مع تحسن التجارة الثنائية بين البلدين
هل تساهم ممرات النقل بتعزيز العلاقات بين الهند وجمهورية أذربيجان؟
الوفاق/ تعتمد الروابط الحديثة بين الهند و جمهورية أذربيجان على الروابط الثقافية والاقتصادية التي تحققت عبر طريق الحرير القديم، وأدى التنافس بين بريطانيا والاتحاد السوفييتي في أوائل القرن العشرين (عندما كانت الهند ما زالت تحت الحكم البريطاني وكانت جمهورية أذربيجان دولة سوفييتية) إلى إضعاف العلاقات بين الهند وجمهورية أذربيجان. وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي، ربطت الهند العلاقات الدبلوماسية مع الدول المستقلة حديثًا في منطقة القوقاز من خلال الجهود الدبلوماسية. كانت الهند من أوائل الدول التي اعترفت باستقلال جمهورية أذربيجان في ديسمبر 1991 وأقامت علاقات دبلوماسية معها في فبراير 1992. وفي يونيو 1998، وقعت الدولتان اتفاقية التعاون الاقتصادي والتقني، وفي أبريل 2007 وقعتا اتفاقًا لإنشاء لجنة حكومية بين الهند وأذربيجان للتعاون التجاري والاقتصادي والعلمي والتكنولوجي. مكّن هذا الهند من إقامة علاقات أقوى وأكثر مغزى مع أذربيجان وخلق فرص جديدة للتعاون والمنافع المتبادلة.
أهمية تطوير الممرات في العلاقة بين دلهي وباكو
سعت الهند لتنفيذ مشاريع اتصال خاصة للتغلب على العقبات أمام الاتصال المباشر وإحياء علاقاتها القديمة مع منطقة القوقاز. في عام 2002، وقعت الهند وروسيا وإيران اتفاقًا ثلاثيًا الدول لبناء ممر النقل الدولي الشمال-الجنوب (INSTC) بطول 7200 كم. يُعد ممر النقل الدولي الشمال-الجنوب ممر نقل متعدد الوسائط يربط بومباي بالهند بسانت بطرسبرغ بروسيا عبر إيران، ويشمل خطوط الشحن البحرية والسكك الحديدية والطرق. كما وقعت الهند استثمارات كبيرة في ميناء شابهار الإيراني. ومع ذلك، في يوليو 2022، سجل ممر النقل الدولي الشمال-الجنوب نقل أول شحنة من ميناء آستاراخان الروسي إلى ميناء جواهر لال نهرو بالهند.
انضمت جمهورية أذربيجان إلى ممر النقل الدولي الشمال-الجنوب في عام 2005، مما مهد الطريق للمسار الغربي للممر عبر سككها الحديدية المتطورة ومينائها الاستراتيجي في باكو. يغطي المسار الشرقي لممر النقل الدولي الشمال-الجنوب، المعروف أيضًا باسم ممر KTI، روسيا والهند ويمر عبر إيران وتركمانستان وكازاخستان ويمتد لمسافة حوالي 6100 كم من الحدود الروسية الفنلندية إلى ميناء بندر عباس الإيراني. يربط المسار أيضًا "أوزن" في كازاخستان بجيزيلغايا وبيريكيت وايترك في تركمانستان، وينتهي في غرغان بمحافظة غلستان الإيرانية، مما يوفر لجمهوريات آسيا الوسطى إمكانية الوصول إلى البحر العربي وموانئ الهند. بدأ بناء المسار الشرقي في عام 2009 بعد اتفاق ثلاثي في عام 2007، وساهم البنك الإسلامي للتنمية بمبلغ 370 مليون دولار من إجمالي التكلفة البالغة حوالي 1.4 مليار دولار.
