مع تصاعد التوتر بينهما
ما هي السيناريوهات المحتملة للعلاقة بين باكستان وأفغانستان؟
الوفاق/ على الرغم من دعوات المجتمع الدولي وحكومة طالبان لباكستان، إلا أن إصرار باكستان على طرد المهاجرين الأفغان بالإكراه في هذا الموسم البارد، يشير بوضوح إلى أن زيارات وفود كبار المسؤولين بين البلدين هذا العام، لم تؤد إلى تفاهم بين إسلام آباد وحكومة طالبان أو حل مشكلة تحريك طالبان باكستان.وفقاً لتصريحات واضحة من مسؤولي باكستان، دخلت الآن حكومة باكستان مرحلة ردود الفعل العملية تجاه حكومة طالبان وبدأتها بخيار طرد المهاجرين الأفغان.
في الوقت نفسه، أعلن بعض كبار المسؤولين الباكستانيين أن قرار طرد المهاجرين الأفغان اتُخذ ردًا على عدم قيام حكومة طالبان بإجراءات حاسمة ضد أعضاء تحريك طالبان باكستان. في 17 أكتوبر، حذر رئيس الوزراء الباكستاني حكومة طالبان بأنه "يجب عليها اختيار أحدهما، إما تحريك طالبان باكستان أو حكومة باكستان". في الوقت نفسه، زعم أسف دراني، المبعوث الخاص لباكستان إلى أفغانستان، أن هناك ما يقرب من 6000 مقاتل من تحريك طالبان باكستان موجودين في أفغانستان ومتورطين في هجمات على المناطق الحدودية الباكستانية. وعقب ذلك، صرَّحت وزارة خارجية باكستان في 3 ديسمبر بأن تحريك طالبان باكستان يشن هجمات ضد أهداف باكستانية من الأراضي الأفغانية، ودعت حكومة طالبان إلى اتخاذ إجراءات لقمع هذه المجموعة.
وقد وصل التوتر المتبادل بين باكستان وحكومة طالبان إلى المشهد الإعلامي في البلدين أيضًا. في حين كان هناك حظر ضمني تقريبًا على المعارضة الصريحة لباكستان في وسائل الإعلام الأفغانية في بداية عودة طالبان إلى السلطة. والسؤال المطروح الآن هو: ما هي السيناريوهات المحتملة أمام التوتر الحالي بين حكومة طالبان وباكستان؟ وهناك ثلاثة سيناريوهات نشرها مركز "الشرق" للدراسات، يمكن طرحها كإجابة على هذا السؤال، كل منها يرتبط بأسباب واحتمالات خاصة به:
سيناريو التهدئة واستئناف التفاعل السياسي بين باكستان وحكومة طالبان
تقوم فرضية هذا السيناريو على أنه بعد التوتر السياسي الحالي، سيقتنع الطرفان في نهاية المطاف بتصعيد تفاعلاتهما السياسية مرة أخرى. والأسباب التالية تشير بوضوح إلى وجود وإمكانية فرضية "سيناريو استئناف التفاعل بين باكستان وحكومة طالبان" حتى بعد طرد المهاجرين الأفغان غير الشرعيين من باكستان:
أولاً، أظهرت دراسة سلوك حكومة طالبان خلال العامين الماضيين أنه وعلى الرغم من التوقعات الأولية، امتنعت حكومة طالبان إلى حد كبير عن التدخلات عبر الحدود واعتمدت سياسة إقليمية بحتة. وعلى عكس تنظيم داعش الارهابي الذي يدَّعي الخلافة في دار الإسلام، أثبتت حكومة طالبان عمليًا أنها لا تطمح إلى حكم فوق إقليمي، وتعتبر إمارة إسلامية مقتصرة على جغرافيا أفغانستان.ومن المرجح أن يكون هذا المنظور هو الذي جعل طالبان تتجنب أي إجراء محدد وموثق لدعم المعارضات أو الاحتجاجات في الدول المجاورة، منذ توليها السلطة.
