الصفحات
  • الصفحه الاولي
  • محلیات
  • اقتصاد
  • الثقاقه و المجتمع
  • دولیات
  • مقالات و المقابلات
  • طوفان الأقصى
  • منوعات
العدد سبعة آلاف وأربعمائة وخمسة وثلاثون - ٢٤ يناير ٢٠٢٤
صحیفة ایران الدولیة الوفاق - العدد سبعة آلاف وأربعمائة وخمسة وثلاثون - ٢٤ يناير ٢٠٢٤ - الصفحة ٤

المثل الأعظم للحب والتضحية

الأب سلطة الأمان وقوة الإيمان

الوفاق/ خاص
د. رُلى فرحات
كتب د. عبدالله بلقاسم في مجلة صيد الفوائد "من هو الأب" ؟
سؤال تم طرحه على طلاب الماجستير وكانت الإجابات جميلة ومنها إجابات عادية ولكن أفضل ما ذكره المحاضر هو هذه الإجابة:
الأب..
تلبس حذاءه فتتعثر من كبر حذائه لصغر قدمك، تلبس نظارته تشعر بالعظمة، تلبس شماغه (أو أي قطعة من ملابسه) فتشعر بالوقار، تطلب مفتاح سيارته وتحلم أنك هو وأنك تقودها،  يخطر في بالك شيء تافه فتتصل عليه وقت دوامه ويرد ويتقبلك بكل صدر رحب ولا تعلم ربما مديره وبخه أو زميله ضايقه أو مصاريفكم أثقلته، وتطلبه بكل هدوء : "بابا جيب معاك عصير فراولة"، ويرد: من عيوني بس خلك رجال ولا تعذب أمك، يأتي الى البيت وقد أُرهق من الدوام والحر والزحمة ونسي طلبك، فتقول بابا وين العصير؟
فيَتَعنّى ويخرج ليحضر لَك طلبك التافه بكل سعادة متناسياً إرهاقه.
لقد صدق من قال أن الأم لا تقدر بثمن، وأن الأب لا يكرره الزمن. وكما أن الأم تحمل طفلها في رحمها 9 أشهر، فإنّ الأب يحمله كل العمر ويسعى جاهداً لتعليمه وتدريبه على شؤون الحياة ويبقى سنداً له الى أن يكبر ويشتد عوده ويؤسسه حياته، يراقبه ويديه مفتوحة دائما لاحتضانه والأخذ بيده وكأنه بعده طفل صغير. والأب يرى طفله بأنّه كل العالم ويسعى مثابرا كي يؤمن له كل احتياجاته ليس فقط اليوم بل غدا أيضا. تنهمر دموعه في صمت إن شعر بألم طفله أو إبنه فيتألم هو بدوره ويكبت بداخله كل مشاعر الوجع والأسى والتململ، لا يُشعره بضغوطات الحياة ومشاكلها وتحدياتها ويُعلّمه بشكل مستمر عن طريقة التنبيه والنمذجة والثواب والعقاب مع إشعاره دائما بدفئ حضنه وحنان كلماته وحكمة فكره، فهو أول رجل يعرفه الطفل في حياته ويكون له المثل الأعلى والأمن والأمان والمأوى من غدرات الزمن.
مسؤوليات عديدة تجاه أسرته
إنّ الأب هو المثل الأعظم للحب وللتضحية وللعطاء بلا حدود. فإياك أيها الإبن أن تبخس حقوق أبيك عليك، فإن غضبَ الربِّ من غضب الأب. هذا الأب الذي يتحمل مسؤوليات عديدة تجاه أسرته  مثل: الإرشاد وتربية أفراد العائلة على أساس ديني إجتماعي تربوي نفسي، فيوجّههم لمراقبة قواعد، وأركان الدين، ويحفّزهم لفعل الخير، ومساعدة الكبير، ويأخذهم معه في رحلات قصيرة إلى أماكن مختلفة حيث يتعرفون على الكثير من العلوم والمفاهيم والمفردات والقيم من خلاله، وهو مُرشدهم الدائم إلى الطريق الصحيح بعيداً عن أي فساد وأخطاء وانحراف... فالأب بالتعاون مع الأم يشكلان فريقا متعاونا متكافئاً منسجمان في تربية أطفالهما ومتفقان على أصول التربيّة وعلى كيفية التعاطي مع أطفالهما ومع طلباتهم وإحتياجاتهم وحتى في موضوع قصصهم وإختباراتهم.
