الصفحات
  • الصفحه الاولي
  • محلیات
  • اقتصاد
  • الثقاقه و المجتمع
  • دولیات
  • الریاضه و السیاحه
  • طوفان الأقصى
  • منوعات
العدد سبعة آلاف وأربعمائة وواحد وعشرون - ٠٨ يناير ٢٠٢٤
صحیفة ایران الدولیة الوفاق - العدد سبعة آلاف وأربعمائة وواحد وعشرون - ٠٨ يناير ٢٠٢٤ - الصفحة ٤

واقع بيئتنا المقاومة والعاشقة لهذا الخط المبارك

قصة عن رحلة من قلب عاشق للشهيد الحاج قاسم سليماني

 

مازن البعيجي
کاتب وباحث اسلامي
قصتي تتحدث عن رحلتي من قلب عاشق للشهيد الحاج قاسم سليماني إلى حيث مثواه في كرمان، علما هي واقع بيئتنا المقاومة والعاشقة لهذا الخط المبارك ..
رحلتي الى كرمان بدافع الامتنان والعرفان
-كنت قد نويت الذهاب الى إيران وقد خططت للذهاب إلى كرمان، لأنها مناسبة ذكرى شهادة الحاج قاسم سليماني، وأنا العراقي الذي احمل له من الامتنان والعرفان الشيء الكثير، فهو مع اخوته رفاق دربه من صانوا حرمة أبنتي، وزوجتي، ومقدساتي التي كانت هدفاً لداعش الظلامية المتوحشة والتي اقسمت بأنها ستهدم كربلاء على رؤوس الروافض والنصيرية، وسوف تسبي نساءهم وتستولي على أموالهم!
إلا أن رؤوسا مثل رأس الشهيدين الحاج قاسم سليماني وأبي مهدي المهندس كانت تحمل من غيرة أبي الفضل العباس(ع) ما جعلها تنتخي لاستنجاد عراق الامام الحسين(ع) وهرعت لتقدم كل ما تملك بلا أدنى تردد.
وبدافع الامتنان والعرفان الكبير بفضل حواري السيد المستطاب،  
- حجزتُ في اول رحلة لقطار متجه لكرمان من مدينة بعيدة، حاولت الحجز بالنهار فلم أجد، وحاولت الحجز عند المساء فلم اجد، ثم وجدت بطاقة لشخص واحد في قطار ينطلق الثالثة فجراً بعد جهد ومتابعة، ولم أفطن أول الأمر للعلة وراء صعوبة توفر التذاكر.
اتيت الى محطة. وافترضت بحسب زياراتي السابقة ألا أجد الكثير من المسافرين لا سيما أن الطقس كان باردا جداً!!
- لكن المفاجأة! قد وجدت المحطة تكتظ بالمسافرين، عوائل كثيرة هنا وهناك، قد انزوى بعضها في نواحي المحطة اتقاء ً للبرد وهي تغطي اطفالها الذين يغطون في نوم عميق مع ساعة الفجر.
ذُهِلتُ حقا!! فالبعض توزع في زوايا هنا وهناك يصلي صلاة الليل، وكم تمنيت وقتها أن يكون لاسمي حصة مع ماترد من اسماء ضمن حبات مسبحة ذلك المتهجد.
ركوب قطار العشق والوفاء
- جاء موعد الصعود الى القطار، بعضهم يحمل صوراً للشهيد الحاج قاسم سليماني على شكل إشارة وباج على صدره، والبعض صورة كبيرة نوعا ما، إنه العشق والوفاء!
صعد المسافرون وأغلبهم عوائل بكامل أفرادها أغلقت الأبواب جميعها وفتحت «السماعات» سبيكرات الصوت التي تصل الى كل من في القطار.. تحية رائعة وسلام مفعم بالدعاء، والكابتن يتمنى رحلة سعيدة للمسافرين، وبعد ذلك تم تشغيل دعاء السفر المعروف وهو ينمُّ عن الثقافة الإيرانية الأصيلة التي تعكس قيم الإسلام المحمدي الأصيل الحسيني المقاوم،وترسيخها في عقول الشعب المحب لمحمد وآل محمد عليهم السلام..
-انطلق القطار والكل يرفع صوته بالصلاة على محمد وآل محمد عليهم السلام، الحرز الذي يعرفه كل شيعي حسُن إسلامه وولاؤه، ترانيم إقشعرَّ لها بدني، ورقَّت لها روحي.
-وأنا بين كل  المشاهد التي تحيطني أحدق في كل منظر أشاهده. أقارنه بمنظر من مناظر بلدي الشيعي، وأنا من مدينة دينية ومدرِّس في مدرسة فيها من المشاكل والصعوبات ما يجعل قلبي يتألم، خاصة وأن اغلب مشاكلنا هي ترك الطلاب للصلاة، في الوقت الذي أجده هنا عرف مقدس.. بل النوافل هنا عرف مقدس فضلاً عن الواجب من الفروض!!
