دراسة الاستراتيجيات الاقتصادية لكيان الاحتلال ضدّ الاقتصاد الفلسطيني
الاحتلال يضيّق الخناق على فلسطين
مركز أبحاث مرصاد
هادي معصومي
يمارس الكيان المحتل للقدس بالإضافة إلى القتل الجماعي لشعب غزة الذي يشهده المجتمع الدولي كل بضع سنوات، ضغوطاً كبيرة على الشعب الفلسطيني، مما أدى لاختلال الحياة اليومية للشعب الفلسطيني. ومن استراتيجيات كيان الاحتلال، هناك الاستراتيجيات الاقتصادية لوضع الشعب الفلسطيني تحت الضغط وإضعافه، خاصة أن قطاع غزة يتعرض لضربات متواصلة نتيجة هذه الاستراتيجيات.
وبحسب التقارير الأخيرة لمركز الإحصاء الفلسطيني، فان هناك 367 ألف شخص عاطلين عن العمل في فلسطين، وتبلغ نسبة البطالة في غزة أكثر من 45%، ومتوسط الأجر اليومي للعمّال 44 دولاراً، وأن 53% من الغزاويين تحت خط الفقر. كما يعد الميزان التجاري في فلسطين كارثياً، حيث أن مقدار الواردات في غزة أكبر بـ63 مرة من الصادرات.
لكن على الجانب الآخر من الحدود، في فلسطين المحتلة، وفقاً للبيانات الرسمية للكيان الصهيوني، تبلغ نسبة البطالة 3% فقط؛ بالإضافة إلى ذلك، فان هناك أيضاً 300 ألف عامل أجنبي يعملون في الأراضي المحتلة. ويبلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في "إسرائيل" 53 ألفاً و200 دولار وفي فلسطين 3500 دولار. وإن هذا الفارق علامة على أن كيان الاحتلال قد استخدم أقصى قدر من الموارد والموقع الاستراتيجي للمناطق المحتلة، بما في ذلك الأراضي الخصبة والمياه والمعابر، وحرم الفلسطينيين من هذه الامتيازات. وهي إلى جانب سياسات الاحتلال الأخرى، استراتيجية تشكك في فكرة وجود حكومتين على أرض واحدة وتجعلها مستحيلة.
إن طبيعة هذا الكيان الاحتلالية تقتضي منه توسيع المناطق المحتلة يوماً بعد يوم وسلب الفلسطينيين استقلالهم. وقد تغيرت الاستراتيجية الاقتصادية للاحتلال من السلب إلى السرقة، ومن السرقة إلى الاستغلال خلال عقود احتلاله.
الهدف الاقتصادي للاحتلال في فلسطين هو إضعاف وإلحاق اقتصاد فلسطين لسنوات ضمن خطة اتباع عدة استراتيجيات، وهذه الاستراتيجيات هي عبارة عن:
1- جعل الاقتصاد غير منتج.
2- سلب إمكانية صنع السياسة الاقتصادية.
3- استغلال مصادر الإنتاج.
4- السيطرة على السوق.
جعل الاقتصاد غير منتج
قام كيان الاحتلال بإضعاف القطاع الزراعي والصناعي في فلسطين من خلال إجراءات مختلفة، مما أدى إلى ايجاد فرص عمل خدمية وكاذبة؛ وبحسب إحصائيات مركز الإحصاء الفلسطيني، فان 7/6% فقط من العاملين في هذه الأرض الخصبة يعملون في الزراعة وصيد الأسماك، و5/34% لديهم وظائف خدمية ومتنوعة، وهذا لا يساعد كثيراً في زيادة الناتج المحلي الإجمالي ورفاهية الناس. وقد أدت مصادرة الأراضي الزراعية وتقييد حركة المزارعين والحرب إلى حذف هذا الجزء المهم من الاقتصاد الفلسطيني. وأدت القيود المفروضة على استيراد الأسمدة والمبيدات والبذور وعدم توفر إمكانية الحصول على المياه بسعر رخيص إلى زيادة تكلفة الزراعة وجعل الاستثمار في هذا القطاع أقل ازدهاراً. وقد أدت عدم القدرة على الوصول إلى عناصر الإنتاج الجيدة إلى انخفاض الإنتاجية الزراعية. وكذلك في مجال صيد الأسماك، فان المنطقة الصالحة للصيد لا تتجاوز 6 أميال. وبسبب الكثافة السكانية العالية في قطاع غزة، فقد تم تحويل الأراضي الزراعية إلى أراضي سكنية.
