أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية د. أيمن الرفاتي للوفاق:
جامعات غزة ومفكروها في مرمى الاستهداف والإبادة
عبير شمص
رصدت تقارير مؤسسات حقوقية في قطاع غزة استهداف قوات العدو الصهيوني 94 من أساتذة الجامعات الفلسطينية، إلى جانب مئات المعلمين وآلاف الطلبة في إطار "جريمة الإبادة الجماعية" الشاملة التي يشنها على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر /تشرين الأول الماضي. وأشارت المعطيات الأولية إلى غارات استهدفت علماء بعينهم، فقد نفذ العدو الصهيوني هجمات متعمدة ومحددة ضد شخصيات أكاديمية وعلمية وفكرية في قطاع غزة، استشهد العشرات منهم في غارات مباشرة استهدفت منازلهم دون سابق إنذار، ليقتلوا سحقاً تحت الأنقاض مع أفراد عائلاتهم أو عائلات أخرى نزحت إليهم أو نزحوا إليها". وضمت عمليات الاستهداف 17 شخصية يحملون درجة البروفيسور، و59 من حملة الدكتوراه، و18 بدرجة الماجستير، وتوزع الأكاديميون المستهدفون بالقتل الإسرائيلي على شتى علوم المعرفة، وغالبيتهم يمثلون مرتكزات العمل الأكاديمي في جامعات غزة. يوضح هذا الاستهداف المتعمد محاولات العدو الصهيوني القضاء على كل مقومات الحياة في قطاع غزة بما فيها تدمير مباشر لجميع الجامعات في هذا القطاع المحاصر على مراحل كان أخرها مباني الجامعة الإسلامية. وللحديث عن هذه الإبادة الممنهجة للتعليم الجامعي في قطاع غزة عبر تدمير المباني واغتيال العلماء والمفكرين، التقت الوفاق مع الدكتور أيمن الرفاتي أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في قطاع غزة وكان الحوار التالي:
جامعات غزة من روّاد نهضة التعليم في فلسطين
يتحدث الدكتور الرفاتي في بداية حديثه للصحيفة عن واقع وأهمية جامعات قطاع غزة فيقول:" تُعد الجامعات الفلسطينية في قطاع غزة العامود الفقري للتعليم في القطاع على اعتبار أنها الرّافد الأساسي للتعليم العالي فيه، إذ تتواجد في القطاع عدة جامعات كبيرة وعريقة، أُسس بعضها منذ خمسين سنة والبعض الآخر منذ أكثر من سبعين سنة، وهذه الجامعات تُعتبر أحد روّاد النهضة في فلسطين، والمعروف أن الفلسطينيين في قطاع غزة هم الأقل أمية على مستوى العالم والأعلى في الحصول على الدرجات العليا على مستوى الشرق الأوسط، وبالتالي هنالك أهمية كبرى للجامعات الفلسطينية وقد نظر إليها الاحتلال الصهيوني على مدار العقود الماضية كونها تشكل خطراً عليه، لأنه يدرك بأن الفلسطيني المتعلم والمثقف هو أكثر خطورة عليه من الفلسطيني الجاهل، وهو يعلم بأن الكثير من قادة الحركة الوطنية وتحديداً العديد من قادة المقاومة الإسلامية في فلسطين هم من مؤسسي الجامعات وخريجيها وبالتالي وضع الاحتلال الجامعات الفلسطينية كهدف نصب عينيه خاصةً الجامعة الإسلامية التي يتهمها الاحتلال بأنها مرتبطة بحركة حماس أو أنها هي من أسستها". وتُعتبر الجامعة الاسلامية وفق الدكتور الرفاتي :"أكبر جامعة في قطاع غزة بالتالي هو قام باستهدافها عدة مرات في حرب عام ٢٠٠٨-٢٠٠٩ وحرب ٢٠١٢ و٢٠١٤ واليوم تم تدميرها في هذه الحرب، لقناعته بأن هذه الجامعة هي التي خرجت العديد من مهندسي المقاومة ومن الشخصيات التي قادت المقاومة سياسياً وعسكرياً وطورت من قدرات المقاومة على كافة الأصعدة، واستطاع خريجوها إبداع وابتكار الوسائل والأدوات العسكرية المحلية البسيطة في القطاع والاستفادة منها، وهو ما ظهر جلياً في الحرب الأخيرة".
استهداف ممنهج ومستمر للجامعات
يشرح أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في غزة الدكتور الرفاتي عن العدوان الممنهج والمستمر للعدو الصهيوني على الجامعات في قطاع غزة منذ بداية تأسيسها، فقد حاربها الاحتلال بشكلٍ كبير عبر سياسات مختلفة أولها سياسة الإغلاق إذ أغلق الجامعة الاسلامية وجامعة الأزهر عدة مرات في الانتفاضة الفلسطينية الأولى، ومارس عملية اعتقال المدرسين والأكاديميين في هذه الجامعات في سبيل إغلاقها وعدم استمرار عملها."