والأب يجب أن يكون قدوة حسنة لأولاده، ويتعامل معهم بحق وبرأفة وبحكمة وبلطف وبدون عنف،. أن لا يكون قاسياً وصارماً وظالماً. الأب بالنسبة للأولاد هو مرجعيّة وسلطة حنونة، لذلك على الأب الإنتباه إلى كيفية تعامله مع الزوجة (الأم) ومع أطفالهم وأن يراقب تصرفاته وسلوكياته معهم حتى يكون عادلا ومنصفا وعليه أن يتقيد بالقيم والتقاليد والقوانين ويكون نموذجا حسناً أمام أطفاله يتعاطى مع المحيط أمامهم بصفات الصدق، والإخلاص، والأمانة، والأدب. هو المربي دون تقصير الطامح لتربية أبنائه وتنشئتهم تنشئةً طيبة سليمة بعيدة عن الانحلال والتزمت ونرجسية التصرف. كلامه يُريح القلوب ويثلج الصدور، فهو الطبيب الذي يقف على مشاكلهم وما يواجههم وتحديات حياتهم اليومية بدءا بكيفية ربط حذائهم. الأب هو عمود البيت الفقري، وسرّ استقراره، والأب كلمة عظيمة قد تكون قصيرة الطول قليلة الأحرف إلا أنّها طويلة الأمد في العطاء كبيرة المكانة.
والأب أيضا ملزم بتأمين الحاجات المالية، من الملبس، والمسكن، والمأكل وأقساط المدرسة والجامعة، وكلفة المعيشة والأدوية والطبابة إلى آخره وحفظ الكرامة لعائلته. كما إنّ الأب يسعى جاهدا ودوما لحفظ كرامة أسرته وبث روح التعاون والتعاطف فيما بينهم ويراقبهم كي يكونوا دائما بخير. هو يتعب ولا يتذمر ويتألم ولا يتململ ويحمل في داخله الكثير الكثير من الخوف عليهم ويكون دائما كالأسد في عرينه يحمي رعيته ويصون حدود مملكته بمجرد حضوره في الأسرة ومعها.
يذود عن العائلة كل تحديات الحياة
بِر الأب واجب أمرنا الله تعالى به، إذ قال: «وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً» فبر الوالدين واجب، وعليه يجب طاعة الأب والإصغاء إليه واحترامه وإشعاره بمكانته وبقيمته وتلبية كل حاجاته وفهمه وعدم كسر خاطره. فالأب هو أحد قطبي العائلة، يحميها ويذود عنها كل تحديات الحياة، ويحافظ عليها متماسكة. إن الأب كالشجرة في العطاء فهو يمنح بلا مقابل، وهو صمام الأمان للأسرة يحميهم من المخاطر التي قد تُحيط بهم. إنّ فقد الأب لا يُعوضه شيء، إذ تفقد الأسرة أكبر مقوّماتها، وأساسها الذي لطالما ارتكزت عليه، فيشعر الأهل بالغربة لفقدهم سندهم، فتظهر الثغرات ويتسع الفراغ الذي تركه. وبالطبع هذا ينعكس سلبا في تكوين شخصية الطفل وفي أدائه وتصرفاته...
وتؤكد الدراسات التي أجريت حول أسباب فشل الأبناء في الدراسة والحياة العملية أو تزايد حالات الإدمان أو العنف، أن أحد أهم الأسباب هو غياب دور الأب داخل الأسرة، إما لغيابه المستمر بسبب العمل أو غيره أو لعدم تأثيره واحتكاكه بأبنائه وترك المسؤولية كاملة ملقاة على عاتق الأم.
هناك ثلاثة انواع لغياب الأب:
الأب الذي يضطر للسفر للعمل خارج البلاد، وهذا يؤدي الى زعزعة فهم ادوار الأمومة والأبوة عند الطفل، فضلاً عن أنها تعمل على تثبيت صورة الأب الغائب مادياً في لا وعي الأبناء. خاصة أن هناك الكثير من الأمهات يهددن أبناءهن بعقاب الأب عندما يعود من السفر، فترتبط صورة الأب الغائب عند الإبن بالعقاب والقسوة، مما يجعل العلاقة بينهما قائمة على الخوف، وبالتالي فإن الحوار يكون صعباً بينهما يؤدي إلى نتائج غير حميدة. إلّا إذا كانت الأم حاضرة دائما بتعريف الأطفال على أهية الأب وإعطائه المساحة الدائمة الحاضرة وإن كان غائبا لظروف ضروريات الحياة وتأمين عيش الأسرة الكريم.
غياب الأب بالطلاق: وهذا يحدث شرخاً عميقاً في نفسية الطفل يصعب تفادي سلبياته مدى الحياة، حيث يشعر الطفل أنه فقد أباه الذي يحبه بدون أي ذنب اقترفه، بل أحياناً يتوجه الطفل إلى لوم ذاته والعيش في مشاعر تأنيب الضمير ولوم الذات معتقدا أن العراك الدائم بين أبيه وأمه سببه وجوده.  
