الصفحات
  • الصفحه الاولي
  • محلیات
  • اقتصاد
  • الثقاقه و المجتمع
  • دولیات
  • الریاضه و السیاحه
  • طوفان الأقصى
  • منوعات
العدد سبعة آلاف وأربعمائة وستة عشر - ٠٢ يناير ٢٠٢٤
صحیفة ایران الدولیة الوفاق - العدد سبعة آلاف وأربعمائة وستة عشر - ٠٢ يناير ٢٠٢٤ - الصفحة ٥

في إطار سياستها البراغماتية

نحو الغرب أم روسيا .. إلى أين ستتجه تركيا في الفترة القادمة ؟

الوفاق/ مع إحياء تركيا مؤخراً الذكرى المئوية لقيام الجمهورية، من المهم استكشاف العوامل التاريخية والمعاصرة التي تشكل مستقبل سياستها الخارجية - وخاصة علاقتها المتقلبة مع الغرب، والتي اتسمت بالتوترات والمصالح البراغماتية المتبادلة. إن فوز الرئيس رجب طيب أردوغان مؤخراً في الانتخابات له تداعيات كثيرة على تركيا الحديثة وعلاقتها مع الغرب، وخاصة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي،حيث يمكن أن يُعيد في فترة ولايته الجديدة تعريف هذه العلاقات ويشكل مسار البلاد المستقبلي.
تاريخياً، كانت هناك فترات من الارتفاع والانخفاض في الاستقبال والتصورات الشعبية والسياسية لتركيا في الغرب، منذ العهد العثماني. مع توطيد الإمبراطورية العثمانية للسلطة، نظر إليها الغرب بحذر وتدهورت هذه النظرة أكثر بعد نهاية الحرب العالمية الأولى. وفي الآونة الأخيرة، أدى سلسلة من الأحداث إلى تعقيد علاقة تركيا مع الغرب، وخاصة الولايات المتحدة. بدأت تركيا بالابتعاد عن الولايات المتحدة عندما رفضت مرور القوات الأمريكية إلى العراق عام 2003. وفي عام 2011، عندما قطعت علاقاتها مع الكيان الصهيوني، ونفذت سياسة في سوريا تتعارض مع المصالح الأميركية. وعندما شهدت محاولة الانقلاب في يوليو 2016، ألقت تركيا باللوم على الولايات المتحدة. ولكن تغيرت بعض هذه العوامل مع مرور الوقت. على سبيل المثال، استعادت تركيا علاقتها الاستراتيجية مع الكيان الصهيوني، بل و رحبت حتى برئيس الكيان الصهيوني في أنقرة في مارس 2022، مما يمثل أعلى مستوى لقاء بين الطرفين في 14 عامًا. وقد استقبلت الدول الغربية، وخاصة الولايات المتحدة، هذا الأمر بشكل إيجابي. ومع ذلك، لا تزال مواقف تركيا تجاه سوريا، تمثل نقطة خلاف وتوتر بين تركيا والغرب.
كما تواصلت التوترات بين تركيا واليونان، وكلاهما عضوان في حلف الناتو،و كذلك تلقي تركيا باللوم على الولايات المتحدة لاستضافتها للمعارض التركي فتح الله غولن، الذي يعيش في المنفى الاختياري في ولاية بنسلفانيا منذ عام 1999. وصنّفت تركيا حركته العالمية على أنها منظمة إرهابية، واتهمتها بالتحريض على محاولة الانقلاب عام 2016. ولم تنجح الدعوات المتكررة من أردوغان لتسليم غولن أبدًا، مما زاد من توتر العلاقات.
نقاط الخلاف
 ظهرت المزيد من نقاط الخلاف في السنوات الأخيرة، بما في ذلك تقارب تركيا مع روسيا. تعاون البلدان على خطوط أنابيب النفط والغاز. كما باعت روسيا أسلحة، مثل نظام الصواريخ S-400، لتركيا، وقدمت المساعدة التقنية في بناء المحطات النووية التركية. كما تعاون البلدان في مجال التجارة. تركيا هي العضو الوحيد في حلف شمال الأطلسي الذي لم يدعم فرض العقوبات ضد روسيا بسبب حرب أوكرانيا. بل نقلت الوقود الروسي إلى الصين، متجاوزة العقوبات التي فرضتها الدول الأخرى على موسكو.