يربط المسار الغربي لممر النقل الدولي الشمال-الجنوب ميناء جواهر لال نهرو الهندي بإيران و جمهورية أذربيجان، مغطيًا السواحل الغربية لبحر قزوين لمسافة حوالي 5100 كم من الحدود الروسية الفنلندية إلى ميناء بندر عباس في إيران. المسار الغربي ليس فقط أقصر بل أكثر اكتظاظًا بالسكان، حيث يربط أكثر المقاطعات الروسية والإيرانية اكتظاظًا بالسكان. جذب هذا المشروع الاهتمام في عام 2016 عندما وافقت جمهورية أذربيجان مع روسيا وإيران على بناء خط سكة حديد بين الدول الثلاث. وفي عام 2017، قرروا خفض التعريفات لتعزيز التجارة عبر الحدود عبر ممر النقل الدولي الشمال-الجنوب. وفي العام نفسه، قدم البنك الآسيوي للتنمية قرضًا بقيمة 400 مليون دولار لتحديث البنية التحتية للسكك الحديدية في جمهورية أذربيجان، حيث تم إنفاق 250 مليون دولار لإصلاح المسار الرئيسي ثنائي الخطوط بطول 166 كم الذي يربط البلاد بروسيا وإيران.
بالإضافة إلى ذلك، تلقت جمهورية أذربيجان في عام 2022 دعمًا تقنيًا بقيمة 9.3 مليون دولار من البنك الآسيوي للتنمية لتحسين النقل المستدام لديها، وخاصةً سككها الحديدية.
ممر النقل الدولي عبر بحر قزوين
بدأ تشغيل ممر النقل الدولي عبر بحر قزوين (TITR) في عام 2014 باعتباره ممر نقل يجمع بين مجموعة متنوعة من مشاريع البنية التحتية لتحسين الاتصال والتجارة بين آسيا وأوروبا. يمر ممر النقل الدولي عبر بحر قزوين من آسيا الوسطى وبحر قزوين وجنوب القوقاز، ويوفر أسرع وأقصر طريق نقل موثوق بين أوروبا وآسيا الوسطى. يغطي ممر النقل الدولي عبر بحر قزوين مسافة تزيد عن 4250 كم من خطوط السكك الحديدية و500 كم من الطرق البحرية، وهو أقصر بنحو 2000 كم من الممر الشمالي الروسي، مما يجعله حلاً مثاليًا للمشاكل المتعلقة بالالتزام بالعقوبات لأنه أكثر ملاءمة من حيث التكلفة.
في سبتمبر 2017، افتتح خط سكك حديد حديث تمامًا بين تركيا و جمهورية أذربيجان عبر جورجيا (باكو-تبليسي-قارص). يُعد خط سكك حديد باكو-تبليسي-قارص إحدى الشرايين الحيوية الأخرى لممر النقل الدولي عبر بحر قزوين الذي يربط بحر قزوين بالبحر الأسود. بدأ تشغيل هذا الخط عام 1983، وينقل النفط والبضائع من قازاقستان وتركمنستان إلى أوروبا. كما يوفر ممر النقل الدولي عبر بحر قزوين إمكانية الوصول إلى أسواق جديدة ويخلق فرصًا تجارية جديدة.
وفي عام 2022، زاد حركة الحاويات على طول الممر بنسبة 33% لتصل حركة الشحن إلى 1.5 مليون طن مع قدرة إجمالية بلغت 33000 وحدة مكافئة لعشرين قدمًا. وخلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2023، تم نقل ما يقرب من 2 مليون طن من البضائع على هذا الممر مع زيادة القدرة الإجمالية إلى 80000 وحدة مكافئة لعشرين قدمًا من الحاويات، ويضم ممر النقل الدولي عبر بحر قزوين حاليًا 25 شركة نقل ولوجستيات من 11 دولة عضو تعمل في السفن والموانئ والسكك الحديدية والمحطات.
