الصفحات
  • الصفحه الاولي
  • محلیات
  • اقتصاد
  • الثقاقه و المجتمع
  • دولیات
  • الریاضه و السیاحه
  • طوفان الأقصى
  • منوعات
العدد سبعة آلاف وأربعمائة وأحد عشر - ٢٧ ديسمبر ٢٠٢٣
صحیفة ایران الدولیة الوفاق - العدد سبعة آلاف وأربعمائة وأحد عشر - ٢٧ ديسمبر ٢٠٢٣ - الصفحة ٤

بمناسبة اليوم الوطني لتكريمهنّ

أمهات وزوجات الشهداء أيقونات يُضئن الحياة بعزة وثبات

الوفاق/ خاص
د. رُلى فرحات
الإنسان هو العاقل الوحيد، الذي يمتلك دماغا عالي التطور، قادر على التفكير المجرد والإدراك - خلافاً لبقية الحيوانات على الأرض- ويستخدم التّفكير الدّاخلي الذّاتي واللغة والمنطق، وتوجد عنده حلولاً للمشاكل التي يواجهها.
والإنسان كائن إجتماعي بالفطرة، «يقول ابن خلدون في مقدمته.. إن الإنسان إجتماعي بطبعه... وهذا يعني أن الإنسان فطر على العيش مع الجّماعة والتّعامل مع الآخرين فهو لا يقدر على العيش وحيدا بمعزل عنهم.. مهما توفرت له سبل الرّاحة والرّفاهيّة»... يعيش في بيئته ومجتمعه ويتفاعل معهما بحسب إحتياجاته ورغباته وإنطباعاته واتجاهاته وأهدافه وبحسب إيمانه ومعتقداته. لكلّ فرد شخصيته التي تميزه عن باقي الأفراد وكذلك أنماطه التي تميزه عن غيره.
والشخصيّة في علم النفس هي عبارة عن مجموعة من الصفات الجسديّة والنفسيّة (موروثة ومكتسبة) والعادات والتقاليد والقيم والعواطف متفاعلة كما يراها الآخرون من خلال التّعامل في الحياة الاجتماعيّة. من أهم المُلاحَظات في الشخصيّة هي أنّها واضِحة وظاهِرة منذ سنين الرضاعة في البناء النّفسي التّكويني والسّلوكي الذي ينفرد به الفرد، والذي يتكون من مجموعة الإستعدادات والقدرات الجسميّة والعقليّة والإجتماعيّة والإنفعاليّة التي تظهر في سلوكيات الفرد واستجاباته؛ بحيث تُميّز هذه السلوكيات ذات الفرد عن غيره في جميع المواقف والأحداث التي يتعرّض لها في شتى المجالات والجوانب الحياتيّة، وتشير الدراسات النفسيّة  إلى أنّ الشخصيّة الإنسانيّة تتبلور نتيجة تفاعلات العوامل الفطريّة الوراثيّة والعضويّة.
هذه الشخصيّة الّتي تنشأ في مجتمع صغير (العائلة) ثم تخرج إلى (المجتمع) وتحتك بأفراده وتتعرف على طباعهم وخصالهم فيسعى الفرد ليكتسب وليحصل أفضل ما يُناسب تطلعاته. وعليه تأتي الشخصية الوسواسية أو النرجسية أو الإعتمادية..... وهناك الشخصيّة التي لا ترى ذاتها إلّا على طريق الجهاد، فتنذر نفسها للذود عن وطنها ولبذل كل غال ونفيس في سبيل حريته وإستقلاله ليعلو مجده واسمه، بعد أن رأت ما رأت من ظلم وتهميش وسوء معاملة وإجرام وإجحاف بحق الشعب والمواطنين. هذه الشخصيّة التي يتقاتل عليها أكثر من فئة لجذبها إليهم ومن ثم يأتي دور غسيل الأدمغة... إلّا أنّ الشباب الذين يختارون طريق الشهادة، لا يستطيع أحد زعزعة نواياهم وخرق مبادئهم وشغفهم في الأرض ولموروثات أمهاتهم وابائهم وحتى أجدادهم...
هذا الفرد يمشي في طريق الإستشهاد في عزة ودلال ورباطة جأش وقوة... وإن بحثنا في الكواليس نرى والدته السيدة الفاضلة التي ربته على حب الرسول (ص) وآل بيته الكرام ووجهته على خطاهم. وتعمل وتجاهد في سبيل الله. ونجد زوجته السيدة الصّالحة التي تشد إزر زوجها وتستمسكه بالعروة الوثقى وتدفعه إلى الأمام وتخفف عنه أعباء الحياة، وتقوي فيه ضعفه وتزلل له العقبات وتجعله قرير العين خاصة أنّها تتفهم قناعات زوجها، المقاومة والإستشهاد في سبيل العزة والكرامة لتبقى الأرض شرف الإنسان.
لذلك نحن نرى أمهات الشهداء وزوجاتهم يقفن شامخات بعزة وثبات، يتقبلن خبر الإستشهاد بفرح وتسليم بقضاء الله وقدره، فالزوجة تُكمل مسيرة زوجها الشهيد بتربيته وتنشئته على حب الأرض وحمل لواء القضية ولا تفتأ تروي له عن بطولات أبيه حتى يشتد عوده فيُكمل مسيرة أبيه حتى تحرير كافة الأرض.
الأمهات «يودعن» أبناءهن بكل عزيمةٍ وثبات، صامدات كشجرة زيتون تضربُ جذورها بعمق الأرض ولا تأبهُ بالعواصف. تحمل نعش إبنها مرفوعة الرأس، وتصدحُ بأعلى صوتها بالتكبيرات والهتافات، تسرد حياة إبنها مذ كان طفلاً حتى شبابه وتفتخر بتمسكه بالدفاع عن وطنه حتى الرمق الأخير، فتزفه إلى جنان الخلد. الأمهات يسطرن أعظم ملاحم الصمود والتضحية.
إن أمهات الشهداء يجسدنّ أعظم آيات النضال والإيمان ويقدمن نموذجاً راقياً للمرأة التي تهز السرير بيمينها وتهز العالم بيسارها، كيف لا وهن أنشأن جيلاً كاملاً يقفُ في وجه الظلم ويقول له لا لن نُسلّم لن نتنازل ولن نخذل فهيهات منّا الذّلة. جيلٌ يجابه المحتل ويُضحي بأرواحه وبدمائه فيضيء درب الحرية، رافضاً التخاذل والذل.
تلك النساء اللواتي أنجبن أطفالاً ودفعن بهن نحو ساحات الجهاد، يُرضعن أطفالهن مع الحليب الشجاعة والنضال وعشق الأرض، ويرنمن لهن عن الكرامة والعزة والبطولات والشرف، ويحثهنّ على عدم السكوت عن الظلم وإن كان الثمن أرواحهم. فأمهات الشهداء لا يأبهنّ ولا يخفن، فهن قد وهبن فلذات أكبادهن فداءً للوطن، وهن بتن مثلا أعلى يحتذى به مع مرتبة الشرف وأعلى درجات السمو.
والشهادة ظاهرة قد لا تتكرر في كل ساحات النزاع في العالم، حيث في لبنان وفلسطين وسوريا وإيران، المرأة هي أم الشهيد وإبنة الشهيد وزوجة الشهيد. هذه المرأة لا تنكسر تستمر صابرة صامدة، تستمر بعزيمة وثبات، تستمر بإيمان وصبر، تستمر بعشق الحياة بكرامة...

 

البحث
الأرشيف التاريخي