في إطار دعمها للمعارضة
لماذا تستفز السياسات الأميركية في بنغلادش الحكومة الهندية؟
الوفاق/ تناولت مؤخراً العديد من التقارير و التحليلات التدخل من قِبل الولايات المتحدة في الانتخابات المقبلة في بنغلادش، وكيف أن ذلك أثار قلق الهند لما يشكله من تهديد مباشر لمصالحها الإستراتيجية في المنطقة. فوفقًا للعديد من التقارير ، تمارس واشنطن ضغوطًا متزايدة على حكومة رئيسة الوزراء البنغالية شيخة حسينة من حزب العوامي الحاكم، في الوقت الذي تقدم فيه دعمًا ضمنيًا للمعارضة بقيادة حزب الوطنيين البنغالي الموالي لباكستان.
وترى الهند أن موقف الولايات المتحدة هذا يهدف لزعزعة استقرار الوضع في بنغلادش وإضعاف الحكومة الحالية الموالية للهند، ما يمثل تهديدًا مباشرًا للنفوذ الهندي ومصالحها الإستراتيجية هناك، و يؤثر على ميزان القوى في المنطقة وعلى السياسة الخارجية لبنغلادش،و في هذا السياق نشر موقع "اينفو بريكس" مقالا ناقش فيه الدعم الأميركي للمعارضة البنغلادشية و أسباب هذا الدعم.
قلق هندي
تراقب الهند بحذر التدخل من جانب واشنطن في الانتخابات المقبلة في بنغلادش ودعمها الضمني لائتلاف المعارضة الإسلامية بقيادة حزب الوطنيين البنغالي المحسوب على باكستان، والذي يتزعمه محمد إرشاد، لا سيما وأن الضغط الأمريكي على حكومة رئيسة الوزراء شيخة حسينة وحزب العوامي الحاكم يتناقض مع المصالح الهندية.
في نوفمبر/تشرين الثاني، قالت وزارة الخارجية الهندية إنها بوصفها "صديقة وشريكة" قريبة لبنغلادش، ستواصل دعم واحترام رؤية دكا لبناء "أمة مستقرة ومزدهرة ومتقدمة". وأكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الهندية أريندام باغتشي على أن الانتخابات في الدولة المجاورة، المقررة في 7 يناير/كانون الثاني 2024، هي مسألة داخلية.
من جهتها، تتهم الولايات المتحدة دكا بعدم دفعها نحو المزيد من الديمقراطية، وأعلن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في مايو/أيار عن نظام تأشيرات جديد يستهدف الأفراد البنغاليين المشتبه بـ"تقويضهم لعملية الانتخابات الديمقراطية" في البلد جنوب آسيوي. وكما كان متوقعًا، رحب حزب الوطنيين البنغالي المعارض بسياسة التأشيرات الأمريكية، إلا أن حسينة أشارت إلى أن هذا "تدخل" في الانتخابات المقبلة. قال محمد زمير، رئيس لجنة الشؤون الدولية في حزب العوامي ووزير خارجية سابق، إن موسكو أثارت "نقطة صحيحة للغاية" عندما حذرت من أن واشنطن يمكن أن تحرض على احتجاجات شبيهة بـ"الربيع العربي" في بنغلادش بعد الانتخابات.
وقال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إنه يمكن للولايات المتحدة أن تحاول إثارة احتجاجات على غرار الربيع العربي إذا لم تكن "راضية" عن نتائج الانتخابات الاتحادية في بنغلادش. كما عبّر عن مخاوف من وجود صلة مباشرة بين الاستفزازات السياسية من جانب المعارضة البنغالية وأنشطة التحريض من قِبل سفير الولايات المتحدة في دكا بيتر هاس. وأعرب أعضاء كبار في حزب العوامي عن مخاوفهم من أن بيتر هاس يدعم سرًا حزب الوطنيين، الذي لم يعلن فقط مقاطعته للانتخابات، بل يقود أيضًا احتجاجات في جميع أنحاء البلاد. وطالب حزب الوطنيين ذو الميول الإسلامية حسينة بالتنحي عن منصبها قبل الانتخابات وإجراء التصويت تحت ترتيبات انتقالية. لكن حكومة حسينة رفضت هذه المطالب باعتبارها غير دستورية.
