الصفحات
  • الصفحه الاولي
  • محلیات
  • اقتصاد
  • الثقاقه و المجتمع
  • دولیات
  • طوفان الأقصى
  • منوعات
العدد سبعة آلاف وأربعمائة وثلاثة عشر - ٣٠ ديسمبر ٢٠٢٣
صحیفة ایران الدولیة الوفاق - العدد سبعة آلاف وأربعمائة وثلاثة عشر - ٣٠ ديسمبر ٢٠٢٣ - الصفحة ٤

المعتقل البحريني السابق محمد طوق للوفاق:

النظام البحريني يحكم الشعب بالنار والحديد وشهداؤنا هم صوت الحق الناطق

الوفاق/ خاص
أمل محمد شبيب
حكايا البحرين وشعبها ومناضليها حكايا غنية بالعزة والكرامة، ومليئة بالألم والأمل والغربة والسجن وظلم السّجان ومرارة السجن، لن ولم يعرف تفاصيلها إلاّ من كان ضحية السجون البحرينية وسجّانيها وقيادتها...فيها من القوة والضعف والمعتقلين والشهداء ما يؤكد أن طريق ذات الشوكة طريق مليء بالصعوبات، لكنهم، هم المعتقلون، يرون أن الألم في جنب الله بلسم عذب، وأن الحق والسير على طريق الرسالة السماوية يتطلب الصبر وتحمل المصاعب إلى أن تتحقق رسالة الله في الأرض، فإما "أن نكون على هذا الطريق بكل صعوباته أو نكون من المتخاذلين عن طريق الرسالة وهو ما لم يكن ولن يكون"...
في لقائنا اليوم سنتعرف معكم على حكاية الوطن والسجن والغربة وما بينها من أحداث عاشها المناضل البحريني محمد طوق خلال رحلة نضاله وعذابه داخل سجن جو المركزي في البحرين حتى وصوله الى الجمهورية الإسلامية الإيرانية بعد نجاح عملية سيوف الثأر، وهي العملية التي هزّت عروش الظالمين بتحرير 10 أسرى من سجن جو المركزي بهجوم مسلّح من قبل الشهيد علي العرب والأبطال الآخرين...
 جريدة الوفاق إلتقت بالمعتقل البحريني السابق محمد إبراهيم آل طوق وكان حديثاً طويلاً وسيرة حياة ووقفات عزّ في الحياة ونضال وجهاد حتى تحقيق الحرية والخروج من الماء الى ايران...

الـ14 من فبراير، ثورة رفض ضد التمييز الطائفي وبداية جديدة لمواجهة السجن والسجّان
محمد إبراهيم آل طوق، من جزيرة سترة منطقة واديان، العمر ٣١ سنة، أعيش الآن في مدينة قم المقدسة في إيران ، مطلوب الى نظام آل خليفة على خلفيّة قضايا سياسية تخص ثورة ١٤ فبراير، محكوم بأكثر من ٧٠ سنة وصدر في حقي سنة ٢٠١٧ حكم الإعدام رمياً بالرصاص، وصدر حكمان بإسقاط الجنسية البحرينية، بهذه البطاقة الشخصية بدأ حديثنا مع المعتقل السابق محمد طوق، وهو واحد من شعب شريف وعظيم رفض الذلّ والإستسلام الذي مارسه ولا يزال آل خليفة بحق شعب لم ير سوى الظلم والتمييز الطائفي من حكومة البحرين، يضيف طوق بأن عموم الشعب البحريني ومنذ نعومة الأظافر وهو يسمع ويشاهد ظلم آل خليفة وتمييزهم الطائفي، وأنا منذ صغر سني عايشت بعض أحداث التسعينات، وكان بعض أفراد عائلتي معتقلين على خلفيات سياسية في التسعينات، فكنا ولا زلنا نكبر على ظلم آل خليفة الذي لا يُحتمل، بل أن آل خليفة يزدادون يوماً بعد يوم في طغيانهم وظلمهم وسلبهم حقوق الشعب البحريني، حتى تاريخ ١٤ فبراير يوم إنطلاق الثورة وشاركت الشعب البحريني نضالهم ونزلت الى الشارع ورابطت مع أبناء بلدي في ميدان الشهداء في أكبر تجمع للشعب البحريني للمطالبة بحقوقه المنزوعة، ومنذ مشاركتي مع شعبي بالوقوف مع الحق ضد الباطل، استمريت في مواجهة هذا النظام الفاسد، الى أن أصبحت مطلوباً من جهاز أمن الدولة أنا ومن معي من أصدقائي، وكانت تتم مداهمة منزل والدي ومنازل أصدقائي بشكل يومي ومستمر من قِبَل أمن الدولة، ولكن كل هذا لم يجعلنا نتراجع ونتخلف عن المطالبة بحقوق الشعب المنهوبة، إلى أن تم أعتقالي وإعتقال كل أصدقائي، وتم وضعنا في السجن بيّن الجدران والحديد المليئة بالظلم والإضطهاد، وهنا لم تنته الحكاية، بل كانت بداية جديدة لحكاية جديدة في مواجهة السجن والسجان..