ثانيًا، تجارب الدول الأفغانية في الخمسين عامًا الماضية تظهر أنه كلما اعتمدت كابل سياسات وممارسات تأمين جغرافيا أفغانستان تجاه الدول المجاورة، وجدت نفسها على منحدر الزوال. وتؤكد هذه التجارب السياسية صحة قاعدة مقبولة في علم اجتماع السياسة؛ وهي أن أي نظام أو منظومة لا تمتلك القدرة على التفاعل والتكيف مع بيئتها المحيطة، محكوم عليها بالزوال.ومن المرجح أن تكون حكومة طالبان قد أدركت عمليًا مضامين ودلالات هذه العوامل. ربما وصلت طالبان إلى هذه الحكمة العقلانية من خلال استفادتها من التجارب المريرة لحكومات أفغانستان السابقة، وأن تتجنب التوتر مع الدول المجاورة.
بالإضافة إلى هذه النظريات، فإن حكومة طالبان لديها تجربة سقوط سابقة بسبب التوترات السياسية والأمنية في أوائل الثمانينيات. وبالتالي، تشير الأدلة إلى أن حكومة طالبان من المرجح أن تعطي الأولوية للحفاظ على نظامها وحكمها على أي شيء آخر، وستتجنب أي نوع من أنواع التوتر في البيئة المحيطة.من ناحية أخرى، لم تعد ظروف أفغانستان بسيطة منذ فترة طويلة، إذ تتدخل أطراف عديدة في تشكيل تطوراتها. وتظهر سلوكيات باكستان السابقة أنها كلما كان هناك لاعبون دوليون يتفوقون في تشكيل الظروف والتطورات في أفغانستان، غيّرت باكستان تكتيكاتها وانسجمت مع اللاعب المهيمن، كما حدث خلال الغزو الأمريكي لأفغانستان وسقوط حكومة طالبان الأولى.
سيناريو استمرار التوتر النسبي بهدف الحفاظ على أدوات الضغط
يُعد هذا السيناريو محتملاً عندما يستمر الضغط الحالي الذي تمارسه باكستان على حكومة طالبان، وبالمقابل دعم حكومة طالبان للجماعات المعارضة لباكستان، إلى الدرجة التي تمس "المصالح الوطنية" و"الكرامة الوطنية" للطرفين. إن الوضع الجيوسياسي لباكستان هو بحيث تبقى بؤر الصراع في هذا البلد نشطة لفترات طويلة. وإذا نظرنا إلى كيفية تشكل النظام الدولي خلال القرن الماضي، يمكن ملاحظة أن جهود اللاعبين الكبار كانت ترمي إلى إبقاء بؤر الصراع نشطة في المنطقة المعنية من خلال إنشاء بعض الدول والحكومات وكيفية تقسيم الحدود. فإنشاء باكستان ونزاع كشمير، وخط ديوراند، وطريقة تأسيس وترسيم حدود الوحدات الجغرافية الأخرى المتنازع عليها، لها صلة مباشرة ببؤر الصراع في الألعاب الكبرى للقرون الماضية. وبؤر الصراع هذه معقدة إلى درجة أنه من الصعب حلها بسهولة. وهذا الوضع يجبر الدول المتورطة في النزاع بما فيها أفغانستان وباكستان على اتباع استراتيجية محددة تجاه بعضها البعض تتشكل من عنصرين رئيسيين هما "قوة الضغط" و"قوة الردع".
