الصفحات
  • الصفحه الاولي
  • محلیات
  • اقتصاد
  • الثقاقه و المجتمع
  • دولیات
  • مقالات و المقابلات
  • طوفان الأقصى
  • منوعات
العدد سبعة آلاف وأربعمائة وخمسة وثلاثون - ٢٤ يناير ٢٠٢٤
صحیفة ایران الدولیة الوفاق - العدد سبعة آلاف وأربعمائة وخمسة وثلاثون - ٢٤ يناير ٢٠٢٤ - الصفحة ٦

حرب غزّة.. بماذا نفسر غياب المشروع العربيّ والحضور الإيرانيّ

شرحبيل الغريب
كاتب ومحلل سياسي
فلسطين في العقل العربي ليست قضية الفلسطينيين وحدهم، بل أن لها عمق عربي وبعد إسلامي، وتعدّها الشعوب العربية قضية عقيدة، فأرضها أرض وقف إسلامي لا يجوز التفريط بها، ويجب دعمها وإسنادها ونصرتها حتى تحرير كامل ترابها من الاحتلال الإسرائيلي. أما في العقل العربي الرسمي فلها وجه آخر، فهي قضية خاضعة للتسوية والمشاريع السياسية الأميركية، مثلما هي غائبة عن أي مشروع عربي حقيقي، وحاضرة في مشاريع أخرى لدول كبرى مؤثّرة في المنطقة.
إن غياب قضية فلسطين عن المشروع العربي ليس بالجديد، لكنه في كل محطة من محطات الصراع الفلسطيني الإسرائيلي يتجدّد الحديث عنه لأهميته القصوى، وغيابه الملحوظ، وقصوره غير المبرّر، وهشاشته المعتادة، وضعفه الكبير. مقابل تقدّم مشاريع أخرى في المنطقة أثبتت قدرتها وجدارتها في فرض نفسها وجعل قضية فلسطين قضية مركزية وأولوية ثابتة لها في السياسة الخارجية، من دون الالتفات للثمن أو الرضوخ والارتهان للسياسة الدولية. ففلسطين عموماً وما يجري في قطاع غزة من حرب إبادة جماعية لأكثر من مئة يوم تقوم بها "إسرائيل" خصوصاً، مسألة لا تخصّ الفلسطيني وحده، بل هي قضية من الواجب التوقّف عندها، والتقاطع بأبعادها ضمن مشاريع المنطقة عربياً وإسلامياً، نظراً لأهمية وخطورة الحدث المدعوم أميركياً وغربياً.
ثمة تساؤل مهم يدفعنا مرة أخرى في ظل تبنّي "إسرائيل" استراتيجية الحرب والإبادة الجماعية، مقابل إصرار الدول العربية على تبنّي استراتيجية مشروع السلام والتطبيع، نتساءل: أين هو المشروع العربي الحقيقي تجاه ما يجري في فلسطين عموماً وقطاع غزة على وجه الخصوص؟
لقد كشفت الحرب الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة، والتي تجاوزت المئة يوم متواصلة، كشفت عن حال الضعف والهشاشة في الموقف العربي الرسمي، والخضوع والارتهان للرغبات الدولية الأميركية، والحرص على عدم إغضاب البيت الأبيض في كل القرارات التي تتخذ، وهذا يعكس حال العجز الذي يمر به المشروع العربي خصوصاً. وأمام هذا العجز تسجّل إيران موقفاً متقدّماً في سياق مشروعها كدولة استطاعت أن تثبت حضوراً سياسياً كبيراً في المنطقة. ذلك أن دعم قضية فلسطين ومقاومتها يعدّ أمراً ثابتاً ومهماً في سياسة إيران الخارجية، فإنّ دعمها وإسنادها متواصل منذ انتصار الثورة الإسلامية في إيران، وهو مستمر حتى اليوم قولاً وعملاً من دون النظر إلى الثمن الذي قد يترتّب على هذا الموقف.
إن رفض نتنياهو مؤخّراً لفكرة الدولة الفلسطينية وعدّها تشكّل تهديداً لأمن "إسرائيل"، ينسجم تماماً وموقف اليمين الإسرائيلي المتطرف الذي ينتمي إليه، والذي يسعى إلى حسم الصراع بالقوة مع الشعب الفلسطيني، ويفضح في الوقت ذاته الخداع الذي تمارسه بعض الأنظمة العربية بأنه يمكن صناعة مشروع سلام وتطبيع وتعايش مع يمين إسرائيلي، سلوكه الفعلي مع الشعب الفلسطيني هو القتل والإبادة والإحلال.