غدر قوات النظام البحريني أمام رفع الشعارات السلمية في دوّار اللؤلؤة
سُحُب الثورة الشعبية تتراكم في سماء البحرين، وتزينها قبضات الشباب الثائر في الشوارع، هي مظاهرات سلمية قادها الثوّار طلباً لحقوق ادنى ما يُقال عنها حقوق انسانية ومشروعة، وهنا يقول محمد طوق: "مع بداية انطلاق الثورة في البحرين، كان المشهد صادماً لـ"آل خليفة ورعاياها"، أكثر من نصف الشعب البحريني نزل الى الشارع ورفع مطالبه في وجة العائلة الحاكمة، ولا أُبالغ إن قلت أنه في بداية انطلاق الثورة كان المشهد راقياً جداً من الشعب البحريني، حملوا شعارات السلمية، واعتصموا بكل تنظيم، ولكن هذا المشهد أرعب آل خليفة، فكان خيار الغدر هو الحل الوحيد لديّهم، هاجموا المعتصمين في ميدان الشهداء " دوار اللؤلؤة " عند الفجر، حتى تحول المشهد إلى ألم ووجع عميق في وقتها، فقد  كان النساء والأطفال والشيوخ متواجدين في ميدان الشهداء، ووسط الظلام والهدوء وبينما كان معظم المعتصمين نائمين، هاجمت قوات المرتزقة ميدان الشهداء برصاص الشوزن وغيرها من الأسلحة، وإرتفعت صيحات النساء والأطفال، لكن الشباب الثائر تصدّى الى قوات المرتزقة امام المشاهد الدامية التي عشناها في تلك الأيام، كانت سيارات الاسعاف تنقل الشباب الى المستشفيات رغم إمتلاء بعضها بالجرحى كمستشفى السلمانية وغيرها، إضافة الى سقوط اربعة شهداء بعد هجوم قوات آل خليفة على كل من كان يطالب بأدنى حقوقه في بلد مليء بالخيرات، ولكن  للأسف كل خيرات هذا البلد الصغير تذهب الى العائلة الحاكمة.
سجن جو "مقبرة الأحياء"... ذكريات مُرّة ومؤلمة
حشود غاضبة كانت جزءاً من ملايين المؤمنين بسورة المقاومة، يتطلعون إلى يوم الخلاص، كانت الحشود تسير وتترقب الفتح والنصر المبين، ومن بين الحشود تم إعتقال محمد طوق، الشاب العشريني في ذلك الوقت، يقول طوق:"بعد اعتقالي بقيت في مبنى أمن الدولة أكثر من ١٦ يوما معصوب العينين ومقيد اليدين والرجلين بسلاسل حديدية، وكان مسلسل التعذيب يبدأ من بعد المغرب حتى خروج الشمس من الشرق، كنت في لحظات التعذيب أتمنى الموت لكي أرتاح من هذا العذاب، إنهم وحوش بشريّة لا يمتلكون الرحمة، وكأن مبنى أمن الدولة محجوب عن نظر الله في عيونهم، بعد أن خلصت المدة نقلوني الى سجن جو المركزي، وهذا السجن للأشخاص المحكومين، بعد وصولي الى سجن جو إعتقدت أن مسلسل التعذيب قد إنتهى، ولكن كانت المفاجأة تنتظرني في ذلك السجن، إستقبلوني إستقبالاً حافلاً، أدخلوني الى إدارة سجن جو وأنا كنت أظن بأن مجيئي الى الادراة فقط لإستكمال إجراءات الحكم وإخباري عن المبنى الذي سأنقل إليه... تم إدخالي الى غرفة  صغيرة كان يتواجد فيها ٦ أشخاص، لكن العجيب في الأمر  إنهم كانوا من جنسيات مختلفة، من باكستان واليمن والأردن، ما إن وضعت قدمي داخل هذه الغرفة حتى اغلقوا الباب من خلفي، وانقض السجناء عليّ جميعهم باللكمات على وجهي وجسمي، كان أحدهم من الجنسية الباكستانية إسمه محمد عارف، رفعني ورماني على الجدار، اصطدم وجهي بالجدار وشج حاجبي من قوة الصدمة، وبدأ الدم يملأ وجهي، غير أن كل هذا لم يمنعهم من إستمرار التعذيب، بقيت على هذا الحال ثلاث ساعات حتى تم إخراجي بعد مسلسل من المعاناة والتعذيب كنت لا استطيع المشي على أقدامي، خرجت من الغرفة  وأنا أزحف على الأرض من كثرة ما تعرضت له من ألم وتعذيب.
السجانون هم أعتى البشر والمعتقلون يواجهون سياسة الموت البطيء
نعود في الذاكرة مع محمد طوق الى العذابات داخل السجن، فهذه الذاكرة الحيّة تسجّل  كل ما يجده المرء مهماً، كما تسجل الصوت والطعم والرائحة، رغم مرور كل هذه السنوات ، تبقى بعض الحوادث والأحداث تشعّ في ذاكرة  الشاب محمد، وهنا يتحدث طوق عن انواع العذابات التي يعيشها المعتقل داخل سجون البحرين بين قضبان السجن وظلم السجان قائلاً: "المعتقلون في البحرين لا يعيشون عذاباً عادياً، بل يتعرضون الى ألم العذاب المستمر في سجن جو المركزي، فهم أولاً لم يقوموا بأي جرم لكي يكونوا في هذا المكان الموحش، إنما أُناس طالبوا بحقوقهم المشروعة، فلماذا يكونون في هذا المكان؟!!