صلاة الجماعة منظر أخّاذ وساحر
- وبعد مايقارب الساعة والنصف، بدأ البث لتلاوة مباركة من القرآن الكريم عبر مكبرات الصوت الخاصة بالقطار، إيذانا بقرب صلاة الصبح.. والكنترول في القطار يخبرنا ان الصلاة ستكون بالمحطة الفلانية وفي مسجد الشهيد همت احد ابطال الدفاع المقدس في الحرب المفروضة على إيران الإسلامية.. كلها توجيهات قبل التوقف في محطة اخرى.
-وفعلاً توقف القطار..
وأثناء النزول شاهدت جموع الركاب تتسابق وكأن هناك أمرا ما أفزع الجميع!!  
فالكل ينزل مسرعاً رجالا ونساء، سرعة أذهلتني، فقلت لأحدهم كان يعرف القليل من العربية ماذا يجري؟! لماذا الكل يركض؟
تبسم قائلا: من أجل الألتحاق بصلاة الجماعة في المسجد!
-نزلت واتجهت حيث -يتجه المسافرون..  وإذا بمسجد يتلألأ بأضوائه الكثيرة التي تجعله بهياً مشرقا كينبوع للنور وسط المحطة وقد غص بالمسافرين والكل يحاول أن يجد له موطئ قدم في الصفوف المتراصة.. منظر آخاذ وساحر، استقرت قدماي ووقفت ضمن الصف.. وبدأ الامام بالصلاة وكان لإمام الجماعة صوت ملائكي يأخذ بمجامع القلوب ولا اعرف أي خصوصية تتمتع بها هذه الحناجر لتترنم أصواتها بنبرات حانية دافئة كأنها من القلب الى القلب.
موجة عالية من الروحانية تخبر عن تربية عميقة لا تشبهها تربية، ووقتها تذكرت مسجدٍ بجوار بيتي.. يصلي فيه الفجر ثلاثة من الشيَبة ذوي الاعمار الكبيرة!!
- وكانت فرصة لأرسلَ من ذلك المسجد مقاطع من الدعاء لزوجتي عبر الواتس آب وهي الأخرى كانت متأثرة فترد على مقاطعي المرسلة، علامات الوجوه الباكية، وتقول: هنيئا لهم هذه الأجواء الروحانية والقلوب المحلقة..
-ويستمر القطار سائرا محمَّلا بتلك القلوب العاشقة المترقبة ساعة الوصول لتحلَّ في واحة النور "مقبرة كرمان" دفعني فضول القراءة لتعابير الوجوه ودلالة قسماتها وانفعالاتها الى ان اتأمل بعضها، ولم أرَ من خلالها غير ارواحٍ يحملها قطار الحب والولاء، تقطر عشقاً ويحدوها غرام، لمثل سليماني الذي ترك أثراً في وجدان كل شريف ونقي وصادق الإيمان!!
-استوقفتني احدى رسائل زوجتي، فتحتها.. كانت قد ارسلتها لي بعد صلاة الفجر المتأخرة عن وقت صلاتنا.. في وقت هوَّمت عيناي من التعب.
تقول فيها: كيف هم على هذه الحال من التوجه الروحي والتفاعل مع الدين عملياً، علماً أن كلينا ننهل المناهل الروية لأهل البيت عليهم السلام؟!
-فقلت لها:
 الفارق هو عمق الايمان ومطابقة القول للفعل في التطبيق، نعم مناهلنا واحدة لكن لا يستجيب الجميع ما ينهل بالدرجة ذاتها فمنهم من يمر الامر عليه مرور الكرام ومنهم من يتغلغل في ثنايا وجوده فيتمثل في أخلاقه وعلاقته بخالقه وبمنابع نوره وحججه على خلقه.
هذا الشعب أثر فيه شخص الامام الخُميني العظيم "قدس "  فثورته كانت ثورة إيمان وعقيدة ودعاء وصدق أدعاء، كل شيء منحه هذا العارف الخطير ألقا وروحانية ً أخذت بكل مؤمن بهذا الخط العرفاني الشفيف الى مراده من الارتقاء والسداد لأنه فكر المعلم الاول لهذا الانبثاق الجديد قد استقرأ كل شيء ووضع الحلول، التي تدعم استقرار المسلم وتضمن سبل نجاته.
من هنا ومن هذا المنطلق، قد ذابت به أمة تبحث عن الشهادة والتضحية ولا يهمها ان تنتهي مقطعة الاوصال. ومتناثرة الاشلاء، وهي لا تحمل شعارات براقة، ومظاهر خداعة، تقول ما لا تفعل، أو تفعل لأجل الوصول للدنيا وزخرفها! وهنا القناعة التي تجعل صادق الإيمان ينفض يده من غبار الدنيا، سريع الأفول عنها.