فعلى سبيل المثال، خلال عهد الملك ظاهر شاه، اُستخدمت قضية بشتونستان كأداة ضغط ضد باكستان. وفي وقت لاحق، عززت أفغانستان قوة ردعها ضد أي غزو باكستاني محتمل من خلال شراء الأسلحة وتجهيز الجيش الأفغاني من قبل الاتحاد السوفييتي. وفي المقابل، حدت باكستان من التحديات السياسية في هذه المنطقة من خلال منح حكم ذاتي فيدرالي لمنطقة باشتونستان الباكستانية، وبالتالي أزالت ذراع الضغط الأفغاني. ثم اكتسبت باكستان قوة ردع من خلال تصنيع أسلحة نووية، وأزالت تهديد أي غزو أفغاني محتمل لباكستان إلى الأبد.ومع ذلك، حافظت باكستان على شكل من أشكال القوة وذراع الضغط من خلال دعمها للمعارضة السياسية لأنظمة أفغانستان المتعاقبة طوال نصف قرن تقريبًا، وأدى ذلك في بعض الأحيان إلى انهيار النظام السياسي الأفغاني. ومع عودة طالبان مجددًا إلى السلطة في أفغانستان، تحول الوضع للمرة الأولى إلى العكس، حيث اكتسبت حكومة طالبان في لعبة معقدة القدرة على التدخل في السياسة والأمن الباكستاني.
وهناك سؤالان أساسيان في هذا الصدد. أولاً: ما مدى تعاون حكومة طالبان مع تحريك طالبان باكستان؟ ثانيًا: ما مدى القدرة الفعلية لتحريك طالبان باكستان على تحدي الدولة الباكستانية؟ لا توجد مؤشرات محددة للإجابة على هذه الأسئلة. لكن مخاوف باكستان بشأن نشاط تحريك طالبان باكستان ودعم حكومة طالبان لهذه المجموعة توحي بأنه في نظر الاستراتيجيين الباكستانيين، يمتلك تحريك طالبان باكستان بدعم من حكومة طالبان الأفغانية، القدرة والإمكانية الكامنة لممارسة الضغط على الدولة الباكستانية في السنوات المقبلة. ومن الجدير بالذكر أنه بصرف النظر عن نزاع ديوراند، هناك نزاعات أخرى مثل المصالح السياسية للهند في أفغانستان مطروحة أيضًا باعتبارها بؤرة توتر بين باكستان وأفغانستان.
وما يجعل حكومة طالبان مصممة على الحفاظ على هذا الذراع الرافع هو الفلسفة الوجودية لطالبان نفسها، ولا يوجد أي استدلال أوضح من ذلك. فباكستان استخدمت طالبان كأداة ضغط ضد حكومات أفغانستان إلى الحد الذي أدى فيه إلى انهيار النظام السياسي والجيش الأفغاني. وبالتالي، في السيناريو المقترح، من المحتمل أن تواصل حكومة طالبان الاحتفاظ بأدوات الضغط الخاصة بها في مواجهة الضغوط الباكستانية من خلال طرد المهاجرين وإحداث مشكلات العبور. من ناحية أخرى، إحدى الاحتمالات والتفسيرات بشأن قضية طرد المهاجرين الأفغان من باكستان، هي تحويل وتشتيت العقلية العامة عن المشاكل المحلية بهدف إدارة الأوضاع الراهنة وتوجيه الرأي العام نحو الانتخابات المقبلة في باكستان. ومن غير المرجح أن تتخلى الحكومة الباكستانية القادمة أيضًا بسهولة عن أدوات الضغط الخاصة بها وتسعى إلى استئناف وتعزيز التفاعلات السياسية مع حكومة طالبان. أمر آخر يؤكد احتمال استئناف وتعزيز التفاعلات بين باكستان وحكومة طالبان هو بعض أنماط السلوك السابقة لباكستان. فمنذ السبعينيات، فضلت باكستان طالبان على جميع الجماعات السياسية الأفغانية الأخرى، وقدمت دعمًا كبيرًا لطالبان للوصول إلى الحكم والسلطة السياسية. وتظهر تجربة نصف قرن الماضي أن باكستان أكثر ترحيبًا بإقامة علاقات مع المؤسسات الأيديولوجية الأفغانية منها مع المؤسسات الديمقراطية.