لذا فأن غياب الدور والمشروع العربي حيال ما نشهده من حال اصطفاف أميركي إلى جانب "إسرائيل" في هذه الحرب المستمرة، يعكس وحدة في المشروع الإسرائيلي الأميركي، يقابله غياب وتشتت مشروع عربي واضح في مواجهة حرب الإبادة الجماعية التي تمارس بحق الفلسطينيين بأسلحة أميركية، أو حتى تبنّي قضية فلسطين والعمل على تحشيد الساحة السياسية الدولية بهدف تشكيل موقف عربي جامع وموحّد، وهذا بالطبع يكشف التباين حيال مواقف التعاطف والشجب والإدانة والاستنكار، إذ إنّ الموقف العربي الهش بعد أكثر من مئة يوم منح "إسرائيل" مزيداً من الوقت للإمعان في قتل الشعب الفلسطيني وتدمير كلّ مقوّمات الحياة الفلسطينية، وشكّل لها فرصة إضافية جديدة في استمرار الرهان على تحقيق أهدافها في قطاع غزة. أضف إلى ذلك غياب التنسيق العربي مع القوى الكبرى في المنطقة لغرض تشكيل جبهة عربية ودولية تشكّل ضاغطاً حقيقياً على "إسرائيل" لوقف إطلاق النار وإنهاء الحرب الهمجية على قطاع غزة، وتوفير كلّ الدعم بعيداً عن السطوة الإسرائيلية، وإصرار الإدارة الأميركية في ظل تساوق عربي رسمي من كثير من الدول ساعد في تقزيم مركزية القضية الفلسطينية وفق حساباتهم إلى مشروع يخضع لمزيد من العبث تحت مسميات سياسية، مثل تجديد مسار المفاوضات والتسوية السياسية مرة أخرى.
هذا الحال منح إيران دوراً متقدّماً منذ اليوم الأول للحرب على غزة، دوراً استراتيجيا سياسياً في رفض العدوان ودعم الشعب الفلسطيني والاصطفاف إلى جانب مقاومته، والتحرّك مع القوى الكبرى في المنطقة لتحشيد الجهود والمواقف والخروج بمواقف قوية، بل وصل الحد للتلويح بخيارات شكّلت رادعا قوياً لـ "إسرائيل" المتخوّفة والتي لا ترغب بتوسيع دائرة المواجهة والصراع في المنطقة، فتصدّرت طهران المشهد السياسي من خلال الجهود التي قام بها وزير خارجية إيران حسين أمير عبداللهيان لدول وقادة المنطقة، ونجحت في تحشيد الجهود والمواقف ودعم القضية الفلسطينية والوقوف بوجه العدوان على قطاع غزة، ورفض حرب الإبادة الجماعية والتطهير العرقي الذي يمارس بحق الفلسطينيين.
صحيح أن بيان القمة العربية والإسلامية الأخيرة قد عبّر عن موقف عربي، لكن رجحت فيه كفة الميزان إلى الرغبة العربية الرسمية في الحديث عن استراتيجية سلام، في وقت استمرار الحرب والقتل وقسوة الحصار على أكثر من مليوني فلسطيني في غزة، مقابل تمسّك إسرائيلي كشف عن حقيقة الموقف تجاه المضي قدماً في استراتيجية الحرب والإبادة والتطهير العرقي، والرغبة في استكمال الأطماع الإسرائيلية بالإعلان عن مشروع "إسرائيل" من البحر إلى النهر، وهذا كشف عجزاً عربياً رسمياً كبيراً حيال ما يتعرّض له الفلسطينيون في قطاع غزة، ويعرّي أيّ حديث عن مشروع عربي يدّعي تبنّيه الكامل للقضية الفلسطينية.
ولعل حال الاستجداء العربي عبر المواقف الرسمية الصادرة بهدف وقف إطلاق النار في قطاع غزة، قد كشف عن تراجع أي بصيص أمل في وجود مشروع عربي حقيقي، وهذا من شأنه أن يفضح دور الحكومات العربية الوظيفية الرسمية التي تخدم السياسة الأميركية عبر سياسة الشعارات، ويثبت حقيقة ثابتة مفادها أن الموقف العربي العاجز عن حماية نفسه من غول "إسرائيل" لن يكون قادراً على صناعة مشروع عربي حقيقي يحمي الفلسطينيين.

 

البحث
الأرشيف التاريخي