او كما عبر عنه امير المؤمنين عليه السلام (مَا لعَلِيٍّ وَنَعِيمٍ يَفْنَى وَلَذَّةٍ لَا تَبْقَى). هذا ما تشرّبه الامام الخميني(قدس) القائد المحنك والمعلم العالم والناصح الأمين. وقد جعله جمهوره المخلص قطب الرحى، وداروا في فلَك عرفانه الصادق والحقيقي وهو يشد الأرواح نحو الله سبحانه وتعالى ويؤسِرُ النفوس، ويغل أهواءها بالتقوى، لتحرسها من الذنوب والخطايا.
وقد قلت لك مراراً بدونه فكر المؤسس والمعلم الأول لهذا الانبعاث للروح الاسلامية الحقيقية - لا نجاة لأحد في مواجهة الأستكبار والصهيونية العالمية والصهيو وهابية القذرة وحربها الناعمة.. ففكر الامام الخُميني(قدس)
في هذا المجال هو درع واقي لا يعرفه إلا ذو حظ عظيم.
قلبي يكاد يسبق جسدي للوصول الى قبر الشهيد سليماني
وفي غمرة انشغالي بأفكاري وتحليلاتي تناهى الى سمعي صوت: أنه صوت كابتن القطار يعلن أننا قد دخلنا الحدود المحاذية لمحافظة كرمان، فتعالت التناهيد والبكاء بوجع وتفجّع. فهي مدينة حامي الإسلام، المحمدي الأصيل الحسيني المقاوم والحارس المهدوي الذي ما بارح الدفاع عن دولة الفقيه التي يعتبرها كل الإسلام العملي.. وهدية المعصومين عليهم السلام، لقد لاحظت أن كل فرد ايراني يحفظ له خاطرة، أو صورة او مع فيديو. إنه الغائب الحاضر في وجدان كل تقي.
- نزلنا المحطة واستقبلتنا جموع من السائقين تشير بيد وتصيح بلسان: «مقبرة كرمان قبر الشهيد الحاج قاسم بيا بيا».
- وبعد برهة من التأمل، علمت انها سلسة في انتظار نقطة الوصول لقبر الشهيد الحاج الشهيد السعيد.
 لفت انتباهي هذا الالتزام المتحضر، بالنظام والانتظام فتلك ثقافة من يحترم نفسه وغيره. فالكل في ارتياح واستقرار، وهو دليل الاقتناع بالفكر والفكرة والمنهج الأصيل..
كلما اقتربت للقبر كلما تسارعت نبضات قلبي العاشق لهذا العبد التقي المطيع الملبي لنداء عقيدته الراسخة، الملائكي البكّاء المفعم بروح الدفاع المقدس عن الإسلام المحمدي الأصيل الحسيني المقاوم.
- قلبي يكاد يسبق جسدي كأنه في سباق.. اقترب دوري.. أخرجت صورة يتيمة كانت لي معه، وكأنها جواز سفري الى حضرته المعطرة بعبق الشهادة ورخصة لي لأهوي على رخام القبر المتباهي بكونه يتربع على عرش الخلود باحتوائه على بقايا أكبر المضحين وأصدق العاشقين لخط الامام الحسين(ع)... ألثمه كأنه الجسد.. أقبّله كأنه موضع السجود.. واقول بحرقة المفجوع: يا حاج قاسم.. هل تذكرني.. هلاّ سمعتني؟
انا فلان انا من صافحته يداك الكريمتان، وقبلتك في نحرك الذي أفديه بروحي ونحري..

وأخذتني نوبة نواح موجع
يا الهي!! عذراً.. نسيت ان هناك من ينتظر دورهُ واقفاً خلفي مذهولاً بشأني.. لكني متيقن قد أدركوا حالي.. أني عراقي ففسحوا في المدة لأقضي صلاة العشق.. وأبلُّ شاهدة القبر من عيني وروحي.. وأجدّدُ العهد بالدموع واللوعة التي تسكن جوانحي.
- كفكفت دموعي لأقف بعيداً.. فأخذت سمعي حيث صوت الحبيب الشهيد يبثُّ من مكبر للصوت من قبل المشرفين على المقام المبارك إنه كلام الشهيد الحاج قاسم سليماني باللغة الفارسية مما زاد في تقطيع نياط قلبي الممزق.. يا لخسارة العراق لمثله مخلصا قلَّ نظيره، ونَدُرَ مثاله، وعلى مثلِكَ يا حاج فلتبكِ البواكي.
والحمد لله رب العالمين.

 

البحث
الأرشيف التاريخي