سيناريو احتمالي لتصعيد التوتر بهدف إسقاط الخصم
يصبح هذا السيناريو محتملاً أيضاً عندما تصل ضغوط باكستان على حكومة طالبان، وبالمقابل دعم حكومة طالبان للجماعات المعارضة لباكستان، إلى درجة تمس "المصالح الوطنية" و"الكرامة الوطنية" للطرفين. في حال ممارسة باكستان ضغوطاً تأديبية مفرطة ضد حكومة طالبان ووضع كابل في مأزق، فستزيد حكومة طالبان بالمقابل من دعمها لهجمات تحريك طالبان باكستان. وفي هذه الحالة، لا شك أن باكستان ستتخذ إجراء شاملاً للإطاحة بحكومة طالبان، وستستخدم لذلك
الأدوات التالية:
أ - الضغوط الاقتصادية: ستضع حكومة باكستان حكومة طالبان في مواجهة قيود وضغوط ترانزيتية واقتصادية متعددة. لقد استخدمت باكستان هذه الأداة في أوقات مختلفة، وأغلقت معبر تورخم أمام التجار الأفغان عدة مرات هذا العام.
ب - تعزيز تنظيم داعش-خراسان الإرهابي: في هذا السيناريو، ستعزز باكستان تنظيم داعش خراسان باعتباره الخصم الرئيسي لحكومة طالبان. وتدعم هذا الاحتمال سببان رئيسيان: أولاً، النظرية الكلاسيكية التي تقول "عدو عدوي هو صديقي". ثانياً، وجود أنماط ملموسة خلال العقدين الماضيين تشير إلى أن بعض التطورات السياسية والأمنية الرئيسية أقنعت بعض الدول بالتحالف مع جماعات لا يوجد أي توافق فكري أو عقائدي بينها. وإذا استخدمت باكستان خيار داعش بكل قوتها، فإن هذه الاستراتيجية ستقرب في المدى الطويل كابل من روسيا والصين وإيران، وباكستان من الولايات المتحدة، كما حدث في الثمانينيات خلال الغزو السوفييتي.
ج - دعم جاد للمعارضة السياسية لحكومة طالبان: في مثل هذا السيناريو، من المرجح أن تتوجه حكومة باكستان أيضًا نحو القادة المنفيين الأفغان. وعلى الرغم من عدم ثقة زعماء المجاهدين السابقين والأحزاب الجهادية المعارضة لطالبان بباكستان، إلا أنهم قد يستفيدون حتى ولو من باب التكتيك، من المساعدات والدعم العسكري والأمني والاستخباراتي الباكستاني في مثل هذا الوضع.
إجراءات حكومة طالبان المضادة ضد باكستان في هذا السيناريو الاحتمالي، ستستخدم حكومة طالبان بدورها بعض الفرص والأدوات ضد باكستان:
أ- الدعم الشامل لتحريك طالبان باكستان: ستوظف حكومة طالبان في مثل هذا السيناريو كل طاقتها السياسية والعقائدية والعسكرية في دعم تحريك طالبان باكستان. وسيُنظر إلى ذلك على أنه فعال، لأن تحريك طالبان باكستان قد بايع الملا هبة الله أخوندزاده زعيم طالبان، وهناك رابط
أيديولوجي بينهما.
ب- محاولات كابل إيجاد طرق بديلة للترانزيت في مواجهة الضغوط الترانزيتية الباكستانية:ستحاول حكومة طالبان بكل ما أوتيت من قوة الاندماج في ممرات ترانزيت بديلة مثل ميناء شابهار وميناء عباس ومشروع السكة الحديد خواف - هرات، وكذلك ممر
آسيا الوسطى.
د - محاولات كابل تشكيل حكومة شاملة ومشاركة سياسية: في هذا السيناريو الاحتمالي، ستركز حكومة طالبان أكثر من أي شيء آخر على التماسك الوطني من خلال خلق فرص للمشاركة السياسية للأعراق والمذاهب الأفغانية في هيكل الحكومة. فالتهديد الخارجي يجعل الحكومات القائمة دائمًا مهتمة بالتماسك الوطني. ولدى أفغانستان أمثلة كثيرة على ذلك في الماضي، مع ملاحظة أن حكومات كابل حاولت في بعض الأحيان المشاركة والتسامح مع المعارضة السياسية عند فوات الأوان وضياع الفرص، ولم تقبل المعارضة سوى الاستحواذ الكامل على السلطة.