اليوم في سجون آل خليفة توجد سياسة الموت البطيء، الأمراض تنتشر داخل السجن، والمعتقل الذي يطالب بالذهاب للعلاج عليه أن يمر بتحدٍّ  كبير للحصول على أقل حق يطالب فيه وهو عرضَه على الطبيب، يجب على المعتقل المريض أن يضرب عن الطعام، ويجب على اصدقائه داخل السجن أن يتضامنوا معه في إضرابه عن الطعام، ولا تتوقف القضية عند هذا الحد، بل في كثير من الأحيان تأتي إدارة السجن وتأخذ الشخص المريض الذي يطالب بعرضِه على الطبيب وتضعه في الزنزانة الإنفرادية ويتهمونه بتحريض السجناء على التمرد داخل السجن!! هذه المفارقة الغريبة؟!" ويضيف: "خلال فترة وجودي في السجن كان السجانون من أعتى البشر، سجناء من مختلف الجنسيات يتواجدون داخل السجن وينظرون إلينا بنظرة طائفية ويتعاملون معنا وكأننا "إرهابيون"، بل دائماً ما كانوا يوجهون إلينا هذا الكلام " إنتم إرهابيون"  لكن الحقيقة هم "الإرهابيون" الذين يتلبسون لباس النظام والدولة".
ممارسات التعذيب والحرمان لم تكسر ارادة شباب آمنوا بقضيتهم
قد يتراكم غبار النسيان على الكثير من الحوادث التاريخية وتغطي أتربة السنين جزءاً منها، إلاّ أن بعض الحوادث تبقى تشعّ في النفس الإنسانية ولا تنطفئ أبداً، لكنها تنفض عن نفسها غبار التاريخ، لتواكب بعض الحوادث حركة التاريخ بل وأن بعضها يصنع التاريخ وتحطم قضبان الزمن، من الماضي الى الحاضر لتصل الى صناعة المستقبل، نكمل حديثنا مع محمد طوق ونستعيد معه أحداث العام 2015 من الإنتفاضة وغيرها، ونذهب مع طوق في ذاكرته الى تلك الفترة حيث يقول: " أعتقلت في نهاية سنة ٢٠١٥، وكانت آثار انتفاضة سجن جو لا تزال موجودة الى حين وصولي الى سجن جو، فقد كان المرتزقة بشكل مستمر يعملون على إستفزاز المعتقلين بشكل دائم كي يُعارضهم أحد المعتقلين على التصرفات ويأخذوه للتعذيب، في كل ساعة كان يدخل أحد السجانين ويطلب منا الموقوف كما كان يطلب منا أن نناديه "سيدي"، ولم يكن هذا الوضع  قائماً خلال النهار فقط، بل حتى في منتصف الليل وأثناء النوم كانوا يدخلون علينا ويصرخون على كل شخص يقف على رجليه، بل كان أكثر السجّانين يُريدون أن يُثبتوا الى إدارة السجن بأنه الأقسى في التعامل مع المعتقلين وفي تعذيبهم الى حدّ الدناءة، ومثال على ذلك، كان أحد المرتزقة من الدرك الأردني إسمه "مالك" يلقب نفسه "بالزعيم"، كان دائماً يقول ( عندما يمر خيالي عليكم يجب أن تقفوا على أرجلكم وتقولوا "سيدي الزعيم") وغيرها من أمور استفزازية كثيرة، الى أن انتفضت "غرفة ٦" في "مبنى "١ صباح ذات يوم عندما دخل المرتزقة الى المبنى وقاموا بالصراخ ( كل شخص يقف للحساب ) ووقف المعتقلون للحساب وكان كل شخص يقول ( واحد سيدي، إثنين سيدي الى آخره)... الى أن وصلوا الى غرفة "رقم 6 " حيث تفاجأ المرتزقة بالشباب وهم جالسون دون أن يقفوا للسجانين،  وأخذوا يصرخون بأعلى أصواتهم متسائلين: "لماذا لم تقفوا؟" قال أحد الشباب :" لن نقف وإذا أردتم الحساب، أنتم عليكم الحساب ونحن جالسين، ولن نقول "سيدي"، فكان هذا الكلام كافياً ليفنجر المرتزقة صراخاً قائلين: "أنتم تتمردون على القرارات، سنكسر رأسكم الآن"، حينها طلبوا تعزيزات من قوات المرتزقة ودخلوا المبنى بشكل جنوني، ولكن الشباب أصروا على موقفهم الشجاع في غرفة رقم ٦ ، بعدها إنتفض المعتقلون في الغرف المجاورة وثاروا بوجه المرتزقة وإرتفعت التكبيرات والضرب على أبواب الغرف، ما أثار الرعب عند إدارة السجن فخشيت من انتفاضة جديدة داخل السجن، وأدركوا تماماً بأن كل ممارسات التعذيب والحرمان التي مارسوها بحق المعتقلين لم تكسر ارادة المعتقلين، بل زادتهم قوة وتحدياً في مواجهة السجانين، وفي نفس الوقت إقتاد هؤلاء المرتزقة أربعة أشخاص من غرفة "رقم ٦" الى أحد الضباط البحرينيين في إدارة السجن، مع إصرار الشباب المعتقل بعدم الرضوخ للسجان بالوقوف لهم وقول "سيدي"، فكسروا بهذا الموقف غرور السجانين وإنتصر الشباب في هذا الموقف البطولي، في حين أن إدارة سجن جو كانت تعتقد بأنها أحكمت السيطرة على المعتقلين وكسرت إرادتهم في مواجهة السجان والظلم، وصدر قرار من الإدارة يُمنع مطالبة السجين "بالوقوف، والنداء الى الشرطة ب"سيدي".. هذهِ قضية بسيطة توضح للعالم بأن ظلام السجن وظلم السجان لا تحني شباب آمنوا بقضيتهم الحقة، وساروا على طريق الجهاد والمطالبة بحقوقهم في وجه الطغيان.
