على الرغم من الشكوك حول قدرتها
هل ستنجح محكمة العدل الدولية بإيقاف جرائم الكيان الصهيوني؟
الوفاق/ في 11 يناير بدأت جلسات الاستماع في محكمة العدل الدولية التابعة للأمم المتحدة في لاهاي في الدعوى المرفوعة ضد الكيان الصهيوني بتهمة جريمة الإبادة الجماعية ، و في الواقع، يمكن أن يصبح هذا الحدث علامة تاريخية هامة حيث إنه يحمل إمكانية استعادة القانون الدولي الحقيقي من خلال إدانة "دولة" تنتهك المعاهدات والاتفاقيات بالفعل، على الرغم من كونها حليفة للغرب الجماعي.حيث أقامت جنوب أفريقيا هذه الدعوى ضد الكيان الصهيوني ودعمته عشرات الدول بما في ذلك البرازيل وإيران وتركيا وماليزيا وفنزويلا.
يقول فوسيموزي مادونسيلا، سفير بريتوريا في هولندا: "تقر جنوب أفريقيا بأن أعمال الإبادة الجماعية من قبل إسرائيل تشكل حتماً جزءاً من استمرارية الأعمال غير المشروعة المرتكبة ضد الشعب الفلسطيني منذ عام 1948". وعلى نفس المنوال، قالت أديلا هاشم، محامية تمثل جنوب أفريقيا في محكمة العدل الدولية: "تدعي جنوب أفريقيا أن إسرائيل تجاوزت المادة 2 من الاتفاقية من خلال ارتكاب أفعال تندرج ضمن تعريف الإبادة الجماعية. تظهر الأفعال أنماطًا منهجية من السلوك التي يمكن استنتاج الإبادة الجماعية منها".
حقائق دامغة
في الواقع ليس هناك شيء خطابي أو متحيز أو حزبي في الطلب المقدم إلى محكمة العدل الدولية الذي تتهم فيه جنوب إفريقيا الكيان الصهيوني بالإبادة الجماعية في غزة، و تمت صياغة المستند البالغ 84 صفحة بعناية من قبل خبراء دوليين في مجال الإبادة الجماعية. إنه مليء بالأدلة الداعمة،و محاجَج قانونيًا بعناية،و يقدم حالة محسومة مع حقائق و أفعال وحشية وصريحة.حيث يقول أنه لا يمكن تبرير ما حدث كل يوم خلال الأشهر الثلاثة الماضية ضد سكان غزة ككل بسبب ما حدث في 7اكتوبر أي عملية"طوفان الأقصى" و التي يدعي الكيان الصهيوني بأن ما يقوم به هو "ردة فعل".
يعرض الطلب حالة لا رد عليها مفادها أن نية وسياسة وأفعال الكيان الصهيوني، كما عبرت عنها تصريحات أصحاب أعلى المناصب السياسية في الكيان وأفعال وسلوك جنوده، إبادة جماعية وتستهدف الفلسطينيين في غزة كمجموعة، و يجمع المستند الأدلة على أعمال الإبادة الجماعية المتعمدة في سبع فئات رئيسية. تستحق الإشارة إليها:
1. حجم القتل، الذي يتجاوز الآن 22000 حالة وفاة، 70٪ منهم من النساء والأطفال.
2. المعاملة القاسية واللاإنسانية لأعداد كبيرة من المدنيين، بمن فيهم الأطفال، الذين تم اعتقالهم وتعصيب أعينهم وإجبارهم على خلع ملابسهم والبقاء في الهواء الطلق في الطقس البارد، قبل نقلهم إلى أماكن مجهولة.
3. التنصل المستمر من الوعود بسلامة بعض الأماكن، مع قيام الكيان الصهيوني بقصف المناطق التي نصحت المنشورات سكانها بالفرار إليها.
4. حرمان الوصول إلى الطعام والماء، وهي سياسة دفعت سكان غزة إلى حافة المجاعة.
5. الحرمان من الوصول إلى مأوى وملابس ونظافة كافية. فهجوم الكيان الصهيوني على النظام الصحي ترك 13 فقط من أصل 36 مستشفى ما زالت تعمل جزئيًا، مع استهدافه لمولدات الكهرباء في المستشفيات والألواح الشمسية ومحطات الأوكسجين وخزانات المياه وسيارات الإسعاف والقوافل الطبية وفرق الاستجابة الأولية.