في مارس 2022، أصدرت جورجيا و جمهورية أذربيجان وتركيا وقازاقستان بيانًا أكدت فيه أهمية تعزيز ممر النقل الدولي عبر بحر قزوين كممر بديل بين آسيا الوسطى وأوروبا للتجارة والاتصال. وبناءً على اتفاقية خارطة الطريق الموقعة في عام 2022، تسعى الدول الأعضاء في ممر النقل الدولي عبر بحر قزوين إلى زيادة قدرتها إلى 10 ملايين طن سنويًا بحلول عام 2025؛ وبالأخص، يمكن لهذا الممر مضاعفة حجم التجارة ثلاث مرات بحلول عام 2030 من خلال الاستثمارات والسياسات المناسبة.
وفي هذا الصدد، أعلنت جمهورية أذربيجان و كازاخستان وجورجيا في عام 2023 عن إنشاء مشروع مشترك للسكك الحديدية لتسهيل حركة الشحنات وتحديث البنية التحتية للسكك الحديدية. بالإضافة إلى ذلك، تسعى الدول الأعضاء في ممر النقل الدولي عبر بحر قزوين إلى إنشاء نظام نافذة واحدة على طول هذا الممر لتسهيل وتسريع انتقال الشحنات.
في ظل الاهتمام العالمي المتزايد بنقل البضائع عبر بحر قزوين، سهّلت جمهورية أذربيجان التجارة بين أوروبا وآسيا من خلال ميناء باكو التجاري البحري الدولي. يضم ميناء باكو رصيفين مرتبطين بـ 11 خط سكك حديدية تتصل بالسكك الحديدية الوطنية والطرق السريعة، وبلغ حجم حركة المرور السنوية فيه 6.2 مليون طن في عام 2022. كما أنشأت أذربيجان منطقة اقتصادية حرة في الميناء تضم لوائح لتقليل التضارب وفقًا للقوانين الدولية.
علاوةً على ذلك، تمتلك أذربيجان أكبر أسطول مدني في بحر قزوين بـ 52 سفينة شحن، ويمكن لمصنع بناء السفن في باكو إنتاج أنواع مختلفة من السفن.إن قرب الميناء من أسواق رئيسية مثل جمهوريات آسيا الوسطى وتركيا وإيران والهند وروسيا، يعزز إمكاناته كمركز للتجارة والأعمال التجارية. وهذا يعود لخطة أذربيجان الأوسع لتعزيز اقتصادها غير النفطي وتنويع الهيدروكربونات. يتعامل ميناء باكو مع 17 مليون طن سنويًا من البضائع الجافة و150000 وحدة مكافئة لعشرين قدمًا، وهو قيد التوسع ليشمل رصيفي شحن آخرين لنقل 25 مليون طن من البضائع ومليون وحدة مكافئة لعشرين قدمًا. صُمم هذا الميناء لسفن بوزن يصل إلى 13500 طن وهو الأمثل
لبحر قزوين.
النقطة المهمة هي أن جمهورية أذربيجان أصبحت محور الإمداد الرئيسي لأوروبا في خضم الحرب بين روسيا وأوكرانيا. يمكن نقل البضائع عبر السفن من موانئ بلغاريا ورومانيا إلى جورجيا وتركيا، ثم تحميلها على قطارات ونقلها إلى ميناء باكو. ومن هناك يمكن شحن البضائع عبر ميناء آكتاو الكازاخستاني إلى الصين، أو عبر ميناء تركمن باشي التركمانستاني إلى آسيا الوسطى، أو عبر ممر النقل الدولي شمال-جنوب من ميناء أنزلي الإيراني إلى غرب آسيا والهند وجنوب آسيا والتي تنتهي في ميناء بندر عباس في الخليج الفارسي.
توسيع العلاقات الهندية الأذربيجانية في ظل التحديات
شهدت التجارة الثنائية بين جمهورية أذربيجان والهند زيادة ملحوظة في السنوات الأخيرة، حيث ارتفعت من 50 مليون دولار في عام 2005 إلى 1.882 مليار دولار في عام 2022. تُعد الهند من بين أكبر خمسة شركاء تجاريين لأذربيجان. وتشمل الصادرات الهندية الرئيسية إلى جمهورية أذربيجان الأرز والمعدات الإلكترونية والحبوب والمستحضرات الصيدلانية والآلات والمراجل البخارية والمفاعلات النووية والمنتجات السيراميكية والجرارات الزراعية واللقاحات والشاي الأسود. وفي المقابل، تتألف 98٪ من صادرات أذربيجان إلى الهند من النفط الخام.