عذابات السجن قصص لا يتخيلها عقل ولا يتحملها بشر
الى الإنتفاضات والمظاهرات العديدة التي قام بها المعتقلون إنتقلنا في حديثنا مع طوق، يخبرنا محمد طوق، الشاب الثلاثيني اليوم، أنه لم يكن متواجداً في السجن يوم انتفاضة سجن جو، يقول: "كنت مطارداً في تلك الفترة من قبل جهاز أمن الدولة، ولكني أعتقلت بعد ٧ أشهر من الإنتفاضة المشهورة، وعند وصولي الى سجن جو المركزي استقبلوني استقبالاً حافلاً، قد يختصر الإستقبال بهذا التعبير " كانت حفلة من دون كيك"، كنت أتوقع بأن أحداً في السجن لم يتعرض للتعذيب الذي تعرضت له، إذ بقيت ثلاثة ايام لا استطيع المشي على قدميّ،  وكانت عيوني متورمة وملامح وجهي تغيّرت، عندما كنت أتمدد للنوم لم أكن أدري على أي جنب أتمدد من كثرة وشدّة الألم، كنت أظن أن أقصى أنواع العذاب عشتها وحدي إلى أن سمعت معاناة وعذابات وآلام الشباب المعتقلين الذين إلتقيت بهم داخل السجن والإهانات والإعتداءات التي تعرضوا لها، فكانت كل هذه الأخبار تفوق العقل والتصوّر، ومن هذه العذابات، ما كان يمارسه الدرك الأردني الذين كانوا يأخذون المعتقل للتعذيب مستخدمين الهروات والأسلاك والعصي وكل وسائل التعذيب داخل السجون، وهنا استذكر قول أحد  أصدقائي الذي أخبرني بأن الدرك الأردني كان يأخذ أحد المعتقلين أسمه "طالب علي" من جزيرة سترة، كنا نسمع صوت الضربات على جسمه ونسمع صراخ طالب، وبعد مضي ساعة فقط على التعذيب لم نكن لنسمع صوت طالب بل كان صوت الضربات على جسده هو ما يصل إلى مسامعنا، الى أن يحين وقت الفجر، كانوا يأتون به مجروراً فاقداً للوعي من شدّة الضرب، وكانوا يستخدمون الضرب مرة أخرى كطريقة لإيقاظه من اللاوعي... نعم هؤلاء السجانون مجرمون لا تأخذهم بالإنسان رحمة ولا إنسانية، حتى أن أحد الأردنيين كان يستخدم أسلوب الإذلال للمعتقلين، يأتي بالمعتقل ويعطيه نعال "شحاطة" ويقول له "هذه زوجتك احضنها وقل لها كلام جميل"، وهو يجلس على كرسي مقابل المعتقل ويضحك على هذا المشهد، أما الغضب الأكبر والعذاب حتى الموت كان عندما يرفض المعتقل تنفيذ هذا الأمر. كان على المعتقل الذي يطلب الذهاب الى الحمام أن يتحمل ما سيتعرض له داخل الحمامات من زحف على النجاسات والأوساخ، ويمكن القول بأن الدرك الأردني في سجن جو المركزي قاموا بتعذيب ومارسوا أموراً لا يستطيع المرء أن يتصور الدناءة التي وصلوا إليها، وكل هذا تحت مرأى ومسمع إدارة سجن جو المركزي، لكن العجيب في الأمر بأن  كلما كان المرتزق أكثر تعذيباً ودناءة كلما حصل على ترقية ورتبة أعلى من وزارة الداخلية.
السجن... عذابات ومعاناة
 اليوم داخل السجون يوجد معتقلون من جميع الفئات العمرية، فهناك الطفل والشاب والشيخ الكبير، ولكل معاناته الخاصة، صحيح كلهم يجتمعون في معاناة سلب الحرية ويجمعهم الظلم الواقع بهم داخل السجن، إلا أن  كل فئة تعيش معاناة تختلف عن الفئة الأخرى. لكن نسأل أنفسنا: لماذا سجون البحرين مليئة بالأطفال؟ هل الأطفال مكانهم السجن؟ أليس ينبغي أن يكون مكانهم وسط عائلتهم وآبائهم وأمهاتهم وعلى مقاعدهم الدراسية؟ السلطة الظالمة لا تأخذ كل هذا بعين الإعتبار، بل إنها تصرّ على رؤية الاطفال وهم بعمر الزهور يذبلون داخل السجون المظلمة. أما فئة الشباب فإنهم يعيشون مرارة البعد عن زوجاتهم وأبنائهم، كما أن الأمراض أصبحت بشكل مخيف داخل السجن، وكم من الشباب اليوم ينعون أنفسهم من داخل السجون والإدارة لا تستجيب لهم، وكذلك كبار السن والرموز وذوي الأعمار المتقدمة الذين دخلوا الى السجن وهم يحملون أمراض مزمنة ومختلفة، وإدارة السجن تتعمد عدم إعطائهم حق العلاج، وناهيك عن كل المعامله السيئة.