ينبع جزء من قوة تركيا من دورها داخل حلف الناتو كجسر بين الشرق والغرب، بفضل موقعها الجغرافي الفريد الذي يمتد عبر أوروبا وآسيا. لعبت تركيا دورًا رئيسيًا في دعم طلب فنلندا الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي، وبعد معارضة أولية، وافقت أيضًا على انضمام السويد - وهو أمر مكّن واشنطن من الموافقة على صفقة لطائرات F-16 المقاتلة. لم تنجح محاولة تركيا ربط موافقتها على عضوية السويد في حلف الناتو بالموافقة على انضمامها المرغوب منذ فترة طويلة إلى الاتحاد الأوروبي، مما خلق مصدر توتر آخر بين أنقرة والغرب. ولكن على الرغم من هذه التوترات، جعل موقعها تركيا الجغرافي الفريد، وتحالفاتها الاستراتيجية ضرورية لكل من الغرب وخصومه اللدودين، روسيا والصين.
 وعلى الرغم من الهامش الضيق الذي فاز به أردوغان في الإنتخابات الرئاسية الأخيرة، إلا أنه سيواصل قيادة تركيا لفترة ولاية ثالثة، و هذا سيكون له تداعيات كبيرة على تركيا وسياستها الخارجية، خصوصاً  فيما يتعلق بعلاقتها مع الغرب. يتوقع البعض أن تبتعد تركيا عن الغرب وتميل أكثر نحو روسيا، بينما يتوقع آخرون العكس. يجادل أولئك الذين يتبنون الموقف الأول بأن العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة والدول الأوروبية ستظل في أحسن الأحوال براغماتية، وعرضة للأزمات الظرفية. تقع تركيا تحت العقوبات الأمريكية لشرائها النظام الروسي S-400، و تشعر واشنطن بالقلق إزاء تعميق أواصر أنقرة مع موسكو، كما أبقى الرئيس الأمريكي جو بايدن أردوغان على مسافة بسبب ما أسماه تراجع المعايير الديمقراطية.
وبالمقابل، تشعر تركيا بالغضب إزاء دعم الولايات المتحدة للمقاتلين المسلحين في سوريا المنتمين لحزب العمال الكردستاني المحظور، وهي تشعر بالحذر من تعميق التعاون السياسي والدفاعي بين خصمها اللدود اليونان والولايات المتحدة.
تعظيم النفوذ
من ناحية أخرى، يستشهد أولئك الذين يتبنون الموقف الثاني بمايسموه عزلة روسيا الدولية المتزايدة والحرب الممتدة في أوكرانيا. قد تعزز هذه "نقاط الضعف" المتصورة في جانب روسيا ، القوة التفاوضية لتركيا باعتبارها الدولة العضو الوحيدة في حلف الناتو التي لم تدعم العقوبات على روسيا. كما يؤكدون على أهمية استمرار علاقة تركيا مع الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين. بين هذين الموقفين المتناقضين، هناك أرضية وسط متوازنة تقر بالتحديات في علاقات تركيا مع حلفائها الغربيين، في حين تشدد أيضًا على قيمة التوصل إلى ارتباط ناجح للتغلب على هذه التحديات. بينما تقر بأن تركيا ستكون شوكة في خاصرة الغرب لسنوات قادمة، تأخذ هذه المواقف أيضًا في الاعتبار ، اقتصاد تركيا الضخم ، وقوتها العسكرية، وموقعها، مما يجعلها ذات أهمية بالنسبة للغرب.
