الصفحات
  • الصفحه الاولي
  • محلیات
  • اقتصاد
  • الثقاقه و المجتمع
  • دولیات
  • الریاضه و السیاحه
  • طوفان الأقصى
  • منوعات
العدد سبعة آلاف وأربعمائة وأربعة وعشرون - ١١ يناير ٢٠٢٤
صحیفة ایران الدولیة الوفاق - العدد سبعة آلاف وأربعمائة وأربعة وعشرون - ١١ يناير ٢٠٢٤ - الصفحة ٤

المقاوم وغريزة الحياة

الوفاق/ خاص
د. رُلى فرحات
غريزة الحياة في نظريةِ التّحليل النَّفسي، لعالم النّفس النّمساوي سيجموند فرويد، هي غريزة حفظِ الذات والإِنْجاب وغريزة الموت عنده هي الإندفاع البدائي للهلاك والإنحلال والإنتهاء. ولكي يتجنب الإنسان تدمير ذاته بما تفرضه غريزة الموت، كان لا بدّ له أن يُوظّف غريزة الحياة لتواجهها في أكثر من مسار وعلى أكثر من صعيد.
تلخص نظرية «فريدريك نيتشه» عن «العَوْد الأبدي» نظرته الفريدة إلى ثنائية الحياة والموت: «كل شيء يمضي، كل شيء يعود، وتدور إلى الأبد عجلة الوجود. كل شيء يموت، كل شيء يتفتح من جديد، وخالداً يمضي زمن الوجود». كل شيء سيعود مرةً أخرى، وكل ما حدث سيحدث مرةً أخرى، لا بداية ولا نهاية.
إنّ الإنسان بغريزته الطبيعيّة يتوجّه لإستثمار كل ما يستطيع إستثماره كي يبقى على قيد الحياة، سواء كان ذلك من خلال إختراعاته في مجال الطب والأبحاث المتعلقة بمكافحة الفيروسات، وإكتشاف اللقاحات التي تقضي على الأمراض العضال، وكذلك إبتكاراته في مجال الصّناعة والتّجارة وتميّزه في الإنترنت والأقمار الصناعيّة والذّكاء الإصطناعي.. حيث أصبح العالم قريّة صغيرة.
هذا الإنسان الّذي يقضي كل سنين عمره يبحث عن الخلود أو على الأقل ليعيش أطول فترة ممكنة في الحياة. يسعى إلى الحفاظ على صحته الجسديّة والنّفسيّة، ويبذل جهداً في تحصيل العلوم الأكاديميّة ليتبوّأ أهم المراكز الإجتماعيّة والإقتصاديّة والعلميّة والسّياسيّة. كذلك يُكافح كي يجمع الثروات ويكتشف خبايا الأرض فيستخرج نفطها ومعادنها وألماسها وذهبها ومائها وكل ما فيها...
أصل الحياة الصحيحة عائلة متفاهمة متناغمة تتمتع بمقومات الصمود والصبر والإيمان على الأقل، ويتشارك جميع أفرادها السلام والوئام العاطفي والتّوازن الإجتماعي والقيمي. هذه العائلة ولكي تعيش بأمان عليها أن تكون ضمن مجتمع صحّي بكافة المقاييس، وفي وطن تسوده مشاعر المحبة والإحترام والتفاهم. فجأة، يأتي الغاصب، المحتل، الطّامع، الظالم... ليُنغّص عيشة هذا الإنسان ويُقلق حياته وحياة من حوله، ويقض مضجعه ويخنق آماله وطموحاته فيُصبح قاب قوسين من التّهجير في مسار تنكيلي طويل.. يُهدد رغد عيشه ويُزعزع أمانه وإستقراره ويُهدّد كيانه وهويته، فيبطش يميناً ويساراً وكأنّه لا يوجد حسيب أو رقيب... إلى أن يطال بتهديداته أطفال الوطن، الجيل الناشئ!!! فتولد المقاومة...
ردة فعل مجتمعيّة واعيّة وطبيعيّة
إن المقاومة في أي دولة في العالم هي جميع الأعمال الإحتجاجيّة التي تقوم بها مجموعات ترى نفسها تحت وطأة وضع لا ترضى عنه، فتتكافل وتتضامن فيما بينها تحت شعار واحد هو تحرير الأرض وصناعة إستقلالها!! والمقاومة ردة فعل مجتمعيّة واعيّة طبيعيّة ضد واقع مرفوض غير مشروع، ويتمثل مفهومها في مواجهة ومقاومة العدو مهما كان شكله ونمطه وأهدافه. وهي عمل من أعمال المواجهة والممانعة والرفض. إنّها ثقافة يكتسبها ويتمتع بها كل فرد سويّ في المجتمع يتعرض لمثل هذه التحديّات والانتهاكات والتعديّات على أرضه وعلى قراراته المصيرية وسيادته الوطنيّة.
