القرار العراقي بطرد الأمريكان: ضرورة لإنهاء الاحتلال والحفاظ على السيادة
وهذا يعني بأن القوات الأمريكية لا تحمل صفة القوات التدريبية بل تحمل صفة القوات المحتلة وهي تنتهك السيادة العراقية وتصر على انتهاك هيبة وسيادة الدولة في المستقبل. كيف يمكن للقوات الأمريكية المعتدية الحديث عن الدفاع عن النفس وهم على بعد آلاف الكيلومترات من بلدهم الولايات المتحدة!!
وبشكل أكثر فجوراً ووقاحة خرجت وزارة الدفاع الأمريكية عبر متحدثها الرسمي لتقول بأنّها غير مستعدة للانسحاب من العراق وبأن القوات الأمريكية المشاركة في التحالف ستواصل التركيز على مهمة محاربة تنظيم داعش.
إذا ما نظرنا إلى الأحداث المتسارعة في العراق وعمليات انتهاك السيادة العراقية، فسنرى بأنّ مهمة الولايات المتحدة هي الحفاظ على قدرات داعش وليس محاربتها وذلك لإنها تقوم باغتيال الشخصيات الرئيسية التي ساهمت وبشكل مباشر في هزيمة داعش. ثم إن الادعاء بأنهم يحاربون داعش في العراق هو تزوير للحقائق التاريخية وذلك لإن أبناء العراق من الجيش العراقي وقوات الحشد الشعبي هم من هزموا داعش شر هزيمة.
إن هذه التصريحات المثيرة للجدل والتي استفزت الرأي العام العراقي لم تمرّ دون رد رسمي، حيث تعتبر تصريحات رئيس الوزراء العراقي السيد "محمد شياع السوداني" لرويترز رداً على الجرائم الأمريكية المتكررة في العراق، من أهم التصريحات وأكثرها رصانة على مدار السنوات الماضية. حيث أشار رئيس الوزراء إلى ضرورة خروج قوات التحالف وعلى رأسها الولايات المتحدة من العراق وأشار كذلك إلى ضرورة وضع جدول زمني لعملية الخروج هذه. وتأتي أهمية هذه التصريحات كون أن الاعتداء على قوات الحشد الشعبي هو اعتداء على الجيش العراقي وعلى السيادة العراقية؛ وذلك لإن هذه القوات هي جزء من القوات المسلحة العراقية بقرار السلطات الرسمية في البلاد في 2019. كما أن التأكيد على جدول زمني واضح هو تطبيق عملي يتوافق مع دستور العراق والقرارات الملزمة من قبل البرلمان العراقي التي أكدت في أكثر مرة على أن تقوم الحكومة العراقية بإخراج القوات الأجنبية من البلاد، هذه القرارات التي تجاهلتها العديد من الحكومات المتعاقبة خلال السنوات الماضية.
بعد عمليات الإبادة الجماعية الإسرائيلية لشعب غزة ومشاركة الولايات المتحدة بهذه المجزرة، أدرك العراق وبشكل لا يدعو إلى الشك إلى أن هناك إجماعا بين جميع الطوائف والفئات الاجتماعية العراقية على ضرورة رحيل القوات الأجنبية المعتدية من البلاد وذلك لإن حرب غزة أعادت إحياء المآسي التي ارتكبتها هذه القوات على الأرض العراقية ابتداءً من المجازر ضد الشعب العراقي كما حدث في مجزرة "ساحة النسور" في العام 2007 وكيف قام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بإصدار قرار عفو رئاسي عن مجرمي "بلاك ووتر" الذين ارتكبوا هذه المجزرة. كما لا ينسى الشعب العراقي كذلك كيف قامت القوات الأمريكية بضرب قوات الجيش والحشد كلما تقدمت في المعارك ضد داعش.
وبالإضافة إلى كل ذلك فإن العراقيين بمختلف مكوناتهم الطائفية والاجتماعية لديهم ثأر عميق ومتجذر مع الولايات المتحدة وهم لا ينسون أبداً كيف قامت هذه الدولة عبر فعل إرهابي باغتيال الشهيدين أبو مهدي المهندس والحاج قاسم سليماني بطريقة جبانة، هذه العملية الإرهابية التي أشار إليها بوضوح رئيس الوزراء العراقي السوداني بوصفها انتهاك لجميع القوانين والأعراف الدولية والسيادة العراقية. لقد كان أبو مهدي المهندس والشهيد سليماني من أبرز القادة الذين قادوا معركة التحرير ضد داعش، وعندما اتخذ الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب قراراً باغتيال هؤلاء القادة كان الشهيد سليماني في زيارة رسمية وبدعوة من الحكومة العراقية وهذا ما يسلط الضوء على أن الولايات المتحدة لا تولي أي اهتمام بالسيادة العراقية ولا بالرموز الوطنية التي يُكنُ لها العراقيون كامل الاحترام والتقدير.
كما علينا التذكير بأن انتهاك السيادة العراقية لم يقتصر على الجانب العسكري بل تعداه إلى الجانب الاقتصادي والجانب التنموي والخدمي.
حيث وبعد احتلال العراق قامت الحكومة الأمريكية باستغلال عائدات النفط العراقية وإيداعها في الخزانة الأمريكية ولا تستطيع السلطات الرسمية العراقية الاستفادة من هذه الأموال إلا بعد الحصول على موافقة من الخزانة الأمريكية التي تستغل أموال الشعب العراقي. وفي الأشهر الأخيرة عملت الولايات المتحدة على فرض تجميد غير مباشر على الأموال العراقية من خلال رفضها تسليم الحكومة العراقية مبلغ مليار دولار من مصرف الاحتياطي الفيدرالي بحجة كبح جماح استخدام الدولار في العراق وتعطيل تدفقات النقد غير الشرعية. وأما على المستوى الخدمي فإنه وعلى الرغم من ارتفاع موارد الدخل العراقية إلا أن الولايات المتحدة تمنع الحكومة العراقية من قبول استثمار الشركات الأجنبية الخدمية بل تحاول إبقاء جميع هذه الاستثمارات منحصرة في يد الشركات الأمريكية ولذلك فلا كهرباء متوفرة ولا هناك مرافق خدمية أو صحية أو تعليمية ذات كيفية مناسبة بسبب عمليات النهب الأمريكية في العراق.
ختاماً، إن إصرار رئيس الوزراء العراقي إلى جانب الإطار التنسيقي على ضرورة إخراج القوات الأمريكية من البلاد ضمن جدول زمني واضح وثابت هو استثمار لإجماع عراقي شعبي ورسمي وتطبيق للقوانين والدستور العراقي وحماية لهيبة وسيادة الدولة. وهو تلبية لمطلب شعبي بضرورة طرد القوات الأجنبية التي تعمل على زعزعة استقرار العراق وتقوية الإرهاب عبر استهداف قادة القوات المسلحة العراقية المسؤولة عن مقاتلة داعش والتنظيمات الإرهابية الأخرى. كما أنه دليل على أن العراق حكومة وشعباً اختار الوقوف إلى الجانب الصحيح في التاريخ وهو الوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني المظلوم ذو القضية العادلة ولا تراجع عن هذه المواقف.