الأب المشغول عن الأطفال: وهو أقسى انواع غيابات الأب حين يكون موجودا في المنزل على شكل صورة إذ هو لا يقوم بالاهتمام بأطفاله ومساعدة زوجته، بل فضل السهر خارج المنزل مع أقرانه أو الجلوس لمشاهدة التلفاز أو قضاء الوقت الطويل على الهاتف ومواقع التواصل الإجتماعي. فهو لا يُجالس أطفاله ولا يستمع إلى مشاكلهم ومعاناتهم ولا إلى تطلعاتهم المستقبلية كذلك لا يكون يد عونا لهم في هذه الحياة... هذا النوع من الغياب يؤدّي الى تزايد عدوانية الطفل نحو ذاته او نحو رفاقه.
الأب المتوفى: يعيش الطفل يتيم الأب بألم النقص ويشعر بأنه وحيدا في هذه الحياة لا سند له، يراقب أقرانه مع آبائهم وهذا ما يُسبب له جرحا مؤلما.. ويصنع الطفل عادة صورة خيالية للأب في حال توفي والده قبل أن يولد.
ومن الممكن ان تنتج الآثار التالية عن غياب الأب عن الطفل وبالطبع نقول من الممكن إذا أن هناك أطفالا استطاعوا بمساعدة ودعم الأم وبعض الأقارب أن يتغلبوا على معظم المشاكل النفسية والإجتماعية وحققوا الكثير في أرض الواقع.
- يعيش الطفل مشاعر الحرمان من العطف .
- يؤثر على نمو الطفل وعلى ثقافته وبناء شخصيته.
- يؤثر على تشكيل الضمير الأخلاقي لدى الطفل فيؤدي إلى الاضطرابات السلوكية والجنوح أحياناً، لأن الأب هو السلطة مما يؤدي لصراعات نفسيّة، وإلى الاضطراب وإنعدام التوازن العاطفي والأمن النفسي .
- يؤثر في اكتساب الطفل الأدوار الاجتماعية التي يرى والده يمارسها ويقوم بها.
- يؤثر في استقلال شخصيات الأطفال وفي اعتمادهم على أنفسهم.
العلاقة السليمة والتربيّة الصحيحة
يكون فاقد الأب أكثر إحساساً بالقلق والشعور بالنقص والغيرة، وأقل نضجاً ورغبة في التفاعل الاجتماعي مع غيره، ويكون أكثر اتكالية وإعتمادية وخجل، يكون ضعيف الثقة بالنفس وأقل التزاماً بالنظام، يكون قليل الانتباه والتركيز والاستجابة، وأقل قدرة على السيطرة على نوبات الغضب التي تنتابه. وقد أفادت دراسات علم النفس في هذا المجال؛ بأن الطفل ذا الأب الغائب، يواجه فعلياً صعوبة كبيرة في عملية تطور سلوكه الاجتماعي العام .
وقد اجريت دراسة على 17000 طفل في جامعة اكسفورد سنة 2002 واظهرت النتائج التالية:
- البنات اللاتي نشأن بين أم وأب كن أقل عرضة للأمراض النفسية.
- الأولاد الذين كانت علاقتهم جيدة مع آبائهم،كانوا بعيدين عن العنف والاجرام.
- الأولاد الذين كانوا قريبين من آبائهم، لم يكن لديهم مشاكل عاطفية، وكانت حياتهم اكثر استقراراً .
- تدخّل الأب في حياة اطفاله منذ الطفولة، جعلت علاقته معهم أفضل خلال مراحل حياتهم اللاحقة.
وهذه النتائج أظهرت أن العلاقة السليمة والتربيّة الصحيحة بين الآباء والأبناء، لا تتوقف فقط على تواجد الأب بل على مدى تواصل الأب مع أبنائه. نبي الله محمد(ص) وإبن عمه علي بن أبي طالب(ع) وأهل بيته وأصحابه كانوا ومازلوا القدوة الحسنة التي نحتذي بها ونمشي على طريقها فنكون على خط النجاة. يقول (ص) (حقّ عليّ بن أبي طالب على هذه الأُمّة كحقّ الوالد على ولده) وقال (ص) (حقّ عليّ على المسلمين حقّ الوالد على ولده) وقال (ص): (حقّ عليّ على الناس حقّ الوالد على ولده) وجميل ما قاله أحد الأعلام نقلا عن رسول الله محمد(ص) في حق علي بن أبي طالب (ع): «أنا وأنت أبوا هذه الأمة، فبناءً على ذلك يُطلق على عليِّ(ع) على سبيل الحقيقة، وبيان الصِّدق؛ أنه آدم الأولياء، وهارون الأصفياء، وذو القرنين الأتقياء».

 

البحث
الأرشيف التاريخي