ولكي تحقق المقاومة نجاحاً يجب ان ترتبط إرتباطاً وثيقاً بالتفاؤل والثّقة بالإرادة الإنسانيّة وقدرتها على إعادة صياغة معادلات القوى وموازينها. فالمقاومة ليس فقط مناهضة المحتل الغاصب الذي يسعى دائما للتّوسع ويتربص ويتهيأ الفرص ليتمدد ويبسط سيطرته ونفوذه. إن للمقاومة ميادين وساحات عديدة، منها المقاومة السياسيّة، المقاومة الاجتماعية والمقاومة الإقتصاديّة، المقاومة الثقافية، المقاومة الدينية والمقاومة العلمية والفكرية..
فالشعوب تقاوم من يحتل أراضيها، وتختلف الأساليب من العصيان المدني إلى استخدام السّلاح.  والكفاح التحرري أو المقاومة هو رد فعل مناهض للوجود الاستعماري بطرق ووسائل مختلفة، كما أنها شكل من أشكال المقاومة السلمية، وهي حق إنساني طبيعي تكفله المواثيق والقوانين الدوليّة، يهدف إلى استعادة السيادة بجميع مضامينها. ومن أشهر أساليب المقاومة كانت مقاومة المهاتما غاندي للاستعمار البريطاني في الهند فقد وُصِفَت بالمقاومة السلمية التي تستند على العصيان المدني وذلك بالامتناع عن شراء البضائع البريطانيّة والتوقف عن العمل وإحداث شلل تام بالاقتصاد في البلاد. ويمكن وصف إضراب عام 1936 في فلسطين بأنه صورة من صور العصيان المدني وكذلك الانتفاضة الأولى في فلسطين وما عرف بأطفال الحجارة وهي مقاومة الصغار للآلة العسكرية الإسرائيلية بالحجارة، هذه المقاومة تنمو وتكبر في كل مرة يتشبث  فيها الإنسان بأرضه أكثر فأكثر لأنه يعشق الحياة.
المقاومة نهج من أجل الحياة بكرامة وبعزة
إذن المقاومة هي نهج من أجل الحياة بكرامة وبعزة. والمقاوم هو ذلك الإنسان الذي ولد ونشأ وترعرع في ظل أمجاد الوطن يستسيغها مع حليب أمه ويسمعها في أناشيد أبيه، فيكبر وهو يحلم بحياة أفضل في كنف الحريّة والتّحرير.. فيتعلّم وينخرط في مجموعات منظمة وغير منظمة ويتشارك مع أقرانه حب الأرض والإخلاص للوطن ويقسم بأن يسترده من بين براثن المحتل ويرفع راية النّصر قريباً سواء كان يعيش مأساة الإحتلال تحت وطأة الغاصب المحتل في وطنه، أو يعيش مأساة التهجير والتّشرد ضمن البلد الواحد أو في بلاد الله الواسعة... هذا كله لا يزيد المقاوم إلّا إصراراً في الحياة على قيد الحياة كما يريدها هو وكما خلقه الله حراً.
فالمقاوم يتمتع بغريزة الحياة لا الموت وإن كانت نتيجة مقاومته للظلم هو الموت / الإستشهاد أو النّصر. نعم هو يقدّم حياته قرباناً على مذبح الوطن لأنّه يعشق الحياة ولأنّه يُقدّس غريزة الحياة والبقاء ولأنّه يأبى أن يموت ذليلاً يجر أذيال الخيبة والإستسلام ويبكي على الأطلال ويُمجّد تاريخ الأسلاف. كل مواطن حر محبّ للعيش الكريم وطامح للحياة الطويلة يرسم مستقبله في عيون أولاده وبين ربوع وطنه لا بد له أن يكون مقاوما، بالقلم وبالرصاص، بالفكر وبالسّلاح، بالصّبر وبالإيمان. لأن المقاوم هو مشروع الحياة للوطن وللأمة بل هو
 إكسير الخلود...!!!

البحث
الأرشيف التاريخي