6. تدمير الحياة الفلسطينية في غزة - مدنها ومنازلها وعماراتها وبنيتها التحتية وجامعاتها وثقافتها.
7. وأخيراً وليس آخراً، التعبيرات عن نية الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني من قبل المسؤولين الحكوميين، بما في ذلك الإشارات من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى قصة من التوراة عن التدمير الكامل لعماليق من قبل بني إسرائيل، وتصريح الرئيس إسحاق هرتسوغ بأن "أمة بأسرها هناك مسؤولة"، وتأكيد وزير الدفاع يوآف غالانت أن "إسرائيل" تحارب "حيوانات بشرية".
جريمة تحدث الآن
يعبر جيورا إيلاند، رئيس "المجلس الأمني الوطني الإسرائيلي" السابق ومستشار الحكومة، بشكل كبير و واضح عن طريقة تفكير الكيان الصهيوني اللاإنسانية و نيته المبيتة ضد سكان غزة، ففي وصفه لأمر الكيان الصهيوني بقطع المياه والكهرباء عن غزة، كتب إيلاند في مجلة إلكترونية: "هذا ما بدأت إسرائيل بفعله - قطعنا إمدادات الطاقة والمياه والديزل عن القطاع... لكن هذا غير كافٍ. من أجل جعل الحصار فعالاً، يجب علينا منع الآخرين من تقديم المساعدة لغزة... يجب أن يُقال للناس إن لديهم خيارين؛ البقاء والموت جوعاً، أو المغادرة. إذا فضلت مصر ودول أخرى أن يهلك هؤلاء الناس في غزة، فهذا خيارهم".
هناك ميزتان لطلب محكمة العدل الدولية تستحقان الانتباه ، الأولى هي أنه على عكس السعي للحصول على تعويض عن أبرز الأحداث في التاريخ الحديث - مثل حقول الموت في كمبوديا أو الإبادة الجماعية في رواندا أو الجرائم الصربية حرب - يتعلق الطلب بإبادة جماعية تحدث في الوقت الفعلي.إنها تحدث كل يوم وستستمر في الحدوث إذا لم تتدخل أي قوة خارجية أو محكمة. أهمية هذا الطلب إلى محكمة العدل الدولية ملحة، لكن ما يقارب أهمية ذلك هو الطرف الذي يقدم هذا الطلب و الطرف المتهم، فكل من جنوب إفريقيا و الكيان الصهيوني ملزمتان بالنظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية، وكلاهما طرفان في اتفاقية الإبادة الجماعية.
والأهم من ذلك، أنه لم تفعل أي دولة أكثر مما فعلته جنوب إفريقيا لإثبات أن نضال التحرر ضد نظام الفصل العنصري الاستبدادي والقوي للغاية يمكن أن ينجح، فمثل الكيان الصهيوني اليوم، كانت جنوب إفريقيا العنصرية قوة نووية، مع جيش قوي سحق التمرد المسلح - ودعمتها أيضًا جميع القوى الغربية الكبرى،دمرت جنوب إفريقيا العنصرية نفسها من خلال أفعالها ،و أصبحت دولة منبوذة، واضطرت في النهاية إلى الاستسلام لإرادة الأغلبية السوداء المقموعة.
انتقادات غير مجدية
رغم كل الأدلة المقدمة في المحكمة، إلا أن أبرز الداعمين للكيان الصهيوني، لم يتأخرو في التعبير عن رفضهم لقضية جنوب إفريقيا، حتى قبل أن تُسمع في لاهاي!! فقد أدان المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي جون كيربي القضية الجنوب إفريقية و ادعى بأنها "باطلة وغير مجدية وخالية تمامًا من أي أساس من الواقع على الإطلاق". وانتقد رئيس الوزراء البريطاني السابق بوريس جونسون بشكل منفصل التحقيق الذي أجرته شرطة العاصمة في جرائم حرب إسرائيل، مشتكيًا من "سياسة الشرطة المقلقة".
