التي تدعمها في العدوان الظالم الإجرامي على غزّة وعلى الضفّة الغربية؛ فقضية فلسطين ومواجهة احتلالها هي قضية أساسية في عقيدة الوطنيين الشرفاء من أبناء اليمن، وشعار الموت لأميركا ولـ"إسرائيل" الذي يرفعونه ويقاتلون من أجله، يتخطّى البعد الوجداني والقوميّ والديني، ليكون عمليا، شعارا استراتيجيا، يصوّب علنا على الصهاينة وعلى داعميهم الأميركيين، كمسؤولين مباشرة عن احتلال "إسرائيل" لفلسطين وللمقدسات فيها ولبعض الأراضي في أكثر من دولة عربية. ولكن ما لم يكن منتظرًا، هو ما حققه أبناء اليمن في مناوراتهم هذه، الداعمة لفلسطين، على صعيد المعادلات الإقليمية والدولية، والتي تجاوزت بأبعد من مستوى، التأثيرات المباشرة على "إسرائيل". فما هي هذه التأثيرات التي فرضتها المناورة اليمنية في مضيق باب المندب والبحر الأحمر وفي خليج عدن وبحر العرب؟ وأي حضور أصبح لليمن على صعيد المعادلات الإقليمية والدولية بعد أن أثبت نفسه لاعبًا إقليميًّا، لا يمكن تجاوز موقعه وقدراته وإمكانياته، وبعد أن تدخل أبناؤه عبر مناورة مباشرة وجريئة، تجاوزت كلّ الخطوط والسقوف التي تخشى الدول القادرة على التدخل بها؟
أولًا: في البعد العسكري:
ربما كان الأميركيون يعتبرون أن ضرب عشرات الأهداف اليمنية، من قواعد لإطلاق الصواريخ أو المسيرات، سوف يقلص أو يقيد قدرات أبناء اليمن على استهداف هذه المساحات البحرية، والتي سيطرت القوى البحرية والمسيّرة اليمنية عليها في باب المندب وخليج عدن والبحر الأحمر، وصولًا إلى جنوب فلسطين المحتلة في أم الرشراش "إيلات"، ولكنهم اكتشفوا وبعد أن تدخلوا بمئات الصواريخ الباليستية وصواريخ كروز من سفنهم وبمئات القنابل الذكية والموجهة من قاذفاتهم وقاذفات حلفائهم البريطانيين، أن تأثير هذا التدخل بقي سرابًا، وبقيت قواعد إطلاق الصواريخ والمسيرات اليمنية "المتحركة" والمرنة وغير الثابتة، تعمل بنشاط وبفعالية مرتفعة ضدّ الاحتلال جنوب فلسطين المحتلة وضد السفن الإسرائيلية أو المرتبطة بالكيان، وأيضًا ضدّ السفن الأميركية والبريطانية، والتي أضيفت إلى السفن الإسرائيلية في دائرة استهدافاتهم المحكمة.
ولم يكتف اليمنيون بإثبات فعالية مناوراتهم بالصواريخ والمسيرات بمواجهة القدرات الأميركية والبريطانية المتقدمة، ليعمدوا، وبهدف تفعيل مناوراتهم هذه، إلى التدخل بغواصات بحرية مسيرة، بإمكانياتها وبمميزاتها فوق العادية، ما أربكت الوحدات الأميركية التي استُنفِدت بمستوى مرتفع، لمواجهة اليمنيين، وبعد أن وقف الأميركيون مذهولين من هذا السلاح غير المتوقع، اعترفوا بأن اليمنيين يخوضون معركة بحرية لافتة، لم يحصل ما يشبهها منذ الحرب العالمية الثانية.
في البعد الإقليمي:
من خلال الموقف اليمني المشرف والصامد والحاسم دعمًا لفلسطين، ورغم كلّ الضغوط والتهديدات الغربية، ورغم كلّ التحفظات العربية، ثَبتَ أنه لا يمكن تجاوز اليمن، كقوة إقليمية فاعلة، لا تتأثر بالتهديدات، وموقفها المبدئي لا يرتبط بأي شكل من أشكال الاستهداف العسكري والتخويف والحصار والتضييق السياسي والاقتصادي، وتجربة العدوان على اليمن خلال ثماني سنوات من ممارسة كلّ هذه الأشكال من الضغوط، لهي خير دليل على قوة وثبات الموقف اليمني أمام التزاماته القوميّة والوطنية
والدينية.
في البعد الاستراتيجي الدولي:
قد يكون أهم عنصر من عناصر القوّة اليمنية، بالإضافة طبعًا للثبات والالتزام بالمبادئ الوطنية والقوميّة، وبالإضافة لقوة الإنسان اليمني، كمفكر مثقف ذي قدرات علمية لافتة، وكمقاتل شديد البأس والعزيمة، وبالإضافة أيضًا للقدرات العسكرية اليمنية التي أثبتت فعاليتها، بعد التطوير والتصنيع، أو بعد الاستفادة من استشارات وتجهيزات خارجية، وإيرانية تحديدًا، يبقى الموقع الجغرافي الحيوي، كورقة قوة استراتيجية بيد أبناء اليمن، نجحوا في استثمارها والاستفادة منها.