"سيوف الثأر" إنتزاع الحرية من فكّ الأسد
داخل سجن جو المركزي حياة مظلمة من نوع آخر، وحدهم المعتقلون أو الذين مرّوا على هذا السجن يعرفون حجم العذاب ونوع الجحيم الذي يعيشه المعتقل في البحرين، ومع هذا استطاع بعض المعتقلين ظلماً أن يفرّوا من هذا السجن، وهنا في سؤالنا عن بعض عمليات الهروب يرفض محمد عبارة"الهروب أو الفرار" يقول: " نحن نستخدم عنوان وعبارة "التحرّر من السجن" ذلك لأننا لم نرتكب أي جرم لكي نسجن في سجن جو، سواء من الرموز القادة الى أصغر معتقل في السجون الخليفية الذين خرجوا للمطالبة بحقوق مشروعة، إعتقلتهم قوات الأمن وملأت السجون من الأبرياء، فحق كل معتقل أن يُحرر نفسه من هذا الظلم، وأنا شخصياً وفقني الله للعمل من داخل السجن تحت قيادة الشهيد رضا الغسرة، واستطعنا تحرير أنفسنا من هذا السجن مع الشهيد رضا الغسرة و ثمانية أشخاص في عملية أطلق عليها الشهيد الغسرة عنوان "سيوف الثأر" إنتزعنا حريتنا بأيدينا من فك الأسد، وخابت كل تحصينات العدو وإجراءات سجن جو. رسالتان مهمتان وصلت للعدو والصديق، الرسالة الأولى للعدو أن سجون الظلم لم تكسرنا ولم تجعلنا نحيد عن مواصلة الطريق، طريق الحق والعدالة وتطبيق رسالة السماء في الأرض، أما الرسالة الثانية فكانت الى الصديق والأصدقاء من الثوار وعوائل المعتقلين والشهداء أننا باقون على النهج ولن نتخلى عن حقوقنا مهما كانت الظروف وصعوباتها.
الشهيد رضا الغسرة... صوت الحق لكل معتقل مظلوم
بعادته السجان يعزل المعتقل عن العالم الخارجي بأكمله، ويوجد في سجن جو تحصينات كبيره جداً، للوهلة الأولى يتخيل للمعتقل استحالة الفرار والتحرّر من هذا المكان، فأبراج المراقبة تحيط بالسجن، الكامرات تملأ المكان من الخارج والداخل حتى داخل المباني تتوزع  الكاميرات في كل الجهات والممرات، إضافة الى الكلاب المزروعة في باحات السجن  والمرتزقة الذين يراقبون الساحات داخل السجن، كل هذه الإجراءات تصب في فكرة واحدة، بأن يدخل اليأس في قلب المعتقل من القدرة على تخطي كل هذه الحواجز، غير ان خطة السجّان فشلت في إدخال اليأس في القلوب، ليخرج شاب من داخل مبنى الزعل     "مبنى المحكومين بالإعدام" ويكسر كل هذه القيود، ويصدم الجميع الصديق قبل العدو، بعملية معقدة وجديدة في تاريخ البحرين، إنهُ الشهيد رضا الغسرة.
فمع طلوع شمس العام الجديد وبالتحديد في فجر ١/١/٢٠١٧ مع إرتفاع صوت الحق "الله أكبر" أرتفع نداء رضا الغسرة ببدء العملية التي ستجعل النظام يجر خيبات الذل والذاكرة الأليمة لهُ في كل عام من تاريخ ١/١، يوم تحطمت كل التحصينات وفشل النظام بالوثوق بمرتزقته الذين يملأون سجن جو المركزي، وصدم خبر العملية قيادة السجن والحكومة وألغيت على آثار العملية عملية استقدام المرتزقة من الدرك الأردني، وتم تنحية مدير السجن من منصبه ومعه عدد كبير من ضباط إدارة سجن جو، هذا الحدث إنطلق من غرفة صغيرة في مبنى العزل للمحكومين بالإعدام، وأسست هذه العملية لإمكانية التحرّر من السجن وعذاباته عن الكثير من الشباب المظلوم والمعتقل داخل سجون آل خليفة، وأن ما يؤخذ بالقوة لا يستردّ إلاّ بالقوة.
تحررنا من السجن لمواصلة الطريق... والنظام البحريني يحكم الشعب بالنار والحديد
لا أحد يدرك حجم جرح الطرد عن الوطن إلاّ من عاش نكبة الطرد، فهل من الممكن لأي إنسان أن يألف وطناً لم ينتم إليه يوماً؟ هذا هو حال محمد طوق ومعه المئات بل وأكثر ممن أُخرجوا بالقوة من وطنهم، يقول طوق: " أنا محكوم بالإعدام في وطني، بعدما تحررت أنا وبقيّة أصدقائي من السجن رفع النظام حالة القسوة في البحرين، وحذّر جميع الأهالي في البحرين ببيان واضح وصريح بأن من يحتضن أو يخبىء "الفارين" اي المحررين من السجن وأياً كان من أهالي البحرين سيلاقي عقوبة تصل الى ١٥ عاما من السجن، وهذا هو سبب تخوّف الكثير من الأهالي من استقبالنا، فأصبحت البحرين ضيّقة جداً علينا، ولا نستطيع التحرك داخلها، الحواجز الأمنية تملأ الطرقات، والمناطق تنتشر فيها مرتزقة العدو، ونحن خرجنا من السجن لا لكي نختبئ، إنما خرجنا من السجن لمواصلة الدرب الذي مشينا فيه، لذلك كان قرارنا الخروج من البحرين ونكون في حرية واسعة للعمل على المواصلة بالمطالبة بحقوقنا ونقف ضد هذا النظام المستبد، ونرفع معاناة الشعب البحراني ونظهرها للعالم أجمع، ونواجه الظالم بكل الوسائل ويكون لنا حرية الكلام وإبداء الرأي، فداخل البحرين اليوم النظام يحكم الشعب بالنار والحديد، وأي شخص ينطق بكلمة مصيره السجن.