وقام المحتلون بتخريب الأراضي الزراعية بعمليات التجريف. كما تخلى العديد من المزارعين عن مزارعهم بسبب ارتفاع تكلفة إعادة تأهيل الأراضي المخربة.
وكذلك القيود المفروضة على إرسال الوقود إلى غزة أدت لبطالة 90% من صيادي الأسماك. وبحسب تقرير الأمم المتحدة، يمكن لغزة إنتاج 300 ألف طن من المنتجات الزراعية، ثلثها صالح للتصدير. وإن 7/12% من السكان يمكنهم العمل في القطاع الزراعي؛ لكن هذه النسبة تبلغ 7/6% بحسب مركز الإحصاء الفلسطيني.
إن أحد الأجزاء المنتجة في أي اقتصاد، هو قطاع الصناعة، وبسبب الأزمات التي سببتها الحرب والحصار، فان هذا القطاع دائماً ما يواجه المخاطر. وكذلك فان عدم وجود حكومة مستقلة وقوية لدعم المشاريع الإنتاجية جعل رواد الأعمال والمستثمرين في حالة تردد. كما يمنع هذا الكيان التنمية الصناعية عن طريق الحد من استيراد المواد الأولية والوقود وقد تأثرت الصناعات التي تعتمد على المنتجات الزراعية بضعف الزراعة.
سلب إمكانية صنع السياسة الاقتصادية
إن عدم وجود عملة وطنية وبنك مركزي، وعدم استقلالية البنوك، وتحكم كيان الاحتلال بضرائب الحكومة الذاتية وميزانيتها، حرم فلسطين فعلياً من إمكانية صنع السياسات النقدية والمالية ومنح هذه الإمكانية لكيان الاحتلال. وكما يقول معين رجب، رجل الاقتصاد الفلسطيني، فان استخدام الشيكل (العملة الوطنية لكيان الاحتلال) في الأراضي الفلسطينية، يلحق خسائر مباشرة بالاقتصاد الفلسطيني، تبلغ نحو 500 إلى 600 مليون دولار سنوياً. كما يستفيد كيان الاحتلال من هذا النظام بما يعادل 300 إلى 500 مليون دولار سنوياً ولهذا السبب يمنع أي محاولة لإنشاء عملة فلسطينية.
ويواجه القطاع المصرفي بين الحين والآخر قيوداً يفرضها الكيان المحتل، مما أدى إلى زيادة مخاوف البنوك وانخفاض ربحية البنوك وزيادة تكاليف الصرف، كما أن بنوك كيان الاحتلال لا توفر المبلغ المطلوب من الشيكل للبنوك الفلسطينية وتضع قيوداً على تحويل الشيكل. ويضغط الكيان الصهيوني على الحكومة من خلال الاستيلاء على عائدات الضرائب واقتطاع إيرادات الحكومة الفلسطينية بذرائع مختلفة، وتعاني الحكومة الفلسطينية من عجز في الموازنة، مما يتسبب في تأخير صرف رواتب الموظفين الحكوميين. وبموجب إتفاقية باريس الاقتصادية، يقوم كيان الاحتلال بحجز إيرادات الحكومة الذاتية، ويفرج عنها في بعض الأحيان بشكل مهين.
استغلال مصادر الإنتاج
إن كيان الاحتلال لا يكتفي باحتلال المناطق الخصبة من الأراضي الفلسطينية، بل أنه قام بتسخير الموارد المائية والقوى العاملة في فلسطين لخدمة اقتصاده.
وقد قام كيان الاحتلال بتدمير الآبار وأنابيب المياه في غزة، وقدّرت أضرارها بـ17 مليون دولار. في المقابل، قام هذا الكيان بحفر 13 بئر مياه على أطراف جدار وقف إطلاق النار و25 بئراً داخل الخط الأخضر، ما أدى لسرقة 70% من مياه غزة ومنع وصول المياه من الضفة الغربية إلى غزة بأي شكل.
