خطاب السيد.. خارطة جديدة
أحمد فؤاد
كاتب ومحلل سياسي
خطاب سماحة السيد لمناسبة "يوم الجريح المقاوم"، وفي خلفيته ذكرى ميلاد سيد الشهداء أبي عبد الله –عليه السلام - حمل في كلماته وروحية خطابه معنى واحدًا أكثر من غيره، هو إحساس الفخر والثقة بما حققه محور المقاومة في ميادين القتال، ليس أمام الكيان التافه المهزوز، ولكن أمام عالم من القتلة المفسدين، وفي مواجهة خيانة قومية ودينية هي الأوسع في تاريخنا كله. والخطاب كله لا يحتاج لشرح نقاطه وتفصيلها، لكنّه للإمانة أشد ما يكون احتياجًا إلى إعادة سماعه بصوت السيد ومشاعره التي انتقلت إلينا في هذا الظرف، حيث انتقلت المواجهة من شكلها العسكري وفي الميادين والجبهات إلى صراع شامل، منه الحرب النفسية وحروب الشائعات، ونشر التخويف والتهويل، لكسر إرادة المقاومة لدى الناس، أو بعض الناس.
سماحة السيد وجّه رسالته الثلاثية، إلى العدوّ الغبي وإلى بيئة المقاومة الكريمة، وإلى الموهومين بعصر القوّة الأميركية الذي بهت، فقال سماحته: "من يهدّدنا بالتوسعة أقول له بتوسّع منوسّع وبتعلّي منعلي، ومن يتصور للحظة واحدة أن المقاومة في لبنان تشعر ولو للحظة واحدة بخوف أو ضعف أو ارتباك هو مشتبه ويبني على حسابات مخطئة تمامًا، وهذه المقاومة التي تقاتل اليوم هي أشد يقينًا وأقوى عزمًا من أي يوم مضى، للاستعداد ومواجهة العدوّ في أي مستوى من مستويات المـواجهة، دون أي تردّد ولا قلق".
في هذه الأيام التي وصلت فيها المعركة إلى ذروتها، وتحولت إلى عملية "فرز وغربلة" واسعتين للأطراف والمواقف والإنسان حتّى على المستوى الشخصي المجرد أمام نفسه، لا يزال الحزب هو الطرف الذي لا يخذلنا، يثبث حتّى حين يتراجع الجميع، ويصمد حين يفر الكل إلى الخندق الأميركي. وفي السنوات العربية السوداء من 2003 إلى 2006 لم يحقق ثأرنا ويحُز انتصارنا ويمثل ردنا سوى الحزب وسيد الوعد الصادق، ولم يرد كابوس سقوط بغداد المخيف سوى انتصار تموز الملهم، بالنسبة لهذا الجيل على الأقل. ولخص سماحة سيد المقاومة هذا الخط الثابت، بقوله: "ما نقوم به هو بالدرجة الأولى استجابة صادقة للمسؤولية الايمانية والأخلاقية والدينية، ما نقوم فيه في جبهتنا اللبنانية هو كذلك مسؤولية وطنية بالدرجة الأولى لمنع انتصار "إسرائيل""، وهو ما يجعل أية أنباء أو أحاديث عن تسويات قريبة يروج لها إعلام العدوّ وخدامه من العرب، فاقدة لكل معنى وقيمة وتأثير. الحرب في جبهة جنوب لبنان مستمرة طالما استمر العدوان الصهيوني والحصار على غزّة، هكذا قضي الأمر. وفي مراحل الفرز، خصوصًا وإن ارتبطت بثمن غال وتضحيات جسيمة وثقيلة ومطلوبة، آن لنا أن نوجه تلك التحية المباركة الزكية الطيبة التي وجهها السيد إلى الجنوبيين أهل العز والشرف، من يقاومون كفعل يومي وعهد متجدد ومقدس، من يقدمون مباشرة من دمائهم وبيوتهم وأموالهم "ثمن نصرة" أهلهم في غزّة، البيئة الكريمة التي لا تعرف المهرجانات ولا مباريات الكرة التي تشغل شعوبًا أخرى، ويكتبون من جديد معادلتهم الخاصة أن الفقر ليس قلة مال، لكن الفقر الحقيقي هو قلة النخوة وقلة الكرامة وقلوب سوداء جائعة لا تحس ولا تألم ولا ترى.