ويوضح الدكتور الرفاتي كيفية بدايات تأسيس وانطلاق عمل هذه الجامعات:" بدأ العديد من الجامعات وخاصةً الجامعة الاسلامية التدريس في الخيام لعدم توفر مباني للتدريس في بداية التأسيس، أو في مباني وأماكن صغيرة جداً، لقد نُصبت الخيام في داخل مناطق مدينة غزة وفي جنوب القطاع في بداية الأعوام الدراسية الأولى لهذه الجامعة، ومن ثم أصبح هناك هيئة للجامعة ومن ثم تطور العمل إلى أن أصبحت على ما هي عليه قبل التدمير، لقد حاربها الاحتلال بشكلٍ كبير جداً على مر السنين في الحروب المختلفة التي مر بها قطاع غزة، واعتقل العديد من العاملين فيها."
الجامعات الفلسطينية في مرمى الإبادة الصهيونية
يقول الدكتور الرفاتي :" لا شك أن معركة طوفان الأقصى كان لها تأثير كبير على مختلف مناحي الحياة داخل قطاع غزة وخاصةً القطاع التعليمي الجامعي إذ استهدف الاحتلال المؤسسات التعليمية بشكلٍ مباشر، فدمر مباني الجامعة الإسلامية وجامعة الأقصى والكلية الجامعية للعلوم التطبيقية بشكلٍ كامل، كما استهدف بالقصف مختلف الجامعات الأخرى التي تعرضت للتدمير بشكلٍ جزئي".
ويلفت الدكتور الرفاتي بأنه:" ربما كان في بداية معركة " طوفان الأقصى" الاستهداف لمؤسسات قطاع غزة عشوائياً، حيث انتشر القصف على مختلف مناطق غزة لكن في مرحلة ما بعد التهدئة أصبح هناك تدمير واستهداف ممنهج للبنى التحتية في القطاع والجامعات، على رأس المؤسسات المستهدفة، حتى لا يكون هناك إي إمكانية لعودة الحياة التعليمية في قطاع غزة ، هناك هدف مهم وضعته حكومة الاحتلال في حربها هذه وهو جعل قطاع غزة غير قابل للحياة وبالتالي شكل استهداف الجامعات الفلسطينية تطبيقاً عملياً لهذا المبدأ بحيث يقضي العدو الصهيوني على كل مؤشرات الحياة في القطاع بحيث يجد السكان صعوبة في العودة للحياة الطبيعية بعد نهاية الحرب بما في ذلك التعليم الجامعي".
اغتيال الكوادر العلمية
يقول الدكتور الرفاتي:" بعدما استهدف الاحتلال الجامعات كمبانٍ ومؤسسات وكثروة فلسطينية تعمد استهداف الكنز الاستراتيجي للجامعات والمتمثل بالكادر البشري والأكاديمي والعلماء الفلسطينيين، وقد أظهرت الإحصائيات التي نقلتها وزارة التعليم الفلسطينية أن هناك استهدافاً مباشراً للعديد من الأكاديميين في قطاع غزة سواء كان لهم علاقة بالمقاومة الفلسطينية أو ليس لهم ارتباط بها، وقد أدى هذا الأمر إلى اغتيال العشرات منهم عبر الاستهداف المباشر لهؤلاء الأشخاص الذين يمثلون عصب الحياة لكثير من المؤسسات التعليمية والجامعية وقد استشهد ثلاثة من رؤساء الجامعات في قصف لمنازلهم مع عائلاتهم وقد بينت المعلومات أن الاستهداف كان لشخصهم، وتم قتل عائلاتهم معهم في القصف من قبل الطيران الاسرائيلي".
يختم الدكتور الرفاتي حديثه بالقول:" في المجمل من الممكن القول أنه في حال توقفت الحرب في الفترة الحالية فإن إمكانية عودة التعليم الجامعي في قطاع غزة ربما تحتاج ما بين ستة أشهر إلى عام، وذلك بسبب التدمير الكبير لكل المقدرات داخل الجامعات بالإضافة الى أنه وبسبب مجاورة بعض الجامعات لمقرات الأونروا، امتلأت هذه الجامعات بالعائلات النازحة، وبالتالي فإن إمكانية إخراج هؤلاء النازحين بشكلٍ سريع بعد نهاية الحرب غير قابلة للتحقيق، لكن في المجمل قطاع غزة بحاجة إلى ما بين ستة أشهر إلى عام لعودة النشاط التعليمي، ربما يكون هناك نشاط تعليمي عن بُعد أو بطريقة ما تناسب أوضاع ما بعد الحرب لكن باعتقادي أن مسيرة التعليم تأثرت بشكل كبير جداً في هذه الحرب، وربما هناك جيل فلسطيني سوف يتأخر لستة أشهر أو لعام في مسيرته التعليمية، ولكن هذا لا يعني أن الفلسطينيين سيستسلمون لهذا الأمر، فربما نكون أمام مشهد أسطوري من قبل الجامعات والطلاب لتحدي الاحتلال الصهيوني وتحدي آلة الغطرسة الإسرائيلية للعودة إلى التعليم والكثير من الشواهد على مدار العقود الماضية تثبت أن الفلسطينيين مهما تعرضوا للضغط والانتهاكات من قبل الاحتلال فإنهم يعودون بشكل سريع ويصرون على قضايا التعليم والتمسك بحقوقهم بما في ذلك وعلى رأسها الاستمرار في العملية التعليمية في المراحل الدنيا أو مراحل التعليم العالي في مختلف الجامعات في قطاع غزة".