أسقاط الجنسية وألم الإبعاد عن الوطن... لكن هويتنا لا تتمثل بالجنسية والجواز
إضطهادات مختلفة يمارسها النظام البحريني بحق المعتقلين والشعب وكل من يرفض سياسة آل خليفة على أرض البحرين، فالمكان بالنسبة للإنسان البحريني هو الوجود، وهو الأرض والوطن والبلاد والسكن والتراب، هناك حيث تتربى الحواس على الفطرة والذكريات، لكن ما أسهل على الحكومة في البحرين أن تنزع الجنسية على هؤلاء المواطنين، وما أصعب على كل من تُسقط جنسيته أن يعيش خارج المكان والزمان، في اسقاط الجنسية عن عدد كبير من البحرينيين نكمل حديثنا مع محمد طوق، يقول : "اسقطت الجنسية عني سنة ٢٠١٧ وفي سنة ٢٠١٨ صدر حكم ثان باسقاط الجنسية للمرة الثانية بحقي، نحن ننظر الى الموضوع بعين إن هويتنا لا تتمثل في الجنسية والجواز، وإنما اصالتنا وجذورنا من مئات السنين في البحرين، واليوم من يسقط الجنسية ومن يعمل على إثبات هوياتنا هم بالأصل أناس دخيلون على البحرين، ما يؤلم بالفعل بأن الغرباء اليوم أصبحوا أصحاب أرض أجدادنا، ويتهموننا بأننا لسنا السكان الأصليين في جزيرة البحرين، وهذه احدى عجائب الزمان الذي نعيشه في ظل الطغاة اليوم، وفي كل الأحوال نحن لا بدّ أن نتقبّل هذا الواقع المرير، ترتكز لدينا أحكام الإسلام المحمدي، ولا نعتني بهذه الحدود المرسومة والهويات في إثبات هوية الشخص، وإنما نتبع القرآن ونسير على كلام القرآن كدستور الى حياتنا ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)).. القرآن لم يحدد الجنسية والهوية، بل قال أتقاكم، هذا هو مقياسنا، واليوم انا وكل المعتقلين ننتمي إلى مدرسة كل المجاهدين في العالم ، وأينما وُجِد الظالم هو عدوي وأينما وُجِد المظلوم أُسانده على الظالم".
النصر حليفنا وبعد المسافات لم يفصلنا عن أرضنا وهويتنا
نكمل في قصص العذاب والإخراج من الوطن، وكيف يعيش الإنسان خارج المكان مجبراً وهرباً من القمع والإستبداد والظلم واسقاط الجنسية وغيرها من أنواع الظلم التي تمارسها الحكومة بحق هذا الشعب، يضيف طوق: "صحيح أننا نعيش اليوم خارج البحرين بأجسادنا، ولكن عيوننا وقلوبنا على هذه الجزيرة الصغيرة، بُعد المسافات لم يستطع ان يفصل بيننا وبين هذه الجزيرة الأبيّ شعبها رغم كل هذه المسافات، هذه عيوننا موجهة الى العدو بشكل أكبر، وجهدنا وعملنا موجه الى الداخل اليوم أكثر من قبل، البحرين أرضنا وديننا في خطر إذا بقيت هذه العائلة الفاسدة الحاكمة تحكم البلد، نحن اليوم نحمل مسؤولية الدين وحماية هذا الدين، ولن نرضى أو نقبل بما نحن عليه، سيأتي يوم ندخل أرضنا منتصرين إن طال الزمان أو قصر فالنصر حليفُنا.