و بطبيعة الحال، نفى الكيان الصهيوني بشدة الاتهامات و زعم بأنه يحارب "الإرهاب" بإجراءاته العسكرية. فقال رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو "إن جيش الدفاع الإسرائيلي يعمل وفقًا للقانون الدولي، مستهدفًا المسلحين وليس السكان الفلسطينيين". وعلى نفس المنوال، قال إسحاق هرتسوغ، رئيس الكيان إنه "لا يوجد شيء أكثر فظاعة وسخافة" من قضية المحكمة ضد بلاده في محكمة العدل الدولية. وتأتي هذه التصريحات و الإنتقادات في ظل وجود أدلة دامغة توضح بأن الكيان الصهيوني يقوم باستهداف المدنيين، لاسيما أن معظم الوفيات الجماعية هي للأطفال والنساء في غزة،كما دمر الكيان الصهيوني البنية التحتية بأكملها في قطاع غزة، من خلال قصف المستشفيات والطرق والملاجئ، مما يجعل الحياة الطبيعية مستحيلة عمليًا في المنطقة،و كل هذا تحت ذريعة محاربة "الإرهاب". ومع ذلك، يفشل الكيان الصهيوني في الدفاع عن نفسه، مع مواءمة دول أخرى - مثل ماليزيا وتركيا والعديد غيرها - وراء جنوب إفريقيا،و طالبت معظم الدول في الجمعية العامة للأمم المتحدة الكيان الصهيوني بوقف حملته في غزة على الفور.
ملف آخر على طاولة المحكمة
نقلت منظمة مراسلين بلا حدود عن المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان، قوله بأن التحقيق في الانتهاكات في الأراضي الفلسطينية سيشمل الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين.وأضافت "مراسلون بلا حدود" في بيان مرسل إليها من خان، أن المحكمة تتحرى الجرائم المرتبكة ضد الصحفيين إلى جانب الجرائم المحتملة الأخرى فيما يتعلق بالأوضاع في فلسطين.و في تعليقه على الأمر، قال كريستوف ديلوار الأمين العام لمنظمة مراسلون بلا حدود، في بيان، إن تعرض الصحفيين للقتل في غزة يستوجب ردا حاسما من المحكمة الجنائية الدولية.ولفت ديلوار إلى مقتل ما لا يقل عن 79 صحفيا في غزة منذ 7 أكتوبر 2023، بينهم 18 على الأقل قتلوا أثناء أداء واجبهم.ورحب في هذا الإطار ببيان المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، معربا عن أمله في إحراز المحكمة تقدما سريعا في التحقيق واتخاذ إجراءات ملموسة ضرورية طال انتظارها.
المعايير المزدوجة
يُنظر بشكوك إلى المعايير المزدوجة لنظام العدالة الدولية، الذي تمكن بشكل سريع من إصدار مذكرة توقيف ضد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بتهم ارتكاب جرائم حرب مزعومة في أوكرانيا من خلال المحكمة الجنائية الدولية في مارس الماضي. ليس هذا فحسب، بل إنه في مارس 2022 بعد أسابيع قليلة من اندلاع الصراع، أمرت محكمة العدل الدولية روسيا بـ "تعليق فوري" لعملياتها العسكرية بعد أن أثارت أوكرانيا شكوى بشأن الإبادة الجماعية. يشير مصطلح "الإبادة الجماعية" إلى التدمير المتعمد، كلياً أو جزئياً، لمجموعة قومية أو عرقية أو دينية. يقول بعض الخبراء إن أصعب شيء يمكن إثباته هو النية الإبادية. لكن المسؤولين في الكيان الصهيوني على أعلى المستويات أوضحوا نيتهم بشكل صريح و في أكثر من مناسبة كما ذكرنا سابقاً.
وفي هذا السياق ،كتب وزير الشرق الأوسط البريطاني السابق والجنوب إفريقي بالمولد، بيتر هين في صحيفة الغارديان قائلاً "أكتب هذا من كيب تاون حيث يشعر الجنوب إفريقيون المحترمون من جميع الأعراق والمعتقدات بازدراء عميق تجاه ما يرونه من معايير مزدوجة من قبل قادة الشمال العالمي - يريدون الدعم لتقرير المصير الأوكراني، ولكنهم متواطئون في حرمان الفلسطينيين من تقرير مصيرهم وشركاء بالرعب الموجود غزة“، وأضاف "إن الهوة الجيوسياسية مع العالم النامي آخذة في الاتساع، وستكلف واشنطن ولندن وبروكسل الكثير في عالم مضطرب بشكل متزايد".
على أي حال، و على الرغم من أن محكمة العدل الدولية لاتمتلك أي سلطة لفرض قراراتها، إلا أن أحكامها ملزمة بموجب القانون الدولي، ويمكن أن يؤدي الحكم إلى تآكل أكبر لسمعة الكيان الصهيوني العالمية وعلاقاته مع الدول الأخرى.