وإن اقتصاد الكيان الصهيوني يستقبل المهاجرين حيث يأتي العمال من مختلف البلدان للعمل في فلسطين المحتلة. وبسبب فشل الاقتصاد الفلسطيني وعدم توفر فرص العمل المناسبة نتيجة استراتيجيات الكيان الصهيوني الاقتصادية ضد فلسطين، هناك العديد من العمال في فلسطين يضطرون للذهاب إلى فلسطين المحتلة للعمل. وبحسب مركز الإحصاء الفلسطيني، فان نحو 17% من العاملين الفلسطينيين يعملون في الأراضي المحتلة. ويستخدم كيان الاحتلال العمالة الفلسطينية ذات الأجور المنخفضة لخفض تكلفة السلع المصنعة وزيادة صادراته، وإن هؤلاء العمال هم عناصر إنتاج ومستهلكون لسلع كيان الاحتلال ويديرون عجلة اقتصاده.
السيطرة على السوق
إن الاقتصاد الفلسطيني لا يستطيع الوصول إلى الأسواق الخارجية. وحتى سوق غزة وسوق الضفة الغربية لا يستطيعان التبادل مع بعضهما البعض، كما أن اقتصاد غزة صغير ولا يمكنه الاستمرار دون إمكانية التصدير إلى الضفة الغربية. وإن السوق الفلسطينية مشبعة بالبضائع الإسرائيلية ولا تستطيع المنتجات الزراعية الفلسطينية منافسة المنتجات الإسرائيلية المماثلة لها في السوق. كما تقوم "إسرائيل" بالتحكم بدخول البضائع إلى الأراضي الفلسطينية وتقوم بفرض رسوم جمركية على البضائع المعدة للشحن إلى فلسطين، وأيضاً للمنتجين الإسرائيليين احتكار شبه كامل في السوق الفلسطينية المغلقة.
وكان بروتوكول باريس الاقتصادي في مجالات الجمارك والضرائب والتجارة وشهادات ومعايير التصدير والاستيراد يهدف إلى زيادة العلاقات التجارية لفلسطين مع العالم الخارجي؛ لكن ما حدث في الواقع كان عكس ذلك وأصبحت السلطة الاقتصادية لكيان الاحتلال أعمق من السابق.
وبموجب هذا البروتوكول، يسيطر كيان الاحتلال على المعابر الاقتصادية ويقوم بفرض الرسوم الجمركية والضرائب على الواردات الفلسطينية. وبموجب هذا الإتفاق أيضاً، لا تستطيع فلسطين استيراد احتياجاتها الخاصة، كما تحتاج الواردات لتفويض من الكيان ويجب أيضاً أن تتم الموافقة على المواد المستوردة من قبل الكيان الصهيوني. وفي بعض الأحيان، يتم فرض غرامات باهظة ومصادرة بعض الشحنات بحجة طبيعة البضائع المستوردة في الاتجاهين وبسبب القيود، يتم استيراد الوقود والغاز والإسمنت ومواد البناء والمواد الأولية والبذور والأسمدة والأدوات الزراعية والمواد الحافظة والمعلبات وقطع الغيار عبر الأنفاق. وإن الأنفاق للاستيراد فقط ولا يصدّر عبرها شيء إلى مصر.
وتشير بيانات وزارة الزراعة بغزة إلى أن تعليق الصادرات يمس 60 ألف أسرة تعمل في القطاع الزراعي ويتسبب في خسائر مالية فادحة للمزارعين تقدر بأكثر من مليون شيكل يومياً. وفي حال تم رفع قيود الكيان الصهيوني عن الاقتصاد الفلسطيني، سترتفع الصادرات الفلسطينية بنسبة 98% وتزداد الواردات بنسبة 11% وسيتم حل الميزان التجاري السلبي.
إن المقاومة الفلسطينية اليوم أقرب إلى النصر من أي وقت مضى، ويجب أن يكون لدى جبهة المقاومة خطة وسيناريو للاقتصاد الفلسطيني في الفترة الانتقالية ومرحلة ما بعد النصر.