المبعدون عن البحرين ينقلون مظلوميتهم ومظلومية الشعب الى المحافل الدولية
إذاً، لا يمكن للمسافات أن تفصل بين القلوب والهوية والدين والإنتماء، بل يمكن للبعيد عن الوطن والأهل أن يحقق إنتصارات تنبع من هذا الشوق ويساندها الإصرار بالعودة يوماً ما، يحدثنا طوق عن الإنتصارات المختلفة التي حققها حتى اليوم قائلاً: "الإنتصار الأول الذي حققناه هو كسر إرادة العدو في محاولة إبقائنا داخل السجن، فها نحن اليوم أحرار نرفع صوتنا وصوت المعتقلين داخل السجن وداخل البحرين الى الخارج، ونُظهر مظلوميتنا أمام كل العالم ولو كان كل العالم ضدنا، نحن نُبيّن للعالم بأسره جرائم هذا النظام الفاسد، لقد شكّل وجودنا في الخارج نفق حجرة يتعثر بها النظام في كل المحافل الدولية، وها هو النظام يدفع الملايين لكي يعمل على تبييض صفحته أمام العالم، في المقابل يمكن لأي شخص في الخارج إفشال هذا المخطط وفضح جرائم النظام، اليوم هناك حقيقة مهمة وهي أن هذا النظام يتعامل مع الشعب داخل البحرين بقوة وقسوة وكل من ينتقد هذه السياسة يُرمى في السجن، لكن الذين خرجوا من البلاد يعملون بمسؤولية ويؤدّون دورهم المطلوب بشكل صحيح، ونحن نرى ونشاهد بأن اي مواطن بحريني اليوم يشارك في مظاهرة سلمية ترفض التطبيع أو حتى يهتف ضد الكيان الإسرائيلي هو في نظر النظام مجرم وتتم معاقبته، لكن كل المبعدين عن الوطن يستطيعون اليوم ومن مختلف البلاد أن يظهروا الرفض الشعبي لعملية التطبيع مع الكيان الإسرائيلي، وفشل النظام في محاولاته المختلفة والعديدة من إخماد صوت الشعب رغم كل التضييق والسجون والإرهاب.
سنعود الى البحرين منتصرين وسننتصر على من اتّخذ الظلم عباءة له
رغم كل الظلام والسياط والسجن والأنين ووقع أقدام السجانين الذي لا يزال يتردد في صدى الممرات الضيقة بين الزنازين، يأخذنا محمد طوق الى الأمل بالعودة مجدداً الى البحرين رغم كل الانتهاكات التي يشهدها هذا البلد الجميل بجمال نضال شعبه، يقول طوق: "شعب تخرج من مدرسة عاشوراء لا يُهز ولو بقى لوحده يقاتل في سبيل الحق، نحن واثقون بأن النصر حليفنا، وواثقون بأن اليوم الذي سندخل فيه أرضنا بكل فخر وعزّة سيأتي، وسننتصر على من اتّخذ الظلم عباءة له، سيأتي هذا اليوم الذي سيزول فيه كل هذا الظلم، لأن النظام في البحرين يحارب شعب بأكمله، يحاربه على هويته وثقافته وعقيدته، وكلما إزداد هذا النظام في طغيانه كلما إزددنا نحن يقيناً بأننا منتصرون على هذه السياسة الخبيثة بإذن الله.
الشهداء: عباس السميع وسامي مشيمع وعلي السنكيس رفقاء الدرب داخل السجن
ما أطول الوقت داخل السجن في تلك الأيام وما أقصر تلك الليالي التي تشارك فيها محمد طوق مع أبناء وطنه داخل السجن، فهم فتية آمنوا بربهم فزادهم الله هدى، منهم من استشهد ومنهم من ينتظر وما بدّلوا تبديلا... يكمل محمد طوق حديثه ونكمل نحن توثيق هذه الأحداث التي تدخل القلب والوجدان ولا تخرج منه، يقول طوق: "عشت مع ثلاث شمعات في سجن جو مبنى واحد، هم الشهيد عباس السميع والشهيد سامي مشيمع والشهيد علي السنكيس، كانوا من خيرة الشباب في المعتقل، وكانت نظراتهم وهمساتهم وكل ما يقومون به توحي لنا بأن هؤلاء ليسوا من أهل الدنيا بل مكانهم جنات الخلود، وقتها حُكم عليهم بالإعدام، وأُجبروا على الإعتراف بعمل لم يقوموا به ولم يعرفوا عنه شيئاً من الأساس، وعلى أثر إنتزاع الإعترافات تحت وطأة التعذيب صدر في حقهم حكم الإعدام، وفي فجر مرّ على سماء البحرين لم نشهده مثله يوماً بعد ليلة موحشة عاشها المجتمع البحريني بقلق كبير، إذ سبق هذه الليلة إتصال من أجهزة الداخلية الى أهالي المحكومين بالإعدام وطلبوا منهم الحضور لزيارة أبنائهم في نفس الوقت وبشكل مفاجئ، ولم تكن هذه من عادات السجن، تسمّرنا جميعاً أمام القلق مع عوائل الشهداء، نترقب إعلان النظام المجرم خبر إعدام ثلاثة أقمار، إلاّ ان الشهداء كانوا مطمئنين بلقاء الله، والعدل الالهي، ( وقد قالها قمر المُستشهدين علي السنكيس، سأرحل فداءً الى صاحب الزمان) وعند بزوغ الشمس تم تنفيذ حكم الإعدام بهؤلاء الشباب الثلاثة، واستيقظنا على هذا الخبر الصادم، فنالوا هم الشهادة وبقيت أنا أسير ذكريات السجن معهم، فلا يوجد نعمة أفضل من نعمة أن يعيش الإنسان في كنف الشهداء، يحمل رسالتهم ويحدث الأجيال بها، وما أسرعها من لحظات بعد استشهادهم،يذهبون لتبقى ذكرياتهم وسكناتهم في القلب، وتبقى أجمل الحكايات في دائرة الشهداء ( وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ).