يمكن للهند أن تساعد جمهورية أذربيجان على تنويع اعتمادها على الهيدروكربونات من خلال المشاركة في قطاعات مثل معالجة الأغذية والأدوية والتكنولوجيا،و هناك إمكانات كبيرة لمزيد من النمو في التجارة بين الهند وأذربيجان من خلال ممر النقل الدولي الشمالي الجنوبي الغربي (INSTC)، والذي يوفر خيارات أسرع وأكثر كفاءة لنقل البضائع بين البلدين. على سبيل المثال، ستقلل إكمال خط السكك الحديدية رشت-أستارا من وقت العبور عبر الممر الغربي للممر الشمالي الجنوبي من 25-30 يومًا حاليًا إلى 10 أيام. ولذلك، تحرص الهند وجمهورية أذربيجان على مزيد من تطوير ممر النقل، بل وتدعمان إدراج ميناء تشابهار ضمن الممر الدولي الشمالي الجنوبي. كما تدرس البلدان التعاون في مجالات جديدة مثل السياحة. أدى بدء الرحلات المباشرة بين دلهي وباكو إلى زيادة عدد السياح بين البلدين. ومن الجدير بالذكر أن الأذربيجانيين ينظرون إلى الهند على أنها قوة بناءة في المنطقة.
يجب على الهند أن توازن بين الأهداف قصيرة وطويلة المدى في المنطقة. وعلى الرغم من الاضطراب الاقتصادي العالمي، ما زالت الهند تشهد أسرع نمو اقتصادي كبير في العالم، ومن المقرر أن تتحول إلى اقتصاد بقيمة 5 تريليونات دولار ومحرك للنمو العالمي. وتركز الهند، من أجل نمو اقتصادي مستدام، على تطوير سلاسل إمداد موثوقة ومرنة ومتنوعة تتطلب اتصالاً كاملاً وحق العبور الكامل عبر أوراسيا. وبحلول عام 2030، ستكون الهند على وشك أن تصبح مركزًا عالميًا للتصنيع مع إمكانية تصدير بضائع بقيمة تريليون دولار. ومن الضروري ضمان روابط قوية بين الهند والمناطق الأخرى بما في ذلك أوروبا لتعزيز النمو الاقتصادي المستدام والازدهار للهند وأوراسيا. وإذا تم تحقيق الاتصال الكامل، فإن الإمكانات التجارية للهند وأوراسيا تبلغ حوالي 170 مليار دولار أمريكي (60.6 مليار دولار من صادرات الهند إلى أوراسيا و107.4 مليار دولار من واردات الهند من أوراسيا).
إن مشاركة الهند في مبادرات الاتصال الإقليمية مثل ممر النقل الدولي الشمالي الجنوبي تدل على طموحها في إنشاء طرق إمداد مستدامة وفعالة من حيث التكلفة يمكن أن تتيح الوصول إلى أسواق أوروبا. وبما أن الممر الغربي لممر النقل الدولي الشمالي الجنوبي يمر عبر أذربيجان عبر ممر النقل الدولي عبر البحر الكاسبي (TITR)، فهذا يتيح للهند الوصول بسرعة إلى الأسواق الأوروبية. ونظرًا للوجود المتزايد للصين في المنطقة، يجب على الهند تسريع بناء سكة حديد تشابهار-زاهدان لمواجهة مبادرة الحزام والطريق. بالإضافة إلى ذلك، يجب على الهند منح المستثمرين الهنود في مشاريع ممر النقل الدولي الشمالي الجنوبي إعفاءات ضريبية لجذب المزيد من الاهتمام، لأن المستثمرين الخاصين ليس لديهم اهتمام حاليًا.