 يجادل أولئك الذين يتبنون هذا الموقف الوسط بأنه من خلال التواصل المباشر بين قادة تركيا وحلفائها الغربيين، وخاصة الولايات المتحدة، تم تحقيق انتصارات مهمة، بما في ذلك انضمام السويد إلى حلف شمال الأطلسي، ومبيعات طائرات F-16، ووقف إطلاق النار مع حزب العمال الكردستاني (أو على الأقل امتناع تركي مستمر في شمال شرق سوريا)، والهدوء مع اليونانيين، والتقدم نحو التقارب الأرمني الأذربيجاني. يرى هذا الموقف أن إحياء ذكي في علاقة تركيا مع الغرب ليس ضروريًا فحسب، بل إنه السبيل الوحيد لتحقيق أهداف ومصالح الطرفين المشتركة. قد يكون ذلك أيضًا أفضل طريقة براغماتية لاحتواء ما وصفه بعض النقاد بـ "عاصفة أردوغانية". فقد ابتعد أردوغان عن أن ينظر إليه على أنه دمية للغرب، وخاصة الولايات المتحدة، من خلال بناء علاقات استراتيجية قابلة للتطبيق مع دول قوية أخرى، بما في ذلك روسيا والصين. كما اقترب أكثر من إيران في السنوات الأخيرة. تستند هذه السياسة إلى ضرورة تعزيز وتنويع الشراكات والتحالفات الاستراتيجية لتركيا لحماية مصالحها في المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية.
 كما  نجح أردوغان من خلال سياسته البراغماتية و اللعب على الخلافات في البقاء على الساحة العالمية من خلال الاحتفاظ بروسيا قريبة والتأكيد على التزامه تجاه حلف الناتو، في حين يحاول الحصول على أقصى قدر من التنازلات من الجانبين. وعلى الرغم من أن بعض تكتيكاته الأخيرة، وخاصة موقفه بشأن عضوية السويد في حلف الناتو، أغضبت روسيا، من غير المرجح أن تتسبب مثل هذه التحركات في تآكل أسس علاقتهما المعاملاتية. وبالمثل، من غير المرجح أن تقوض سياسة تركيا بشأن سوريا وقربها المتزايد من روسيا والصين وإيران العلاقة المعاملاتية بين تركيا والغرب.
سيناريوهات محتملة
مع الانتقال إلى الأمام، يمكن لتركيا اختيار أحد السيناريوهات الثلاثة: تفضيل حلفائها الغربيين على حساب علاقاتها مع روسيا والصين؛ تفضيل الأخيرة على حساب الأولى؛ أو مواصلة الموازنة بين هذه العلاقات. يبدو السيناريو الثالث أكثر واقعية. فقد نجحت تركيا إلى حد ما في القيام بذلك من خلال علاقاتها البراغماتية مع الشرق والغرب، ومن المرجح أن تواصل السير على نفس المسار خلال فترة ولاية أردوغان الثالثة وفي مرحلة ما بعد أردوغان.
 و الأمر الآخر الذي يصعب مسألة الحفاظ على التوازنات و القدرة على التأثير في الشرق الأوسط على تركيا البراغماتية ،هي مسألة العلاقات مع الكيان الصهيوني، ويبدو ذلك الأن أكثر صعوبة من أي وقت مضى وسط أزمة الحرب على غزة.  انتقدت تركيا لاتخاذها موقفًا حيال هذه المأساة الإنسانية الخطيرة من خلال إدانة هجمات الكيان الصهيوني على المدنيين الأبرياء في غزة وانتقاد الغرب لدعمه له –على الرغم من أن هذه الإدانات شكلية-، دون اتخاذ خطوات عملية أكثر حسمًا، مثل قطع العلاقات الدبلوماسية مع الكيان الصهيوني، على سبيل المثال، أو حتى التهديد بذلك.
على أي حال ستحدد قدرة تركيا على المشي بمهارة على هذه الحبال المشدودة و اللعب على الخلافات و التناقضات نجاحها أو فشلها كقوة إقليمية ودولية .
البحث
الأرشيف التاريخي