أسباب دعم أميركا للمعارضة في بنغلادش
تجد واشنطن حزب العوامي مزعجًا بسبب سياسته الخارجية المتوازنة،حيث لا يرفض حزب العوامي علاقات وثيقة ودية مع واشنطن، ولكن ليس على حساب موسكو، وهي شرط دائمًا ما تفرضه الولايات المتحدة. ظلت دكا متمسكة وقدمت في علاقاتها مع موسكو. وفي أغسطس/آب الماضي، قال تاريق أحمد صديق، مستشار الدفاع والأمن لرئيس وزراء بنغلادش، إن العقوبات المفروضة على روسيا تضر بالدول الثلاث وتُظهر أن الإجراءات القيّدية هي أداة سياسة خارجية غير فعالة. وأضاف: "إن العقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا تجلب المعاناة أيضًا إلى مناطق أخرى من العالم، وهو بالطبع وضع غير مرغوب فيه. اضطر بلدنا أيضًا إلى مواجهة عواقب كبيرة في هذا السياق. من الواضح بالنسبة لنا الآن أن العقوبات لن تفيد أحدًا، ونحن نختبر هذا عن كثب".
في سبتمبر/أيلول، أصبح سيرغي لافروف أول وزير خارجية يزور دكا من موسكو منذ استقلالها جنوب آسيا في عام 1971، مُظهرًا حيوية جديدة في بناء العلاقات، وهو أمر تريد واشنطن منعه. وفي سبيل تعزيز العلاقات، تسلمت بنغلادش في أكتوبر/تشرين الأول أول شحنة من الوقود الروسي لتشغيل محطة روبور للطاقة النووية، وهي أول محطة مدنية نووية في تاريخ بنغلادش، حيث تموّل روسيا 90% من المشروع البالغة تكلفته 12.6 مليار دولار. بهذه الطريقة، تتعاظم العلاقات بين دكا وموسكو، وليس بهدف العداء تجاه الولايات المتحدة.
واشنطن تستفز الهند
وتحافظ الهند على دورها كشريك سياسي وتنموي رئيسي لبنغلادش، بما يتماشى مع الروابط التاريخية العميقة الجذور والشعبية المشتركة بين البلدين، لا سيما في سياق دعم الهند لاستقلال جارتها عن باكستان في عام 1971. وعلى الرغم من محاولة الولايات المتحدة منع استقلال بنغلادش كون باكستان حليفًا رئيسيًا، وكانت من آخر الدول التي منحت بنغلادش الاعتراف، إلا أن واشنطن لا تأخذ أي مصالح هندية بعين الاعتبار وتتصرف بشكل استعماري جديد تجاه دكا،ضاربة المصالح الهندية بعرض الحائط.و لكن وعلى الرغم من الضغوط، تواصل دكا متابعة سياسة خارجية مستقلة، كما هو واضح من عدم التزامها بالانضمام لمجموعة "كواد"، ولكن أيضًا من خلال عدم ردعها عن إقامة علاقات مع موسكو. و الجدير بالذكر أن بيانًا مشتركًا بين الهند والولايات المتحدة تلا قمة بين الرئيس الأمريكي جو بايدن ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي في البيت الأبيض في يونيو/حزيران "رحّب بعمق ووتيرة المشاورات المعززة بين الحكومتين" بشأن جنوب آسيا.ومع ذلك، يتضح جليًّا أن الولايات المتحدة لا تأخذ مصالح وأولويات الهند في بنغلادش بعين الاعتبار، حيث تدعم المعارضة هناك في خطوة قد تؤثر على علاقاتها معها و المشاريع المشتركة بينهما،لاسيما أن أميركا سعت مراراً و تكراراً مؤخراً،لكسب الهند لطرفها بهدف إبعادها عن روسيا.