معركة استرداد الحقوق من مغتصبي الأرض مستمرة
هي البحرين، تلك الجزيرة الصغيرة التي تضم المناضلين العظماء والرجال الشرفاء، فهذه الجزيرة الصغيرة المعروفة بطيبة شعبها وأصالتهم المتجذرة على هذه الأرض، دخلوا عليها قطاع الطرق وخفافيش الظلام وارتكبوا الجرائم منذ لحظة دخولهم إليها، وتربعوا على عرش الحكم بالقهر والنار والحديد، وبمباركة الدول التي تدعي حقوق الإنسان وعلى رأسهم بريطانيا، ومنذ أجدادنا الى هذا اليوم فإن معركة استرداد الحقوق من مغتصبي الأرض مستمرة من جيل بعد جيل، كما هو استمرار النضال الذي ورثناه عن آبائنا وهم عن آبائهم، وسنورثها الى أبنائنا، فالنضال لن يتوقف حتى نسترد جميع حقوقنا التي سلبها الدخلاء من أرض الوطن.
ذكريات الطفولة: "القدس قضيتي" والبيت وحضن الأهل والمزرعة والمدرسة
رغم كل هذه الأحداث والعذابات والإنتهاكات التي عاشها المحرر محمد طوق، إلاّ أن ذاكرته لا تزال تحفل بالكثير من حكايا الطفولة وذكرياتها الجميلة، الى منطقة واديان نذهب معه في حديثه، حيث سماء منطقته الصغيرة ومسجد الغدير لا تزال تحتل مساحة في ذاكرة مليئة بالأحداث الجميلة منها والمؤلمة، يقول طوق: "عشت في منزل والدي ذات المساحة الصغيرة والكبيرة جداً بالمحبة والأمان والإحتضان العائلي، تربيت وترعرعت في ذلك المنزل الجميل، في أحضان والدي الحنون، وأمي العطوفة، كل الأماكن الجميلة لا تصرف عني جمال هذا البيت الصغير، وتلك الغرفة التي نجتمع فيها أنا وأخي، لا شيء أجمل من ذلك المنزل لا شيء... لا يزال كل زقاق في منطقتي يدور في ذهني ولا يذهب من تفكيري، فالمدرسة في الحي إسمها "مدرسة إبن النفيس"، لا تزال هي هي حيث كانت أمي تجهز لي حقيبتي الدراسية وترسلني إليها، ولا أنسى تحضير وجبة الفطور التي تضعها أمي في الحقيبة، الكرسي القديم الخشم في صفوف هذه المدرسة، هناك في تلك المدرسة تعلمت  "أن القدس هي قضيتي" ونحن أمة العرب سنحرر فلسطين من المحتل.  لكن للأسف عندما كبرت اكتشفت إن من يطلقون على أنفسهم أمة العرب هم من باعوا فلسطين الى المحتل، وهم اليوم من يطبّعون مع الكيان الإسرائيلي، ورغم هذا الخذلان إلاّ أن كل حرف تعلمناه لا زال محفور في أعماق أفكاري ووجداني، أن عدوي هو الكيان الإسرائيلي، وفي وطني ايضاً كنت أمارس هواية ركوب الخيل، ذلك المكان الذي كنت أذهب إليه بكل اشتياق، المزرعة وجمال الأشجار والحصان وهو يركض أمامي، وصهيل الفرس التي تحمل في أعماقها أفكاري، تأخذني ألى "الميمون" فرس الإمام الحسين (ع)، أبناء عمي وهم يجتمعون في هذا المكان، نتسامر ونضحك ونزرع ونربي الخيول، كلّ هذه الذكريات تُحاصرني
في كل يوم وكل لحظة.
الظالم حال بيني وبين رؤية والدي قبل وفاته
لو قُدّر لك الان العودة الى البحرين ما هو اول شيء ستفعله عند وصولك؟ كان هذا السؤال ربما هو الأكثر ألماً للمحرر محمد طوق، ففي طيات وحياة هذا الشاب الثلاثيني ذكريات جميلة كالذكريات المليئة بالألم، يقول طوق: "بعد خروجي من السجن ووصولي الى الجمهورية الإسلامية الإيرانية، عمد النظام على إصدار منع سفر على أهلي، وبعد فترة من هذا المنع أُصيب والدي ببعض الأمراض أدى ذلك الى وفاته، كنت أتمنى أن أرى والدي قبل رحيله، رحل عن الدنيا بعد خروجي من السجن بأربعة أعوام، ولكن الظالم حال بيني وبين رؤية والدي، لذا، عندما تطأ قدمي أرض البحرين سأذهب الى قبر والدي وأحكي له كل ما حصل لي من معاناة في السجن الى التعذيب والغربة والبعد عنه وعن العائلة وعن الديار، سأشكو الى ابي كل ما حصل وأعتذر منه وله على عدم قدرتي أن أكون قربه وهو في مرضة وهو في أمس الحاجة الى وجودي، سأذهب إلى رفاق درب الجهاد والنضال، الى قبورهم والى روضاتهم، هؤلاء أصدقائي الذين نالوا شرف الشهادة، وزفّتهم البحرين الى روضاتهم مخضبين بدمائهم، الشهيد علي فيصل والشهيد رضا الغسرة، سأقول لهم أنني صديقكم الوفيّ الذي لم يتخلّ عن دربكم، سأمضي على طريق ذات الشوكة لتحقيق المطالب التي قدمتم دمائكم من أجلها، أنا لن أتخلى عن دمائكم، ها أنا لا زلت على دربكم، فإما النصر أو الشهادة في طريق الرسالة السماوية.

 

البحث
الأرشيف التاريخي